يا طلاب العالم اتحدوا

‏هذا الجيل اليوم يعلن تمرّده على كلّ ما سبق. يتمرد على كلّ المليارات التي صُرفت لتدجينه، وعلى كلّ الكتب والخزعبلات العاطفيّة والأفلام واللقاءات والدّراسات الكاذبة

 

طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية يعيدون للبشرية بعضاً من إنسانيتها التي دمّرتها أنظمة الهيمنة والتوحّش، والنخب النيوليبرالية واليمينية الحاكمة. فهؤلاء الشباب الذين صدّقوا شعارات أنظمتهم وحكوماتهم سرعان ما اكتشفوا حجم النفاق الذي تمارسه تلك الأنظمة والحكومات، وسياسة الكيل بمكيالين التي تعتمدها في التعامل مع قضايا الشعوب، وزيف الشعارات التي ترفعها وتتستر بها، وتستخدمها في سياق أجنداتها الاستعمارية هنا وهناك.

ألم يتم غزو أفغانستان والعراق تحت ذرائع نشر الحرية والديمقراطية؟ وجرى تدمير سوريا وليبيا تحت العناوين نفسها؟ فيما لم تحرّك تلك الدول الحاملة شعارات الحرية والديمقراطية ساكناً تجاه جريمة الإبادة الصهيونية في غزة؟ وصمتت صمت القبور عن قرابة قرن من الاحتلال والاستيطان في أرض فلسطين؟ ولم تكتفِ بالصمت والخذلان بل دعمت النظام الصهيوني المجرم بكلّ ما أوتيت من قوة ومال وأسلحة فتّاكة، وعطّلت كل المحاولات لإدانته ولو بمجرد بيان حبر على ورق.

لقد أسقطت غزة وتضحيات شعبها آخر أوراق التوت عن عورات نظام الهيمنة الغربية. فبعد افتضاح كذبة أسلحة الدمار الشامل التي تذرّعت بها الولايات المتحدة الأميركية لغزو العراق، والسقوط المدوّي لاحتلالها أفغانستان وما جرّته على هذين البلدين من كوارث وويلات، جاءت غزة لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، فاضحة كل الشعارات الزائفة والسياسات الرامية إلى تفتيت البلدان وتشظّي الشعوب ونهب الخيرات والثروات، فضلاً عن افتضاح دعمها المطلق لأبشع أنواع الاحتلالات عبر التاريخ: الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

ثورة طلاب الجامعات في أميركا وأوروبا ليست أمراً جديداً من نوعه. دائماً كان الشباب شرارة التغيير وعصب الثورات من حركة الطلاب الأربعة أو ما يعرف بـ "شباب غرينسبورو" في جامعة كارولينا في العام 1960، إلى الثورة الطلابية في فرنسا في العام 1968، إلى دور الطلاب أثناء الثورة الإيرانية في العام 1978، وصولاً إلى أحداث ساحة تيان آن مين في الصين في العام 1989، فضلاً عن دور الطلاب في مناهضة نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وصولاً إلى إسقاطه. كلّها أحداث تؤكد أن الطلاب هم طليعة كلّ تغيير.

أقتبس من المخرجة الأردنية آلاء حمدان بعض ما نشرته على صفحات التواصل الاجتماعي: "ما نراه في الجامعات الأميركية ليس حدثاً عادياً. جيل وُلِد في معظمه بعد الانتفاضة الثانية بسنوات، وعلى مدى أعوام وفي جامعاته العريقة، تمّ إغراقه بأوهام الصهيونية وقصص ضحايا النازية الذين وجدوا في "إسرائيل" سكناً لهم. هذا الجيل شاهد أفلاماً لا تعدّ ولا تُحصى حول "المسلم الإرهابي". هو الجيل الذي تشبّع طوال سنوات أخبار "داعش" وتعميم ذلك على سائر العرب والمسلمين. جيل، اعتقد العم سام أنّه غسل دماغه، وضمن دعمه وسنده وصوته وهتافه..

‏هذا الجيل اليوم يعلن تمرّده على كلّ ما سبق! يقف في وجه الجندي، وفي وجه الإعلاميّ، وفي وجه السّاسة، متمرّداً على كلّ المليارات التي صُرفت لتدجينه، وعلى كلّ الكتب والخزعبلات العاطفيّة والأفلام واللقاءات والدّراسات الكاذبة التي صُنعت لهدف واحد: إسقاط حقّ الفلسطيني في أرضه، وتبرير كلّ ما تفعله وستفعله "إسرائيل" لإبادة الشّعب الفلسطيني العظيم.. ولكن هيهات.. 

‏هذه الحراكات يقودها طلبة بمعظمهم ليسوا عرباً ولا مسلمين، وعدد كبير منهم أبناء أغنى أغنياء أميركا ومن عائلات معروفة ويهودية، هي بنفسها تتبرّع للجامعات بالملايين سنويّاً. ولهذه الأسباب وغيرها، لم تستطع وسائل الإعلام المنحازة للاحتلال تجاهل ما يحصل. كلّ القنوات والمنصات تتحدّث عنهم.. بالمدح أو الذّم لا يهمّنا.. فلسطين رغماً عن أنفهم حاضرة في كلّ مكان..

‏دماء أهلنا في غزة الدّماء التي لم تتوقّف للحظة عن النّزيف.. أيقظت جيلاً كاملاً لم يكن يوماً في الحسبان، على الأقل في الوقت الحالي.‏ أمّا الآن؟ فهو يثور في كلّ أميركا، يثور لفلسطين.

ما نتمناه وما نرجوه، وما ينبغي العمل لأجله هو أن يتواصل هذا الحراك الطلابي ويتمدّد، وأن تولد من رحمه حركة فكرية جديدة عابرة للقارات والجنسيات تعيد للبشرية بعضاً من قيمها الإنسانية، تنتصر لفلسطين ولكلّ شعب مظلوم، وتتجاوز الحدث الآني إلى ما هو أبعد فتتصدّى لقيم السوق السائدة التي لا ترى في الكائن البشري سوى حيوان ناطق لا ينبغي له التفكير بغير الطعام والشراب والغرائز المادية.

**

إتجمّعوا (*)

يا مقربين الفجر نوره ومطلعه

مدوا المسامع في المجامع واسمعوا

صرخة مغني الحي من جوف العدم

اتجمّعوا.. اتجمّعوا.. اتجمّعوا

باسم الإله الشعب رب المضربين

الصايم المحروم على مر السنين

يا منشدين الحي حيوا حينا

واحنا هنا ع العهد دايما مخلصين

محلا القصايد في الشدايد.. والغنا

محلا الكلام الحب أوقات الشقا

احنا اللي تهنا ع الطريق من بغضنا

متفرقين والسجن هوا الملتقى!

آه يا رفاقه من متاهات الطريق

لما الليالي بيتخنق فيها القمر

يمشي الصديق في الظلمه يخبط في الصديق

والسكه بنت الخطوتين تاخد سنه!

(*) مقتطف من قصيدة الشاعر أحمد فؤاد نجم "اتجمّعوا العشّاق"

 

 

 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.