"واشنطن بوست": ترامب يلعب بالنار بنشره قوات في لوس أنجلوس
تاريخ استخدام الجيش الأميركي محلياً ليس جيداً، وضبط النفس في لوس أنجلوس أمرٌ ضروري.
-
أفراد الحرس الوطني وضباط الشرطة في لوس أنجلوس
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر مقال رأي يناقش خطر استخدام القوات العسكرية الأميركية لقمع الاحتجاجات الداخلية، مستعرضاً السوابق التاريخية لذلك، ومنتقداً سلوك الرئيس دونالد ترامب في تعامله مع الاحتجاجات الأخيرة في لوس أنجلوس، ولا سيما في سياق سياساته القمعية تجاه المهاجرين وسعيه لاستخدام الجيش كأداة سياسية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
ينبغي أن يُلزم تاريخ الولايات المتحدة أيّ رئيس بالحذر بشأن نشر القوات، سواء أكانت الحرس الوطني أم أفراداً في الخدمة الفعلية، لقمع الاضطرابات الداخلية.
ففي نهاية المطاف، وقعت إحدى الأحداث التي أدت إلى الثورة الأميركية في بوسطن عام 1770، عندما انتشرت القوات البريطانية رداً على احتجاجات مناهضة للضرائب. وبدلاً من إخماد انتفاضة ناشئة، أشعلها الجنود البريطانيون (الريدكوت) بإطلاق النار وقتل خمسة متظاهرين فيما عُرف لاحقاً بمذبحة بوسطن.
على مرّ القرون التي تلت ذلك، نادراً ما استُخدمت القوات الأميركية محلياً، ثم لأغراض نبيلة (مثل محاربة العنصريين البيض المسلحين في الجنوب خلال فترة إعادة الإعمار) وأخرى خسيسة (مثل قمع الإضرابات خلال العصر الذهبي).
ورغم ندرة حالات استخدام أفراد عسكريين للسيطرة على الحشود، إلّا أنّ مثل هذه العمليات أدت إلى مآسٍ مروّعة. ومن بين هذه المآسي مذبحة لودلو عام 1914 (حيث هاجم الحرس الوطني في كولورادو وحرّاس الأمن الخاص عمال المناجم المضربين وعائلاتهم، مما أسفر عن مقتل 25 شخصاً)، وجيش المكافآت عام 1932 (حيث هاجمت قوات الجيش الأميركي قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى الذين كانوا يحتجون للمطالبة بمزايا معونة عاجلة، مما أسفر عن مقتل اثنين منهم)، وحوادث إطلاق النار في جامعة ولاية كينت عام 1970 (حيث أطلق الحرس الوطني في أوهايو النار على تجمّع مناهض لحرب فيتنام، مما أسفر عن مقتل أربعة طلاب وإصابة تسعة).
يوضح هذا التاريخ المقلق أنّ الرئيس دونالد ترامب يلعب بالنار بتأميمه الحرس الوطني في كاليفورنيا، رغم اعتراضات الحاكم جافين نيوسوم (ديمقراطي)، وإرساله قوات إلى لوس أنجلوس للتعامل مع الاحتجاجات التي أشعلتها حملات إدارة ترامب للمهاجرين غير المسجّلين. ومع ذلك، بدلاً من توخّي الحذر اللازم، يبدو ترامب متلهفاً جداً لإثارة الصدام.
في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الأحد، زعم ترامب أنّ لوس أنجلوس "غزاها واحتلها مهاجرون غير شرعيّين ومجرمون"، وأنها تُحاصر من قِبل "عصابات عنيفة ومتمرّدة". ووجّه السلطات الفيدرالية "لتحرير لوس أنجلوس من غزو المهاجرين، ووضع حدّ لأعمال الشغب هذه".
خطاب الرئيس التحريضي لا أساس له. فبدلاً من مواجهة غزو المهاجرين، شهدت الولايات المتحدة مؤخراً أدنى مستويات عبور الحدود غير النظامي منذ عقود، وهو خبر روّج له البيت الأبيض على موقعه الإلكتروني.
كما تشهد الجرائم العنيفة انخفاضاً سريعاً في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك لوس أنجلوس. حالة الطوارئ الوحيدة هي تلك التي تخلقها إدارة ترامب بإلزام هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بإجراء 3000 اعتقال يومياً على الأقل، بزيادة عن متوسط 660 اعتقالاً يومياً خلال المئة يوم الأولى من ولاية ترامب الثانية.
لا سبيل لتحقيق هذه الحصص التعسفية بالتركيز فقط على المجرمين وأعضاء العصابات الذين يستحقون الترحيل. لذلك، لجأت هيئة الهجرة والجمارك إلى استخدام القوة شبه العسكرية لمداهمة عمال اليومية في مواقف سيارات "هوم ديبوت". هؤلاء أشخاص يعملون لإعالة أسرهم ويساهمون في الاقتصاد، لذا ليس من المستغرب أن تؤدي مداهمات هيئة الهجرة والجمارك إلى احتجاجات وردود فعل معارضة. كما كان متوقّعاً، أدى إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس لتأجيج غضب المتظاهرين، وأدى إلى اشتباكات عنيفة مع الشرطة والجيش. وللأسف، يخدم بعض المتظاهرين مصالح ترامب بارتكاب أعمال عنف، مثل إلقاء مقذوفات على الشرطة أو إحراق سيارات، تُفضي إلى المواجهة التي يتوق إليها الرئيس بوضوح. كما أنّ التلويح بالأعلام المكسيكية على التلفزيون يُمكّن ترامب من تصوير المتظاهرين كغزاة.
هذه ليست المرة الأولى التي يحرص فيها ترامب على نشر القوات في شوارع المدن. فقد حاول القيام بذلك خلال احتجاجات جورج فلويد في عام 2020.
وبحسب ما ورد حثّ ترامب رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، ووزير الدفاع مارك إسبر، على "كسر جماجمهم" وسأل عما إذا كان بإمكان القوات إطلاق النار على المتظاهرين في أرجلهم. رفض إسبر وميلي بشدة قبول مثل هذا العنف من جانب الدولة أو حتى نشر قوات في الخدمة الفعلية. وقد نشر الحرس الوطني قواته ولكنه تصرّف بشكل عامّ بضبط النفس المناسب.
يساعد هذا التاريخ في تفسير سبب حرص ترامب هذه المرة على تعيين مسؤولين اعتبرهم بلا شك أكثر خضوعاً. فقد أقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي ورثه من إدارة بايدن وأعاد من التقاعد ضابطاً بثلاث نجوم، دان كين، الذي كان يعتقد على ما يبدو (ربما عن طريق الخطأ) أنه سيكون مخلصاً له شخصياً. أما بالنسبة لمنصب وزير الدفاع، فقد اختار ترامب بيت هيغسيث، مذيع قناة "فوكس نيوز"، الذي أوضح خلال جلسات تأكيد تعيينه أنه لن يعارض من حيث المبدأ استخدام القوة ضدّ المتظاهرين.
شهدت فترة هيغسيث في منصبه اضطرابات مستمرة بين كبار موظفيه، بالإضافة إلى فضيحة استخدامه محادثة غير آمنة عبر تطبيق "سيغنال" لمشاركة معلومات حول هجوم عسكري مُخطّط له على الحوثيين في اليمن. حتى أنّ ترامب، بحسب التقارير، كان مستاءً من هيغسيث بسبب كل الدعاية السيئة التي يُثيرها، واستعداده لإطلاع إيلون ماسك (الذي يمتلك مصالح تجارية كبيرة في الصين) على خطط البنتاغون لمحاربة الصين.
لذا، ليس من المستغرب أن يبدو هيغسيث، في تعامله مع احتجاجات لوس أنجلوس، وكأنه يُسرّع غرائز الرئيس، لا يُكبح جماحها. ولعله حرصاً منه على استعادة ثقة ترامب، غرّد وزير الدفاع يوم السبت بأنه لم يكتفِ "بحشد الحرس الوطني فوراً"، بل "إذا استمر العنف، فسيتمّ أيضاً حشد قوات مشاة البحرية العاملة في معسكر بندلتون - فهم في حالة تأهّب قصوى". وذكرت شبكة "CNN" يوم الاثنين أنّ كتيبة من مشاة البحرية من قاعدة "توينتيناين بالمز" تستعدّ للانتشار في لوس أنجلوس.
يبدو هيغسيث مستعداً تماماً لوضع القوات في موقف لا ينبغي أن تكون فيه، حيث يُخاطرون بأن يصبحوا بيادق سياسية في محاولة الإدارة لإثارة أزمة تُمكّن الرئيس من تعزيز سلطاته التنفيذية. الآن، يقع على عاتق الجنود أنفسهم، من كاين فصاعداً، مسؤولية ضمان شرفهم وعدم القيام بأيّ عمل من شأنه انتهاك حقوق التعديل الأول التي ناضلت أجيال من أسلافهم لحمايتها. لا يحقّ للجنود رفض أمر قانوني بالانتشار، لكن بإمكان قادتهم التصدّي لهم من وراء الكواليس وضمان ألّا يزيد أيّ جندي أو مشاة بحرية في شوارع المدينة من سوء الوضع.
نقله إلى العربية: الميادين نت.