علماء في السويد يسعون إلى مكافحة البعوض والملاريا عبر تقنية "الدم المزيّف"

فريق في جامعة ستوكهولم السويدية ينتج "دمٍّ مزيّف" في محاولة لتوجيه ضربةٍ قاضية للملاريا.

  • الباحثة نوشين إمامي في مختبرها بجامعة ستوكهولم في 15 كانون الأول/ديسمبر 2021 (أ ف ب)
    الباحثة نوشين إمامي في مختبرها بجامعة ستوكهولم في 15 كانون الأول/ديسمبر 2021 (أ ف ب)

يسعى علماء في السويد إلى توجيه ضربةٍ قاضية للملاريا، من خلال إعداد قارورة صغيرة تحوي سائلاً أحمر وهو عبارة عن "دمٍّ مزيّف".

وتولى إعداد هذا السائل من عصير الشمندر فريق في جامعة ستوكهولم، بهدف أن يكون بديلاً عن المبيدات الحشرية الضارة بالبيئة وصحة الإنسان، ومكملاً تقدّماً أحرز في مجال تطوير لقاح ضد الملاريا التي توفي من جرائها 630 ألف شخصاً عام 2020.

وعندما تفتح نوشين إمامي (44 عاماً) باب جزء من مختبرها في جامعة ستوكهولم يشبه الثلاجة الكبيرة، يظهر تكاثر غير عادي للبعوض فيه.

وتحتوي أقفاص مصنوعة من جوارب نسائية طويلة على مستعمرات من البعوض، بينما تسبح في خزانات المياه يرقات من هذه الطفيليات اللاسعة، وذلك في حرارة ثابتة تبلغ 27 درجة.

وتقول الباحثة من أصل إيراني ممازحةً "عليك أن تطعمها بشكل مستمر فالأمر يشبه إلى حد ما تربية كلب أو قطة".

وأعلنت منظمة الصحة العالمية في كانون الأول/ديسمبر أنّ عدد الإصابات العالمية بالملاريا عام 2020 بلغ نحو 241 مليوناً، بارتفاع 10 في المئة عن السنة السابقة.

وسُجّلت كل الوفيات تقريباً والتي بلغ عددها 627 ألفاً في أفريقيا، بينها نسبة كبيرة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات وصلت إلى 80%.

ولا تجعل الملاريا الأشخاص مرضى بها فقط، بل تجذب البعوض بشكل كبير إلى المصابين، مما يسهل انتقال العدوى عن طريق نشر الطفيلي المسبب للمرض.

غير مكلف

توصلت إمامي مع باحثين آخرين عام 2017 إلى اكتشاف ارتباط هذه الظاهرة بجزئية HMBPP التي تُنتَج عندما يهاجم الطفيلي خلايا الدم الحمراء.

وتقول العالمة: "إذا أضفنا هذه الجزئية إلى أي سائل، سنجعله جذاباً جدّاً للبعوض"، مشيرةً إلى أنّ دمج الجزئية مع كمية ضئيلة من السموم يجعل البعوض "يبتلعها وينفق" في غضون ساعات، من دون الحاجة إلى استخدام دم حقيقي لجذبه.

وتضيف أنّ الهدف من ذلك يتمثل أيضاً في استخدام "مركبات مميتة غير ضارة للصحة وصديقة للبيئة ويمكن الحصول عليها بسهولة".

ويعتبر ليخ إيغناتوفيتش المشارك في تأسيس شركة "موليكولر أتراكشن" التي طوّرت المنتج أنّ "الطريقة أكثر فاعلية وأقل ضرراً من كميات المبيدات الحشرية الهائلة التي تُستخدم لإبعاد البعوض، والتي غالباً ما تكون خطرة على البيئة أو الصحة".

ويقول إنّ "المبيدات تقتل كل أنواع الحشرات التي تصادفها. وحتى في الأماكن الشديدة الكثافة مثل الغابات أو المناطق الاستوائية المليئة بالحشرات، نحدّد الأنواع التي نريد التخلص منها بدل رش المبيدات بشكل عشوائي"، موضحاً أنّ الأمر هو عبارة عن استهداف محدد لأنواع معيّنة من الحشرات.

ووفق منظمة الصحة العالمية، تقل فاعلية المبيدات الحشرية ضد البعوض باستمرار، إذ أبلغت 78 دولة عن حالات يقاوم فيها البعوض نوعاً على الأقل من أربعة أنواع شائعة من المبيدات الحشرية، في حين أشارت 29 دولة إلى أنّ البعوض فيها يقاوم الأنواع الأربعة.

ويُعتبر إنتاج الجزيئة غير مكلف نسبياً، مما يجعله طريقة موثوقاً بها حتى في المناطق الفقيرة من العالم مثل إفريقيا.

تفاؤل حذر

ورغم أنّ الفريق السويدي ركّز على الملاريا تحديداً، إلّا أنّ طريقتها يمكن أن تُطبّق كذلك على أمراض أخرى تنقلها الحشرات، ونجد من بين أنواع البعوض الخمسة التي اختُبرت بعوضة من أميركا الجنوبية مسؤولة عن نقل فيروس زيكا.

ويكمن التحدّي الأكبر في نقل التقنية على نطاق واسع إلى خارج المختبر. وفي هذا الإطار، يعرب الباحث المتخصص في البعوض بالمعهد البيطري السويدي أندرش ليندستروم عن "تفاؤل حذر".

ويقول: "المشكلة تكمن دائماً في الانتقال إلى نطاق واسع"، معتبراً أنّ "المساحات  التي يجب أن يغطيها هذا النوع من الأفخاخ ليكون فاعلاً هي هائلة".

ومن الضروري كذلك ضمان استمرارية العملية، وهو ما قد يكون صعباً في المناطق النائية أو في حالة الحرب. كما يشير ليندستروم إلى إمكان وجود تأثير سريع لتقليل أعداد الحشرات، موضحاً أنّ توقّف العملية سيعيد البعوض فوراً.

ومع ذلك، يعتقد الباحث أنّ الطريقة يمكن أن تكون فاعلة جداً، وخصوصاً إذا اقتُرنت بتقنيات أخرى.