السيد نصر الله في وجدان العراقيين: منّا نحن أهل العراق
كان الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله، شخصية استثنائية بالنسبة إلى العراق والعراقيين، فقد حفر أثراً عميقاً في وجدانهم، طوال ما مروّا به من مواقف ومراحل مفصلية في السنوات الماضية، فأصبح رجلاً منهم..
-
السيد نصر الله في وجدان العراقيين: منّا نحن أهل العراق
"السيد نصر الله منّا نحن أهل العراق".
هذا ما كتبه أحد المشاركين العراقيين في إحياء ذكرى استشهاد السيد الأمة، حسن نصر الله، في ساحة التحرير في العاصمة بغداد.
لم يكن السيد حسن نصر الله يوماً محصوراً بجمهور محلي، أو بحدود ضيّقة في محيط بلاده، أو مقيّداً بقضايا محلية، بل كان تأثيره عابراً للحدود، ويتجاوز المكان والزمان، لأنّه كان شخصاً حقيقياً ببساطة، قائد الحق الدائم، يدافع عن الإنسان أينما كان، ويحكي لغة الناس، كلّ الناس، ويلتفت إلى تفاصيل همومهم الصغيرة قبل الكبيرة، ويوعّيهم بشأن العديد من القضايا قولاً وفعلاً، على رأسها مقاومة المشاريع الأميركية والإسرائيلية والتكفيرية في المنطقة، والتي طاولت لبنان، كما العراق.
ولأنّه هذه الشخصية الاستثنائية والأممية، التي تحررت من حدود رسمها الاستعمار أصلاً، يكاد كل حرّ في العالم يشعر أنّه من بيئته ومجتمعه، وأنّه يخرج من محيطه الضيّق ليتكلّم باسمه. وهكذا هي الحال مع العراقيين. حين تمشي في شوارع بغداد، تشعر أنّ السيد عراقي حقّاً، لكثرة ذكره بين الناس، وكثرة الصور المنشورة له في كل زاوية وطريق، وعلى الجدران والمحال، وبين الأزقة والبيوت، فوجهه لا يفارق مخيّلتهم.
كيف لا يكون الواقع كذلك، وللسيد علاقةٌ شخصية بالعراق، قبل أن تكون علاقة رجل ديني وسياسي بدولة من دول المنطقة. فالعراق كان البلد الذي توجّه إليه السيد نصر الله أواخر سنة 1976 لإكمال دراسته الدينية، حيث تعرّف في تلك الفترة على الشهيد السيد محمد باقر الصدر، قبل أن يعود إلى لبنان سنة 1978، في إثر التضييقات التي كان يقوم بها النظام البعثي آنذاك.
وقد تحوّلت هذه العلاقة الشخصية إلى متابعة حقيقية وفعلية لأوضاع العراق الذي مرّ بمراحل كثيرة وخطيرة، كان السيد موجوداً وحاضراً خلالها. فمنذ أن تولّى قيادة حزب الله مطلع التسعينيات، نسج علاقات معقدة وفاعلة مع قوى عراقية عديدة، جمعت بين الاستشارة والدعم والتأثير.
وحين دخل العراق مرحلة مضطربة وخطيرة بعد عام 2003، بين الاحتلال الأميركي وصعود الجماعات المتطرفة وتزاحم القوى السياسية الناشئة، لم يكن السيد نصر الله بعيداً عن المشهد، بل خرج ليدافع عن العراق وسيادته وأمنه، قائلاً أمام الملأ في إحدى خطاباته المناصرة للشعب العراقي، إنّه "لا مستقبل للعراق إلاّ من خلال مغادرة قوات الاحتلال لهذه الأرض المباركة والمقدسة".
وقد امتد هذا التأثير إلى لحظات مصيرية في الميدان. فحين اجتاحت "داعش" مناطق واسعة من العراق عام 2014، لعبت توجيهاته دوراً أساسياً في تنظيم صفوف الفصائل العراقية، انطلاقاً من قناعته بأنّ المعركة ضد الإرهاب هي جزء من صراع أشمل يتجاوز حدود البلد، فـ"ما يجري في العراق، لا يرتبط فقط بمصير هذا البلد وشعبه، وإنما يرتبط بمصير دول المنطقة "، قالها السيّد نصر الله، مؤكّداً أنّ ذهاب حزب الله إلى العراق حينها كان ليقاتل هذا المشروع تحت قيادة عراقية، وليس للتدخل في شؤونه.
وفي هذه المرحلة، برزت علاقة فريدة بين السيد نصر الله ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. وقد تحدّث السيد في إحدى المرات، عن علاقتهما هذه، التي صارت أقوى وأقرب وأمتن خلال مرحلة قتال "داعش". وبعد شهادة المهندس عام 2020، بات العراقيون ينظرون إلى السيد على أنّه الأب العطوف، والسند الواقف وقوف النخيل إلى جانبهم، ليخفف قليلاً من يتمهم، ويوجّههم في المراحل والمحطات الحساسة.
كما شكّلت مواقف السيد نصر الله جسراً للتواصل وملاذاً للمتخاصمين، وأسهمت في حماية وحدة الصف الشيعي من الانقسام، حيث كانت كلماته تصل كرسائل تهدئة وحلول وسطية يطلبها الأطراف العراقيون بأنفسهم، وتحديداً بعد انتخابات 2021، حين سعى السيد نصر الله إلى منع حدوث مواجهة داخلية عندما اشتد الخلاف بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، مؤكداً مكانته كصانع توازنات ومرجع سياسي يحظى بثقة مختلف المكوّنات، من شيعة وسنة وكرد، بحسب ما تشير التقارير عن تلك الفترة.
لقد ترك رحيل السيّد نصر الله فراغاً كبيراً في العراق، الذي كان إحدى الساحات الأقرب إلى قلبه، على المستوى السياسي المؤثر، وأيضاً على المستوى الشعبي والجماهيري. فقد شهده العراقيون معهم وإلى جانبهم في أصعب الأوقات، على مدى السنوات الماضية. كان لهم القائد الملهم، والمدافع بجرأة عن أرضهم وعرضهم ومقدساتهم بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم، فلامس قلوبهم، وأحبوه وأحبهم، وحفر أثراً عميقاً في وجدانهم يتخطى الخرائط والأزمنة. ولحبّه هذا، ولأجله، احتضن العراقيون اللبنانيين في الحرب الأخيرة، كما لم يفعل الآخرون.
بالأمس واليوم، يبكي العراقيون، رجلاً كان منهم وفيهم. شيّعوه وودّعوه مرةً ثانية في ساحة التحرير، وكأنّ وداعاً واحداً لا يكفي، ثمّ عاهدوه على إكمال المسيرة والطريق، والشاعر في المناسبة يقول بصوتٍ شجيّ وشجاع في آن:
"للطايح وقوفاً رافض الذلة
جنود قبال قائد نوقف نقله
مو بس شلت راس العرب والإسلام
العالم شلت راسه يا حسن كله
ولا بس شمع نشعل بفرقاك
لمثلك كون راس الزلم نشعله".
في ساحة التحرير وسط العاصمة #بغداد، يُقام إحياء للذكرى الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله..
— الميادين عراق (@almayadeeniraq) September 27, 2025
و #الميادين تجري استطلاعًا حول أهمية هذا اليوم بالنسبة للعراقيين، وعن رمزية السيد في نفوسهم.. #الميادين_عراق #الميادين_بلاس@rahalbatoul1 pic.twitter.com/O9Ixdx7n7J