"The Conversation": مؤشرات الأرض تتداعى والعالم يسير نحو كارثة مناخية
في عام 2024، تفاقمت أزمة المناخ من جميع النواحي. لكن لا يزال بإمكاننا الحدّ من الاحتباس الحراري باتخاذ تدابير جريئة.
- 
أزمة المناخ تتفاقم من جميع النواحي ويجب الحدّ من الاحتباس الحراري باتخاذ تدابير جريئة  
موقع "The Conversation" الأميركي ينشر تقريراً يتناول حالة المناخ في العالم لعام 2024، ويكشف الصورة المقلقة لتدهور المؤشّرات الحيوية للكوكب نتيجة فشل الدول في الحدّ من الانبعاثات وتحقيق أهداف اتفاق باريس.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
لعقود، بقيت مسألة تغيّر المناخ محطّ اهتمام العالم. وقد أثبتت توقّعات علماء شركة "إكسون" (Exxon) العملاقة للنفط في أوائل الثمانينيات دقّتها. فالضرر الناجم عن عالم أكثر حرارة وفوضى يتفاقم ويصبح أكثر تكلفة. وعلى الرغم من ذلك، فشلت الكثير من بلدان العالم في تحقيق أهدافها المتعلّقة بالانبعاثات، مع وجود فجوات كبيرة حتى هذا الأسبوع بين الالتزامات والإجراءات اللازمة للسيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية. وقد وضع هذا الأمر الأرض على مسار خطير، كما يكشف تقريرنا الجديد عن حالة المناخ.
المؤشرات الحيوية للأرض تتداعى
لقد كان العام الفائت الأكثر حرارة على الإطلاق. ويُرجّح أيضاً أنه كان الأكثر حرارة منذ 125 ألف عام على الأقل.
نتتبع سنوياً 34 مؤشراً حيوياً للكوكب. وفي عام 2024، سجّل 22 من هذه المؤشرات مستويات قياسية. فقد بلغت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وحرارة المحيطات مستويات قياسية جديدة، وكذلك الحال بالنسبة لخسائر الأشجار الناجمة عن الحرائق. واستمر استهلاك اللحوم في الارتفاع، وبلغ استهلاك الوقود الأحفوري مستويات قياسية جديدة.
وباتت عواقب التقاعس في التعامل مع مشكلة التغيّر المناخي أكثر وضوحاً. ففي عام 2024، عانت الشعاب المرجانية في العالم من أوسع ابيضاض مُسجّل على الإطلاق، بحيث أثّر على نحو 84% من مساحة الشعاب المرجانية في العالم بين كانون الثاني/يناير 2023 وأيار/مايو 2025.
إضافة إلى ذلك، انخفضت كتلة الجليد في غرينلاند والقطب الجنوبي إلى مستويات قياسية. وارتفعت معدلات الكوارث المميتة والمكلفة، بما في ذلك فيضانات تكساس التي أودت بحياة 135 شخصاً على الأقل، بينما كلّفت حرائق الغابات في لوس أنجلوس أكثر من 380 مليار دولار أسترالي. ومنذ عام 2000، تسبّبت الكوارث العالمية المرتبطة بالمناخ في أضرار تجاوزت 27 تريليون دولار.
ولسوء الحظ، هذه القصص والإحصائيات ليست بجديدة. فقد تمّ نشر الكثير من التقارير والتحذيرات الأخرى قبل أن نبدأ هذه اللمحة السنوية في عام 2020. لذلك، يُركّز تقريرنا هذا العام على 3 أنواع من العمل المناخي شديد التأثير، تشمل الطاقة والطبيعة والغذاء.
الطاقة
سجّل استهلاك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مجتمعين رقماً قياسياً جديداً في عام 2024، ولكنه لا يزال أقل بـ31 مرة من استهلاك الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز). وهذا على الرغم من أنّ مصادر الطاقة المتجدّدة تُعدّ اليوم الخيار الأرخص للطاقة الجديدة في كلّ مكان تقريباً. ويُعدّ استمرار الدعم الحكومي للوقود الأحفوري أحد أسبابه.
وبحلول عام 2050، يُمكن أن تُوفّر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح نحو 70% من الكهرباء المُنتجة في العالم. لكنّ هذا التحوّل يتطلّب الحدّ من نفوذ قطاع الوقود الأحفوري والتخلّص التامّ من إنتاجه واستخدامه، وليس التوسّع الذي نشهده عالمياً.
ونتيجةً للاستهلاك المتزايد للوقود الأحفوري، ارتفع معدّل الانبعاثات المرتبطة بالطاقة بنسبة 1.3% في عام 2024، ووصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 40.8 جيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. وفي عام 2024، كانت الصين (30.7% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الوقود الأحفوري)، والولايات المتحدة (12.5%)، والهند (8%)، والاتحاد الأوروبي (6.1%)، وروسيا (5.5%) أكبر الدول المتسبّبة بهذه الانبعاثات. وقد شكّلت هذه الدول مجتمعةً 62.8% من الانبعاثات العالمية.
ولسوء الحظ، قد يكون ارتفاع درجات الحرارة وموجات الحرّ السبب الرئيس وراء ارتفاع معدلات توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري. وعلى الرغم من وجود مخاوف بشأن التأثيرات البيئية للطاقة المتجدّدة، فإنّ التهديد الأكبر للتنوّع البيولوجي بالنسبة لنا هو تغيّر المناخ، ويمكن أن تكون تدابير الحفاظ على التنوّع البيولوجي والتخفيف من آثاره جزءاً من تخطيط المشروع.
الطبيعة
تظلّ حماية المنظومات البيئية واستعادتها على الأرض وفي المحيط إحدى أقوى الطرق لدعم تغيّر المناخ والتنوّع البيولوجي ورفاهية البشر.
إنّ حماية المنظومات البيئية، مثل الغابات والأراضي الرطبة وأشجار المانغروف وأراضي الخث، واستعادتها من شأنها أن تُزيل أو تُجنّب نحو 10 جيغا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2050، وهو ما يعادل نحو 25% من الانبعاثات السنوية الحالية.
في المقابل، يجب علينا أن نتوقّف عن تدمير ما لدينا. فقد بلغ فقدان الغطاء الشجري العالمي نحو 30 مليون هكتار في عام 2024، وهو ثاني أعلى مساحة مُسجّلة، بزيادة قدرها 4.7% عن عام 2023. وكانت خسائر الغابات الأولية الاستوائية كبيرة بشكل خاصّ في عام 2024، بحيث وصلت الخسائر المرتبطة بالحرائق إلى مستوى قياسي بلغ 3.2 ملايين هكتار، مقارنةً بـ690 ألف هكتار فقط في عام 2023، أي بزيادة قدرها 370%.
الغذاء
يتمّ فقدان أو هدر نحو 30% من الأغذية على مستوى العالم. لذا، فإنّ الحدّ من هدر الطعام قد يقلّل بشكل كبير من انبعاثات غازات الدفيئة، بحيث أنه يشّكل من 8-10% من الانبعاثات العالمية تقريباً. كما يمكن للسياسات الداعمة للأنظمة الغذائية الغنية بالنباتات المساهمة في إبطاء وتيرة تغيّر المناخ، مع تحقيق فوائد جمّة تتعلق بصحة الإنسان والأمن الغذائي والتنوّع البيولوجي.
وقد تتراوح إمكانية التخفيف التقنية المرتبطة بالتحوّل عن تناول اللحوم بين 0.7 و8.0 جيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2050. ويعود ذلك جزئياً إلى أنّ انبعاثات غاز الميثان من الأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات المجترة تُمثّل ما يقرب من نصف إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الزراعية. وقد بلغ استهلاك الفرد من اللحوم أعلى مستوياته على الإطلاق في عام 2024، ونضيف حالياً 500 ألف حيوان مجتر أسبوعياً.
إحداث تغيير على الصعيد العالمي
في تقريرنا، نشير إلى أنّ نقاط التحوّل الاجتماعي قد تُحفّز الإجراءات المناخية. وتشير هذه النقاط إلى اللحظات التي تُحدث فيها أقلية صغيرة ملتزمة تحوّلاً سريعاً وواسع النطاق في الأعراف الاجتماعية أو المعتقدات أو السلوكيات. وتُظهر الأبحاث أنّ الحركات والاحتجاجات السلمية المستمرة التي تُشارك فيها نسبة ضئيلة من السكان (نحو 3.5%) يُمكن أن تُسهم في إحداث تغيير جذري.
يستخفّ كثير من الناس بحجم الدعم العالمي للإجراءات المناخية، ويرى معظمهم أنهم أقلية. ويُعتقد بأنّ هذا الأمر يُعزّز الانفصال والعزلة. ولكنه يُشير أيضاً إلى أنه مع تنامي الوعي وانعكاس قيم الناس على الآخرين، قد تتعزّز ظروف نقاط التحوّل الاجتماعي. ولا يتطلّب الوصول إلى هذه النقاط الإيجابية مجرّد حقائق وسياسات، بل تواصلاً وشجاعةً وعزيمةً جماعيةً.
باختصار، إنّ استراتيجيات التخفيف من آثار تغيّر المناخ متاحة وفعّالة من حيث التكلفة ومطلوبة بشكل عاجل، ولا يزال بإمكاننا الحدّ من ظاهرة الاحتباس في حال تحرّكنا بجرأة وسرعة، ولكنّ الفرصة تضيق.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.