"فايننشال تايمز": الولايات المتّحدة أصبحت عدوّ الغرب الآن

الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب قرّرت التخلّي عن أوكرانيا ودورها العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.

0:00
  • "فايننشال تايمز": الولايات المتّحدة أصبحت عدوّ الغرب الآن

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقالاً تحت عنوان "الولايات المتّحدة أصبحت عدوّ الغرب الآن"، تقول فيه إنّ الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب قد تخلّت عن دورها القيادي العالمي، مما يترك أوروبا أمام تحديات كبيرة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

"إن الحرّية والاستقلال اليوم تحت خطر في العالم كلّه. وإذا لم نقاوم قوى الغزو ونهزمها، فلن تكون هناك فرصة لحرّية واستقلال أيّ أمّة".

بهذه الكلمات احتفل الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بالذكرى السنوية الأولى لولادة اتّفاق "ميثاق الأطلسي"، بينه وبين رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، في 14 آب/أغسطس في العام 1941. وبعد نصف قرن ومع سقوط الاتّحاد السوفياتي، كان من الممكن على الأقلّ أن نأمل أن تتحقّق هذه المثل العليا في مختلف أنحاء العالم. ولكن، هذا لم يحدث كما هو واضح.

من الصحيح أنّ الحرّية ليست بمستوى الخطر الذي كانت عليه في عام 1942، لكن، المخاوف حقيقية جدّاً. وهناك 3 أحداث بارزة تحمل مؤشّرات مقلقة. الأول كان خطاب وزير دفاع إدارة ترامب بيت هيجسيث، في بداية الشهر الجاري أمام مجموعة الاتّصال الدفاعية بشأن أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، حين قال الحلفاء الأوروبّيون إنّهم أصبحوا الآن بمفردهم. وأميركا الآن أصبحت مهتمّة بشكل رئيسي بحدودها وبمنافسة الصين، وإنّ "الأمن الأوروبي الضروري للدول في القارّة التي لا بدّ أن تضطلع بهذه المسؤولية الحتمية في حلف شمال الأطلسي. وضمن هذا الإطار، يتعيّن على أوروبا أن تقدّم الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية وغيرها في المستقبل لأوكرانيا".

الحدث الثاني، الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، في مؤتمر ميونيخ للأمن في منتصف الشهر الجاري حيث أعلن أن "ما يقلقني هو التهديد من الداخل، حيث تراجعت أوروبا عن بعض قيمها الأساسية والمشتركة مع الولايات المتحدة الأميركية، بما يشكّل تهديداً خطيراً". ومن الأمثلة التي ساقها على هذا التهديد أنّ "الحكومة في رومانيا ألغت تواً نتائج انتخابات بأكملها". قد يردّ البعض على هذا بالقول إنّ الأوروبيّين يعرفون أفضل من الأميركيين ما يحدث عندما يصل أعداء الحرّية إلى السلطة، ولو كان عبر صناديق الاقتراع. ويعرفون أيضاً أنّ الرئيس ترامب نفسه سعى إلى إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي خسرها قبل 4 سنوات.

الحدث الثالث، والأكثر كشفاً يتركّز في المفاوضات بشأن مستقبل أوكرانيا. فقد وافق بيت هيجسيث بالفعل على أهمّ شروط بوتين بإعلانه أنّ حدود أوكرانيا لن تعود كما كانت، وأنّ كييف لن تتمكّن من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وكلّ هذا كان مجرّد بداية لإجراء المفاوضات بين الولايات المتّحدة وروسيا، على الرغم من أنّ الأوروبّيين أُمروا بشكل مثير للسخرية لضمان اتّفاق فوق مصالح الأوروبيين والأوكرانيين، الذين تحمّلوا العبء الأكبر من العدوان على مدى 3 سنوات.

مع ذلك، تصرّ الولايات المتّحدة الآن على أنّ روسيا لم تكن المعتدية. بل على العكس من ذلك، كانت أوكرانيا هي التي بدأت الحرب. ولتأكيد الانفصال عن أوروبا، صوّتت واشنطن لصالح قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة إلى جانب روسيا والصين، بينما امتنعت فرنسا والمملكة المتّحدة ودول أوروبية أخرى عن التصويت، في مشهد بدا إعلاناً عن "موت الغرب".

كذلك، لم يتورّع ترامب وعن وصف فولوديمير زيلينسكي بـ "الطاغية". وتبريره لهذه الإساءة هو أنّ رئيس أوكرانيا لم يجرِ انتخابات، وغضّ النظر عن العوائق لإجرائها في خضمّ الحرب، وفي ظلّ وجود أجزاء كبيرة من البلاد تحت الاحتلال. 

وكما هو معتاد، اقترح ترامب أيضاً صفقة أعمال مع أوكرانيا. ووفقاً لزيلينسكي، كان الاقتراح الأوّلي الذي تقدّم به وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يطلب 50% من ثروة المعادن النادرة الحيوية في مقابل المساعدات العسكرية الأميركية السابقة لأوكرانيا، ولم يتضمّن العرض الترامبي أيّ وعد بمساعدة كييف في المستقبل.

من الممكن القول إنّ مصطلح "طاغية" بالنسبة لترامب قد يكون مصطلح إشادة وليس إدانة. ومرّة ​​أخرى، بالنسبة له، قد يكون امتلاك بلاده لأصول قيّمة في بلد آخر هو السبب الوحيد لحمايته. ومع ذلك، من الشائن المطالبة بمبلغ ضخم من دولة فقيرة كانت تخوض حرباً، وخاصّة عندما يتعيّن على أوكرانيا أن تتحمّل وحدها إعادة إعمار ما هدّمته ودمّرته الحرب. والأسوأ من ذلك أنّ قيمة المطالبات الأميركية من أوكرانيا تبلغ نحو 4 أضعاف مساعداتها لها. وعلاوة على ذلك، وفقاً لمؤشّر دعم أوكرانيا التابع لـ "معهد كيل"، قدّم الأوروبيّون مساعدات أكثر من الولايات المتّحدة، والتي لم تقدّم سوى 31% من إجمالي الالتزامات الثنائية و41% من الالتزامات العسكرية لأوكرانيا بين كانون الثاني/يناير 2022، وكانون الأوّل/ ديسمبر 2024.

في المجمل، أنفقت الولايات المتّحدة 0.19% من الناتج المحلّي الإجمالي فقط على المساعدات العسكرية لأوكرانيا. وهذا مبلغ تافه، وخاصّة بالمقارنة مع تكاليف حروبها السابقة.

أمران اتّضحا في الأسبوعين الماضيين، الأوّل هو أنّ الولايات المتّحدة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض قرّرت التخلّي عن الدور الذي أدّته في العالم في أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، وأن تكون مجرّد قوّة عظمى أخرى، لا تبالي بأيّ شيء سوى مصالحها القصيرة الأجل، وخاصّة مصالحها المادّية. وهذا يترك القضايا التي دافعت عنها في طي النسيان، بما في ذلك حقوق الدول الصغيرة والديمقراطية ذاتها. وهذا يتّفق أيضاً مع ما يحدث داخل الولايات المتّحدة، حيث أصبحت الدولة التي حكمها القانون والدستور تحت خطر التدمير.

على أوروبا أن تنهض إلى مستوى الحدث، أو أنّ عقدها سينفرط. وسوف يحتاج الأوروبّيون إلى خلق تعاون أقوى كثيراً في أطر متينة من المعايير الليبرالية والديمقراطية. وإذا لم يفعلوا ذلك، فسوف ينهار الاتّحادُ الأوروبيّ. إنّ القوى العظمى في العالم سوف تسحقهم وتقطّعهم إرباً.

نقله إلى العربية: حسين قطايا