محمد عابد الجابري .. ناقدُ العقلِ العربيّ

ولِدَ المفكّرُ المغربيُّ محمد عابد الجابري عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وخمسةٍ وثلاثينَ 1935 في مدينةِ الفجيج المغربية. ويُعتبَرُ الجابري أحدَ المفكّرِينَ العرب الذين كرّسوا حياتَهُمُ الفكريةَ للبحثِ في قضايا التراثِ والعقلِ العربيّ.

حازَ الجابري على البكالوريوس في الفلسفة من جامعةِ الرَباط عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وواحدٍ وستينَ 1961 ثمّ على شهادةِ الماجستير عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وسبعةٍ وستينَ 1967، ثم الدكتوراه عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وواحدٍ وسبعين 1971.

بدأ بطرحِ أفكارِهِ في مسألةِ "نقدِ العقلِ العربيّ"، منذ مطلَعِ ثمانينياتِ القرنِ العِشرين، فأصدر كتابَهُ "نحنُ والتراث" الذي أعلن فيهِ أنّ العقلَ العربيَّ قام بـ "إلغاءِ الزمانِ والتطوّرِ" عن طريقِ رؤيةِ الحاضرِ والمستقبل.

يقول الجابري إنّ الفكرَ العربيَّ في تعاملِهِ معَ التراث، قد سلكَ طريقَينِ: الأوّل، الدعوةُ إلى إلغاءِ الماضي وتبنّي الحداثةِ كما هي. والثاني، يدعو إلى إحياءِ التراث، لكنّ الاتجاهَينِ وصَلا إلى طريقٍ مسدود.

تنطلقُ مرجِعِيةُ الجابري الفكريةُ من ثلاثةِ مصادرَ، الأول، هو المصادرُ الإسلاميةُ أي القرآنُ والسُنّةُ النبويةُ والفُقه، والثاني، هو تراثُ الفلاسفةِ العرب كالفارابي وإخوانِ الصفا وابنِ سينا، وابنِ باجة وابنِ طُفيل، وابنِ رشد وابنِ خلدون. والمصدرُ الثالثُ هو الحضارةُ اليونانيةُ والفكرُ الغربيُّ الأوروبي. وتستندُ منهجيّتُهُ في قراءةٍ للتراثِ إلى المعالجةِ البِنیویةِ، والتحلیلِ التاریخيِّ، والطرحِ الأیدیولوجي.

يتميّزُ الجابري بأنهُ منَ المثقّفِينَ العربِ القلائلِ الذين اشتغلوا بالثقافةِ والسياسةِ معاً. فهو كان قيادياً بارزاً في حزبِ الاتحادِ الاشتراكي لفترةٍ طويلةٍ، قبلَ أنْ يقدّمَ استقالتَهُ عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وواحدٍ وثمانين 1981 ليتفرّغَ للإنتاجِ الفكريِّ. فهو يعتقِدُ أنّ المثقّفَ ينبغي أن يظلَّ دائماً "فوق" السياسيِّ، وأنْ تكونَ السياساتُ التي يبنيها السياسيُ مبنيةً على ما وصل إليهِ المثقّفُ من تأسيساتٍ نظريةٍ وتقديراتٍ للمواقفِ.

وعن رؤيتِهِ للحاكمِ يقولْ: "لم يحدُثْ في التاريخ أنْ وُجِدَ حاكمٌ مستبِدٌّ أو ناجحٌ أو فاشلٌ بمفردِهِ. مَنْ يدورونَ حولَهُ من مثقّفِينَ وفنيّينَ وغيرِهِمْ هُمُ المسؤولونَ إلى حدٍ كبيرٍ جداً عن الفشلِ أو النجاح".

الجابري وافَتْهُ المنية عامَ ألفينِ وعشَرة 2010 عن عمرِ خمسةٍ وسبعينَ 75 عاماً