"Znetwork": نهاية الديمقراطية الغربية

إذا أرادت المملكة المتحدة أن ننجو من الانحدار نحو الفاشية كمجتمع، فهي بحاجة إلى الاستعداد لاحترام الاختلاف الآن، ويجب على كلّ بريطاني أن يكون مستعدّاً للذهاب إلى السجن إذا لزم الأمر.

  • الناشطة البريطانية المؤيدة لفلسطين سارة ويلكنسون التي داهمت الشرطة منزلها وعمدت إلى سجنها والتحقيق معها.

يكتب الناشط والكاتب كريغ موراي مقالاً في موقع "Znetwork" يتناول فيه الإجراءات التعسفية والقمعية التي تتخذها الحكومة البريطانية برئاسة كير ستارمر ضد الناشطين والصحافيين المناهضين للاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية في غزة، وكذلك توسع هذه الإجراءات في عدد من الدول الغربية.

في ما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

لن يتمكّن أيّ زعيم غربي كبير أن يتحدّث عن حقوق الإنسان أو القيم الأخلاقية مجدّداً، من دون أن يثير صيحات الاستهزاء والسخرية، خاصّة بعد قمع المحتجّين على الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزّة، والتي تحظى بتواطؤ المنظومة الغربية ودعمها بشكل مريب يصعب تصديق أنّه يحدث فعلاً.

رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، يوغل في زيادة الضغوط على معارضي المجازر الصهيونية الجارية بحقّ الفلسطينيين منذ أكثر من 10 أشهر. في الأسبوع الفائت، اعتقلت الشرطة الإنكليزية الصحفية سارّة ويلكنسون، وتم توجيه الاتهام إلى الناشط ريتشارد برنارد، وكلاهما بموجب المادّة (12) المجحفة من قانون الإرهاب، والتي تصل عقوبتها إلى السجن لمدّة تصل إلى 14 عاماً.

بالطبع، تجاهلت وسائل الإعلام الرئيسية في المملكة المتّحدة هذه الأحداث، ولكنّها استشاطت غضباً، إزاء إدانة 2 من الناشطين في هونغ كونغ بتهمة التحريض على الفتنة، والتي تصل عقوبتها القصوى إلى عامين. مع ذلك، يزعمون أنّ الصين استبدادية لا بريطانيا. وهذا لا يعني تأييد الإدانات في هونغ كونغ التي تشكّل أيضاً تدخّلاً غير مبرّر في حرّية التعبير، لكنّه إشارة إلى النفاق المذهل للمؤسّسة البريطانية وقوانينها السيّئة.

لقد وجّهت الاتّهامات إلى ريتشارد برنارد، بذريعة خطاباته العامّة الداعمة لحقّ الفلسطينيين في المقاومة المسلّحة. وأطلق سراح سارّة ويلكنسون بكفالة بعد نحو 14 ساعة. وكما حدث مع اعتقال ريتشارد ميدهورست وإطلاق سراحه بكفالة مؤخّراً، فإنّ اعتقال ويلكنسون وإطلاق سراحها بكفالة هو بمنزلة أداة لكبح جماح تقاريرها وقمع نشاطها.

لقد أصبحت مضايقة الصحافيين المعارضين أمراً روتينياً، تسهّله الصلاحيّات الواسعة التي يمنحها قانون الإرهاب للاستجواب ومصادرة معدّات الاتّصالات وغيرها. وقد تعرّضت أنا نفسي للاعتقال والاستجواب ومصادرة المعدّات بتهمة "الإرهاب" في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي.

لكنّ قضيّة سارة ويلكنسون تشكّل تصعيداً خطيراً، إذ دوهم بيت الصحفية، واقتحم من قبل 16 شرطيّاً في ساعات الصباح الأولى، واعتقلت بينما فتش منزلها بالكامل، على الأرجح بحثاً عن مسلّحين تحت السرير!!

وقد كشفت تفاصيل أخرى عن المداهمة غير معقولة، إذ استخدم أفراد من "شرطة مكافحة الإرهاب"، الذين يرتدون أقنعة الوجه، ضدّ صحافية مسالمة، وعرّضوها لمعاملة قاسية وأذى جسدي، كما دنّس رماد جثمان والدتها خلال "الحملة" على منزلها.

وتتضمّن شروط إطلاق سراح سارة بكفالة عدم السماح لها باستخدام الحاسوب أو الهاتف المحمول.

إنّها حكومة فاشية ترْسل 16 شرطياً لاعتقال صحافي في الفجر، كما حدث مع الناشط ريتشارد ميدهورست عندما أوقفت سيارات الشرطة طائرة يستقلّها على المدرّج، وسحبته من الطائرة (التي كانت قد هبطت تواً، وكانت في طريقها إلى البوّابة على أيّ حال)، لكنّهم اختاروا أن يستعرضوا استبدادهم وترهيبهم بشكل مسرحي موقع بختم نازي يمثّل عنف الدولة.

ريتشارد برنارد هو أحد مؤسّسي منظّمة "فلسطين أكشن" الرائعة، والتي فعلت الكثير لتعطيل صناعة الأسلحة الإسرائيلية في المملكة المتّحدة، التي تستمرّ حكومتها بإمداد "دولة" الاحتلال بالمعدّات الحيوية لتنفيذ التدمير الشامل لحياة المدنيين في غزّة. وقد اتّهمته السلطات بالتحريض بموجب المادّة 12 من قانون الإرهاب بسبب خطابين ألقاهما دعماً للمقاومة الفلسطينية المسلّحة، التي لها الحقّ بالدفاع عن النفس ضدّ الاحتلال غير الشرعي. أمّا "إسرائيل"، القوّة المحتلّة، فلا تملك هذا الحقّ كما هو واضح في القانون الدولي.

ولكن، في المملكة المتّحدة، يبدو تقديم الدعم الكامل للإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" والتمنّي بإبادة الفلسطينيين جميعهم أمراً قانونياً. فالمشاركون في التوحّش الإسرائيلي المستمرّ في غزّة، يتنقّلون بكلّ أريحية وسرور بين لندن و"تلّ أبيب" تحت نظر القانون الأعمى، الذي يعدّ دعم المقاومة الفلسطينية التي تجيزها الشرائع والقوانين الدولية أمراً غير قانوني.

بلا جدال، تصاعدت الإجراءات القمعية ضدّ الناشطين منذ وصول ستارمر إلى السلطة. ففي الأسبوعين المنصرمين صدرت أحكام بحق 5 ناشطين شباب في غلاسكو تتراوح بين 12 شهراً إلى 24 شهراً في السجن؛ بسبب احتجاجهم المشتبك ضدّ مصنع الأسلحة الذي يصنع أجزاء لطائرات من دون طيار الإسرائيلية من طراز "ووتش كيبر"، التي تستخدم على نطاق واسع ضدّ المدنيين في غزّة. وكانت الأحكام التي أصدرها القاضي، وحشية وأقوى بكثير ممّا جرت العادة في قضايا مماثلة وتتمحور حول الإخلال بالسلم العام، والتخريب والسلوك غير المنضبط، حيث تصدر أحكام بالسجن أحياناً، لكن مع وقف التنفيذ.

كذلك تجاهلت المحكمة ما أوصت به الحكومة الاسكتلندية بعدم إصدار أحكام بالسجن لمدّة 24 شهراً أو أقل، والبحث عن بدائل عقابية أخرى.

ولم يتردّد حزب ستارمر الصهيوني بالتباهي بسجن الناشطين الشباب، ولا سيّما مستشاره لشؤون "العنف السياسي" ومدير منظّمة مؤيدة لـ"إسرائيل"، لوك أكهورست، والذي يطلق عليه الآن اسم اللورد جون وودكوك، الذي قال: "إنّ الناشطين الذين يفكّرون في خرق القانون لتحقيق أهدافهم بحاجة أن يدركوا أنّه ستكون هناك عواقب".

ويأتي هذا بعد أحكام قاسية مماثلة صدرت بحقّ ناشطين في مجال تغيّر المناخ، من ضمنهم الذين شاركوا فقط في مكالمات عبر تطبيق "زووم" لمناقشة النشاطات.

إنّ ردّ الفعل الاستبدادي للطبقة الحاكمة الصهيونية المرتعدة هو ظاهرة عالمية. فقد وجّهت اتّهامات سخيفة إلى الصحافية الأسترالية المرموقة ماري كوستاكيديس بموجب قوانين خطاب الكراهية، لنشرها تغريدات مؤيّدة للفلسطينيين. وحقّق مع الناشط الأميركي البروفيسور داني شو من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي عند عودته إلى الولايات المتّحدة بعد رحلة تضمّنت التحدّث إلى جانبي في ندوة في مهرجان فلسطين السينمائي الدولي.

وفي الولايات المتّحدة أيضاً، دوهم منزل سكوت ريتر من قبل الشرطة الاتّحادية، وتمّت مصادرة جميع أجهزته الإلكترونية وغيرها من المواد. لقد تحدّثت إلى داني شو وإلى ريتشارد ميدهورست، وفي كلّ هذه الاعتقالات والاحتجازات، بما في ذلك اعتقالي، كان التركيز منصباً على مصادرة الأجهزة الإلكترونية والاستجواب، مع التركيز بشكل كبير على الاتّصالات والاجتماعات ومصادر التمويل.

من الواضح أنّ أجهزة الاستخبارات التابعة لتحالف "العيون الخمس" تعمل على بناء مخطّطات مشبوهة لمنع المعارضة الديمقراطية للصهيونية والمشروع النيوليبرالي. ومن الجدير بالذكر أنّ العديد من أولئك الذين اعتقلوا مؤخّراً بسبب قضية فلسطين، بمن فيهم أنا، وماري كوستاكيديس، وريتشارد ميدهورست، وسكوت ريتر، كانوا نشطين في الحملة الرامية إلى إطلاق سراح جوليان أسانج، ناشر موقع "ويكليكس".

لقد أكّدت دائماً أنّ سجل كير ستارمر يظهر أنّه سيشكّل خطراً أكبر على الحرّيات المدنية من المحافظين. وأنّ جميع التشريعات القاسية التي أقرّها حزب المحافظين مؤخّراً مثل قانون النظام العام، وقانون الأمن القومي، وحتّى قانون رواندا، لم يعارضها أو يدعمها ستارمر باعتباره كان آنذاك "زعيم المعارضة" المزعوم.

وأنّ قانون السلامة على الإنترنت القادم سيكون مخيفاً حقّاً، ومن خلاله تستطيع الحكومة أن تعدّ جزافاً ما ينشر على الإنترنت معلومات مضلّلة. لقد كان ستارمر دائماً تحت سيطرة جهاز المخابرات البريطاني. والحقيقة أنّ قيام هيئة الادّعاء العام بتدمير كلّ الوثائق الرئيسية التي تكشف  تورّط ستارمر في قضايا أسانج وغيرها بمستوى كانت أكثر أهمية ممّا يعتقد عموماً، وفي أثناء وجود حكومة حزب المحافظين في السلطة، يتوضّح مدى كون ستارمر من الأصول المحمية للدولة العميقة.

إذا أردنا أن ننجو من هذا الانحدار نحو الفاشية كمجتمع، فنحن بحاجة إلى أن نكون مستعدّين لاحترام الاختلاف الآن، ويجب على كلّ واحد منّا أن يكون مستعدّاً للذهاب إلى السجن إذا لزم الأمر. وأختم مقالتي بكلمة كريغ موخيبر، المحامي الدولي البارز في الأمم المتّحدة الذي استقال احتجاجاً على جبن المنظّمة الدولية في مواجهة الإبادة الجماعية: "لقد هبط شر مظلم على الغرب. ومع استمرار الإبادة الجماعية في فلسطين، فإنّ الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة وألمانيا وغيرها من الحكومات الغربية، عوضاً عن اتّخاذ إجراءات صارمة ضدّ أولئك الذين يرتكبون الإبادة الجماعية، ويساعدون ويحرضون عليها، تتمّ معاقبة من يناهضها، حيث يتعرّض المدافعون عن حقوق الإنسان للاضطهاد في الحرم الجامعي، وفي الشوارع، وفي أماكن العمل، وفي المطارات وخارجها، والفصل من الوظيفة، والتشهير، والاعتقالات، ومصادرة الأصول، وحظر وسائل التواصل الاجتماعي. كلّ هذا للدفاع عن مرتكبي الإبادة الجماعيّة وحماية مشاعرهم. كونوا نوراً في الظلام، ارفعوا صوتكم، قاوموا".

 

نقلها إلى العربية: حسين قطايا.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.