فرنسا: نسب اقتراع عالية في الانتخابات التشريعية.. كيف تسير عملية التصويت؟

تجري فرنسا الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في استحقاق يشهد نسبة مشاركة عالية، ويُوصف بأنّه قد يحدث انقلاباً في المشهد السياسي في البلاد. فكيف تشير عملية التصويت، وما الذي سيتبعها؟

  • تجري الانتخابات وسط فرص لأحزاب أقصى اليمين في تحقيق المكاسب
    تجري الانتخابات وسط فرص لأحزاب أقصى اليمين في تحقيق المكاسب

يتوجه الفرنسيون بكثافة إلى مراكز الاقتراع، اليوم الأحد، في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، إذ تُشير التوقعات إلى مشاركة نحو 70% من الفرنسيين، وذلك قبل ساعة من إقفال صناديق الاقتراع. 

وقال ماتيو غالار، مدير الدراسات في معهد "إيبسوس" لاستطلاعات الرأي، عبر منصة "أكس" إنّها "النسبة الأعلى منذ انتخابات 1981 التشريعية".

وتجري فرنسا الجولة الأولى من هذه الانتخابات، في استحقاق يُوصف بأنّه قد يحدث انقلاباً في المشهد السياسي في البلاد، وسط فرص لأحزاب أقصى اليمين في تحقيق المكاسب، وتحديات يواجهها المعسكر الرئاسي، بحسب استطلاعات الرأي، فيما ستجري الانتخابات على جولتين، وتُختتم في السابع من تموز/يوليو.

وفيما يلي بعض الحقائق الرئيسية عن الانتخابات وما سيتبعها:  

عملية التصويت

هناك 49 مليون ناخب مسجل في فرنسا، حيث يجري التنافس على 577 دائرة، ولكل دائرة مقعد في الجمعية الوطنية، وهي الغرفة الأدنى في البرلمان.

ويُنتخب المرشحون الذين يحصلون على أغلبية مطلقة من الأصوات في دوائرهم في الجولة الأولى، لكن في أغلب الحالات لا يستوفي أي مرشح هذه المعايير وتحدد جولة ثانية.

وللتأهل للجولة الثانية، يحتاج المرشحون إلى أصوات في الجولة الأولى لا تقل عن 12.5% من أصوات الناخبين المسجلين، ومن يحصد أكبر عدد من الأصوات يفُز في الجولة الثانية.

متى تُعلن النتائج؟

ينتهي التصويت في الجولة الأولى في الثامنة مساءً (18:00 بتوقيت غرينتش) اليوم الأحد، وهو التوقيت الذي ستنشر فيه مراكز استطلاعات الرأي التوقعات على مستوى البلاد، استناداً إلى فرز جزئي للأصوات.

وعادةً ما تكون هذه التوقعات موثوقة، في حين تبدأ النتائج الرسمية في الظهور تدريجياً بدءاً من الثامنة مساءً. وعادةً ما يتسم فرز الأصوات بالسرعة، ويُعلن الفائزون بجميع المقاعد، أو جميعها تقريباً، في نهاية اليوم.

من سيدير الحكومة؟

يعيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الوزراء، وعادةً ما يكون من الحزب الذي حصد أغلبية الأصوات.

ولأول مرة في تاريخ فرنسا بعد الحرب، ربما يفوز أقصى اليمين، حسب ما تظهر استطلاعات الرأي، فيما من المتوقع أن يفوز ائتلاف من تيار اليسار بثاني أكبر عدد من المقاعد، وأن يحل ثالثاً ائتلاف ينتمي إلى الوسط، بقيادة ماكرون.

لكن هذه الانتخابات لا مثيل لها في فرنسا، إذ إنّ وقت الحملة الانتخابية كان قصيراً، والمشهد الانتخابي مضطرب، ولا يمكن استثناء سيناريوهات أخرى.

ومن بين هذه السيناريوهات انقسام الجمعية الوطنية بصورة تصيبها بالشلل إلى 3 مجموعات لا تهيمن إحداها على الجمعية، أو تشكيل تحالف من الأحزاب الرئيسية لإبقاء أقصى اليمين بعيداً من السلطة.

وربما يشكل حزب التجمع الوطني، الذي تنتمي إليه مارين لوبان، حكومة أقلية، إذا فاز بأكبر عدد من المقاعد من دون تحقيق الأغلبية، لكن زعيم الحزب غوردان بارديلا (28 عاماً) قال إنّه يسعى لأغلبية مطلقة وإلاّ لن يستطيع تنفيذ إصلاحات.

ولتحقيق الأغلبية المطلقة يلزم الفوز بما لا يقل عن 289 مقعداً.

ما الخطوات التالية؟

مرت على فرنسا 3 فترات من "التعايش" في تاريخها ما بعد الحرب، إذ كانت الحكومة من أطياف سياسية مختلفة عن الرئيس.

وتتمتع الحكومة بمعظم السلطات على الجبهة الداخلية، لكن الرئيس هو قائد الجيش، ويتمتع بالنفوذ في السياسة الخارجية. غير أنّ توزيع السلطات في السياسة الخارجية ليس في غاية الوضوح، وربما يمثل مشكلة بالنسبة إلى موقف فرنسا من الحرب في أوكرانيا، أو سياسة الاتحاد الأوروبي.

وسيتعين على ماكرون التعامل مع البرلمان الجديد لعام واحد على الأقل يمكنه بعدها الدعوة إلى انتخابات مبكرة أخرى.

وفاز ماكرون بولاية ثانية في نيسان/أبريل 2022ـ، وسيظل رئيساً لثلاث سنوات أخرى. ولا يمكن للبرلمان أو الحكومة إقالته من منصبه قبل تلك المدة.

فماذا يحدث إذاً؟ وهل يمكن تفادي الشلل السياسي بعد الانتخابات التي ستجرى الجولة الثانية منها في السابع من تموز/يوليو؟

إجابة مختصرة

تنص المادة الثامنة من الدستور على أنّ الرئيس هو الذي يعين رئيس الوزراء، لكنها لا تحدد المعايير التي يجب  عليه اتباعها.

وعملياً، من المتوقع أن يعرض ماكرون المهمة على المجموعة البرلمانية التي تفوز بغالبية المقاعد، والتي تشير استطلاعات الرأي إلى أنّها ستكون حزب التجمع الوطني المتشكك في الاتحاد الأوروبي، والمناهض للهجرة.

هل يصبح غوردان بارديلا رئيساً الوزراء؟

في هذا الإطار، قال حزب التجمع الوطني إنّ زعيمه غوردان بارديلا هو مرشحه لمنصب رئيس الوزراء، لكن الحزب قال أيضاً إنّه سيرفض المنصب إذا لم يفز هو وحلفاؤه معاً بأغلبية مطلقة لا تقل عن 289 مقعداً.

وبما أنّ الدستور لا ينص على كيفية اختيار رئيس الوزراء، فإنّه يجوز لماكرون، من الناحية النظرية، أن يسعى لتشكيل تحالف مناهض لحزب التجمع الوطني، وعرض المنصب على حزب آخر، أو لشخصية لا تنتمي أصلاً إلى أي حزب سياسي.

إن لم يكن بارديلا، فمن؟

لا يقدم الدستور أي إجابة محددة. لكن الخيارات تتضمن ما يلي:

أولاً، محاولة تشكيل تحالف من الأحزاب الرئيسية، لكن لا يوجد مثل هذا التحالف الآن، غير أنّ ماكرون حثّ الأحزاب على الاتحاد لإبعاد أقصى اليمين.

ثانياً، عرض المنصب على اليسار إذا ظهر تحالف يضم أقصى اليسار والحزب الاشتراكي والخضر. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنّ هذا التحالف سيكون ثاني أكبر مجموعة في البرلمان، فيما يمكن لليسار بعد ذلك أن يحاول تشكيل حكومة أقلية.

هل يُكتب النجاح لأي من هذين الخيارين؟

إذا فاز حزب التجمع الوطني بأعلى حصة من الأصوات وقبل منصب رئيس الوزراء، فستبدأ فترة "التعايش" مع ماكرون. وقد حدث ذلك 3 مرات في تاريخ فرنسا السياسي الحديث، ولكن مع الأحزاب الرئيسية.

وربما يواجه حزب التجمع الوطني صعوبات في تبني الإصلاحات.

وإن كان حزب التجمع الوطني هو أكبر حزب في البرلمان، لكنه ليس في السلطة، فيمكنه منع أو تعديل مقترحات الحكومة. ويمنح الدستور الحكومة بعض الأدوات للتحايل على ذلك، ولكن بحدود.

ويضمن فوز حزب التجمع الوطني  بالأغلبية، إلى حد كبير، حصوله على منصب رئيس الوزراء لأنّه يستطيع من تلقاء نفسه إجبار أي حكومة لا يتفق معها على الاستقالة.

ماذا يحدث لو لم يتم الاتفاق؟

من المحتمل ألاّ تكون أي من المجموعات الثلاث، أقصى اليمين والوسط واليسار، كبيرة بما يكفي للحكم بمفردها أو تشكيل ائتلاف أو الحصول على ضمانات بأنها تستطيع إدارة حكومة أقلية قابلة للاستمرار.

وفي مثل هذا الوضع، فإنّ فرنسا ربما تواجه خطر الشلل السياسي الذي يتم خلاله إقرار القليل من التشريعات، أو عدم إصدارها على الإطلاق، وتعمل فيه الحكومة على إدارة شؤون البلاد اليومية الأساسية.

هل بوسع ماكرون الاستقالة؟

رغم استبعاد ماكرون لذلك، فإنّه قد يصبح خياراً إذا حدث هذا الجمود. وليس من صلاحيات البرلمان أو الحكومة إجبار ماكرون على الاستقالة.

ما لن يحدث تحت أي سيناريو

ينص الدستور على أنّه لا يمكن إجراء انتخابات برلمانية جديدة قبل مرور عام، لذا فإنّ إعادة إجراء الانتخابات على الفور ليست خياراً.

ومن الصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات البرلمانية الفرنسية لأنّها تشمل 577 منافسة منفصلة، ​​واحدة على كل مقعد. وربما تفضي الحملات الانتخابية قصيرة الأمد على غير العادة إلى نتيجة تختلف عما تتوقعه الاستطلاعات.

اقرأ أيضاً: بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية.. فهل ينقلب المشهد السياسي لصالح أقصى اليمين؟

اخترنا لك