عثمان - عثمة

اسم عثمان مأخوذ من أصل لغوي صحيح يدلّ على غِلَظ ونُتوء في شيء. من ذلك العَيثوم وهو الضخم الشديد من كل شيء.

يا أمَّ عُثمانَ إنّ الحٌبَّ عن عَرَضٍ
يُصبي الحَليمَ ويُبكي العينَ أحيانا
كيفَ التلاقي ولا بالقَيظِ مَحضَرُكمْ
مِنّا قريبٌ ولا مَبداكِ مَبدانا
ما أحدثَ الدّهرُ مما تعلمينَ لكم
لِلحَبلِ صُرْماً ولا لِلعَهدِ نِسيانا 

هذه الأبيات من قصيدة للشاعر الأموي جرير بن عطِية (653 - 728) تُعدّ من أجمل قصائد الغزل في ديوان الشعر العربي و تُعرف بمطلعها:"بانَ الخليطُ". وفيها يشكو الشاعر لحبيبته شدة الحب الذي يُبكي العيون أحياناً، كما أنه يذهب بلُبّ الحليم من الرجال ويجعله كالصبي الطائش.

ويتساءل الشاعر العاشق كيف السبيل إلى لقاء الحبيبة ومضارب أهلها بعيدة في القيظ، أي في شدة الحر، وسبيلاهما مفترقان أبداً، ومع ذلك فحبل وصالها لم ينقطع ولم ينس ما كان بينهما من وَدّ قديم. 

وإذا كانت شهرة جرير تقوم على براعته في الهجاء الذي كانت له فيه صولات وجولات ونقائض بينه وبين الأخطل والفرَزدق، فقد كان أسلوبه أرقّ وأسلس وأرهف إحساساً في النسيب، أو الغزل، كما في قصيدته هذه "بان الخليطُ"، وفي الرثاء كما في القصيدة التي رثى بها زوجته ومطلعها:

لولا الحياءُ لَعادني استِعبارُ
ولَزرتُ قبرَكِ والحبيبُ يُزارُ

في الرثاء يذكر جرير كُنيةَ زوجته المتوفّاة "أُمّ حَزْرَة". أما في النسيب فيذكر في قصيدة "بانَ الخليط" امرأتين إحداهما "أُمّ عُثمان" والأخرى "أًمّ عمرو"حيث يقول:

يا أُمَّ عَمْرٍ جزاكِ اللهُ مَغفِرَةً
رُدّي علَيَّ فؤادي كالذي كانا

ما يوحي بأن كلتا المرأتين لا وجود لهما في الحقيقة وإنما ذكرهما الشاعر على سبيل التشبيب في ما كان يُعرف بعرائس الشعر، وهنّ اللواتي كان الشعراء يأتون على ذكرهنّ لمجرّد التشبيب لا على أنهن حبيبات حقيقيات. 

وما يعنينا نحن الآن هو اسم عُثمان في ذاته وليس هذه السيدة التي تُكنى به لنبسط القول في اشتقاقه ومعناه. يقول ابن فارس(941 - 1004) في "معجم مقاييس اللغة"، إنّ اسم عُثمان مأخوذ من أصل لغوي صحيح يدلّ على غِلَظ ونُتوء في شيء. من ذلك العَيثوم وهو الضخم الشديد من كل شيء.

ويقال للفيل الضخم وللجمل الضخم عَيثوم. ومن الباب العَثْمُ وهو أن يُساء جَبْرُ العظم فيبقى فيه عِوَجٌ ونُتوء كالوَرم. ويقال: هو عَثِمٌ وبه عَثْم. وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي (718 - 790) صاحب معجم العين: وبه سُمّيَ عُثْمان،لأنه مأخوذ من الجبر.

وجاء في معجم "لسان العرب" لابن منظور (1232 - 1311): العُثْمانُ فَرْخُ الثُعبان أو فَرخُ الحَيّة،وفرخُ الحُبارى [نوع من الطيور شبيه بالأوزّ].

وأشهر من حمل هذا الاسم الخليفة الراشدي الثالث عُثمان بن عفّان. والعُثمانيون سُلالة من  السلاطين الأتراك أسّسها عُثمان الأول بن أرطغرل (1299) وانتهت دولتهم في عام 1924 وحلّت مكان ما تبقّى منها الجمهورية التركية المعاصرة. 

واشتقّت العربُ للمرأة من العَثم، بمعنى جبر العظم كما تقدّم، اسمَ عَثْمَة. وفي إحدى مَن حملنَ هذا الاسم يقول عُبَيد الله بن عبد الله بن عُتبة الهُذلي(594 - 650):

تَغلغَلَ حُبُّ عَثمَةَ في فؤادي
وباديهِ معَ الخافي يَسيرُ
تَغلغَلَ حيثُ لم يَبلُغْ شرابٌ
ولا حَزَنٌ ولم يَبلُغْ سُرورُ
أكادُ إذا ذكرتُ العهدَ مِنها
أطيرُ لوَ انَّ إنساناً يطيرُ

ويخاطب عُمر بن أبي ربيعة (644 - 712) امرأة أخرى يزعم، كعادته مع كثيرات، أنه يهيم بها حبّاً فيقول:

مِن عاشِقٍ كَلِفٍ يَبوءُ بِذَنبهِ
صَبِّ الفؤادِ مُعاقَبٍ لم يَظلِمِ
بادي الصبابةِ قد ذهبتِ بِعَقلِهِ
كَلِفٍ بِحُبِّكِ يا عُثَيمَ مُتَيَّمِ
لا تَقتُليني يا عُثَيمَ فإنني 
أخشى علَيكِ عِقابَ رَبّكِ في دَمي