"ذي ناشونال إنترست": الدَّين أكبر التهديدات الداخلية لأميركا

الدين الوطني الأميركي، البالغ 34.5 تريليون دولار ومستمر بالارتفاع، يشكّل خطراً على النمو الاقتصادي والقدرة على الاقتراض لتلبية المصالح الاستراتيجية للبلاد، وفي مقدمتها متطلبات الأمن القومي.

  • "ذي ناشونال انترست": الدَّين أكبر التهديدات الداخلية لأميركا

مجلة "ذي ناشونال إنترست" الأميركية تنشر تقريراً للكاتبين ويليام روجر وتوماس سافيدج، يتحدثان فيه عن أزمة الدين الأميركي وما تشكّله من خطر على الأمن القومي للولايات المتحدة.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية: 

في الـ18 من الشهر الجاري، أعلن نائب رئيس اللجنة الاقتصادية المشتركة، ديفيد شويكيرت، ردَّ "الحزب الجمهوري" على التقرير الاقتصادي للرئيس جو بايدن عن العام 2024، والصادر عن مجلس المستشارين الاقتصاديين، والذي يحذّر من أنّ الدَّين الوطني الأميركي، البالغ 34.5 تريليون دولار والمستمر في الارتفاع، يشكّل خطراً على النمو الاقتصادي والقدرة على الاقتراض لتلبية المصالح الاستراتيجية للبلاد، وفي مقدمتها متطلبات الأمن القومي خلال الأزمات.

من دواعي السرور للأميركيين، رؤية السياسيين يفكرون ملياً في العواقب المترتبة على مشكلة الدين والعجز الوطنيين الهائلة، واللذين ترزح الولايات المتحدة تحت وطأتهما، على صعيد الأمن الوطني، الذي أشار إليه التقرير المحق في تحذيره من العواقب المترتبة على قدرة حكومة واشنطن على الاقتراض لتمويل الاحتياجات الطارئة المستقبلية. إنّ الخطر الأعظم المرتبط بالصحة المالية يتمثّل بالضرر الذي تلحقه مشاكل الدين بالاقتصاد الكلّي، الذي يمثل الدجاجة الذهبية لقوة الولايات المتحدة.

من المؤسف أنّ الأميركيين لن يسمعوا شيئاً عن هذا الأمر خلال المناظرة الرئاسية الجارية، لأنّ إجراء التخفيضات الضرورية في الإنفاق وإظهار ضبط النفس المالي ليسا السبيل إلى كسب الأصوات في ثقافة السياسة الأميركية الحالية. ومن الصعب إلقاء اللوم على الساسة وحدهم، كونهم يستجيبون للحوافز الواقعية للعمل السياسي. 

وحتى يتسنى للجمهور الأميركي أن يحظى بفرصة إدلاء رأي في إدارة الإنفاق على النحو اللائق، فلا بد من وضع قواعد تحدّ حجم الإنفاق الذي يمكن للسياسيين أن ينفقوه وتُلزمهم بإجراءات تخفض الموازنات عند الضرورة، ومن دون الحاجة إلى التصويت على كل قرار ما دام القانون واضحاً، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة فرصة إنقاذ مستقبلها الاقتصادي، والمحافظة على مكانتها قوةً عظمى.

وتوضح اللجنة الاقتصادية المشتركة أنّ استمرار الشكل الحالي للإنفاق الفيدرالي سيزيد في شكوك المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية، وقدرة الحكومة على تسديد ديونها. ومع ابتعاد المستثمرين عن سندات الخزانة، فإنّ الولايات المتحدة سوف تواجه "عدم استقرار اقتصادي"، بصورة كبيرة، ولن تتمكن حينها من تسديد عجز الموازنة عبر الاستدانة.

ويحذّر التقرير من أنّ الأزمة في إدارة الديون من شأنها أن تزيد في "استحالة الإنفاق، استجابةً لأزمة مفاجئة متصلة بالأمن القومي الأميركي". والأهم من ذلك كله، إذا أضرّت السياسات المالية والديون الوطنية بإمكانات النمو، فلن تتمتع أميركا بالمزايا الاقتصادية اللازمة من أجل توفير دفاع وطني قوي والمحافظة عليه.

أطلق رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الأدميرال مايكل مولن التحذير عينه قبل 14 عاماً، وأشار إلى أنّ الأمن القومي مرتبط بصحة الاقتصاد. ويعود هذا إلى كون الدفاع الوطني مدرَجاً في أسفل الاقتصاد المزدهر، مع أنّ النمو، المدفوع بالاستثمار الخاص، يسمح للولايات المتحدة بتحمل مستويات عالية من الإنفاق الدفاعي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تسخير تفوقنا التكنولوجي في القطاع الخاص لأغراض عسكرية. لكن "إذا قتلنا الدجاجة الذهبية، فلن يكون لدينا البيض اللازم لأمننا".

فعندما تبيع الحكومة الديون، فإنّ المستثمرين من القطاع الخاص، والذين يشترونها لتغطية العجز، كان في إمكانهم استثمارها في قطاعات إنتاجية مثمرة، كما يقول الخبير الاقتصادي جيمس بوكانان، فـ"الإنفاق الممول بالديون يشبه في الواقع تقطيع أشجار التفاح لاستخدامها كحطب للتدفئة، وتقليص إنتاج البستان إلى الأبد". فضلاً عن التداعيات على السياسة الخارجية الأميركية، المجبرة على أن تبحث عن مشترين أجانب لتسديد ديونها الوطنية.

كذلك، فإن الإنفاق المموَّل بالديون يحوّل أيضاً الأعباء الضريبية من الأجيال الحالية إلى الأجيال المقبلة. ففي حين يثق مستثمرو السندات بأنّ أموالهم سوف تُدفع مع الفائدة، فإنّ الأجيال المقبلة سوف تتحمل هذه التكاليف الناتجة من عجز الموازنة الحالي. وسوف يتم تسديد هذه التكاليف إمّا من خلال الزيادات الضريبية، وإمّا من خلال التضخم المفاجئ، الأمر الذي من شأنه أن يُلحق الضرر بالقدرة الشرائية للأميركيين العاديين.

مع حلول موعد استحقاق الدَّين، تظهر تحذيرات الأدميرال مولن جدية. وينتهي الأمر بالولايات المتحدة إلى أن تضعف في سوق الاستثمارات، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف في التحديث وضياع الفرص في تسخير قوة الاقتصاد في القطاعات الإبداعية لأغراض الأمن القومي. ومن ناحية أخرى، سوف يشهد الأميركيون معدلات ضريبية أعلى، فضلاً عن ضعف الدولار، وسرعان ما سيدركون أنّ قلة العمل والإنتاج أضعفت النمو الاقتصادي عموماً، وأنهم يزدادون فقراً.

سوف يتفاجأ الأميركيون بسعادة إذا تمت مناقشة مشاكل بلادهم المالية بأي طريقة بين الأولويات القصوى لأي سياسي قبل أن تتم إعادة انتخابه، الأمر الذي سيعود بالنفع على مجموعات الناخبين الرئيسة. على سبيل المثال، وعد المرشحان جو بايدن ودونالد ترامب بأنهما لن يعالجا مسألة الضمان الاجتماعي أو الرعاية الطبية مع أنهما أكبر قطاعين إنفاقيين في البلاد|، الأمر الذي يعني، لسوء الحظ، عدم معالجة أكبر القضايا، وسيؤدي إلى مزيد من الاستدانة.

من الممكن أن يساعد التوجه نحو وضع قيود على الميزانية، واستخدام برنامج شبيه لـ"كبح الديون السويسري". لكن هذا يتطلب تعديلات دستورية مواكبة لعمليتي الإنفاق والإيرادات، وتحدّ نمو الأول، بحيث لا يتجاوز متوسط ​​نمو الثاني لأعوام ليست قليلة. 

مع ذلك، يبقى أنّ العجز في الميزانية لا يزال ممكن الحدوث عندما ينخفض ​​النمو الاقتصادي إلى دون التوقعات. وإنّ أيّ دين يتم الحصول عليه يجب أن يتم تسديده بفوائض فترات الازدهار. ومنذ أن اعتمدت سويسرا البرنامج المذكور انخفض دين الحكومة المركزية بنسبة جيدة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الفترة من عام 2010 إلى عام 2021، في حين ارتفعت نسبة الدين الوطني إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، بصورة كبيرة، كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي السويسرية تقدَّر بـ 20% فقط.

هناك خيار ثانٍ، يتلخص في أن تتبنى الحكومة الفيدرالية سياسة إنفاق مثل ما تفعل "لجنة إعادة تنظيم القواعد العسكرية وإغلاقها، والتابعة لوزارة الدفاع". لكن أيّ مخطط لتطبيق هذا التوجه على الميزانية الفيدرالية لن يحظى بموافقة أحد من الساسة، ولن يدعموا سَن قوانين الإنفاق، ما لم يفعل الرئيس وأعضاء الكونغرس أي شيء حياله، بل على العكس يتعين عليهم التعبير عن رفضهم الأمر برمته.

في الختام، لا بد من توضيحٍ مفاده أنّ الدين الوطني على حقيقته هو أحد أكبر التهديدات الداخلية لأميركا. وإذا كنت لا تصدق هذه المقالة، فصدق الأدميرال مولين.

اقرأ أيضاً: "وول ستريت جورنال" : هل تُغرق الديون الإمبراطورية الأميركية؟ 

نقله إلى العربية: حسين قطايا