معرض يجسّد بعض ثراء طرابلس التراثي ووحدة العيش

يمكن للمشاهد الذي لا يعرف تفاصيل المدينة أن يكوّن فكرة أوليّة عمّا تزخر به عاصمة شمال لبنان. فالمعرض يحتوي نماذج من الثروة الأثرية والتراثية التي تحتويها طرابلس.

  • (منذر حمزة)
    (منذر حمزة)

في إطار "طرابلس عاصمة للثقافة العربية"، استضافت "جمعية العزم والسعادة الثقافية - بيت الفن"، معرض صور فنية شملت مروحة من بعض معالم مدينة طرابلس اللبنانية التاريخية - الأثرية، من مساجد وكنائس، وحصون، وبيوت، وبعض من مواقعها السياحية، والعمرانية، كمعرض المدينة (رشيد كرامي) الدولي، ومشاهد للفن العمراني التراثي الوسيط.

المعرض يمكن وصفه بالمزدوج حيث شارك فيه كلّ من المصوّر المحترف إسبر ملحم، والفنان منذر حمزة. 

ورعى وزير الثقافة محمد وسام المرتضى افتتاح المعرض الذي يجري في الباحة الخارجية لبيت الفن، ويتكوّن من قسمين: سلسلة مصوّرة تطوّق الباحة من أطرافها، ضمّت عشرات اللوحات لحمزة، وبينها في الوسط جناح لملحم. 

ويمكن للمشاهد الذي لا يعرف تفاصيل المدينة أن يكوّن فكرة أوليّة عمّا تزخر به عاصمة شمال لبنان. فالمعرض يحتوي على نماذج من الثروة الأثرية والتراثية التي تحتويها طرابلس، والكتلة الأثرية الأكبر فيها هي المدينة في العصر المملوكي، مستكملة بآثار تعود للحقبة العثمانية عند أطراف الكتلة المملوكية، فتشكّل الحقبتان ما يشبه وحدة أثرية متكاملة، وتعرف عُرفاً بالمدينة القديمة أو الحيِّز القديم الداخلي منها، مقارنة بالخارجي الحديث الذي بات يشكّل الحجم الأكبر منها.

غير أن هناك العديد من المواقع ضمن هذه الكتلة، وعند أطرافها تشير إلى آثار تعود لحقب أقدم، منها الصليبية، والبيزنطية، والرومانية، وقد أظهرت بعض حفريات للبنى التحتية في هذا الحيّز القديم وجود آثار تحت الأرض، لم يتمّ استكمال الحفر لها، ولا البحث فيها.

يعطي المصوّران فكرة عمّا تحتضنه طرابلس، وتناول كلّ منهما التصوير من زاويته، وعين عدسته.

وإسبر ملحم مصوّر صحافي مخضرم، مارس عمله منذ سبعينيات القرن الماضي، وتنقّل في عمله مع العديد من وكالات الأنباء الدولية والجرائد المحلية. 

يؤثر ملحم أن يستهلّ جناحه بلقطة تؤكد حالة التعايش الأخوي المسيحي- الإسلامي التاريخية في المدينة التي تتداخل فيها الآثار بالهويتين المسيحية والإسلامية، فتجعل طرابلس منها هوية واحدة. اللقطة لمسجد "البرطاسي" من خلال قبة جرس كنيسة مار مخائيل في القبة، علّق عليها ملحم بعبارة "طرابلس مدينة العيش الواحد.. من كنيسة مار مخائيل على درج قبة النصر". 

ومن لقطاته البارزة باحة المسجد المنصوري الكبير، ونافورة الوضوء التي تتوسّطه، من خلف سلسلة القناطر التي تحفّ بالمسجد.

احترف ملحم فنّ التصوير، وطوّره بأسلوب خاص، ولم تعد لوحته مجرّد صورة فوتوغرافية معبّرة عن موقع محدّد، بل باتت تحتوي معاني وأبعاداً ظرفية، وفنية للصورة. لذلك يُلاحظ في إحدى لوحاته عن معرض طرابلس الدولي تلاعب فنيّ، فقد أدخل الدراجة الهوائية في قناطر المعرض تحت عنوان "مدينة ما وراء الظلّ"، مستلهماً عروض "خيال الظلّ التي راجت في المدينة في فترات قديمة، والهدف بنظره لفت الانتباه الى المعرض ككنز ثمين لكن مهمل، ويمكن تطويره والاستفادة من منشآته التي تغطي مليون متر مربّع، لرفد المدينة بعمل استثماري ومردود اقتصادي هام.

  • (منذر حمزة)
    (منذر حمزة)

"برج الساعة الحميدية ترسمها مياه الحياة"، لقطة متجدّدة لبرج الساعة على ساحة التل، تتوّج آلاف اللقطات للبرج اللافت للنظر، التقطها ملحم ذات صيف، عندما كانت نافورة البلدية تندلع منها المياه، ويتكسّر عليها نور أحمر. تعطي اللقطة بعداً فنياً غير مسبوق للبرج.

تتميّز المدينة ببحرها المتفاعل مع البرّ حيث كانت ترتطم أمواجه بالمحال التجارية والمنازل القابعة قربه يفصلهما رصيف بعرض لا يتجاوز المتر، وأحياناً تدخل المياه إلى المحلات والبيوت عند اشتداد الريح. ومما اشتهرت به المدينة في الميناء صناعة الزوارق، وجد ملحم فيها الـ "إبحار في مدينة الموج والأفق"، اللقب الذي أطلق على الميناء منذ زمن.

وفي لقطة لخان العسكر الشهير، مأخوذة من خارج الباحة، يخلق ملحم من الخان حالة تاريخية تمثّل حلبة المصارعة الرومانية المعروفة بالكولوزيوم، ويدعو بصورته إلى زيارة الخان لأنه "متعة هندسية". 

لوحات عديدة أخرى لملحم، تجسّد بفن تصويريّ خاص معالم في المدينة، تعطيها أبعاداً جديدة في زمن "طرابلس عاصمة للثقافة العربية". 

من اللقطات اللافتة لملحم أيضاً، قبّة حمام عز الدين الذي تحوّل إلى معلم تراثي بعد إعادة ترميمة، وشاطئ محمية جزيرة النخل وهو يعجّ بالحركة، إلى بعض وقائع ظرفية مثل أمسية موسيقية أو تجمّع شعبي يغطي ساحة النور زمن تحرّكات الشارع عام 2019. 

أما منذر حمزة فهو مهندس وفنان طرابلسي، أحبّ مدينته، ويركّز على تسميتها "طرابلس الجميلة"، صوّرها على مدى سنوات طويلة بتفاصيلها المملّة التي جمعت بين الهوية والاحتراف. مثله مثل كل الذين يحبون طابع المدينة المنفتح والجامع، جمع في جناحه المعالم المختلفة الهوية.

ركّز في بعض اللقطات على زوايا من المعالم، كمدخل كنيسة مار جرجس الأرثوذكسية في شارع الكنائس، ولقطة لأحد المباني التراثية التي ترمز إلى مئات الأبنية التراثية التي أنشأت طرابلس الأولى خارج الحيّز القديم. وثمّة زاوية لمبنى يتكرّر مشهدها في أكثر من موقع، تمثّل نافذتين متخاويتين، ضمن قنطرتين من الحجارة البلقاء. 

من معروضاته لقطة بانورامية جامعة لمدخل جامع طينال الفريد، وسلسلة قناطر مأخوذة من داخل قلعة طرابلس، ولقطة حية لخان الخياطين، وكنيسة مار جرجس في الميناء من الداخل، مع قناطرها وزركشاتها المزدحمة الحديثة الطابع، وباحة خان العسكر من منظور عبر إحدى قناطر الخان، وحيّ موصل بين أحياء المدينة المرتفعة، تتصل عبر أدراج طويلة وملتفة.

من الحرف، عرض حمزة حرفة النحاس التي اشتهرت بها المدينة، وكان للحرفة سوق خاص بها، وقد تحوّلت غالبية مخازنه إلى أعمال مختلفة، بينما انتقلت غالبية محترفات النحاس خارج السوق، خصوصاً للقلمون المجاورة.