"نيويورك تايمز": كيف أصبح تركيز ترامب وبايدن على المعادن جوهر سياستهما الخارجية؟
تسيطر الصين على المعادن الحيوية، وقد لجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تكتيكات الضغط العالي للحصول على تلك المعادن.
-
"نيويورك تايمز": كيف أصبح تركيز ترامب وبايدن على المعادن جوهر سياستهما الخارجية؟
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر تقريراً تناقش فيه اهتمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالمعادن الحيوية في أوكرانيا وغيرها من البلدان مثل غرينلاند وكندا.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
ظاهرياً، يبدو الاهتمام الشديد الذي أبداه الرئيس ترامب بالمعادن الأوكرانية وكأنه جاء فجأة، خاصّة حين أرسل وزير خزانته إلى كييف هذا الشهر للتفاوض مع حكومتها للاستحواذ على المعادن النادرة والحيوية التي يريدها. ثمّ راح يصعّد الضغوط علناً على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأسلوب بدا للمنتقدين وكأنّه مخطّط ابتزاز لزعيم مافيا.
لكنّ الحقيقة، أنّ المعادن الحيوية كانت في ذهن ترامب منذ عام 2017 على الأقلّ، حين وقّع على أمر تنفيذي بشأنها خلال ولايته الأولى. كما لفتت اهتمام الرئيس جو بايدن. ولم تكن تعليقات ترامب الأخيرة بشأن أصول أوكرانيا هي المرّة الأولى في ولايته الجديدة التي يذكر فيها الاستيلاء على الثروات الأرضية لبلد ما. وقد تحدّث عن غرينلاند وكندا في السياق ذاته، ممّا حدا برئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو للقول أمام مجموعة من قادة الأعمال، إنّ تركيز ترامب على المعادن الكندية يعني أنّ تهديداته "غير المنطقية بضمّ البلاد كانت حقيقية".
لقد أصبح الاستيلاء على الثروات المعدنية في الخارج هدفاً أساسياً للسياسة الخارجية للرئيس ترامب ودافعاً لأكثر تصريحاته إمبريالية منذ تولّيه منصبه. كما أنّ غرائزه تعود إلى دوافع الإمبراطوريات المنهارة، عندما أدّى استخراج الموارد إلى تحفيز الحكّام على توسيع أراضيهم. وكان مسؤولون أوكرانيون وأميركيون قالوا هذا الأسبوع، إنهُم توصّلوا إلى اتّفاق إطار لتقاسم ثروة المعادن الحيوية في أوكرانيا، بعد ما يقرب من نحو أسبوعين من المحادثات الصعبة.
ووفقاً لوزارة الطاقة الأميركية، فإنّ المعادن الحرجة هي موادّ غير وقودية وضرورية لتقنيّات الطاقة ومعرّضة لخطر اضطراب سلاسل التوريد. وتوجد هذه المعادن في أماكن مختلفة في العالم، من ضمنها تشيلي والأرجنتين وهضبة التبت التي تسيطر عليها الصين، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي تستخدم بشكل رئيسي في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والتقنيات الخاصّة بأنظمة الصواريخ. وفي عام 2022، أصدرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية قائمة تضمّ 50 معدناً مهمّاً من الألومنيوم إلى الزركونيوم.
بسبب المنافسة مع الصين، كان البحث عن هذه المعادن الحيوية ضرورة مهمّة للولايات المتّحدة منذ ما يقرب من عقد من السنين. وكان الرئيس السابق جو بايدن قد قام برحلته الخارجية الأخيرة وهو في منصبه بزيارة خطّ سكّة حديد تدعمه الولايات المتّحدة في أنغولا، والذي يسهّل نقل المعادن الحيوية من وسط أفريقيا إلى الساحل للتصدير. وفي وقت سابق، شكّل مسؤولون في وزارة الخارجية خلال ولايته مجموعة من الدول المتحالفة لمناقشة إنشاء أو تعزيز سلاسل توريد المعادن الحيوية خارج الصين. كما أسّسوا منتدى حتّى تتمكّن البلدان الغنية بالمعادن من التواصل مع الدول العميلة المحتملة والشركات الأجنبية بشأن تطوير المناجم ومصانع المعالجة. ولقد كانت أوكرانيا وغرينلاند وكندا من ضمن هؤلاء.
كذلك، كانت أوكرانيا والولايات المتّحدة قد اقتربتا من توقيع اتّفاقية في الخريف الماضي وعدت بموجبها كييف بإشعار الولايات المتّحدة بالمشاريع المحتملة، ممّا يتيح للشركات الأميركية، أو تلك التابعة للدول الحليفة مهلة كافية لتقديم العروض للحصول على العقود. وكانت وزارة الخارجية الأميركية ستقدّم لأوكرانيا أيضاً مساعدة فنّية في رسم الخرائط وتنسيقها.
لم يكن هذا هو نهج ترامب، يقول خوسيه دبليو فرنانديز، الذي كان مهندساً لمبادرات وزارة الخارجية في الاهتمام بالمعادن الحيوية في إدارة بايدن. ويرى أنّ "هذه دول تريد الاستثمار وشراكات، ولا تبحث عن علاقة استعمارية، وتنجذب إلى الشركاء الماليين والتجاريين، لأنّهم لا يحبّون المزيد من الخيارات القسرية، حتى تلك المقترحات المقدّمة من الصين".
في أيلول/سبتمبر الماضي، بدأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقديم "خطّة النصر" ضدّ روسيا إلى الحكومات الحليفة، وإلى دونالد ترامب كذلك، الذي كان مرشّحاً للرئاسة آنذاك، والتي تضمّنت من بين أمور أخرى، عرض شراكات في مجال الثروات المعدنية الهامّة. وكان من المقرّر أن يوقّع السيد فرنانديز مذكّرة تفاهم في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي مع نائبة رئيس وزراء أوكرانيا يوليا سفيريدينكو، حسبما ذكرت وزارة الخارجية في رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها إلى الصحافيين حينئذ. ولكن في يوم التوقيع لم تظهر سفيريدينكو في واشنطن. وكان من المفترض أن توقّع مرة أخرى على الاتفاق في مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا في وارسو في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لكنها لم تحضر أيضاً.
وبحلول ذلك الوقت، كان ترامب قد فاز في الانتخابات، وطلب المسؤولون الأوكرانيون من أقرانهم الأميركيين أنّهم يفضّلون الانتظار لتوقيع اتّفاق مع الإدارة المقبلة، وفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين. وكان المسؤولون الأوكرانيون قد بدأوا بالفعل في التواصل مع بعض رجال الأعمال الأجانب، من ضمنهم رونالد س. لودر، وريث شركة "إستي لودر" لمستحضرات التجميل وصديق الرئيس ترامب، حول فرص الاستثمار في قطاع المعادن في أوكرانيا.
في وقت سابق من هذا الشهر، رفض الرئيس زيلينسكي الشروط التي قدّمها له وزير الخزانة سكوت بيسنت في كييف، وتتلخّص بدعوة أوكرانيا إلى منح الولايات المتّحدة نصف عائداتها من الموارد الطبيعية، من ضمنها المعادن النادرة والغاز والنفط، فضلاً عن الأرباح من الموانئ والبنى الاقتصادية الأخرى. في البداية طلب ترامب 500 مليار دولار للولايات المتّحدة. وقال إنّ "أميركا تستحقّ أن تحصل على مقابل لمليارات الدولارات من الأسلحة ومساعدات الميزانية التي قدّمتها لأوكرانيا خلال إدارة بايدن، على الرغم من أنّ المبلغ كان جزءاً ضئيلاً من الدخل السنوي الإجمالي للولايات المتّحدة.
ووصف المنتقدون شروط ترامب بأنّها جشعة واستعمارية وتجارية. وقد خفّف المسؤولون الأميركيون من بعض المطالب، في حين استمرّوا في الضغط على المسؤولين والمفاوضين الأوكرانيين لتوقيع الاتّفاق، الذي تحتوي مسوّدة إطاره الحالية على إشارة غامضة بشأن الضمانات الأمنية لأوكرانيا، والتي قال زيلينسكي إنّها ضرورية لمنع روسيا من محاولة شنّ غزو آخر بعد أيّ وقف لإطلاق النار في المستقبل لإنهاء الحرب، لكنّ ترامب قال إنّه "لا يخطّط لتقديم الكثير من الضمانات لكييف".
المديرة التنفيذية لمركز استراتيجية المعادن الحرجة أبيغيل هانتر قالت إنّ "العديد من البلدان تنظر إلى مواردها الطبيعية باعتبارها محورية للسيادة الوطنية وإمكانات التنمية الاقتصادية". وهذا يجعل المفاوضات حول المعادن الهامّة حسّاسة للغاية، مع حذر الحكومات من السيطرة أو الاستغلال الأجنبي.
لقد بذلت الصين جهوداً كبيرة على مدار سنوات طويلة لتطوير هيمنتها العالمية في استخراج ومعالجة المعادن الحيوية، في الوقت الذي اضطرّت فيه الولايات المتّحدة إلى استيراد كمّيات كبيرة من المعادن الحيوية للاستخدام التجاري والعسكري على حدّ سواء.
وأشار تقرير صدر هذا الشهر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أنّ الولايات المتّحدة تستورد ما بين 50 إلى 100%، من 41 معدناً من أصل الـ50 الهامّة والمدرّجة في قائمة هيئة المسح الجيولوجي الأميركية. وجاء في التقرير أن الصين تعدّ أكبر منتج لـ29 من المعادن الحيوية، وأنّها "أظهرت على نحو متكرّر استعدادها لاستخدام هذه المعادن كأسلحة"، بما في ذلك فرض ضوابط التصدير وحظرها في العامين الماضيين على مجموعة من المعادن الخامّ. وتقوم الصين حاليّاً بتكرير ما بين 40 إلى 90% من إمدادات العالم من العناصر الأرضية النادرة، والغرافيت، والليثيوم، والكوبالت، والنحاس.
كذلك، كان الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس ترامب في عام 2017 يهدف إلى "ضمان إمدادات آمنة وموثوقة" من المعادن الحيوية. وطلب من وزير الداخلية نشر قائمة بها، ممّا دفع هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى نشر تقييم في عام 2018 ومرّة أخرى بعد 4 سنوات.
وقد حاول بعض الزعماء الأجانب استغلال هذه الزاوية مثل رئيس أفغانستان آنذاك أشرف غني، الذي تحدّث أمام ترامب عن الثروات المعدنية التي تمتلكها بلاده حتى يقتنع الرئيس الأميركي في إبقاء القوّات الأميركية في أفغانستان، في حين كانت الحكومة تواجه تمرّد طالبان. ومع أنّ مساعي الرئيس الأفغاني باءت بالفشل، إلّا أنّ المعادن بقيت تدور في ذهن الرئيس ترامب. وفي أيلول/سبتمبر 2020، وقّع على أمر تنفيذي يدفع الوكالات إلى معالجة "الاعتماد المفرط" للبلاد على "الخصوم الأجانب" باستيراد المعادن الحيوية، وخاصّة من الصين.
لقد أدّت الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية في أثناء جائحة فيروس كورونا إلى زيادة القلق داخل الحكومة الأميركية. وقد أصدر الرئيس بايدن أمراً تنفيذياً في أوائل عام 2021، بضرورة تحديد المخاطر التي تهدّد تدفّق المعادن الحيوية من الخارج. وفي العام التالي، أشرف خوسيه دبليو فرنانديز، الذي كان آنذاك أكبر مسؤول اقتصادي في وزارة الخارجية، على إنشاء الوكالة لشراكة أمن المعادن، وهي مجموعة من 15 دولة تسعى إلى توسيع سلاسل التوريد العالمية للمعادن المهمّة. وقد ذكر البيت الأبيض والحكومة الهندية هذه المجموعة في بيان مشترك عندما التقى الرئيس ترامب هذا الشهر مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي. وفي العام الماضي، أنشأت وزارة الخارجية الأميركية منتدى يضمّ 15 دولة منتجة، بما في ذلك أوكرانيا وغرينلاند، وتبحث عن مستثمرين للمساعدة على تنمية صناعاتها.
يضيف فرنانديز أنّ "الخلاصة، هي أنّ أوكرانيا تسعى إلى الاستثمار في هذا القطاع منذ فترة طويلة". كذلك فعلت غرينلاند، التي عقدت منتدى عبر الفيديو في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حيث قدّمت الشركات 7 مشاريع في البلاد أمام نحو 100 مستثمر محتمل.
في فترة ولايته الأولى، كان الرئيس ترامب مهووساً بفكرة شراء جزيرة غرينلاند بعد إلحاح من السيد لودر، وريث شركة مستحضرات التجميل. كذلك، هناك حليف تجاري آخر لترامب، وهو هوارد لوتنيك، وزير التجارة في حكومة الرئيس ترامب، والذي لديه علاقة بمشروع تعدين في غرينلاند، من خلال استثمارات قامت بها شركته الخاصّة، وفقاً للسجلّات المالية التي راجعتها صحيفة "نيويورك تايمز".
لقد كان بعض كبار مساعدي ترامب ينظرون إلى المعضلة الاستراتيجية المتعلّقة بالصين والمعادن الحيوية ويفكّرون حتّى قبل وصول هذه الإدارة إلى البيت الأبيض. وفي تموز/يوليو الماضي، شارك ماركو روبيو الذي كان آنذاك عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، في رعاية مشروع قانون لمعالجة هذه القضية. وبعد أن أصبح وزيراً للخارجية في الشهر الماضي، كتب في برقية أنّ "الهيمنة على الطاقة سوف تكون أولوية" لواشنطن. ومن غير المحتمل أن يتحدّث الوزير روبيو ومسؤولو ترامب الآخرون عن استخدام المعادن للمساعدة على معالجة أزمة المناخ أو تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وهو ما فعله مساعدو بايدن.
في زيارة إلى جمهورية الدومينيكان هذا الشهر، تحدّث روبيو عن إمكانية استخدام المعادن الأرضية النادرة في البلاد في أنظمة الأسلحة والتقنيات المتقدّمة الأخرى، وقال إنّ "وجود حليف لديه إمكانية الوصول إلى هذه العناصر في نصف الكرة الأرضية أمر جيّد جدّاً، نريد المساعدة على تطوير هذه الثروة في جمهورية الدومينيكان".
نقله إلى العربية: حسين قطايا