"الغارديان": وقف إطلاق النار كلمة جوفاء بالنسبة إلى الفلسطينيين

القتل والحصار مستمران في غزّة، وتقليص العمليات العسكرية فيها سمح لـ "إسرائيل" بتحويل تركيزها إلى الضفة الغربية، الأمر الذي كان له آثار مدمّرة.

0:00
  • قتل نحو 100 فلسطيني في غزة بعد وقف إطلاق النار
    قتل نحو 100 فلسطيني في غزة بعد وقف إطلاق النار

"صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتحدث عن العنف المستمر في قطاع غزة، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، توازياً مع استمرار الحصار على القطاع وقطع المساعدات عن الفلسطينيين. ويتناول أيضاً العمليات العسكرية غير المسبوقة في الضفة الغربية، التي برزت فيها تكتيكات حرب جديدة مثل تلك التي تم استخدامها في غزة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لقد مرّت ستة أسابيع فقط منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة، ومن الواضح أنّ من الأدق أن نطلق عليه "خفض" إطلاق النار، وليس وقف إطلاق النار. ولا يزال عشرات الأشخاص يُقتلون؛ وهو ما يكفي، في أي سيناريو آخر، لاعتباره أمراً مثيراً للقلق وجديراً بالاهتمام.

ويقول المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة إنّ أكثر من 100 شخص لقوا حتفهم منذ 19 كانون الثاني/يناير. وتشكّل عمليات القتل هذه، إلى جانب الخروقات الأخرى، سجلاً قاتماً لمئات الانتهاكات المبلغ عنها لوقف إطلاق النار من جانب "إسرائيل".

وكان آخرها قرار السلطات الإسرائيلية بوقف المساعدات الإنسانية إلى غزة، من أجل الضغط على حماس لقبول شروط جديدة لوقف إطلاق النار، فبعد ساعات قليلة فقط من انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، قطعت "إسرائيل" جميع الإمدادات. وبذلك، تستخدم "إسرائيل" الغذاء والإغاثة المدنية كأداة سياسية لتحقيق أهدافها.

إنّ هذا الحصار لن يؤثر على عدد قليل من الفلسطينيين، بل  هو يشمل كل شخص يعيش في غزة. لقد أصبح السكان بالكامل رهينة. ووفقاً لأمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية في غزة، فإنّ "سكان غزة  يعتمدون بشكل كامل على المساعدات، من جميع الأنواع، نتيجة لهدم البنية الأساسية الاقتصادية والاجتماعية". إنّ وقف إطلاق النار كما هو عليه الآن لا يشكل عائقاً أمام الموت والتجويع وحصار سكان دمّرت منازلهم بالكامل، ولا يزال أطفالهم يتجمدون حتى الموت في برد الخيام الممزقة.

في الضفة الغربية، كان نمط الهجوم بطيئاً ولكن مؤلم ويتصاعد منذ أسابيع. ويبلغ إجمالي عدد الضحايا في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر بسبب تكثيف عنف المستوطنين وهجمات قوات الدفاع الإسرائيلية ما يقرب من 1000، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية. ولم يؤدِّ وقف إطلاق النار إلّا إلى تفاقم الوضع. ومع استنزاف غزة لمواردها وانخراطها العسكري النشط، حوّلت "إسرائيل" اهتمامها إلى الأراضي المحتلة في الضفة الغربية في عملية وصفت بأنها تحوّل الضفة إلى ما يشبه غزة.

لقد أصبحت الحرب في غزة، وما سُمح بمروره هناك من قتل المدنيين والنزوح الجماعي واستهداف المرافق الطبية، نموذجاً مجرباً يتم تطبيقه الآن في الضفة الغربية. ومع شعورها بالأمان لعلمها بأن حلفاءها الغربيين سيواصلون دعمها وتزويدها بالأسلحة والغطاء السياسي، تكرر الحكومة الإسرائيلية تكتيكاتها في أماكن أخرى.

في اللحظة التي تم فيها الاتفاق على وقف إطلاق النار، أطلقت "إسرائيل" عملية الجدار الحديدي، وهي حملة عسكرية في الضفة الغربية، وكأنها تشير من خلال توقيتها إلى أنّ هذه الحرب أصبحت الآن حرباً أبدية للانتقام الدائم. ففي العام الماضي وحده، قُتل أكثر من 224 طفلاً في الضفة الغربية على أيدي القوات الإسرائيلية والمستوطنين، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ولإعطاء فكرة عن مدى حدة نقطة التحوّل، فإنّ هذا الرقم يشكل ما يقرب من نصف العدد الإجمالي للأطفال الذين قُتلوا في الضفة الغربية منذ بدأت السجلات قبل عشرين عاماً. ومن بين هؤلاء أيمن الحموني، الذي تم تصوير إطلاق النار عليه، ما يضاف إلى أرشيف تسجيلات الفيديو والصوت ولحظات الرعب والذعر الأخيرة ووفيات الأطفال في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية. ومن بين هؤلاء أيضاً ليلى الخطيب البالغة من العمر عامين، والتي أُطلِقَ عليها الرصاص في منزلها. والطفل الذي لم يولد بعد لسندس جمال محمد شلبي، التي كانت حاملاً في الشهر الثامن، والتي توفيت مع الطفل عندما أُطلِقَ عليها الرصاص. وهكذا دواليك: يستمر الأمر بلا هوادة ولا يمكن إيقافه.

وتتشابه الأساليب والتبريرات المستخدمة في عملية الضفة بشكل مخيف مع تلك المستخدمة في غزة. إنّ استهداف المسلحين الفلسطينيين أصبح تبريراً لمجموعة كاملة من الأنشطة المدمّرة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر: تدمير البنية الأساسية، وطرد الناس من منازلهم من دون حق العودة (40 ألف شخص حتى الآن، في أقل من شهرين، وفقاً لوكالة الأونروا، وكالة المساعدات التابعة للأمم المتحدة)، واستهداف المرافق الطبية والعاملين فيها، وتسوية أحياء بأكملها بالأرض، وتخفيف قواعد الاشتباك العسكرية للسماح للجنود بمزيد من الحرية والتفويض بفتح النار. ووفقاً للأونروا، فإنّ "استخدام الضربات الجوية والجرافات المدرعة والتفجيرات المتحكم فيها والأسلحة المتقدمة من قبل القوات الإسرائيلية أصبح أمراً شائعاً في الضفة الغربية، وهو امتداد للحرب في غزة". والنتيجة هي هجوم في الضفة الغربية لا يقل أهمية عن الهجوم الذي حدث ويحدث في غزة.

بالفعل، تعد عملية الجدار الحديدي هي الأطول في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية. لقد دخلت الدبابات وجنود "الجيش" الإسرائيلي إلى المخيمات في مناطق مثل جنين وطولكرم، لأول مرة منذ عشرين عاماً. وتمثل هذه الإجراءات تغييراً جوهرياً في الطريقة التي تختار بها "إسرائيل" التعامل مع السكان الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. فقد تم الانتقال من الاستنزاف الوحشي من خلال عنف المستوطنين والحصار والتجاوزات القانونية والاعتقال من دون محاكمة إلى نمط أكثر فتكاً وقمعاً يبدو أنه لا يحمل أي غرض استراتيجي أو خطة طويلة الأجل للاستقرار. ويبدو أنّ الهدف هو توسيع المستوطنات والوجود العسكري واحتجاز ومراقبة حياة الملايين من الفلسطينيين، وإملاء كل شيء من ما إذا كان الوقت قد حان لتناول الطعام، إلى ما إذا كان لديهم الحق في الحياة. والنتيجة هي تقليص ما يملكه الفلسطينيون بالفعل؛ أرض أقل، استقلال أقل، وحقوق إنسان قليلة.

وفي ظل هذا التوازن غير المتكافئ للقوة، وفي ظل هذا الإفلات من العقاب، لا تجد "إسرائيل" ما يحفزها على التصرف على نحو يؤدي إلى تهدئة الأمور. ويكشف الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة عن موقف متغطرس إزاء أهمية الحفاظ على المفاوضات. وإذا انهار وقف إطلاق النار في غزة، فسوف يعود الصراع إلى التسبب في خسائر بشرية عالية في الجانب الفلسطيني. وإذا مات المزيد من الناس في الضفة الغربية، فإنّ هذا من شأنه أن يغذي المستوطنات التي تتوسع في أراضي أولئك الذين طردوا.

إنّ مثل هذه الحالة الدموية الخانقة من وقف إطلاق النار يجب  أن لا تضلل أحداً بأن "إسرائيل" وفلسطين على طريق العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب، أو أنّ هناك أي وعد بمستقبل مستقر بعد الحرب. يستطيع دونالد ترامب والزعماء العرب والحكومة الإسرائيلية أن يترددوا ذهاباً وإياباً بقدر ما يحلو لهم بشأن أفضل "خطة لغزة". والحقيقة أنّ الحرب في غزة ربما انتهت الآن؛ لكن شيئاً آخر، في جميع الأراضي الفلسطينية، بدأ.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.