علوية صبح للميادين: الأدب حقل معرفي وليس جمعية نسائية

حول النسوية في الأدب ودور الأخير كمساحة للحرية والمعرفة لا للصراع الجندري تحدثت الروائية اللبنانية علوية صبح إلى الميادين وهذا ما قالته. 

ترفض الروائية والكاتبة اللبنانية، علوية صبح، مصطلح "الأدب النسائي"، وتعتبره اختراعاً ذكورياً يُقصي المرأة عن صميم الأدب. ولذلك فإنها تؤمن بمصطلح "كتابة المرأة" التي تعبّر عن صوت الأم، والزوجة، والحبيبة، والابنة.

صبح التي تعتبر أنها خلقت في بعض أعمالها "لغة الغرام"، وهي لغة نسائية لا يستطيع الرجل كتابتها لأن نظرته الجسدية للمرأة تفتقر إلى الإنسانية، قالت لبيار أبي صعب، في برنامج "على محمل الجدّ" على قناة الميادين، أنها تؤمن بأن الاختلاف في الكتابة بين الرجل والمرأة لا يعود للبيولوجيا، بل لرؤية العالم والتعامل مع الشخصيات.

حول النسوية في الأدب ودور الأخير كمساحة للحرية والمعرفة لا للصراع الجندري تحدثت علوية صبح وهذا ما قالته. 

**

بيار أبي صعب: هل للأدب جنس أو جندر؟

علوية صبح: برأيي، مصطلح "الأدب النسائي" هو اختراع ذكوري، وكأنه يفترض أنّ المرأة مجرّد جزء من الأدب وليست في صميمه. أما بالنسبة إلي، فهناك ما يمكن تسميته بــ"أدب المرأة"، حيث رفعت الصوت النسائي ليشمل صوت الأم، والزوجة، والحبيبة، والابنة. 

لقد قال كثير من النقّاد إنني كاتبة المرأة، لكن لم يُطلق على أعمالي قطّ مصطلح "الأدب النسائي"، لأنني على الرغم من أنّ صوت المرأة حاضر في رواياتي، إلا أنني أتحدّث عن الحرب، والحبّ، والعلاقات الإنسانية، والحياة، وكلّ ما يمثّل القارئ كإنسان.

وبالتالي، يمكنني القول إنني في بعض رواياتي خلقت لغة نسائية، يمكن تسميتها "لغة الغرام"، وهي لغة لا يستطيع الرجل كتابتها، لأنه عندما يتحدّث عن جسد المرأة، فإنّه يتعامل معه بوصفه ملكيّة شخصية، تماماً كما سيارته، ولذلك لا يفهمه ولا يستطيع التعبير عنه. ولكي يستطيع الكاتب التعبير عن الآخر، لا بدّ أن يراه كإنسان.

أما في ما يخصّ بعض النساء اللواتي يكتبن أدباً ذكورياً، فلا يمكنني تصنيفهنّ ضمن "كتابة المرأة"، لأنهنّ يكرّسن مفاهيم ذكورية أكثر مما يفعل الرجال أنفسهم، ولا يحملن ذلك الصوت النسائي.

بيار أبي صعب: أنتِ ترفضين تصنيف أعمالك ضمن ما يسمّى "الأدب النسائي"، لكنكِ في الوقت ذاته تتبنّين مفهوم "كتابة المرأة". فهل للغة أو الأدب هوية جنسية أو جندرية؟ أم أنّ الأدب هو أدب في النهاية، بغضّ النظر عن كاتبه؟

علوية صبح: أنا أرفض الأدب النسائي، لكن لا يمكنني إنكار أنني نسوية. فكتابتي نسوية، ولكنها تخلو من الأيديولوجيا. لطالما شعرت، كلما قرأت لأحد، أنّ مشاعر المرأة ليست كما يتمّ تصويرها، وأنّ حياتها ليست كذلك. لقد تعمّقت في أعماق النساء وكذلك في شخصيات الرجال، وربما كنتُ أكثر من كشف الرجل في رواياتي. بل إنّ بعض الرجال قالوا لي ذات مرة: "نحن نخشى النظر إليكِ لأننا نشعر أنكِ تكشفيننا." كانفصامات الرجل.. أنا أتناول الرجل في كلّ ما يتعلّق بأسرته، بزوجته، بحبيبته.. فالأدب هو الأدب، وجنس الرواية هو الأدب، وليس مجرّد مسألة بيولوجية. فالاختلاف بين كتابة المرأة وكتابة الرجل لا يكمن في البيولوجيا، بل في فهم العالم، في فهم الحياة، وفي طريقة التعامل مع الشخصيات الروائية، وكيفية التعبير عنها والتعمّق في جوهر الحياة.

بالنسبة إلي، الحياة حاضرة في جميع رواياتي، ولا يمكنني الكتابة من دون مشهد. لذلك، نعم، يمكنني القول إنني نسوية بمعنى من المعاني، لكن كما أؤكّد دائماً، من دون خطاب أيديولوجي، لأنني أكره الأيديولوجيا في الأدب، وأؤمن بأنّ الأدب هو شيء إنساني.

بالطبع، الأدب يحمل في طياته التعبير عن العلاقات الإنسانية، ونظرتك للوجود والعالم والمجتمع. وعلى أيّ حال، أنا سعيدة جداً لأنّ هناك نساء وفتيات تأثّرن بكتابتي، ولأنني جعلت المرأة تشعر بأنّ لديها ما تعبّر عنه، وأنّ لديها ما تقوله. وهذا بالنسبة إلي هو الامتياز الحقيقي.

علاقتي بالقارئ والقارئة متساوية، فالقرّاء الرجال يحبّون كتاباتي تماماً كما تحبّها القارئات النساء. لقد تحدّثت عن المرأة، وعن الأم، وكَسَرتُ صورة الأمومة المقدّسة. في جميع رواياتي، قدّمت الأمومة بأشكال مختلفة: هناك الأم المستبدة، والأم المقموعة، والأم التي ننظر إليها خارج تصنيف الذكر والأنثى، كما في مريم الحكاية مثلاً، أو في آخر رواياتي "افرحْ يا قلبي"، حيث تقول الأم: "أشعر بأنني مجرّد آلة، كلما نادوني: ماما، أعطِني الشوكة، ناوليني الصحن، اغسلي، أحضري... أشعر أنني لست إنساناً."

تحدّثت عن الحبّ بمختلف أشكاله لدى المرأة والرجل، وعن كلّ ما هو مدفون في أعماق النساء. لقد حفرت في هذه الأعماق، وجعلت النساء ينطقن بما لم تكن تنطق به الروايات. وكان هذا هو هاجسي الأساسي.

بيار أبي صعب: هناك كتّاب رجال في الأدب العربي، على سبيل المثال، نجد أنّ بعضهم، مثل يوسف إدريس، تناولوا شخصيات نسائية. لكنّ السؤال هو: هل تمكّنوا حقاً من إيصال جوهرها، أم أنهم اختزلوها وسطّحوها، وجعلوها مجرّد "كليشيه" أو عنصر ديكوري في الرواية؟ بشكل عامّ، هل هناك كاتب رجل استطاع أن يغوص في أعماق المرأة بصدق، وأن يتحدّث عنها بحميمية حقيقية؟

علوية صبح: في موروثنا الأدبي، وخاصة الحديث، يمكن القول إنّ بعض الكتّاب الرجال نجحوا في ملامسة قضايا المرأة، ومشاعرها، ووجودها. لكن بشكل عام، على الرجل العربي أن يعترف بأنّ المرأة هي الآخر، كما ذكرت سابقاً، ولا يمكنه التعبير عنها أو حتى عن نفسه بمعزل عن احترامه لها ككائن إنساني.

المشكلة أنّ العديد من الرجال لا يعنون بفهم المرأة، ومشاعرها، أو علاقتها بجسدها. ومن اللافت أنّ المرأة، في كثير من الأحيان، كرّرت هذا الخطاب في الأدب وتماهت معه، فظهرت كجسد، إما للإغواء أو للجنس، من دون امتلاك حياتها، ومشاعرها، أو أحاسيسها.

لكنني أعتقد أنّ الرجل العربي، عموماً، بحاجة إلى فهم الأدب تماماً كما المرأة. إذا أدرك معنى الأدب، وخطابه، وهواجسه، فسيفهم لماذا نكتب الأدب في الأساس: إنه وسيلة لخلق علاقة بالحياة، بالمعرفة الفنية والإنسانية. في رأيي، أيّ أدب يخلو من المعرفة الفنية والإنسانية لا يمكن أن يُعدّ أدباً، سواء كان كاتبه رجلاً أم امرأة.

بيار أبي صعب: لكنّك لا تكتبين ضدّ الذكورية أو ضدّ المنظومة الذكورية، ولا تشعرين بأنّ ذلك يجعلك غير سعيدة. بالنسبة إليكِ، لا يوجد صراع بين المذكّر والمؤنّث في اللغة، أليس كذلك؟

علوية صبح: أنا لست ضدّ الرجل، ففي رواياتي شخصيات رجالية، مثل عبد الله في رواية "دنيا"، الذي يجسّد إنساناً جميلاً، والأب في رواية "أن تعشق الحياة".

أنا لا أستخدم الأدب لأغراض غير أدبية، فلست باحثة اجتماعية، ولست مدافعة عن حقوق المرأة، والأدب ليس جمعية نسائية. الأدب هو حقّ المعرفة، يطرح إشكاليات وقضايا تلامس الإنسان، أيّاً كان، حتى لو كان طفلاً. الرجل كائن إنساني جميل، وأرفض المفاهيم الذكورية التي تتحكّم فيه كما تتحكّم في المرأة. الموروث الذي تصوغه دائماً السلطات الثقافية، يشمل المفاهيم الخاطئة عن الدين في مختلف الأديان. نحن دائماً نتسلّح بالأيديولوجيا وندخل في صراعات مستمرّة في ما بيننا.

لكن ليس على المرأة أن تصارع الرجل، ولا على الرجل أن يصارع المرأة، فهذا ليس ما أطمح إليه. بالنسبة إلي، المعرفة الإنسانية تبقى ناقصة إن لم تكتبها المرأة، تماماً كما الرجل. نحن معاً نسهم في بناء الذاكرة الثقافية والمفهوم الإنساني للأدب.

بيار أبي صعب: هل تقرئين الروايات التي تكتبها النساء فقط بدافع التضامن معهنّ لكونهنّ إناثاً، أم أنّ لديك منظوراً مختلفاً في اختيارك للكتب؟

علوية صبح: علاقتي بالكاتبات هي ذاتها علاقتي بالكتّاب الرجال، فأنا لا أنحاز إلى جنس الكاتب، بل إلى جودة الأدب. أنا ضدّ كلّ الأصوليات وأرفض كلّ أشكال التطرّف. حين أقرأ لكاتبة، يكون هاجسي الأساسي هو فهم كيف تكتب الأدب، وما القضايا والهواجس التي تعبّر عنها. بالنسبة إلي، أنحاز إلى الأدب، لا إلى المرأة ولا إلى الرجل. أنا أنحاز إلى الأدب، وأرفض استخدامه لغير أغراضه ووظيفته. من تريد أن تصارع الرجل، فلتخرج من دائرة الأدب وتصارعه.

لكن لماذا عليّ أن أصارع الرجل؟ أنا أصارع المفاهيم والذهنيات المتحجّرة التي تستعبد الإنسان وتحوّله إلى إنسان لا إلى كائن حرّ.. الأدب يحرّر لأنّ علاقته بالحرية رحمية.

اخترنا لك