"جبهة النصرة".. من فقه الدم إلى جهاد الغلبة

يتناول المعارض السوري هيثم مناع، في كتابه "جبهة النصرة من فقه الدم إلى جهاد الغلبة"، كيف وصلت "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" إلى سوريا وكيف غلب الفكر السلفي على بقية الجماعات المعارضة. لكن مناع ببعض المغالطات كان بالإمكان الابتعاد عنها، فهو في حين ينتقد "جبهة النصرة" كان يصر على اعتماد تسمياتها الطوائف الإسلامية الأخرى كتعبير الطائفة النصيرية وتعبير الروافض وغيرهما من تسميات تدل على التأثر بما قدمته جماعات التكفير على الساحة السورية. وقد ركز على بعض الشخصيات المنظرة للجماعات الإرهابية وكأنها قيمة عالية للمجتمع السوري.

كتاب "جبهة النصرة من فقه الدم إلى جهاد الغلبة"

 

يحاول الباحث والمعارض السياسي السوري هيثم مناع في كتابه "جبهة النصرة من فقه الدم إلى جهاد الغلبة إزالة اللثام عن الأيديولوجية التعبوية لتنظيم القاعدة في تجربتها السورية، ونشأة جبهة النصرة وتكوينها ومساراتها وتحالفاتها المعلنة والسرية والدعم الذي حصلت عليه دولياً وإقليمياً.

يتناول مناع كيف وصلت "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" إلى سوريا وكيف غلب الفكر السلفي على بقية الجماعات المعارضة. لكن مناع ببعض المغالطات كان بالإمكان الابتعاد عنها، فهو في حين ينتقد "جبهة النصرة" كان يصر على اعتماد تسمياتها الطوائف الإسلامية الأخرى كتعبير الطائفة النصيرية وتعبير الروافض وغيرهما من تسميات تدل على التأثر بما قدمته جماعات التكفير على الساحة السورية. وقد ركز على بعض الشخصيات المنظرة للجماعات الإرهابية وكأنها قيمة عالية للمجتمع السوري.


الولد المدلل

فعلى الرغم من "تصنيفها المبكر من قبل وزارة الخزانة الأميركية كتنظيم إرهابي، بعد أقل من عام على أول عملية لها، يمكن القول من دون مبالغة، إن جبهة النصرة هي الإبن المدلل بين أبناء السلفية الجهادية، في العالم وليس فقط في بلاد الشام".

يتحدث مناع في كتابه عن "جبهة النصرة" من نظرة العارف بأمور المعارضة، وما يحصل داخلها، ويقول: "يوم وصلني شريط صوتي لأبي محمد الجولاني يتحدث فيه عن هدر في المال جاوز المليار، ووصلني بريد الكتروني من صحفي فرنسي في القدس يقول فيه (ما هو تعليق المعارضة) على وجود جرحى من جبهة النصرة في المشافي الإسرائيلية، مرفق بمقالة في صحيفة لبيراسيون الفرنسية تتحدث عن تقارير القبعات الزرقاء المرابطة على خط وقف إطلاق النار، عن اجتماعات بين جبهة النصرة والجيش الإسرائيلي، فضلاً عن تسهيلات عسكرية ومالية وطبية تتمتع بها تركيا، كان الإطراء لجبهة النصرة من المعارضة الموالية للتحالف المعروف بأصدقاء الشعب السوري ملفتاً للنظر".

يسأل مناع كيف يمكن لتنظيم كُلّف بتشكيله أحد الملتحقين السوريين بأبي مصعب الزرقاوي قبل سنوات، أن يمتلك هذه الوفرة في المال والسلاح والرجال، وهذه الحظوة لدى قطاع واسع من الإسلاميين والعلمانيين؟ ما هي علاقة جبهة النصرة بالمخابرات الإقليمية؟ وما هو مغذى التعويم الإعلامي للنصرة؟

ويشير الباحث إلى أنه في رسالة من مسؤول في الأمم المتحدة عن قضايا الإرهاب جاء حرفياً: "لدينا معلومات مؤكدة عن نقل مبالغ كبيرة من المال إلى جبهة النصرة عبر عضو في الائتلاف فهل لديكم فكرة عن العلاقة بين هذه المجموعة والقاعدة؟ فأجبت بصراحة أظنها ضمن الخدمات المخابراتية التي يقوم بها المذكور لدولة خليجية".

 

الخريف الأسود

شكّل فصل الخريف في عام 2016 منعطفاً أساسياً في تبيان حقيقة جبهة النصرة التي غيّرت إسمها ليصير "جبهة فتح الشام" ذهنيةً وتكويناً ووظيفةً، وأن ما يجري تقديمه عبر الإعلام الأسود كنخبة "جهادية" متميزة ما هو إلا تجميل وتلميع.

ويشير مناع إلى أن تنظيم القاعدة في بلاد الشام هو الذي قرر حلّ نفسه والذوبان في "هيئة تحرير الشام"، والإنتقال إلى تنظيم سري داخل الهيئة الجديدة يمسك بالجهاز الأمني والنواة الصلبة للشرعيين والمقاتلين الأجانب بانتظار هدوء عاصفة الاستهداف، معتبراً أن الفصل الأخير في التجربة السلفية لم يكتب بعد، وفي محافظة إدلب التي تدفع الفاتورة في جرم لم ترتكبه، بدأت المذابح الأخيرة على مبدأ "عليَّ وعلى اعدائي".

 

فقه الدم

يُبيّن مناع في كتابه أن صناعة التوحش لم تهبط من كوكب المريخ، ولم تجرِ عملية اغتيال المقومات الحضارية الكبرى للإسلام على يد الزنادقة والكفرة. كذلك لم يكن الاستشراق أو اليسار أو الفكر التقدمي أو المؤسسات الثقافية الليبرالية وراء عملية إنتاج الأيديولوجيات الفاشية.

ويقول "لم أجد استشهاداً تكفيرياً واحداً دونما سند، ولكن عندما يصبح أبو هريرة وإبن تيمية وإبن كثير وإبن عبد الوهاب أهم من صريح القرآن وثابت السيرة النبوية، لا يمكن لإنسان عاقل أن يتوقع إنتاج فكر نيّر وفعل خير".

ويشير مناع إلى أنه اليوم أصبح التكفيريون المنفّر الأول من الإسلام في بلادنا، والمنتج الأكبر للكفر بالأديان والمهمّش الحقيقي لأي دور فاعل وتاريخي لـ"العرب السنة"، مشيراً إلى أن بذرة التفكير المعاصرة قد ولدت في السجن مع تبنّي سيد قطب لفكر الحزب الثوري، ولمفاهيم الحاكمية والجهاد، ودار الإسلام ودار الحرب.

يعتبر المنظّر الإسلامي محمد بن عبد السلام فرج "حكام العصر في ردّة عن الإسلام تربّوا على موائد الاستعمار"، وباعتماد قتوى ابن تيمية بأن "المرتد يُقتل وإن كان عاجزاً عن القتال".

ويلفت مناع إلى أن السلفية الجهادية لم تبذل جهوداً كبيرة لتطوير آراء محمد بن عبد السلام فرج بقدر ما اعتمدت على بعض كتب سيد قطب ككتاب "معالم في الطريق"، وكذلك فتاوى ابن تيمية ومؤلفات صغيرة في المعسكرات الأفغانية.

 

منظّر "الذئاب المنفردة" والجهاد العالمي

على الرغم من تأثيره الكبير، مع أيمن الظواهري، على عملية التغيير الأيديولوجية والسياسية في مسيرة أسامة بن لادن، قلّما أخذ أبو مصعب السوري حقه بوصفه أغزر العرب الأفغان كتابة في عقيدة القتال والتأريخ الذاتي للحركات المسلحة، ومحاولة التأصيل الفقهي لتحديد العدو القريب والعدو البعيد، والأولويات القتالية ونقد الهياكل التنظيمية وأسباب فشل التجارب "الجهادية".

يتحدث أبو مصعب السوري عن ثلاثة أمور:

_ الخروج على الحاكم إن ارتد عن الإسلام أو كان كافراً فُرض على المسلمين بالإجماع.

_ أحكام الشريعة الإسلامية تُقرر بالإجماع كفر وردّة من تعاون مع الكفار وأعانهم من المسلمين وتوجب قتاله.

_ أحكام الشريعة تقرر وجوب أو جواز قتال الصائل (المعتدي) على دين المسلمين أو أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم حتى لو كان مسلماً.

يقول مناع: "لعل الطرف الوحيد صاحب الحظوة، مهما فعل، في هذا الهجوم والتهم هو أمير قطر حمد بن خليفة حيث ما خوّن وكفر به العديد من الحكام ورجال الدين يتحول لمديح مبطن، وعدم انتقاد لما اعتبره سبباً رئيساً في ردّة المملكة العربية السعودية".

 

أخلاق الفتك والغيلة

لم يعتمد أبو عبد الله المهاجر الطريقة نفسها في كتاباته. فسمات الحقبة لديه أكثر من مختصرة، وهمه الرئيس هو التأهيل الفقهي للسلفية عموماً وتنظيمات القاعدة وأخواتها بشكل خاص. من هنا جاء كتابه "مسائل من فقه الجهاد"، مركزاً على التبرير والتأويل الضروريين لجعل التيار السلفي المسلح الممثل الحقيقي والأساس للطائفة المنصورة، أو أخيار (الفرقة الناجية)، واعتبار ممارساته من صلب الشريعة والدين.

وبحسب المهاجر، فإن أرض الله شطران، دار الإسلام ودار الكفر. وأي حكم لا يقوم على شرع الله فهو باطل، لأن منطلقاته وضعية وبشرية. ويكرر المهاجر منطلقات سيد قطب في الحاكمية والولاء والبراء.

  بما تقوم به المعارضة وكيف تأسست، كما تكمن في بعض المعلومات الهامة التي يكشفها في كتابه.

إدارة التوحش

لم يختلف كتاب "إدارة التوحش" عن كتابي أبي مصعب السوري وأبي عبد الله المهاجر، ووفق ما يراه "مناع" بإطلاق التسمية ووسم إحدى مراحلها (مرحلة النكاية والإنهاك، مرحلة إدارة التوحش، ومرحلة شوكة التمكين) والعثور على أوراق منه في بيت أسامة بن لادن قد أعطاه أكثر من دوره والتأثير والفعل والأدلجة.

إن أخطر ما في الكتاب أنه يتحدث عن التحول (من العدو القريب: الأنظمة المرتدة في البلدان العربية والإسلامية إلى العدو البعيد: الولايات المتحدة وإسرائيل).

ويعقب مناع أن ما يذكره الكتاب وغيره عن الصراع مع العدو الإسرائيلي، فيذكر بقصة رواها له رئيس منظمة دولية لحقوق الإنسان بعد عودته من بعثة تحقيق في باكستان حيث قال:

"في عشاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز في باريس، قال جملة استوقفتنا جميعاً. قال يومها "عبد الله عزام، وليس الموساد، هو من أبعد الجهاديين العرب عن إسرائيل".

 

جبهة النصرة ..النشأة والتكوين

بتكليف من أبي بكر البغدادي، توجه أحد أعضاء تنظيمه، مع عدد من المقاتلين العراقيين والسوريين إلى سوريا في مهمة خاصة. المكلف شاب سوري وصل العراق بزي ديني هزيل لا يتعدى سقف دروس (أبو القعقاع). قاتل في صفوف تنظيم أبي مصعب الزرقاوي (جماعة التوحيد والجهاد)، ونال ثقة قيادة (الدولة الإسلامية في العراق) التي كانت تبحث عن وجه سوري تعيد إليه مهمة (الجهاد) في الأراضي السورية. لم يكن هذا المكلّف يحمل سيرة ذاتية متميزة وقوة شخصية تسمح له بأن يكشف عن وجهه، وفق ما يشير مناع، فصار أول قيادي في "القاعدة" مخفي الوجه، متضارب النسب، متناقض السيرة، تتعدد التخمينات في اسمه الحقيقي وقصته وما درس، كذلك في مسارات مشاركاته.

ويضيف الكاتب، لم يكن أبو بكر البغدادي وأركانه واثقين من قدرة أبي محمد الجولاني،  على إدارة أوضاع جبهة النصرة، لذلك تم تكليف عقيد سابق في الجيش العراقي بتولي المجلس العسكري لتنظيم دولة العراق وعمل في التصنيع الحربي وله خبرة قتالية وأمنية، وهو سمير عبد المحمد العبيدي الدليمي المشهور بحجي بكر، بالتوجه إلى شمال سوريا سراً لوضع استراتيجية عسكرية للتنظيم، وكذلك تكليف أبي محمد العدناني، الناطق باسم داعش لاحقاً، بمتابعة منطقة إدلب.

 

توفر المال يسهل كسب والتجنيد الرجال

كان لإعلان أبي بكر البغدادي قيام "داعش" الفضل في كشف جزء هام من المستور. فقد دفع هذا الإعلان "جبهة النصرة" إلى كشف علاقتها الولائية بتنظيم القاعدة. ولعل خطاب الجولاني في هذه المناسبة يوضح مسائل جوهرية تتعلق بالنشأة والتمويل والولاء.

وجاء في تقرير للمعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان في عام 2012، أن التمويل الأول الأساس وأولى الخلايا في جبهة النصرة إنما تعود لأبي بكر البغدادي، والشرخ الأكبر حدث يوم رفض الجولاني الانضمام إلى مشروع داعش.

عراقي واحد وقف مع الجولاني هو أبو ماريا القحطاني وهو من ميليشيا "فدائيي صدام" سابقاً، فقد أحرق القحطاني جميع خطوط الصلح مع داعش، وتبنّى سورنة جبهة النصرة.

لم ينكر الجولاني الدعم الذي سمح له بأن يكون مع مجموعته الطرف الأقوى في توحيد الخلايا المنتسبة لأيديولوجيا القاعدة. فهو يفتقر إلى خطاب إسلامي متماسك وتحليل سياسي معمق، وهو يفسّر ويختزل الأحداث في سوريا بالصراع من أجل نصرة أهل السنة.

لم يكن البناء الداخلي للجبهة مؤسسياً، لذا تمكنت قيادات محلية من تشكيل طاقمها الخاص وطريقتها التنظيمية والقتالية في مناطقها.

وينبه مناع إلى أن ممارسات جبهة النصرة لم تكن موضوع انتقاد من مجالس المعارضة السورية المقيمة في اسطنبول والدوحة والرياض. فقد صمت المجلس الوطني السوري والائتلاف السوري المعارضان عن نهج وممارسات جبهة النصرة. بل لعب البعض دور المحامي والمداح لها. ويلاحظ المراقب أن الأخطاء تتفرق في الفصائل وتجتمع في النصرة. فخلال عشرة أشهر، قامت جبهة النصرة منفردة بغزو اثني عشر فصيلاً وتفكيكها بحجة البغي والصحوات.

وللحفاظ على موقعه القيادي، اعتبر أبو محمد الجولاني سورنة التنظيم والانفصال عن تنظيم القاعدة، إزاحة طبيعية له عن منصبه وسلطته. فحارب كلتي السياستين، إلى أن كان الضغط القطري وقد تم فك الارتباط بالقاعدة في مشهد متقن الإعداد.

لم تعد قيادة جبهة النصرة قادرة على التصرف باتزان، إلا أنه وفي وضع مضطرب ومشوش، لا يبدو للناظر إن كانت أكثر تشوشاً من غيرها. فقد أصبحت الثقة بالفصائل الأخرى شبه معدومة.

يقول مناع إنه لم يعد بالإمكان تلميع صورة جبهة النصرة، ولم يعد تقاطع المصالح بين دول إقليمية و"تنظيم القاعدة في بلاد الشام" يعادل ثمن دعمها وتغطيتها للتنظيم، بل صارت كلفة بقائه أغلى بكثير من المواجهة المفتوحة معه. فقد قامت جبهة النصرة بتصفية خمسة عشر فصيلاً مسلحاً، كلهم من أهل السنة، وما زال بعض السفهاء يدافع عنها باسم (المظلومية السنية)، بحسب الكاتب.

 

الإخوانية من وإلى سوريا

يتحدث مناع في كتابه أيضاً عن التجربة الاخوانية التي انطلقت في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين وتركت بصماتها في أهم التنظيمات السلفية في سوريا اليوم، ويشير إلى أنه بدأت معالم التنظيم الجديد بالبروز في مطلع السبعينيات، وقد حذرت حركة الإخوان المسلمين شبابها من التواصل أو التورط مع مروان حديد، مؤسس تنظيم "الطليعة" الجهادي. وقد شكّل التنظيم السري الجديد هياكله الخاصة في محافظات كثيرة مثل حماه وحلب ودمشق.

 

من هو أبو مصعب السوري؟

ولد مصطفى ست مريم نصار في عام 1958 في مدينة حلب وقد التحق مبكراً بتنظيم "الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين" وقد تحدث في كتبه عن تلك المرحلة والرحلة، حيث تلقى عدداً من الدورات العسكرية بإشراف ضباط فارين من الجيش السوري في الأردن وضباط من الجيش العراقي والمصري في بغداد والقاهرة.

ترك أبو مصعب السوري كتابات أساسية للجماعات المسلحة، أهمها "ملاحظات حول التجربة الجهادية السورية"، و"دعوة المقاومة الإسلامية". فهو يقول إن على "كل جهادي أن يولد نظريته العملية، من خلال التجربة الذاتية، وأن يطورها في ضوء التجارب السابقة".

 

من هي أكثر الحركات غموضاً؟

لعل من أكثر الحركات غموضاً وسرية هي "حركة أحرار الشام"، بحسب مناع. فقد دفعت ثمن السرية عملية قضت على أهم كوادرها ومؤسسيها بمن فيهم متزعمها حسان عبود (أبو عبد الله الحموي).

كان حسان عبود، يحمل فكراً مغايراً عن نظرائه في سجن صيدنايا، فهو وفق شهادات عدة كان يمتلك ثقافة سلفية وعقلاً تنظيمياً، لذا كان يشعر بتفوق على إخوانه يسمح له بأن يكون المرشد لهذا التيار والمحدد لسياساته والمنظّم لعلمياته العسكرية.

تعد حركة "أحرار الشام" من أولى الفصائل التي استقبلت مقاتلين أجانب منذ الأشهر الأولى لاندلاع الأزمة السورية، وقبل ظهور جبهة النصرة وداعش. وتجدر الإشارة إلى أن وجود السعوديين أو غيرهم من المقاتلين الأجانب في صفوف الحركة يتسم بسرية عالية جداً، ويحاط هؤلاء بإجراءات تضمن عدم انكشاف هوياتهم وجنسياتهم. ولا يقتصر عمل السعوديين على التدريب والتوجيه كما يعتقد البعض، بل هم يتصدرون قيادة الحركة ويتولون مناصب عالية فيها سواء بجناحها العسكري أو الشرعي أو القضائي، كما يعتمد عليهم لتنفيذ العمليات الهجومية الإنغماسية أو الانتحارية.

من أهم المعسكرات التي جرى فيها تدريب المقاتلين السعوديين، معسكر (عاقدي العزم) في ريف حمص الشمالي الذي يتضمن برامج تدريب عسكرية ودورات إعداد شرعية مطابقة لتلك التي تجري في معسكرات جبهة النصرة وداعش.

ملاحظات حول الجبهة الإسلامية في سوريا

توجه روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في دمشق ومسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية سابقاً، من اسطنبول الى تركيا للاجتماع مع "الجبهة الإسلامية" بعد أيام فقط من تشكيلها. قد يكون أحد أهم الأسباب التي جعلت هذه الجبهة الوليدة محط اهتمام إعلامي وسياسي لم يسبق أن حظي بمثله تنظيم في سوريا منذ بدء الأزمة، وقد ترافقت مع تراجع "الجيش الحر".

تشكلت الجبهة في 22 تشرين الثاني نوفمبر 2013، من اتفاق فصائل، أهمها "أحرار الشام" التي هي العمود الفقري والعقل المدبر لتأسيسها. وتكفي الإشارة إلى أن الحركة لم تكتفِ بمنصب رئيس المكتب السياسي الذي شغله أميرها حسان عبود وإنما حظيت بمنصب مفتي عام سوريا، وهي لم تكن تخفي انتماءها لتيار السلفية.

وما يؤكد أن الجبهة حسمت قضية الانتماء عند قيامها، هو تبنّيها مبادئ السلفية، ومنها مبدأ الحاكمية لله، عندما نص على أن الجبهة تهدف إلى بناء دولة إسلامية تكون السيادة فيها لشرع الله.

إذاً، لم تكن تقارير المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان حول نشأة وتفرعات التيار السلفي الجهادي في سوريا منذ النصف الثاني من عام 2011 كشفاً لمستور. فقد وثق العديد من الباحثين عملية الولادة والانتشار في أبحاث مبكرة، وفق الكاتب.

ويعقب مناع أنه "من الصعب على رموز المعارضة والدول التي اعتبرت نفسها صديقة للشعب السوري، بأن يقولوا: لم نكن نعرف. لقد كان قتل صوت الديمقراطيين السوريين مستقلي القرار، شرطاً ضرورياً من شروط نجاح تحطيم سوريا".

يضيف مناع: "لقد شرح السفير الأميركي روبرت فورد لي في قهوة باريسية مهمته، نظرية الكم السني في مواجهة الأقلية الشيعية والعلوية، موضحاً أن عدد السنة في العالم أضعافاً مضاعفة لعدد الفرق الأخرى وأن الأغلبية ستنتصر على الأقلية، فقلت له لم أسمع بهذا الحزب الملياري".