"Responsible Statecraft": وقف إطلاق النار في غزة يصطدم بحائط أجندة نتنياهو
كما كان متوقعاً، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي لديه الكثير ليكسبه من استمرار الحرب.
-
ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً تتحدث فيه عن الخرق الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة بدعم أميركي. كما تطرقت إلى مسألة الانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق أو انهيار الأمر والعودة إلى الحرب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
إنّ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة على وشك الانهيار، لأسباب كانت متوقعة عندما تم التوصل إلى الاتفاق في كانون الثاني/يناير.
وبعد مرحلة أولية استمرت ستة أسابيع، وانتهت للتو، ينص الاتفاق على مرحلتين ثانية وثالثة من شأنهما أن تشهدا إطلاق سراح المزيد من الأسرى من قبل الجانبين، وانسحاب "الجيش" الإسرائيلي من القطاع، وخطة إعادة الإعمار. ولكن هذه الأجزاء من الاتفاق كانت مجرد خطوط عريضة أو بيانات عن الأهداف، مع الحاجة إلى مزيد من المفاوضات لحل جميع التفاصيل.
وكما تناولناها سابقاً عندما تم الإعلان عن الاتفاق، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه أسباب شخصية وسياسية قوية لإبقاء "إسرائيل" في حالة حرب، بما في ذلك حاجته إلى الحفاظ على ائتلاف مع اليمين المتطرف في حكومته التي تتمثل سياستها في غزة في القضاء على جميع الفلسطينيين في القطاع.
إنّ نتنياهو لديه الحوافز لتخريب اتفاق وقف إطلاق النار قبل أن يصبح من الممكن تنفيذه على نحو يؤدي إلى وقف دائم للأعمال العدائية.
إنّ هذا التخريب جار على قدم وساق. فقد انتهكت "إسرائيل" وقف إطلاق النار مراراً وتكراراً طوال المرحلة الأولى بهجمات جوية وبرية أسفرت عن سقوط ضحايا. ومع عدم استسلام "حماس" للإغراء بالرد بأعمال عدائية شاملة، يحاول نتنياهو الآن التخلص من المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق واستبدالهما بشيء أكثر إرضاءً لـ "إسرائيل". وبدلاً من التفاوض على تفاصيل المرحلة الثانية، كما يقتضي الاتفاق، يدفع نتنياهو بصيغة تتضمن وقف إطلاق نار لمدة خمسين يوماً، يتم إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين بحلول نهاية هذه الفترة.
وفي ظل عدم وجود أي بند في اقتراح نتنياهو بشأن الانسحاب العسكري الإسرائيلي من غزة أو وقف دائم للأعمال العدائية، فإنّ هذه الصيغة تشكل بكل وضوح رفضاً واضحاً من جانب "حماس". وسوف يعني هذا تخليها عن أوراق المساومة المتبقية لديها من دون مقابل. ووصفت "حماس" اقتراح نتنياهو بأنه "محاولة صارخة للتنصل من الاتفاق والتهرب من المفاوضات بشأن مرحلته الثانية".
وفي الوقت نفسه، تستمر الانتهاكات الإسرائيلية الأخرى لاتفاق كانون الثاني/يناير. ففي الأسبوع الماضي، أشارت "إسرائيل" إلى أنها لن تسحب قواتها، كما نص الاتفاق، من ممر فيلادلفيا، وهي منطقة على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر. وفي هذا الأسبوع، بدأت "إسرائيل" في منع دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
إنّ الحوافز التي تدفع نتنياهو إلى استئناف الهجوم الإسرائيلي على غزة بدلاً من التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى سلام دائم لا تزال قوية الآن على الأقل كما كانت في منتصف كانون الثاني/يناير. والعامل الأكبر في هذه المعادلة هو احترام إدارة ترامب للتفضيلات الإسرائيلية، كما ينعكس في وجه نتنياهو المبتسم بعد سماعه أنّ الرئيس ترامب يؤيد التطهير العرقي الكامل لقطاع غزة بقدر ما يؤيده المتطرفون في حكومة نتنياهو.
وهؤلاء المتطرفون متحمسون كما كانوا دائماً لاستئناف الهجوم المدمر على سكان قطاع غزة بعد تجويعهم أولاً وقطع إمداداتهم من المياه والكهرباء.
وبالتالي، فإنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً في الأمد القريب لقطاع غزة هو استئناف الهجوم العسكري الإسرائيلي. ولن يكون لمثل هذا الاستئناف أي فرصة لتحقيق الهدف الإسرائيلي المعلن المتمثل في "تدمير حماس" أكثر من الأشهر الخمسة عشر السابقة من الدمار.
أمّا بالنسبة إلى السكان المدنيين المعذبين في غزة، فإن هؤلاء المدنيين ليس لديهم أي بديل غير المقاومة. ومن قد يستمتع يوماً ما برؤية ترامب لـ"ريفييرا الشرق الأوسط" في غزة، فلن يكون الفلسطينيون الذين يعيشون هناك حالياً. بل سيواجهون بدلاً من ذلك البؤس في المنفى، وحتى في هذه الحالة، لن يكونوا في مأمن من المزيد من الهجمات الإسرائيلية.
إنّ الاتفاق الأصلي في كانون الثاني/يناير، على الرغم من كل نقاط ضعفه، كان يمثل أفضل ما يمكن للدبلوماسية الدولية أن تنتجه في ذلك الوقت لإدارة مأساة غزة على الفور. والحقيقة، أنّ التوصل إلى الاتفاق بعد أسابيع عديدة من الوساطة والمفاوضات يُظهِر أنّه كان أقصى ما يمكن انتزاعه من الأطراف، بما في ذلك حماس، على الرغم من الضربات التي تلقتها خلال أكثر من عام من الحرب.
وتتمتع الولايات المتحدة بالنفوذ، وخاصة في ضوء مساعداتها العسكرية الضخمة لـ "إسرائيل"، لخلق الحوافز اللازمة لإبقاء الاتفاق سارياً ولإجراء مفاوضات جادة بشأن المرحلتين الثانية والثالثة. لكن، من الواضح أنّ إدارة ترامب لا تستخدم هذا النفوذ. وفي الواقع، يقول نتنياهو إنّ صيغته البديلة لوقف إطلاق النار المؤقت من دون نهاية دائمة للأعمال العدائية ومن دون انسحاب إسرائيلي كانت إطاراً اقترحه مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وهو نفسه الذي نُسب إليه الفضل في التوسط في اتفاق يناير الأصلي.
بالإضافة إلى الآثار المترتبة على معاناة شعب غزة، فإنّ هذا التحول من جانب الإدارة له آثار على مصداقية الولايات المتحدة. إنّ مساعدة الولايات المتحدة في تدمير اتفاق ساعدت الإدارة الأميركية نفسها وحتى المبعوث الأميركي نفسه، في التفاوض عليه من شأنه أن يضخم الشكوك الأجنبية، الموجودة بالفعل بسبب التراجعات المماثلة للإدارة في ما يتعلق بالتجارة الدولية، حول قدرة الولايات المتحدة واستعدادها للالتزام بالتزاماتها.
إذا كان من المقرر النظر في بدائل لاتفاق يناير بشأن غزة، فمن المؤكد أنه ينبغي للمرء أن ينظر إلى ما تفعله الدول العربية. لقد واجه العرب بعض التحديات في توحيد صفوفهم، ولكنهم في اجتماع القمة الذي اختتم للتو في القاهرة أيّدوا خطة مصرية تعالج إعادة الإعمار والإدارة المؤقتة لقطاع غزة.
إنّ الاقتراح المصري يدعو إلى تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير حزبية لإدارة القطاع خلال فترة انتقالية مدتها ستة أشهر. ورحّبت حماس بالاقتراح، وهو موقف يتفق مع المؤشرات السابقة التي تفيد بأن المجموعة ليست حريصة على الاستمرار في إدارة غزة بنفسها، حتى لو استمرت في مقاومة نزع سلاحها العسكري من جانب واحد. ورفضت "إسرائيل" الاقتراح، بما يتفق مع معارضتها لأي شيء يشير إلى مسار نحو الحكم الذاتي الفلسطيني.
لقد تجاهلت إدارة ترامب الاقتراح المصري وأكدت دعمها لفكرة ترامب بشأن ريفييرا في غزة. كما كرر المتحدث باسم البيت الأبيض الخط الغريب للإدارة بأنّ "غزة غير صالحة للسكن حالياً"، وهذا بطريقة ما سبب لدعم سياسات الدولة التي جعلت غزة غير صالحة للسكن.
وأكّد البيت الأبيض هذا الأسبوع أنّ الإدارة عقدت محادثات سرية مع حماس، في اتصال ركز بوضوح على إطلاق سراح الأسرى وخاصة الأميركيين منهم. إن حقيقة أنّ المسؤول الأميركي المعني كان الممثل الخاص لشؤون الأسرى وليس ويتكوف تشير إلى مثل هذه الأجندة. ولا يوجد ما يشير إلى أنّ موقف الإدارة الأوسع قد تغير، حيث أصدر الرئيس ترامب بياناً عدوانياً يهدد فيه حماس ويقول إنه "يرسل إلى إسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة" في غزة.
وعلى الرغم من أنّ الاقتراح المصري يستحق الاهتمام للتعامل مع الموقف الفوري، فإنّ الدعوات المطلقة إلى العرب لعرض مقترحاتهم بشأن غزّة، أمر غريب حقاً، نظراً لأن جامعة الدول العربية أنتجت قبل أكثر من عقدين من الزمان اقتراح سلام يقدم السلام والاعتراف الكامل بـ "إسرائيل" من قبل جميع الدول العربية إذا أنهت "إسرائيل" احتلالها للأراضي الفلسطينية وقبلت دولة فلسطينية، ولا يزال هذا الاقتراح على الطاولة.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.