"فورين أفيرز": ما هو ثمن الحرب الإسرائيلة الأبدية على غزّة؟

يُعدّ مطلب النصر الشامل والقضاء على تهديد غزة حتى النهاية وصفةً لحرب أبدية، واحتلال إسرائيلي طويل الأمد لغزة سيكون تعريفاً للكابوس العسكري لـ "إسرائيل".

0:00
  • تستمر المقاومة الفلسطينية في فرض كلف متزايدة على الاحتلال
    تستمر المقاومة الفلسطينية في فرض كلف متزايدة على الاحتلال

مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول عملية "عربات جدعون"، ويرى أنّ "إسرائيل" فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافها العسكرية، ورغم ذلك تواصل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة التصعيد، مدفوعةً باعتبارات أيديولوجية داخلية ومصالح سياسية، على حساب أرواح الأسرى الإسرائيليين، والكارثة الإنسانية في غزة. 

ويشير المقال إلى أنّ "الجيش" الإسرائيلي يعاني من استنزاف خطير في الموارد والقوى البشرية، وسط تصاعد الغضب الشعبي والانتقادات الدولية، حتى من أقرب الحلفاء. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وصلت الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ عشرين شهراً في قطاع غزة إلى نقطة حرجة أخرى. ففي 18 آذار/مارس، استأنف الجيش الإسرائيلي هجومه. ثم، في 4 مايو/أيار، أقرّ مجلس الوزراء الإسرائيلي خطةً أوسع نطاقاً، تُسمى عملية "عربات جدعون"، والتي لا تهدف فقط إلى هزيمة حماس تماماً، بل أيضاً إلى الاستيلاء على القطاع بأكمله وإبقائه تحت سيطرتها العسكرية إلى أجل غير مسمى.

ورغم أنّ هذه العملية الأخيرة قد بدأت للتو، إلا أنها سلّطت الضوء بالفعل على مخاطر اتساع نطاق الحرب بلا هوادة. فمن بين 255 رهينة احتجزتهم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لا يزال 58 منهم في الأسر، ويُعتقد أنّ 20 منهم ما زالوا على قيد الحياة. ومع ذلك، وحتى مطلع حزيران/يونيو، ورغم الجهود الأميركية المنسقة للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار جديد، لا يزال من المشكوك فيه إذا ما كانت المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن المتبقين، ناهيك عن إنهاء الحرب، ستؤتي ثمارها.

في غضون ذلك، وضع الهجوم "إسرائيل" تحت ضغط سياسي واجتماعي واقتصادي وأخلاقي هائل. داخلياً، تواجه "إسرائيل" تحديات وشيكة في القوى البشرية والموارد؛ وعلى الصعيد الدولي، تواجه انتقادات وإدانات متزايدة، بما في ذلك من حلفائها المقربين.

من منظور استراتيجي، تكمن المشكلة الكبرى لـ "إسرائيل" في التوتر المتزايد بين أهدافها الأمنية الأساسية للحرب وخطط الحكومة المتطورة لتحقيقها. في صميم أهدافها الحربية المعلنة، يكمن القضاء على تهديد حماس وإطلاق سراح الرهائن. لكن الحملة العسكرية المطولة تأثرت بشكل متزايد بالأهداف الأيديولوجية لأحزاب اليمين المتطرف في الحكومة، والتي تشمل احتلالاً إسرائيلياً دائماً، وإعادة بناء المستوطنات اليهودية، وبسط السيادة الإسرائيلية الكاملة على غزة.

مع استمرار الحملة، أثّرت هذه الأهداف غير الرسمية بشكل متزايد على استراتيجية الحكومة. تعكس قرارات الحرب دائماً مجموع الضغوط على قادة الحرب، وقد بات واضحاً الآن أنّ عملية صنع القرار بشأن حملة غزة لا تتأثر فقط بالاعتبارات العسكرية والاستراتيجية، بل أيضاً بالأيديولوجيا والمكافآت السياسية وحسابات البقاء السياسي الشخصي. ومع اتساع نطاقها إلى ما هو أبعد من نطاقها الأصلي، قد تؤدي أطول حرب في تاريخ "إسرائيل" إلى تقويض الأمن القومي الإسرائيلي أكثر من إعادة بنائه.

بالنسبة لليمين المتطرف في "إسرائيل"، يُمثل الهجوم الجديد فرصةً لتحقيق أهداف أيديولوجية أوسع. ووفقًا لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فإن الحملة "ستدمر ما تبقى من قطاع غزة". وكما قال: "سيصل سكان غزة إلى جنوب القطاع، ومن هناك، سيسافرون إلى دول ثالثة ضمن خطة الرئيس ترامب".

إن احتلالاً إسرائيلياً طويل الأمد لغزة، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني نسمة في مشهد حضري جهنمي، ويتحملون كارثة إنسانية مستمرة وسط تمرد عنيد، سيكون تعريفاً للكابوس العسكري. سيجد "الجيش" الإسرائيلي، الذي يواجه بالفعل عجزاً يزيد عن 10000 جندي نتيجة للإصابات وطول الحرب، نفسه محاصراً في مستنقع دموي لسنوات مقبلة. ستكون تكلفة الحفاظ على هذه القوات مليارات الدولارات. في مثل هذه البيئة، فإن جيش احتلال كبيراً من شأنه أن يمهد الطريق لتمرد يعيش مقاتلوه بين السكان الكثيفين مثل الأسماك في البحر.

إنّ عملية صنع القرار الإسرائيلي في هذه الحرب لم تكن مدفوعةً برؤى استراتيجية متنافسة فحسب، بل كانت مدفوعةً أيضًا، وفي بعض الأحيان بشكلٍ رئيسي، باعتبارات سياسية. منذ البداية، أيّد أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية القضاء التام على حماس وإطالة أمد الحرب، وعارضوا جميع قرارات وقف إطلاق النار، حتى على حساب أرواح الأسرى. اتُّخذت قرارات نتنياهو بشأن مفاوضات الرهائن وإدارة الحرب في ظلّ تهديداتٍ متواصلة من سموتريتش وإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، بالاستقالة إذا توقفت الحرب؛ فإذا تنحّيا، قد تسقط الحكومة ويفقد نتنياهو السلطة. قال غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق الذي خدم في حكومة الحرب التي شُكّلت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، إنه لاحظ أنّ الحكومة غالبًا ما كانت تتأثر باعتباراتٍ خارجية في عملية صنع القرار، سواء على المستوى الشخصي أم السياسي، خدمةً لبقاء الائتلاف والحكومة.

ثمن حرب أبدية

مع أنّ أهداف الحرب الأولية كانت مبهمة في بدايتها، إلا أنها تركت مجالاً واسعاً للتأويل. في مواجهة حماس المتجددة، يُعدّ مطلب "النصر الشامل" والقضاء على تهديد غزة "حتى النهاية" وصفةً لحرب أبدية. وحتى لو لم تتبنَّ الحكومة رسمياً أهدافها الكبرى، يبدو أنّ نظرية "النصر الشامل" تكتسب زمام المبادرة. لكن قد يكون الحساب آتياً لا محالة.

في أسابيعها الأولى، واجهت عملية "عربات جدعون" الشاملة صعوبةً في تأمين مشاركة جنود الاحتياط. لكن إرساء السيطرة العسكرية على غزة والحفاظ عليها، كما هو مطلوب الآن، سيتطلبان استثماراً أكبر بكثير في القوات والموارد - على نطاق سيؤثر على الأولويات لـ "إسرائيل" وحالة المجتمع والاقتصاد والجيش لعقود مقبلة. بعد أن واصلت حملتها لأشهر من دون معارضة تُذكر من حلفائها، ربما افترضت الحكومة خطأً أنها قادرة على تصعيد الحرب بشكل حاد من دون عوائق. ولكن مع اتساع نطاق الدمار ومعاناة المدنيين، تزايدت أصوات الإدانة في الشرق الأوسط وحول العالم، ما أدّى إلى تزايد مؤشرات الضغط السياسي والاقتصادي، بما في ذلك من جهات صديقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

تجد "إسرائيل" نفسها في أزمة سياسية واجتماعية وأخلاقية لم تواجهها منذ تأسيسها. يبدو الآن أنّ نهاية الحرب لن تأتي إلا عندما تصطدم الحكومة بمنحدرات الواقع، سواء من خلال التكاليف الباهظة في الأرواح والأموال، أم القيود الشديدة على الموارد، أم الضغوط الدولية الساحقة، مع كون الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الحل الأكثر ترجيحاً لوقف الحرب في الوقت الحالي إذا قرر اتباع هذا المسار. أو لنفترض أنّ الأزمة السياسية تكشف الفجوة بين سياسة الحكومة وإرادة غالبية الجمهور الإسرائيلي. ولكن حتى يحدث هذا، فإن المستقبل الأكثر ترجيحاً هو حرب متوسعة باستمرار، ذات تكاليف متزايدة على الإسرائيليين والفلسطينيين وعوائد متناقصة لأمن "إسرائيل".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.