"الغارديان": ترامب يحوّل أميركا إلى دولة مافيا
إننا نتعامل مع دونالد كورليوني، الرئيس الأميركي الذي يتصرف مثل زعيم المافيا، ولكن من دون مبادئ.
-
يتصرف الرئيس الأميركي كزعيم المافيا في فيلم "العراب"
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقال رأي للكاتب جوناثان فريدلاند، يتناول سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويقارن تصرفاته بأساليب زعماء المافيا.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
يتصرّف الرئيس الأميركي كأنّه فيتو كورليوني؛ زعيم المافيا الصقلّي في فيلم "العراب" الشهير، ولكن من دون مبادئ. لا بدّ من التردّد في إجراء هذه المقارنة، على الأقلّ لأنّها ستفرح ترامب ولأنّه سيحب ذلك، ولأنّ "الأب الروحي" هو نموذج للقوّة والسحر المفتول العضلات، بينما ترامب ضعيف، ويقدّم الهدايا باستمرار لأعداء أميركا، ولا يحصل على شيء في المقابل.
يطلق ترامب التهديدات والوعيد التي تبدو أفضل في اللغة الصقلّية الأصلية، وقد قال الرئيس هذا الأسبوع إنّ الاتّفاق على إنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية، "يمكن أن يتحقّق بسرعة كبيرة"، وإذا كان هناك شخص ما لا يريد إبرام الصفقة، فأعتقد أنّ هذا الشخص لن يكون موجوداً لفترة طويلة جداً. لا حاجة إلى الاستنجاد بمحلّل للفهم أنّ الشخص الذي كان يقصده هو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
من خلال وقفه إمدادات المساعدات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخبارية الأميركية مع كييف، كان ترامب واثقاً من أنّ الأوكرانيين سينفّذون أوامره بسرعة، لأنّه يظنّ أنّ ليس لديهم خيار آخر. كما لو أنّه قدّم لهم عرضاً لا يمكنهم رفضه، مع أنّه ليس لديه أيّ شيء بالطبع، وهو في الحقيقة يضع مسدّساً روسياً في صدغ أوكرانيا، ثمّ قلّل من أثره حين أعلن فجأة أنّه يفكّر بقوة في فرض عقوبات مصرفية وتعريفات جمركية على موسكو، وهي خطوة بدت إلى حدّ كبير تظهر ترامب بأنه رجل متشدّد على الطرفين على حدّ سواء، لكنّ مناورته يجب أن لا تخدع أحداً. ومن المتوقّع أن يتنازل زيلينسكي عن جزء كبير من ثروة المعادن الأوكرانية النادرة إلى الولايات المتحدة، بالطريقة التي تنازل بها منافسو كورليوني عن أرزاقهم لإنقاذ حياتهم.
هذا هو النهج الذي تتبنّاه الولايات المتحدة الآن في العالم. ولقد كرّر ترامب خلال خطابه السنوي أمام الكونغرس في الأسبوع الماضي، تهديده بالاستيلاء على جزيرة غرينلاند، وقال: "بطريقة أو بأخرى، سنحصل عليها". وأشار ذلك إلى تحذيره السابق لكوبنهاغن لإعطائه ما يريد أو مواجهة العواقب، قائلاً: "ربّما يجب أن تحدث أشياء في الدنمارك متعلّقة بالتعريفات الجمركية، مع أنّه بلد وصل إلى مكان جميل، وسيكون من العار إذا حدث شيء له".
إنّه الابتزاز عينه الذي يمارسه ترامب على كندا، الجار الشمالي للولايات المتحدة، والتي اتهم رئيس وزرائها المنتهية ولايته جاستن ترودو، ترامب بمحاولة هندسة "انهيار كامل للاقتصاد الكندي، لأنّ ذلك سيجعل من السهل ضمناً، أن تصبح كندا الولاية 51 الأميركية، لكنّها أبداً لن تكون كذلك". الأسلوب الترامبي هذا مشابه لأساليب شركات العقارات وصناعة البناء في ولاية نيوجيرسي، حيث تشتعل سلسلة من الحرائق لا تتوقّف إلا عندما يستسلم المنافس المتمرّد.
بالمعنى والأسلوب، إنّ ما يحدث مافيا خالصة. المواجهة في المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي مع زيلينسكي، أظهرت اضطراب الهوس بالاحترام، حيث اتّهم نائب الرئيس جي دي فانس مع ترامب الزعيم الأوكراني 3 مرّات بإظهار عدم الاحترام، في مشهد لا يشبه أيّاً مِن قادة العالم، حتّى تومي ديفيتو بدور شخصية جو بيسكي في فيلم "رفاق جيدون".
كما يمكن ملاحظة أيضاً إذلال ترامب لمرؤوسيه. وفي خطابه أمام الكونغرس، قدّم الرئيس وزير الخارجية ماركو روبيو باعتباره الرجل المكلّف باستعادة قناة بنما. وقال بضحكة ملتبسة: "حظّاً سعيداً يا ماركو.. الآن، نحن نعرف على من نلقي اللوم إذا وقع خطأ ما". ضحك بقية المرؤوسين بقلق، كاد أن يبدّد الارتياح الأوّلي القصير، لأنّهم لم يكونوا هم الملامين.
يصعب على المساعدين والمعارضين على حدّ سواء مواكبة فوضى القرارات التي يمارسها ترامب بشكل تعسفي وغير متّسق، مثل فرض التعريفات الجمركية ثمّ تعليقها. في الواقع، إنّ أحد الأسباب التي تجعل ضرائب الاستيراد جذّابة للغاية لترامب هو أنّه من الممكن تطبيقها فوراً بموجب مرسوم رئاسي. ويمتدّ ذلك إلى الإعفاءات التي يمكن أن يقدّمها ترامب للصناعات الأميركية المفضلة. وكما قال الكاتب والصحفي كريس هايز إنّه "من الواضح جداً أنّ هذا سيكون بمنزلة مضرب بيد ترامب، حيث يمكنه بجرّة قلم تدمير أو إنقاذ عملك اعتماداً على مدى امتثالك.
بطبيعة الحال، لا تقتصر الترامبية على تكتيكات "كوزا نوسترا"، أي عصابات المافيا الصقلّية في الشؤون الخارجية، إذ ذكرت وكالة "رويترز" في الأسبوع الماضي أنّ العديد من القضاة الفيدراليين في العاصمة واشنطن تلقّوا بيتزا أرسلت من مجهول إلى منازلهم، وقد فسّرتها الشرطة على أنّها "شكل من أشكال الترهيب يهدف إلى القول إنّ عنوان الهدف معروف". فالقطاع القضائي الآن خائف على سلامته بعد أن أقلقه بالفعل سيل من المنشورات لإيلون ماسك، التي تندّد بالقضاة الذين وقفوا في طريق هدمه المستمرّ لقطاعات كبيرة من الحكومة الفيدرالية ووصفهم بـ"الفاسدين" و"الأشرار". ويقول القاضي المتقاعد جون جونز عن ذلك: "لم أر القضاة مضطربين كما هم الآن أبداً في السابق".
قال ترامب لرئيس المحكمة العليا جون روبرتس: "شكراً لك مرّة أخرى، لن أنسى"، وهو يربت على ظهره هذا الأسبوع للتحرّك للسيطرة على الصحافة،بأسلوب مستمدّ من كتاب قواعد اللعبة للدون كورليوني. يقول أحد أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، أنّ زملاءه الجمهوريين، قالوا له إنّهم لن ينتقدوا ترامب لأنّهم يخافون على سلامتهم الشخصية وسلامة عائلاتهم.
لكنّ الخوف لا يقتصر على السياسيين الأميركيين وحدهم. ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" إنّ "رؤساء الجامعات يخشون أن تختفي ملايين الدولارات من التمويل الفيدرالي، لذلك يحتفظون بانتقاداتهم. والرؤساء التنفيذيون يشعرون بالقلق من التعريفات الجمركية التي يمكن أن تضرّ بأعمالهم، لذلك هم صامتون". وأشارت الصحيفة إلى القلق المتزايد بين النقاد من هجمات ماسك وترامب المحتملة عبر الإنترنت من أن تؤدّي إلى اعتداءات عنيفة عليهم، أو على أحبائهم.
كلّ هذا يحمي ترامب، ويشجّعه على مزيد من الفساد وقسوة المافيا. وهو الآن يتقاضى رسوماً صارخة بنحو 5 ملايين دولار من الأشخاص لتناول العشاء معه في منتجع "ماري لاغو"، ومليون دولار للفرد إذا كان من ضمن مجموعة. كذلك، أعلن ترامب أنّ الولايات المتحدة لن تطبّق بعد الآن قانون الممارسات الأجنبية المتعلّقة بالفساد، الذي يحظر على الأميركيين رشوة المسؤولين الأجانب، بينما قام المدّعي العام بحلّ جميع فرق العمل التي تحقّق في أمور كهذه في وزارة العدل. أمّا بالنسبة إلى القسوة، فيمكن ملاحظة فرحة ماسك وهو يقطع "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" إرباً، وبالتالي يضمن وصول الموت للمرضى والجوعى الذين يعتمدون على الأدوية والغذاء الأميركي.
على الأقلّ كان دون كورليوني يسترشد بميثاق شرف خاص بالعلاقات مع الآخرين، إذ يفرض أن يردّ الجميل بالمثل في الوقت الملائم. لكنّ ترامب لجأ إلى المحكمة بدلاً من دفع مستحقّات المورّدين مقابل العمل الذي أنجزوه بالفعل لصالح الحكومة الأميركية، وهو أيضاً ليس لديه ذاكرة لأولئك الذين تدين لهم الولايات المتحدة بدين أكبر بكثير من الأموال، حيث تناسى نائبه جي دي فانس بمهارة الدماء التي قدمها حلفاء أميركا، من ضمنهم المملكة المتحدة، التي وصفها حين رفض عرضها بإرسال "20,000 جندي لحفظ أمن أوكرانيا بالبلد العشوائي الذي "لم يخض حرباً منذ 30 أو 40 عاماً".
إنّ الوقوف بعيداً من أقرب جيراننا ليس غبيّاً فحسب، بل هو خطير. وعندما تصبح أقوى دولة على كوكب الأرض دولة مافيا، يـتوجب على المرء أن يفعل كل ما يلزم.
نقله إلى العربية: حسين قطايا