العلاقات الأفريقية الإسرائيلية: توسّع اقتصادي بواجهة تنموية واستغلال ناعم للقارة

رغم مواقف الشعوب الأفريقية المؤيدة للقضية الفلسطينية، استغلّت "إسرائيل" الأزمات الاقتصادية التي تعانيها دول القارة، لتوسيع نفوذها عبر أدوات الاقتصاد الناعم والتنمية المشروطة.

  • السفير الإسرائيلي لدى السنغال خلال حفل تخريج دورة قدّمها خبراء إسرائيليون في مستشفى نجامينا العام، تشاد
    السفير الإسرائيلي لدى السنغال خلال حفل تخريج دورة قدّمها خبراء إسرائيليون في مستشفى نجامينا العام، تشاد

المدخل الاقتصادي لاختراق القارة الأفريقية

أظهرت ملحمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحرب الإبادة على سكان غزة، أن أغلب الدول الأفريقية قد اصطفت إلى جانب الحق الفلسطيني. وقد ترجم ذلك البيان الصادر عن الاتحاد الأفريقي الذي أشار إلى "أن إنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، هو السبب الرئيس للتوتر المستمر بين إسرائيل وفلسطين".

وقد كان متوقعاً أن تؤدي تداعيات حرب غزة إلى تراجع النفوذ الاقتصادي الإسرائيلي في أفريقيا، لكن حدث العكس، إذ استمر تطور العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية الأفريقية. والمؤسف أن مواقف الدول العربية/الأفريقية: مصر والسودان والمغرب، لم ترتقِ إلى ما كان منتظراً منها إذ استمرت في تطبيعها مع الكيان بناءً على اتفاقيات "إبراهام"، ما فتح الطريق أمام تعزيز اندماج "إسرائيل" في أفريقيا من دون معاهدة سلام مع الفلسطينيين.

صحيح أن الشعوب الأفريقية، خصوصاً ذات الأغلبية المسلمة، تقف إلى جانب القضية الفلسطينية، لكن الأنظمة قد تتبنى مواقف تعتقد أنها تخدم مصالح خاصة بالأنظمة أو بمصلحة دولهم.

يعرف الإسرائيليون أن الدول الأفريقية تعيش أزمات اقتصادية، ويحاولون التغلغل في أفريقيا عبر المدخل الاقتصادي، بالرغم من المنافسة الشديدة على القارة من طرف قوى كبرى كالصين والهند والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وقوى ناشئة كتركيا والبرازيل وإيران.

"ماشاف" وشبكات التغلغل الاقتصادي الناعم

"ماشاف MASHAV": هي "وكالة إسرائيل للتعاون الدولي في مجال التنمية"، أسستها غولدا مائير عندما كانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية عام 1958. هدفها المعلن "تعزيز التعاون في مجالات الزراعة والتعليم والطب والصحة العامة والابتكار والتكنولوجيا المتطورة وريادة الأعمال والبحث والتطوير والتخطيط والمساعدات الإنسانية". وتخصص ماشاف 40% من ميزانيتها للقارة الأفريقية. لكنها في الواقع ليست سوى أداة للسياسة الاقتصادية الناعمة الإسرائيلية للتوغل في أفريقيا.

بجانب ماشاف، تنشط نحو 30 منظمة غير حكومية إسرائيلية في مجالات التنمية البشرية في الدول الأفريقية، منها منظمة (SID إسرائيل) التي تضم 170 كياناً، ومتخصصة في المساعدات الإنسانية، وتقديم الخبرات الإسرائيلية في التكنولوجيا والابتكار في أفريقيا، ومنظمة "IsraAID" التي تأسست في عام 2001 للتدخل في الأزمات الإنسانية، وتركز بشكل خاص على المساعدة الغذائية والطبية.

وهناك منظمات أخرى مثل: CultivAid وKnowledge Based Development وFair Planet وAfrica 2030 وJDC وIngénieurs sans frontières، وكلها تدّعي تنفيذ مشاريع تركز على التنمية البشرية.

أسهمت ماشاف أيضاً في زيادة النشاط الاقتصادي الإسرائيلي في أفريقيا عبر فتح المجال أمام الشركات الإسرائيلية. وهناك أكثر من 800 شركة إسرائيلية تعمل حالياً في أفريقيا، توزعت أنشطتها على العديد من المجالات، مثل الصناعات الزراعية، وإقامة مزارع للدواجن والماشية، وإنشاء مراكز التدريب والإرشاد الزراعي، وشركات للنقل البحري، كما أنشأت شركات للطيران ونجحت في إقامة شركات مختلطة برأس مال إسرائيلي أفريقي.

كما تعمل منظمات إسرائيلية بشراكة مع منظمات أميركية وأوروبية في مشاريع مشتركة في أفريقيا، كما هو الشأن بالنسبة للاتفاقية التي وقعتها "إسرائيل" مع منظمة "Power Africa" التابعة لـ"USAID" الأميركية، والتي تشتغل في مجال الطاقة في أفريقيا، للحصول على امتيازات للتنقيب عن الغاز والبترول والطاقات الخضراء، والمبادرة الإسرائيلية الألمانية لأفريقيا، حيث تستثمر منظمة "IsraAID7" ملايين الدولارات، بالشراكة مع استثمار ألماني قدره 70 مليون دولار أميركي.

علاقات نفعية تقوم على التبعية والاستغلال

من أسباب نجاح الكيان الصهيوني في تنفيذ مشاريعه، ولو نسبياً، في أفريقيا، أنه استطاع إيجاد نخب أفريقية قريبة منه، إما درست في جامعاته ومعاهده العليا، أو خضعت لدورات تدريبية إما في "إسرائيل" أو بواسطة ممثليها في بلدانها في شتى المجالات.

بحلول عام 2010، كانت "ماشاف" قد درّبت ما يفوق ربع مليون طالب أفريقي، كما حضَرَ 2408 خبير إسرائيلي يعملون في شتى المجالات الزراعية والتعليمية والاقتصادية والأمنية والعسكرية. وهناك 3 رؤساء حكومة و40 وزيراً و150 من أعضاء البرلمانات و100 محاضر، و400 من مديري التعاونيات، و350 من رؤساء النقابات العمالية و37 من أمناء الاتحادات الثقافية في أفريقيا ممن درسوا في الأراضي المحتلة، وأصبحوا من أكثر المؤيدين للكيان الصهيوني.

وإذا كانت "إسرائيل" تدّعي أنها تبتغي دعم الدول الأفريقية ومساعدتها في التنمية، فإن الإحصائيات تؤكد أنها المستفيد الأكبر من علاقتها بأفريقيا. ولن نجانب الصواب إذا وصفنا علاقتها بهذه القارة بالطفيلية.

على المستوى التجاري، فإن مجمل ما صدّرته "إسرائيل" لأفريقيا في عام 2021، لم يتجاوز 685 مليون دولار، أي 1.3% من إجمالي صادراتها. وتتركز صادراتها إلى جنوب صحراء القارة السمراء في ست دول: جنوب أفريقيا، إثيوبيا، نيجيريا، غانا، كينيا، وأوغندا. وباستثناء غانا ونيجيريا، فإن باقي الدول تقع في شرق أفريقيا، عند باب المندب وفي البحر الأحمر، الشريان الاقتصادي الحيوي الذي أظهر أهميته بالنسبة للكيان الصهيوني في حرب 1973، وإبان الحرب المستمرة على غزة منذ 7 أكتوبر 2023.

ويُضاف إلى هذه الدول، دولٌ أخرى في شمال الصحراء، هي مصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، والمغرب بعد دخوله نادي التطبيع والفضاء الإبراهيمي، وبتوقيعهما في عامي 2021 و2022 اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري، الهدف منها تعميق العلاقات التجارية والاقتصادية ورفع حجم التبادلات التجارية بين البلدين.

على المستوى الفلاحي، تعاني "إسرائيل" من ندرة متزايدة في المياه نتيجة التحولات المناخية، ومن صِغر المساحات الصالحة للزراعة، ما دفع المستثمرين الصهاينة في المجال الزراعي إلى الانفتاح على الدول الأفريقية لاستغلال مياهها وأراضيها لزراعة الفواكه الاستوائية التي تستهلك الكثير من المياه، والخضر والورود والشاي. كما تستغل الثروات الحيوانية لتلك الدول، في وقت تعاني فيه شعوبها من الخصاصة في المواد الزراعية الأساسية التي تقتات منها.

كما يمتد النشاط الإسرائيلي إلى قطاع المعادن لاستغلال الثروات المعدنية؛ حيث تولّى بعض الشركات الإسرائيلية المتخصصة في التنقيب عن المعادن عمليات استخراج الماس في الكونغو، وجمهورية أفريقيا الوسطى وسيراليون، واستغلال مناجم الحديد في ليبيريا وسيراليون، واستخراج القصدير في الكاميرون وسيراليون، والرصاص والزنك من الكونغو، والنفط في دولة جنوب السودان.

الاستغلال الصهيوني لأفريقيا لم يشمل فقط الماء والأرض والثروات المعدنية، بل امتد ليشمل استغلال الإنسان. فمنذ أكتوبر 2023، أوقفت "إسرائيل" خدمات الفلسطينيين العاملين في قطاع البناء والزراعة (ما بين 30 و40 ألف عامل زراعي فلسطيني)، وحاولت تعويضهم بعمال من آسيا وأفريقيا.

في هذا الصدد، أرسلت مالاوي 221 عاملاً في نوفمبر 2023 للعمل في المزارع داخل فلسطين المحتلة، وعبّر حكامها عن عزمهم إرسال 5000 شخص إضافي، كما التزمت كينيا بإرسال 1500 عامل زراعي إلى "إسرائيل".

من جهة أخرى، وعدت "إسرائيل" طالبي الجنسية أو الإقامة الدائمة من الأفارقة بالاستجابة لمطلبهم، إن هم وافقوا على المشاركة في عمليات عسكرية بغزة.

في الخلاصة، فإن ما تقدّمه "إسرائيل" باليد اليمنى تأخذ أضعاف أضعافه باليد اليسرى.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك