هل اقترب الاندماج الكامل بين "قسد" ودمشق؟

المفاوضات الحالية بين دمشق و"قسد" تمثّل اختباراً حاسماً لمستقبل الدولة السورية، وشكلها، وعلاقاتها مع دول الجوار، وهذا ما يفسّر الضغط الإقليمي والدولي على طبيعة المفاوضات، ونتائجها.

  • أحمد الشرع ومظلوم عبدي خلال توقيع اتفاق اندماج قسد في الحكومة السورية (أرشيفية- آذار/مارس)
    أحمد الشرع ومظلوم عبدي خلال توقيع اتفاق اندماج "قسد" في الحكومة السورية (أرشيفية- آذار/مارس)

بين المتغيّرات السياسية المتسارعة والتهديدات التركية المتصاعدة، عاد ملف اندماج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مع الحكومة الانتقالية في دمشق ليأخذ زخماً سياسياً وإعلامياً، وسط مؤشّرات تدلّ على قرب التوصّل إلى حلّ للنقاط الخلافية حول تنفيذ اتفاق العاشر من آذار/مارس الفائت، الموقّع بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي.

الاتفاق دخل بعد توقيعه بأيام حالة من الجمود السياسي، فلم يقم أيّ طرف باتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع لتحقيق الاندماج، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بالمسؤولية عن خرق بنود الاتفاق.

الجمود السياسي خرقته التطوّرات الميدانية، حيث شهدت منطقة سدّ تشرين في ريف حلب قبل أسابيع اشتباكات متقطّعة بين "قسد" وفصائل وزارة الدفاع، ولاحقاً حصلت اشتباكات بين الطرفين في حيَي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، لكنّ المعارك انتهت بضغط سياسي إقليمي ودولي، ليعود الحديث عن اتفاق آذار وإحيائه مجدّداً.

الولايات المتحدة دخلت على الخط مباشرة، وأرسلت مبعوثها الخاصّ توم برّاك إلى سوريا، والتقى بدايةً بقائد "قسد" مظلوم عبدي، ثمّ بالرئيس الانتقالي أحمد الشرع، قبل أن يرعى المبعوث الأميركي لقاءً ثنائياً بين الشرع وعبدي في دمشق، ليلعن إحياء المفاوضات بين الطرفين.

نقاط خلافية جوهرية

مصدر كردي مطلع على المفاوضات أكد للميادين نت أنّ 70% من الاتفاق في الجانبين الأمني والعسكري تمّت الموافقة عليها بين الطرفين، لكنّ النقاط الخلافية تتركّز في التفاصيل، ولذلك تمّ تكثيف اللقاءات في دمشق والرقة من أجل الوصول إلى صيغة توافقية، وبالتالي تحديد جدول زمني مناسب لتطبيق كامل الاتفاق، مع احتمال أن تطول المدة أكثر من نهاية العام الحالي، بخلاف ما تمّ الاتفاق عليه سابقاً.

وأكد المصدر أنّ الجانب العسكري في الاتفاق سيشمل دمج 3 فرق عسكرية من "قسد" في بنية وزارة الدفاع السورية الجديدة، بمعدل نحو 30 ألف مقاتل، على أن تبقى هذه الفرق ككتلة واحدة في مناطق انتشارها بمحافظات الحسكة والرقة ودير الزور شمال شرق البلاد، على أن يرأسها قادة عسكريون من أبناء المنطقة.

وفيما يتعلّق بالكتلة العسكرية الثانية المتمثّلة بجهاز الأمن العامّ "الأسايش"، فتؤكّد المعلومات وجود تفاهم بين دمشق و"قسد" على دمجها ضمن قوات وزارة الداخلية، على أن تنفّذ هذه القوات مهام الحماية الخاصّة بالمدنيين داخل مناطق شرق الفرات وخارجها، إضافة إلى توزيعها على مراكز الأمن والشرطة ونقاط المعابر الحدودية.

وفيما يخصّ النقاط الخلافية الأساسية بين الطرفين، فإنّ "قسد" تطالب بإبقاء الفرق العسكرية الثلاث في حالة "استقلال إداري كامل" عن وزارة الدفاع الجديدة، لكنها بالمقابل تحصل على تسليحها ورواتبها من قبل الوزارة، وهي النقطة التي لا تزال قيد النقاش حتى الوقت الحالي، في حين أعلن مسؤولون في الحكومة الانتقالية سابقاً عن رفضهم لهذا الطلب.

إضافة إلى ذلك، أكد المصدر أنّ "قسد" طالبت حكومة دمشق بمنع إدخال قوات وقطع عسكرية ثقيلة تابعة لوزارة الدفاع إلى مناطق سيطرة الكرد شمال شرق سوريا، بينما وافقت "قسد" على نشر قوات حرس حدود وقوات شرطية في مراكز المدن والمعابر الحدودية.

ومن النقاط الخلافية العالقة حتى الآن، إيجاد حلّ لدمج وحدات "حماية المرأة" الكردية ضمن الجيش السوري الجديد، حيث تطالب "قسد" بإبقاء الوحدات ضمن مناطق شرق الفرات مع تبعيّتها لوزارة الدفاع، بينما ترفض السلطات الانتقالية أيّ وجود لقوات "حماية المرأة" وتطالب بحلّها، لأنها تعتبر هذا الجهاز تابعاً إدارياً ومالياً وعسكرياً لحزب العمال الكردستاني.

توافق في الجانب الاقتصادي والخدمي

يؤكّد المصدر الكردي للميادين نت أنّ إنهاء النقاط الخلافية بين "قسد" ودمشق في الجانب العسكري والأمني يعني التوصّل إلى اتفاق كامل، خاصّة أنّ الطرفين متوافقان على الملف الاقتصادي وما يتعلّق بحقول النفط والغاز والموارد الطبيعية، إذ تطالب "قسد" بتخصيص جزء ثابت من عائدات الحقول الموجودة في مناطق سيطرتها لتنمية المنطقة، ولا مانع من إعادة مؤسسات ودوائر الدولة الخدمية لهذه المناطق شريطة دمجها مع المؤسسات الخدمية التابعة للإدارة الذاتية وعدم فصل الموظفين الكرد.

وفي الجانب التعليمي والثقافي، طرح مسؤولون من "قسد" خلال زياراتهم الأخيرة إلى دمشق فكرة إعادة فتح المدارس والجامعات السورية في مناطق شمال شرق البلاد، على أن يتمّ تدريس اللغة الكردية فيها، إضافة إلى ضرورة اعتراف الحكومة الانتقالية بالشهادات الصادرة عن مدارس "الإدارة الذاتية".

وطرحت "قسد" أيضاً تضمين الدستور السوري الجديد لحقوق الكرد ثقافياً بعد عقود طويلة من التهميش والحرمان، مع الأخذ بعين الاعتبار إدراج مناسباتهم القومية مثل عيد نيروز، وضمان حرية ممارسة شعائرهم التراثية.

أنقرة اللاعب الأكثر تأثيراً

لم تخفِ تركيا دورها في المفاوضات الجارية بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة الانتقالية، كما أنها لوّحت علناً باستخدام القوة العسكرية ضدّ الكرد في حال عدم التزامهم باتفاق الاندماج مع دمشق، وهذا التهديد أطلقه أيضاً الرئيس الانتقالي، حيث قال في أيلول/سبتمبر الماضي إنّ فشل مسار دمج قوات سوريا الديمقراطية قبل نهاية العام الجاري "قد يدفع تركيا إلى التحرّك عسكرياً" واتهم "بعض الأجنحة" داخل "قسد" وحزب العمال الكردستاني بـ "عرقلة تنفيذ الاتفاقات".

وخلال الأيام الماضية، تداولت مواقع إعلامية مقرّبة من الحكومة السورية الانتقالية أخباراً عن خطط تركية لتزويد الجيش السوري الجديد بأسلحة ثقيلة متنوّعة لاستخدامها في العمليات العسكرية ضدّ الكرد.

وحول الدور التركي في المفاوضات، أكد المصدر الكردي للميادين نت أنّ أنقرة تؤدّي دوراً سلبياً في الملف، وهي ترفض اندماج الكرد في الدولة السورية بأيّ شكل من الأشكال، لكنها رضخت لذلك بعد ضغوط أميركية شريطة ألا يكون الاندماج العسكري ككتلة واحدة، وألا تحافظ "قسد" على قدراتها العسكرية والاقتصادية، وأن يتمّ إنهاء أيّ وجود لحزب العمال الكردستاني شمال شرق سوريا.

ويضيف المصدر أنّ تركيا تضغط حالياً باتجاه تنفيذ الدمج على أساس فردي لا جماعي، بما يضمن تفكيك البنية العسكرية والإدارية المستقلة للكرد، وأنّ الدور التركي يؤخّر أيّ تفاهم مع دمشق، حيث إنّ الموقف الحكومي مكبّل بالحساسية التركية دائماً، وهذا ما يفسّر الزيارات المكثّفة للمسؤولين السوريين إلى تركيا خلال الأيام القليلة الماضية.

إنّ المفاوضات الحالية بين دمشق و"قسد" تمثّل اختباراً حاسماً لمستقبل الدولة السورية، وشكلها، وعلاقاتها مع دول الجوار، وهذا ما يفسّر الضغط الإقليمي والدولي على طبيعة المفاوضات، ونتائجها، وخطوطها الحمر، وهو ما يؤكّد حجم التدخّل الخارجي في الملف السوري، وتأثيره المباشر على سياسة الدولة الجديدة التي تمرّ بمرحلة المخاض.

اخترنا لك