"نيويورك تايمز": استراتيجية ترامب.. منشارٌ لتقسيم أميركا

أميركا أصبحت عظيمة بسبب الأمور التي يكرهها ترامب ويحاربها اليوم.

0:00
  • ترامب وماسك في احتفال تنصيب الرئيس الأميركي

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب توماس فريدمان، عبّر فيه عن قلقه من استراتيجية "الصدمة والرعب"، التي اتّبعها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مستشهداً بالحرب الأميركية على العراق.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

في كل مرة أقرأ فيها أنّ استراتيجية فريق ترامب تقوم على "الصدمة والرعب"، من خلال الاستيلاء السريع والواسع ومتعدد الجبهات على حكومة الولايات المتحدة لتقليص البيروقراطية وقلب أولويات السياسة الداخلية والخارجية الراسخة، أعود بذاكرتي إلى المرة الأولى التي سمعت فيها هذا المصطلح، وهذه ليست ذكرى جميلة. فهي الاستراتيجية نفسها التي استخدمتها إدارة جورج دبليو بوش في غزوها العراق عام 2003، حيث توقع ديك تشيني أنه سيُرحّب بنا بصفتنا "محررين".

وبعد نحو 3 أسابيع من بدء تلك الحرب، ذهبت إلى العراق مع بعض العاملين في مجال الإغاثة لأعاين كيف كان تأثير "الصدمة والرعب". فكان مقالي الأول بعنوان "أوقفوا تصفيقكم"، لأنني، كما شرحت، كنت مسافراً مع وحدة من الصليب الأحمر الكويتي لزيارة مستشفى في أم قصر، وهي "أول مدينة تحررها قوات التحالف. إلا أنه بعد مرور 20 يوماً على الحرب، لم يكن هناك مياه صالحة للشرب أو أمن أو إمدادات غذائية كافية. وذكرتُ أن عمّال الإغاثة الكويتيين، الذين كنت معهم، "أشفقوا على العراقيين"، وألقوا علب الطعام الإضافية الخاصة بنا من نافذة الحافلة في أثناء مغادرتنا. وشاهدتُ العاملين في المستشفى يتدافعون للحصول على بقايا الطعام. وقلت: "كان هذا مشهد إذلال وليس تحريراً. أنا متأكد من أنّ الأمور ستتحسن بمرور الوقت. لقد أسقطت الولايات المتحدة الآن نظام صدام، لكنها لم تضع نظاماً جديداً بعد. ويجري ملء الفراغ في كثير من الأماكن بواسطة اللصوص، والبلطجية، والفوضى، والعطش، والجوع، وانعدام الأمن". 

ولسوء الحظ، صدر مقالي صباح يوم الـ9 من نيسان/ أبريل 2003، وهو اليوم الذي هدمت فيه القوات الأميركية والمدنيون العراقيون تمثال صدام حسين في بغداد، وكان الجميع يحتفلون بهذه الإطاحة كأنها تشبه سقوط جدار برلين. لكنني كنتُ هناك، بصفتي مؤيداً للحرب من أجل نشر الديمقراطية وليس للعثور على أسلحة الدمار الشامل، وكنت أطلب إلى الناس أن يكفوا عن التصفيق، وأؤكد لهم أن الأمور ستصبح أفضل. 

كنت ساذجاً جداً، واعتقدت أنّ أي إدارة أميركية ستطلق حملة "الصدمة والرعب" للسيطرة على بلد يقع في النصف الآخر من العالم، ستعرف ما كانت تفعله وستكون مزودة بخبراء يعرفون ما يفعلونه. ولا يمكن أن أكون مخطئاً أكثر.

هذه المرة، حكومتنا هي التي يتم تطهيرها من جانب الأيديولوجيين اليمينيين الذين يريدون تطهيرها من أيديولوجية التنوع والمساواة والشمول وحماية البيئة وبرامج الطاقة النظيفة والمساعدات الخارجية. لكنني أعتقد أنّ هذه السياسة لا تعدو عن كونها مجرّد تمويه. وأظن أنّ ماسك ورفاقه في وادي السيليكون هم من الليبراليين المتطرفين الذين يريدون تنفيذ الحلم الخاص بالخبير الاستراتيجي الجمهوري غروفر نوركويست، الذي كان هدفه، كما كان يحب أن يقول، تقليص الحكومة "إلى الحجم الذي يمكن للمرء أن يسحبها إلى الحمام ويغرقها في حوض الاستحمام". 

أنا لست ضد تقليص الحكومة، لكنني أؤيد جعلها أفضل. وفي الواقع، لا وجود لمثل هذه العملية لدى "ماسك وأعضاء فريقه". وكل ما يتحدثون عنه هو مقدار ما يقتطعونه، وليس كيف أن أفعالهم  تُعَدّ جزءاً من خطة شاملة من شأنها تعزيز مجتمعنا وخدمة الأميركيين بشكل أفضل. إنّ فرحتهم تأتي من الاقتطاع وليس من البناء.

ويسعى إيلون ماسك لأن يكون معروفاً بمنشاره ولتزويد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بـ"الفرّامة". ويبدو أنه وزملاءَه سعداء بتسريح موظفي الخدمة المدنية من وظائفهم وتدمير أهم المراكز البحثية، مثل المعاهد الوطنية للصحة، ناهيك بإقصاء علماء المناخ والمتنبئين بالطقس في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، بين آخرين كثيرين.

وإذا كنت تعتقد أنّ العراق والشرق الأوسط تزعزع استقرارهما بسرعة بسبب جهود الصدمة والرعب من دون وجود خطة حكيمة لمتابعتها، فتخيل أن تفعل الأمر نفسه مع حكومة الولايات المتحدة. كيف ذلك؟ ربما كان كبير المسؤولين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يبالغ عندما قال إنّ قضاء ترامب على الوكالة وسحب المساعدات الخارجية قد يتسببان على الأرجح بما يصل إلى 18 مليون حالة إضافية من الملاريا سنوياً، وإصابة 200 ألف طفل سنوياً بالشلل بسبب شلل الأطفال، ومئات الملايين من الإصابات، وما يزيد على 28 ألف حالة جديدة من الأمراض المعدية، مثل الإيبولا وماربورغ، كل عام. لكن، ماذا لو لم يكن يبالغ؟ هل تعتقد أنه لن تكون هناك ردود فعل عنيفة؟ وهل سمعت يوماً عن جائحة "كوفيد-19"؟

أرِني دراسة واحدة أجرت خلالها إدارة ترامب اختباراً للإجهاد لأي من هذه الأمور، أو أرِني اختبارات الإجهاد للتأثير المدمر الذي ستخلفه الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بنسبة 25% على المكسيك وكندا على شركتي "فورد" و"جنرال موتورز". إنّ إصراره المتكرر على أنّ الشركات المصدّرة الأجنبية تتحمّل تكلفة الرسوم الجمركية هو مجرد حماقة. وكما أشار وارن بافيت في مقابلة تلفزيونية تم بثها خلال عطلة نهاية الأسبوع: "إنها ضريبة على السلع. وبالطبع لن تدفعها جنية الأسنان!"

وما هو برأيك التأثير طويل الأمد الذي قد تخلفه إقالة الضابط العسكري الأميركي الأعلى رتبة ورئيسة العمليات البحرية في الروح المعنوية والتجنيد والاحتفاظ بالموظفين في الجيش الأميركي، ليس بسبب أي إخفاقات معلنة، بل لأنّ الأول كان أسود البشرة وعبّر ذات يوم عن دعمه حركة "Black Lives Matter"، والثانية كانت امرأة؟ لقد ألمح وزير الدفاع بيت هيغسيث إلى أن كليهما تمت ترقيته لأسباب تتعلق بالوعي، وليس بسبب الجدارة الحقيقية.

لقد تخرّج رئيس هيئة الأركان المشتركة المُقال، الجنرال تشارلز كيو براون جونيور، من مدرسة الأسلحة التابعة للقوات الجوية ــ وهي الفرع المعادل لبرنامج "Top Gun" التابع للبحرية. وسجل أكثر من 3100 ساعة طيران في الأساس بطائرات "أف-16"، بما في ذلك 130 ساعة قتالية. وكان حاصلاً على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية ودرجة الماجستير في علوم الطيران.

في المقابل، فإن هيغسيث، وهو مذيع سابق من الدرجة الثانية في قناة "فوكس نيوز" اتهمته والدته ذات مرة بإساءة معاملة النساء باستمرار (ثم تراجعت عن هجومها عليه لاحقاً)، هو تجسيد لسياسة التنوع والمساواة والشمول في عصر ترامب التي توظّف أشخاصاً من ذوي البشرة البيضاء متوسطي الذكاء. 

ومن المؤكد أنّ ماسك لن يوظف بيت هيغسيث، أو كاش باتيل، أو تولسي غابارد، أو روبرت إف كينيدي جونيور للعمل كمندوبي مبيعات في صالة عرض شركة "تسلا" أو أيّ من شركاته. لكن ترامب وظفهم بالتحديد لأنهم أيديولوجيون من الدرجة الثانية يوافقون على منح ولائهم له قبل منحه للدستور أو للحقيقة. 

صحيح أنّ الولايات المتحدة دفعت أكثر من أي دولة أخرى لبناء ركائز النظام العالمي الليبرالي على مدى الأعوام الـ80 الماضية، لكن من خلال القيام بذلك، نجحنا في جعل الكعكة العالمية أكبر حجماً وأكثر استقراراً بالنسبة إلى الجميع. وبما أننا كنا الاقتصاد الأكبر والأقوى، فقد ظلت حصتنا تكبر أكثر فأكثر مقارنة بأي اقتصاد آخر. وفي حال صدمت وأرعبت هذا النظام الذي لا يملك أي خطة، باستثناء الانتقام اليميني الواعي ونظرة ترامب إلى الجغرافيا السياسية والتجارة التي تعود إلى القرن التاسع عشر، فانظر ما يحدث حالياً لحصتنا من الكعكة وحصة الآخرين. 

نقلته إلى العربية: زينب منعم