"فورين بوليسي": مع انحسار الحرب في غزة.. تُصبح الضفة الغربية نقطة اشتعال
إذا أراد ترامب السلام، فعليه عرقلة سياسات الضمّ الإسرائيلية.
-
وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرّف بتسلئيل سموتريتش يعرض خريطة لمنطقة بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم، وهي ممر أرضي يُعرف باسم "E1" في الضفة الغربية المحتلة
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول الوضع الأمني والسياسي في الأراضي الفلسطينية، مع التركيز على الضفة الغربية بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
يوضح المقال أنّ نجاح وقف إطلاق النار في غزة وحده لا يكفي، وأنّ سياسات الاحتلال في الضفة الغربية تمثّل تهديداً للاستقرار، وأنّ الدور الأميركي الحاسم مطلوب لمنع الانزلاق نحو المزيد من العنف.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
من المؤكّد أنّ الاحتفالات ستعمّ مع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، وعودة الأسرى، ووصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين الفلسطينيين.
لكن حتى لو نُفِّذت هذه المرحلة من اتفاق غزة على النحو الصحيح، وهذا ليس أمراً مُسلَّماً به نظراً للشكوك العميقة التي تُساوِر الطرفين، فإنّ المخاطر في أماكن أخرى تتزايد. ومن دون تدخُّل أكثر حزماً من إدارة ترامب لإبطاء سياسات الضمّ الإسرائيلية هناك، قد تتلاشى آمال توسيع نطاق اتفاق غزة ليشمل أيّ شيء يُقارب السلام الإقليمي بسهولة.
قبل أشهر من وقوع هجوم حماس على "إسرائيل" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حذّر أحدنا من احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية. ومنذ ذلك الحين، تدهورت الأوضاع بشكل ملحوظ، بحيث أدّى العنف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين وتزايد النشاط الاستيطاني إلى تقويض الاستقرار وجهود تحقيق السلام.
فلننظر إلى الحقائق البارزة الآتية؛ قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت هناك 190 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، أي 190 مستوطنة ناشئة بُنيت من دون المرور بالإجراءات القانونية الإسرائيلية. وبين تشرين الأول/أكتوبر 2023 واليوم، أقامت "إسرائيل" 114 بؤرة استيطانية إضافية. وكلّ بؤرة استيطانية جديدة، سواء كانت تجمّعاً سكنياً أو مزرعة، تطلّبت حرمان فلسطينييّ الضفة الغربية من المزيد من الأراضي.
وخلال الفترة نفسها، قامت الحكومة الإسرائيلية بـ"إضفاء الشرعية" بأثر رجعي على ما لا يقلّ عن 11 بؤرة استيطانية غير مرخّصة سابقاً؛ ووفّرت دعماً كاملاً للبنية التحتية لـ68 موقعاً زراعياً. ولتحقيق هذه الإجراءات، صادرت "إسرائيل" نحو 13,600 فدان (55,000 دونم) من الأراضي الفلسطينية بإعلان بعضها "أراضي تابعة للدولة"، وإصدار أكثر من 100 أمر مصادرة عسكري، وتوسيع المناطق العازلة حول المستوطنات القائمة.
ولعلّ الأمر الأكثر أهمية هو إحياء خطة تطوير المنطقة "E1" الواقعة بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم وإقرارها من قبل لجنة التخطيط العليا في أواخر آب/أغسطس من هذا العام. وفي 11 أيلول/سبتمبر، وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هذه الخطة في جوّ احتفالي. وينصّ مشروع E1 الاستيطاني على بناء 3400 وحدة سكنية. وسيؤدّي ذلك إلى تقسيم الضفة الغربية إلى نصفين، وجعل التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها شبه مستحيل، الأمر الذي يُضيف عائقاً آخر أمام احتمالات قيام دولة فلسطينية.
لقد نجحت جميع الإدارات الأميركية حتى الآن في الضغط على "إسرائيل" لعدم البناء في المنطقة "E1". لكن ليس هذه المرة. فعندما أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن نيّته المضي قدماً في مشروع "E1" الاستيطاني في 14 آب/أغسطس، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية إنّ "استقرار الضفة الغربية يحفظ أمن إسرائيل، ويتماشى مع هدف هذه الإدارة في تحقيق السلام في المنطقة". كما صرّح السفير الأميركي لدى "إسرائيل"، مايك هاكابي، بأنّ الولايات المتحدة لا تعارض المشروع ولا تعتبره انتهاكاً للقانون الدولي، مضيفاً أنّ القرارات المتعلّقة بالمنطقة "E1" تعود لحكومة "إسرائيل".
ومع كلّ هذه الأحداث، أثناء الحرب في غزة والهجوم الإسرائيلي على حزب الله في لبنان والهجمات الإسرائيلية والأميركية على البرنامج النووي الإيراني، تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية إلى حدّ كبير. ونفّذت المجموعات الفلسطينية المسلّحة، بما في ذلك "عرين الأسود" و"كتائب شهداء الأقصى"، هجمات ضدّ الإسرائيلين في الضفة الغربية والداخل الإسرائيلي.
ورداً على ذلك، نفّذ "الجيش" الإسرائيلي نحو 7500 مداهمة في عام 2025 وحده. ومنذ عام 2023، اعتُقل أكثر من 20 ألف فلسطيني، وقُتل 999 آخرين، 967 منهم على يد القوات الإسرائيلية، وأكثر من 20 على يد المستوطنين الإسرائيليين. وتُشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ أكثر من 3 آلاف حادثة نفّذها مستوطنون إسرائيليون.
وفي الوقت الذي تتجه الأنظار نحو وقف إطلاق النار الهشّ والمرحّب به في غزة وإطلاق سراح الأسرى، فإنّ الضفة الغربية تغلي. وقد رحّب القادة الإسرائيليون والفلسطينيون بما قد يكون نهاية الحرب في غزة، إلّا أنّ عناصر متطرّفة داخل كلا المجتمعين، بمن فيهم وزراء في الحكومة الإسرائيلية، أعربت عن معارضتها لاتفاق غزة. وستطالب بتعويض، قد يتخذ شكل مزيد من النشاط الاستيطاني ثمناً للبقاء في الائتلاف. وفي الوقت نفسه، قد يُنفّس الفلسطينيون في الضفة الغربية عن غضبهم تجاه "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية بسبب صفقة يبدو أنها قد حقّقت أهداف الحرب الإسرائيلية.
لم يفت الأوان بعد لوقف الانزلاق نحو الحرب في الضفة الغربية، لكنّ الأمر سيتطلّب قيادة أكثر حزماً ودهاء مما حدث في غزة. ويجب إجبار "إسرائيل" على الحدّ من عنف المستوطنين وفرض القانون والنظام داخل مجتمع المستوطنات. كما يجب وقف مصادرة الأراضي وإجراءات إضفاء الشرعية بأثر رجعي التي تزيد من ربط الضفة الغربية بـ"إسرائيل". وينبغي عدم تنفيذ مشروع "E1" الاستيطاني.
ولعلّ أكبر شكّ يكمن في مدى قدرة إدارة ترامب على القيام بهذه المهمّة. إذ لم تُصدر إدارته أيّ تصريح أو تقُمْ بأيّ عمل يُشير إلى أنّ سياسات "إسرائيل" هناك تُثير أيّ قلق. وقد ألغى ترامب عقوبات الرئيس السابق جو بايدن على المستوطنين الإسرائيليين، ولم يُبدِ أيّ تعليق يُذكر على تزايد النشاط الاستيطاني. ولم يُسهم تاريخ السفير الأميركي لدى "إسرائيل" من التصريحات المؤيّدة للضمّ في تحسين الوضع. وإذا كان الرئيس جاداً حقاً بشأن السلام، فلا يمكنه أن يسمح بأن تكون غزة أولاً غزة فحسب. وهذا يعني إعادة تأكيد السياسات ضدّ المستوطنات وضدّ منطقة "E1"، ورسم أفق سياسي للإسرائيليين والفلسطينيين والتصرّف في الضفة الغربية بالعزم نفسه الذي أظهره في غزة. فالقيام بالأمر مرة واحدة فقط ليس خياراً.
لطالما كان الطريق نحو إيجاد مسار أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين شاقاً، ولن يكون سهلاً في المستقبل. فمن دون قيادة أميركية مستمرة واستعداد للضغط على القادة في "إسرائيل" وفلسطين لاتخاذ قرارات صعبة، لن يتحقّق السلام. كما أنه من دون تصميم أميركي، قد ينتهي بنا المطاف في دوامة من التكرار تُنذر بمواجهةٍ وإرهاب وعنف لا نهاية لها.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.