سرو إيران.. رمز صلابة الإيرانيّين

غرست شجرة السرو في إيران منذ آلاف السنين، وهي شجرة معمّرة دائمة الخضرة، أشهر أنواعها في أرض إيران هي سروة كاشمر التي يعتقد الإيرانيون أنّ "زرادشت" هو من أتى بها من الجنة وزرعها في أرض فارس.

من مفارش جدّتي العتيقة، إلى حجرات تجّار السجّاد في أسواق طهران القديمة، وصولاً إلى علب حلوى السوهان التي تحمل صورة بالأبيض والأسود للحاج السيد رضا عارفي أو ساعدي نيا وآخرين من قدامى تجّار السوهان. كلها تحمل الشكل المرتبط بطفولتي؛ شكل الدمعة المعقوفة من طرفها العلوي، بألوانها الخمرية والنقوش التي تملأ قلبها. الشكل بالفارسية يسمّى "بته جقه" بالإنكليزية  Paisley pattern. 

في دراسة سيميولوجيا البلدان، يطفو الرمز على سطح اللغة، واشياً بسرّ الدال والمدلول، فترد خيالنا تصوّرات عن كلّ بلد، تحمل في طياتها حكايات عريقة حاكت نسيج الهوية. فيرفرف العلم رافعاً الوطن الكامن تارة في أرزة، وتارة في صقر أو نجم أو أسد. وقد تحكي الألوان وحدها عن تاريخ هذا الوطن، وقد ننظر إلى الأعلام من دون تأمّل في دلالات الألوان والأشكال، لكن مما لا شكّ فيه، أنّ لكلّ بلد حكاية ما ارتبط برموزها، التي باتت وثيقة العرى بترابه وأبنائه. 

تكاد لا تخلو طاولات المطاعم التقليدية في طهران من مفارش نقش عليها هذا الشكل، بألوان متباينة ونقوش متعددة. ولا تخلو الأواني والأطباق من هذا النقش. حتى جدران المدينة في بعض الأماكن، زينتها الدمعة الملوّنة، فكانت أكثر انقداحاً بالروح الفارسية. يقال إنّ تيجان ملوك فارس كانت مزدانة كذلك بهذا النقش.  

في قلب هذه الدمعة، ترسم أحياناً شجرة سرو خضراء. إلا أنها في الحضارة الفارسية، ليست دمعة، وإنما هي شجرة سرو طرفها العلوي منحن إلى الأسفل. وهي عند الإيرانيين، رمز للثبات والحرية والاستقامة والتواضع. فهي ترمز إلى ثبات إيران والإيرانيين في شموخها، وإلى الحق الذي ينطلق منه الإيرانيون، فهم لا يهاجمون أحداً، وإنما يدافعون فقط، وهذا مدلول النسر كذلك، الذي لا يهاجم كالصقر، وإنما يقتات على بقايا الحيوانات، والنسر قديماً كان يرمز إلى بلاد الفرس؛ فالسروة ثابتة في مكانها، على الرغم من الأعاصير التي تحدق بها وتتسبّب في ميل أغصانها عند الرأس. والرأس المنحني في السروة يرمز إلى التحدّيات والصعاب التي تطالها على امتداد التاريخ، لكنها تبقى صابرة مستقيمة في تربتها. 

غرست شجرة السرو في إيران منذ آلاف السنين، وهي شجرة معمّرة دائمة الخضرة، أشهر أنواعها في أرض إيران هي سروة كاشمر التي يعتقد الإيرانيون أنّ "زرادشت" هو من أتى بها من الجنة وزرعها في أرض فارس. وكاشمر هي مدينة في محافظة خراسان اليوم، كانت تدعى "بردسكن" قديماً. 

تقول الأسطورة، إن الملك غشتاسب کیانی يلتقي بــ "النبي زرادشت"، ويدخل في دين الحق، فيشيّد زرادشت أول معبد نار في أراضي حكومة كياني، وأمام هذا المعبد الناري، يزرع بيديه شجرة سرو، ذات أصول سماوية، لتكون شاهدة على إيمان الملك. وعلى كلّ ورقة من أوراق هذه السروة، نقش اسم غشتاسب، وعندما تكبر الشجرة يبني الملك قاعة كبيرة حول السروة لحماية قدسيّتها.

يقول الفردوسي:

سروة جاء بها من جنة      

غرست في أرض كشمر بيديه

حين سمع المتوكل، أحد الخلفاء العباسيين، بحكاية شجرة السرو ذات الـ1400 عام، التي كان قد زرعها زرادشت بيديه، أمر بقطعها، ولم يجد نفعاً، اقتراح أتباع الزرادشتية بإهداء المتوكل ذهباً بقيمة 50 ألف دينار مقابل الامتناع عن قطعها. فقطعوها وحملوها إلى بلاط المتوكل في بغداد. لكنّ المتوكل قتل، قبل أن تصل السروة إلى بغداد. وقد كان هذا مطابقاً لقول زرادشت، إنّ كلّ من يحاول قطع هذه السروة، سيقتل. 

بحسب البعض، يقال إنها أصبحت ترسم بعد ذلك برأس منحن، كدلالة على كسر صلابة الإيرانيين، على يد الخليفة العباسي. 

اليوم، ترتفع شجرة السرو في إيران شامخة خضراء، وتنتشر بعض أشجار السرو المعمّرة في مدن إيران وقراها، أبرزها: السروة الضخمة القديمة في قرية مهريز، سروة قرية ابركوه في يزد، إضافة إلى 22 شجرة سرو في مدينة إيلام، تعود إلى 2600 عام، وقد تأكّل البعض منها نتيجة المناخ والحرق والظروف البيئية. 

ولزراعة الأشجار المعمّرة في إيران، بُعد إيماني عقائدي. فهو سلوك مبارك، ولا سيما زراعة شجر السرو والدلب. ومعروف أنّ شجر الدلب يزيّن طرفي شارع ولي عصر الممتد اليوم، وهو ما يعتقد الإيرانيون بأنه الشارع الذي ترتسم فيه الفصول الأربعة بكلّ وضوح، من خلال أشجار الدلب التي تتلوّن خلال السنة، مع تعاقب الفصول. 

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.

اخترنا لك