"نيويورك تايمز": ترامب والولاية الثالثة... تحدٍ للدستور واختبار للديمقراطية

التعديل الثاني والعشرون واضح: على الرئيس ترامب التخلي عن منصبه بعد ولايته الثانية. لكن رفضه قبول ذلك يُبرز مدى استعداده لترسيخ سلطته.

  • "نيويورك تايمز": ترامب والولاية الثالثة.. تحدٍ للدستور واختبار للديمقراطية

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن فكرة الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وهو أمر يتعارض مع الدستور الأميركي الذي يحدد فترتين رئاسيتين فقط. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

بعد تمنّيه في العام الماضي بأن يكون ديكتاتورا ليوم واحد، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليطرح الفكرة من دون المزاح الذي اتّصف بتصريحه السابق. وقد ألمح إلى احتمال تشبّثه بالسلطة حتّى بعد انتهاء ولايته الدستورية، ما أثار مخاوف جدّية بشأن مستقبل الديمقراطية الأميركية.

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز"، قد أشارت في تقرير إلى أنّ ترامب يستمتع بغضب منتقديه وبإثارة الجدل، ويستخدم ذلك طريقة لإرباك الفضاء العامّ بإطلاق أفكار مثيرة، مثل الترشح لولاية ثالثة لا يتيحها الدستور، ما يشتّت الانتباه عن قضايا أخرى، ويؤخّر أن يُكشف أنّه "بطّة عرجاء" تقترب من نهاية نفوذها".

ولكنّ، حقيقة أنّ السيد ترامب قد أقحم هذه الفكرة في النقاش الوطني، توضح حالة عدم اليقين بشأن مستقبل النظام الدستوري الأميركي، بعد مرور نحو 250 عاماً على استقلال البلاد. وأكثر من أيّ وَقت مضى ومنذ أجيال، أصبح التزام الرئيس بحدود السلطة وسيادة القانون موضع تساؤل من منتقديه، وخشيتهم من أنّ البلاد تسير في طريق مظلم.

ورغم أنّ بعض الجمهوريين يعتبر تصريحات ترامب مجرد مزاح ثقيل، يرى المعارضون أنّ مجرّد طرح فكرة انتهاك الدستور يعتبر خطراً داهماً، فترامب سبق أن حاول فعلياً إلغاء نتائج انتخابات 2020، ودعا لاحقاً إلى "إنهاء الدستور" لإعادته إلى البيت الأبيض من دون انتخابات جديدة.

وفي الأسابيع الـ11 التي انقضت منذ أن استأنف مهامّ منصبه الرئاسي، ضغط على حدود السلطة التنفيذية أكثر من أيّ من أسلافه المعاصرين. وكان النائب دانيال غولدمان "الديمقراطي" عن ولاية نيويورك قد قال خلال أوّل محاولة لعزل الرئيس ترامب في ولايته الأولى،" هذا في رأيي تتويج لما بدأه بالفعل، وهو جهد منهجي لزعزعة استقرار ديمقراطيتنا وتقويضها، حتّى يتمكّن من توسيع نفوذ سلطته أكثر. وأضاف غولدمان مؤخّرا، بينما كانت أسواق الأسهم تنخفض كرد فعل على الحرب التجارية التي أعلنها ترامب،" الكثير من الناس لا يتحدّثون عن ذلك لأنّها ليست القضية الأكثر إلحاحاً حالياً، كون الهجوم على الديمقراطية قيد التنفيذ، وعلى الأميركيين أن يدركوا أنّ الأمر لم يعد افتراضياً أو تخمينياً من الآن فصاعداً.

وبالنسبة إلى حلفاء ترامب، فهم يرون أنّ الحديث عن تصريحات الرئيس مبالغ فيه، ولا يعدو عن أن يكون شكاوى مضخّمة من حزب معارض خسر الانتخابات، ولا يستطيع أن يتصالح مع ذلك. ويؤكّدون أنّ الرئيس ترامب، الذي يبلغ من العمر 78 عاماً، لن يترشّح حقّاً لولاية ثالثة، وحتّى لو وجد طريقة للالتفاف على الدستور، فإنّ الأمر سيظلّ متروكاً للناخبين إذا ما كانوا سيقرّرون إعادة انتخابه.

قالت المدّعية العامة بام بوندي في برنامج "فوكس نيوز صنداي"، (أتمنّى أن يكون رئيسا لمدة 20 عاما. لكنني أعتقد أنّه ربما سيخرج عند انتهاء ولايته. وعندما ضُغط عليها بشأن استخدامها لكلمة "ربّما"، أقرّت السيدة بوندي بأنّ التحايل على الدستور "سيكون أمراً صعباً".

وفي حين يؤكّد حلفاؤه أن ترامب ليس جادّا، إلّا أنّ لديه طريقة تبدو شنيعة في طرح الأفكار في البداية، ومع مرور الوقت من خلال التكرار يتمّ التعامل معها اجتماعيا حتّى تصير طبيعية إلى حدّ ما، أو على الأقلّ لا تظهر صادمة تماماً. وفي وقت من الأوقات كان من غير المعقول أن يهدّد رئيس ما بالاستيلاء على جزيرة غرينلاند وكندا أو أن يعفو عن مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول لوقف نقل السلطة وضربوا ضباط الشرطة، وعلى ما يبدو أنّ رئاسة ترامب، أقصر رحلة مما لا يمكن تصوّره وتحويله إلى أمر واقع.

إنّ ميول الرئيس ترامب الاستبدادية وتجاهله للأعراف الدستورية موثّقان بشكل جيد. ففي هذه الفترة الرئاسية الثانية وحدها، سعى بالفعل إلى إلغاء حقّ المواطنة بالولادة المنصوص عليه في التعديل 14، وتدخّل فعلياً في سلطة الكونغرس لتوجيه الأموال التي ستنفَق أو الوكالات التي ستغلَق، و"طهّر" قيادة القوات المسلّحة لفرض ولاء شخصي أكبر له، وعاقب المعارضة في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام الإخبارية وقطاع القضاء والإدارات الاتحادية. 

وتعود جذور الحدّ الأقصى لفترتين رئاسيتين في القانون الأميركي، الذي يريد الرئيس ترامب خرقه الآن، إلى بداية الجمهورية حين تنحّى جورج واشنطن طواعية بعد 8 سنوات من تولّيه منصب أوّل رئيس للبلاد، ليشكّل سابقة لمن سيأتي بعده.

وقد حاول عدد قليل ممن خلفوه كسر هذه السابقة، بما في ذلك يوليسيس غرانت وثيودور روزفلت وودرو ويلسون. ولكن في الواقع لم يقم أيّ منهم بذلك إلى أن فاز فرانكلين روزفلت، وهو ديمقراطي، بفترة رئاسية ثالثة في عام 1940، بينما كانت الحرب العالمية الثانية مستعرة، ثمّ فاز بفترة رئاسية رابعة في عام 1944 أيضاً.

وردّا على ذلك، أقرّ الكونغرس، بدعم قوي من الجمهوريين، التعديل 22 الذي ينص على أنّه "لا يجوز انتخاب أيّ شخص لمنصب الرئيس لأكثر من فترتين وهو إجراء صادقت عليه الولايات جميعها بعد ذلك في عام 1951.

ومنذ ذلك الوقت، أعرب بعض الرؤساء عن أفكار أخرى بشأن الحدّ الأقصى للولاية الرئاسية. قال الرئيس رونالد ريغان في عام 1987 إنّه يفضّل إلغاء التعديل 22 في الدستور، ليس بالنسبة إليه " على أن يُعمل به من بعده". وفي عام 2003 قال الرئيس السابق بيل كلينتون، إنّ الدستور يجب أن يقيّد الرئيس بفترات متتالية فقط، و"بالنسبة إلى الأجيال المقبلة، ينبغي تعديل المادّة المعدلة أصلاً. 

ومع ذلك، لم يسعَ أيّ رئيس إلى التحايل على هذا التعديل لنفسه، ومن غير الواضح كيف يمكن لترامب أن يمضي قدماً إذا ما حاول ذلك، بينما قدّم النائب الجمهوري عن ولاية تينيسي آندي أوغلز، تعديلاً دستورياً يسمح للرئيس الذي لم يفز بفترتين متتاليتين بالترشّح مجدّداً. ولكنّ، هذا ليس احتمالاً جدّياً، لأنّ التعديل يتطلّب تصويت ثلثي كلّ أعضاء مجلسي الكونغرس وتصديق ثلاثة أرباع الولايات.

لهذه الأسباب يقول بعض حلفاء ترامب إنّه من غير المجدي بالنسبة إليهم، الدعوة إلى ولاية ثالثة للرئيس أو أن يقلق خصومه من ذلك. وقال رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش، "إذا مرّر الكونغرس تعديلاً دستورياً بالأغلبية اللازمة، وصادق العدد المطلوب من الولايات على التعديل، فيمكنه الترشّح". ومن دون ذلك، فهي مجرّد فكرة لحفلات الكوكتيل، التي يحب الرئيس ترامب أن يكون حديثها. 

وبينما أكد ترامب أنّه حالياً، "من السابق لأوانه التفكير في الأمر"، صرّح لشبكة "إن بي سي نيوز " مؤخّراً أنّه "لا يمزح بشأن هذا الاحتمال"، وزعم أنّ هناك طرقاً للالتفاف حول الحدّ الدستوري لذلك.

لم تفصح كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، عن ماهية هذه الطرق والأساليب التي قد تُستخدم، ولم تُشر إذا ما كانت الإدارة تسعى إلى أيّ منها حالياً، وقالت للصحافيين، "لديه 4 سنوات، وهناك الكثير من العمل الذي يتعيّن عليه القيام به".

وقد رأى البعض أنّ بإمكانه تجاوز الحدّ الأقصى للفترة الرئاسية من خلال الترشّح لمنصب نائب الرئيس في عام 2028 مع وجود مرشّح مرن، وتابع، يمكنه بعد ذلك الاستقالة والسماح للسيد ترامب بتولّي الرئاسة مرّة أخرى من دون انتهاك الحظر المفروض على "انتخابه" أكثر من مرّتين.

يتجادل الخبراء حول إذا ما كان التعديل الدستوري الرقم 12، سيمنع مثل هذا السيناريو، لكونه ينص على أنّه "لا يجوز أن يكون أيّ شخص غير مؤهّل دستورياً لمنصب الرئيس مؤهلاً لأن يترشّح لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة". لكن، هل سيظلّ ترامب "مؤهّلاً" لمنصب الرئيس إذا لم يكن من الممكن انتخابه للمنصب مرّة أخرى؟.

لا شكّ في أنّ هذا النقاش مقصور على فئة معيّنة، وبالنسبة إلى البعض، هو إلهاء لا طائل منه. وقال جون يو، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، والمسؤول السابق في وزارة العدل في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، "لا آخذ ترامب على محمل الجدّ في هذا الشأن، مع أنّ هناك طرقاً كثيرة ملتوية وغريبة قد تمكّنه من أن يقضي من خلالها فترة رئاسية أخرى، ولكن لا شيء منها واقعي.

حتّى إن بعض منتقدي السيد ترامب قالوا إنّ تأمّلات الرئيس حول فترة رئاسية ثالثة ينبغي أن لا تستهلك الكثير من الاهتمام. وقال لاري دايموند، وهو زميل بارز في معهد هوفر في جامعة ستانفورد ومتخصّص في قضايا الديمقراطية، "لدينا الكثير من التهديدات الحقيقية لنظامنا الدستوري غير هذه، التي يشكّلها ترامب وحلفاؤه، وأعتقد أنّنا يجب أن نركّز عليها.

لكنّ، باحثين قانونيين آخرين قالوا إن احتقار السيد ترامب للقانون أصبح ملموساً من خلال الحديث عن الولاية الثالثة. وقال مايكل لوتيغ، وهو قاضي استئناف اتّحادي سابق محافظ، "إنّ الرئيس يسخر مرّة أخرى من الشعب الأميركي، ويهينه ويسخر من دستور الولايات المتحدة.

كذلك، لا يؤيّد معظم الأميركيين محاولة السيد ترامب البقاء لولاية ثالثة، لكنّهُم لا يعتبرون ذلك مزحة أيضاً. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته "مؤسسة يوغوف" في الأسبوع الماضي، أنّ 60% يعارضون سعيه للبقاء لولاية أخرى حتّى وإن كان 56% يتوقّعون أن يحاول بالرغم من ذلك.

وقد أثار السيد ترامب معارضيه علناً بأنّه قد يبقى إلى ما بعد الحدّ الأقصى، منذ ولايته الأولى. وفي بعض الأحيان، أظهر استعداده لتجاهل القواعد للاحتفاظ بمنصبه. في عام 2020، طرح فكرة تأجيل انتخابات الخريف، متذرّعاً بانتشار جائحة كورونا، ما أثار معارضة قوية غير معتادة من كبار الجمهوريين.

بعد خسارته السباق الرئاسي أمام جو بايدن، ضغط السيد ترامب على حكّام الولايات والمشرّعين في الكونغرس ونائبه لإلغاء النتائج، حتّى يتمكّن من التمسّك بالسلطة، وهو مخطّط أدّى إلى اتّهامه بالانقلاب على الدستور من قبل المدّعين الفيدراليين ومدّعي الولايات قبل إعادة انتخابه في الخريف الماضي.

يقول أحمد واي، أحد مؤلفي كتاب "الثورة والاستبدادي - الأصول العنيفة للسلطوية الدائمة"، إنّه ينبغي عدم التقليل من شأن أمنيات ترامب وتجاهله الحدّ الأقصى لفترتين رئاسيتين، "لا يسعني إلّا أن أفترض أنّه جادّ تماماً وأنّه إذا صمدت صحته الجسدية، فسيحاول الترشّح لولاية ثالثة".

والواقع أنّ بعض أكثر الحكام المستبدّين شهرة في العالم وجدوا طرقاً للتحايل على الأحكام الدستورية للبقاء في السلطة، من بينهم ألكسندر لوكاشينكو من بيلاروسيا، وهو الآن في السلطة منذ 31 عاماً، وفلاديمير بوتين من روسيا 25 عاماً.

ووفقاً لدراسة أُجريت عام 2019، فإنّ ثلث الزعماء الحاليين في العالم الذين يصلون إلى نهاية فتراتهم الدستورية يحاولون الاحتفاظ بالسلطة، وهي نسبة ترتفع إلى النصف إذا لم تُحتسب الديمقراطيات الأكثر تقدّماً. ومن بين 234 من شاغلي المناصب في 106 دول فُحصت، لم يتجاهل أيّ منهم دساتيره على نحو صريح، بل سعى إلى التهرّب من القيود من خلال ثغرات مفترضة أو تفسيرات جديدة أو مراجعات دستورية ما.

وقالت أستاذة القانون في جامعة فيرجينيا ميلا فيرستيغ، إنّ هؤلاء القادة يحاولون تغليف استيلائهم على السلطة بقشرة من الشرعية، "والقاعدة الدستورية الواضحة تقول إنّ "4 زائداً 4 يساوي 8، وأيّ شخص يستطيع العد يعرف أنك إذا كنت في السنة 9 في البيت الأبيض، فأنت تنتهك الدستور".

مع ذلك، يتقدّم بعض حلفاء ترامب بأفكار. فقد اقترح ستيفن بانون، كبير مستشاري ترامب السابق، أنّ الرئيس ترامب يجب أن يكون قادراً على الترشّح مرّة أخرى لأنّ فترتَي ولايته لم تكونا متتاليتين. ولكنّ غولدمان يوضح أنّ الدستور يؤكّد أنّ الحد الأقصى لفترتين رئاسيتين ينطبق، سواء كانت الفترتان متتاليتين أم لا.

ويرى آخرون أنّ ترامب قد يترشّح ويتحدّى المحاكم أو الولايات إلى أن تزيل اسمه عن بطاقات الاقتراع. لكن مع ذلك رفضت المحكمة العليا الجهود التي بذلتها عدّة ولايات لإزالة اسم ترامب عن بطاقات الاقتراع لعام 2024 بموجب بند التعديل 14 الذي يجرّد المتمردين من الأهلية لتولي المناصب العامة. لكنّ حدود الولاية في التعديل 22 من الدستور محددّة بشكل أكثر وضوحاً، وتبدو فرص السيد ترامب في إقناع القضاة بعيدة.

وفي أقصى الحدود، هناك مخاوف من أن يرفض ترامب ببساطة ترك منصبه، وهو سيناريو يفسر استبداله لكبار القادة العسكريين. فخلال محاولته إلغاء هزيمته في عام 2020، حثّ بعض حلفاء ترامب على إعلان الأحكام العرفية وإعادة الانتخابات في الولايات التي خسرها، وهي نصيحة لم يتبعها لعلمه أنّ القيادة العسكرية في تلك اللحظة لن توافقه الرأي.

مع ذلك هناك شكوك كبيرة في أنّ ترامب سينجح في البقاء في السلطة بعد 20 كانون الثاني/ يناير 2029. ومع ذلك، فإن الرغبة قوية، "كلّ هؤلاء الرجال يحبون وظائفهم، ويريدون إيجاد طريقة للحفاظ عليها. وهو أمر شائع جداً جداً"، كما تقول ميلا فيرستيغ.

إنّ التعديل 22 واضح، على الرئيس ترامب أن يتخلى عن منصبه بعد انتهاء ولايته الثانية. لكنّ رفض ترامب قبول ذلك يشير إلى مدى استعداده للتفكير في الذهاب إلى أبعد مدى لتوطيد سلطته.

نقله إلى العربية: حسين قطايا