الثابت والمتحوّل في أسلوب التفاوض الأميركي (2-3)

الدارس لأساليب الدبلوماسية الأميركية في الحروب ومن ضمنها حرب الإبادة في غزة، عليه أن ينتبه إلى حقيقة أساسية تمثّل جوهر هذه السياسة، وهي أنّ الثابت والدائم هو حماية "إسرائيل".

  • الدبلوماسية الأميركية والحرب على غزة.
    الدبلوماسية الأميركية والحرب على غزة.

لم يختلف الأمر كثيراً عمّا كان عليه أثناء أزمة الغزو الإسرائيلي – المدعوم أميركياً وغربياً – للبنان في حزيران/يونيو عام 1982 على أثر محاولة اغتيال سفير الكيان الإسرائيلي شلومو أرغوف في العاصمة البريطانية لندن.

وعلى الفور عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً طارئاً صباح الجمعة 4 حزيران/يونيو 1982، في غياب وزير الدفاع أرييل شارون الذي كان في الخارج، واتخذت قراراً بالإجماع يدعو سلاح الجو الإسرائيلي إلى قصف أكثر من 20 موقعاً للمقاومة الفلسطينية في بيروت وجنوب لبنان، الذي أسفر عن مقتل نحو 150 مدنياً لبنانياً وفلسطينياً.

وفي مساء يوم السبت 5 حزيران/يونيو 1982، اجتمعت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة الثلاثي مناحم بيغن وآريل شارون ووزير الخارجية إسحاق شامير، واعتبروا أنّ الفرصة سانحة لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة إلى منظمة التحرير، فقصفت المدفعية والطائرات الإسرائيلية يومي 5 و6 حزيران/يونيو مواقع الفلسطينيين، واستهدفت 55 منطقة وقرية في بيروت الجنوبية والشرقية. 

وفي 6 حزيران/يونيو، دخل "الجيش" الإسرائيلي إلى ما وراء الحزام الأمني، وبدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حيث عبرت 4 طوابير مدرّعة إسرائيلية إلى داخل الأراضي اللبنانية، مع اختراق أكثر من 250 دبابة وآلاف المشاة خطوط قوات "اليونيفيل". وتمّ إنزال بعض الوحدات البرمائية على امتداد الساحل اللبناني المطل على البحر الأبيض المتوسط.

وصلت القوات الإسرائيلية إلى منطقة الدامور، مستخدمة تكتيكاً عسكرياً يسمّى "التأثير غير المباشر". واتسعت العمليات العسكرية الإسرائيلية على (محور حاصبيا-البقاع)، وفرضت القوات الإسرائيلية حصاراً على صيدا، واستولت على "قلعة الشقيف". بعد مقاومة فلسطينية باسلة واستشهادية. وفي الوقت نفسه قرّرت الحكومة الإسرائيلية توسيع تدخّل قوات الجيش في عمق لبنان لتهديد الجناح السوري، مما أدى إلى اشتباكات جوية عنيفة فوق بيروت.

ولم تكترث "إسرائيل" بصدور القرار 508 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والداعي إلى وقف إطلاق النار، حيث حمّل السفير الإسرائيلي في نيويورك لبنان مسؤولية الأعمال الفلسطينية لعدم منعه الهجمات ضد "إسرائيل".

وتقدّم "الجيش" الإسرائيلي نحو الطريق الرئيسي بين بيروت ودمشق، ونفّذ سلاح الجو الإسرائيلي هجمات ضدّ المواقع السورية المخصصة لقواعد صواريخ "سام- 6" في وادي البقاع، بمشاركة 96 طائرة حربية إسرائيلية، ما أدى إلى تدمير 17 بطارية صواريخ مضادة للطائرات.

وهنا أطلق الرئيس الأميركي "دونالد ريجان" جملته الشهيرة (باي باي بي أل أو By ..By PLO) تعبيراً عن فرحته وابتهاجه بهذا الغزو الإسرائيلي للبنان والتخلّص من فصائل المقاومة الفلسطينية التي تنضوي تحت يافطة منظمة التحرير الفلسطينية PLO،  والمقيمة في لبنان. 

لقد تحدّدت أهداف الغزو قبل عدة شهور من الاجتياح والغزو على النحو الآتي:

أولاً: إقامة شريط أمني بعمق 40 كيلومتراً شمالي الحدود اللبنانية مع الكيان الإسرائيلي لإبعاد المقاومة الفلسطينية وتدمير بنيتها العسكرية وحماية المستوطنات الإسرائيلية في الجليل.

ثانياً: ضرب وتدمير صواريخ سام السورية التي أدخلتها سوريا إلى لبنان في أيار/مايو 1981، مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن لعقد اجتماع في الكنيست في 11 أيار/مايو 1981 وطلب الموافقة على التدخّل الإسرائيلي لضرب الصواريخ.

ثالثاً: الاستفادة من زخم وقوة الاختراق الإسرائيلي الذي تحقّق بتوقيع اتفاق "سلام" مع الرئيس المصري أنور السادات والقيادة المصرية عامي 1978 و1979، وتوسيع نفوذ وهيمنة "إسرائيل" على لبنان الذي يعاني من انقسامات الحرب الأهلية منذ نيسان/أبريل عام 1975، والنفاذ إلى النظام السياسي اللبناني باستقدام رئيس لبناني موالٍ لـ "إسرائيل" مما سيخلق واقعاً استراتيجياً جديداً في المنطقة العربية كلّها. 

وكانت هذه الأهداف تتلاقى وتتفق تماماً مع الرؤية والسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، سواء كانت الإدارة الأميركية من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي.

كما ساهمت الظروف الدولية وحالة الانقسام العربي بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 واتفاقية السلام مع الكيان الإسرائيلي في آذار/مارس 1979 في تشجيع الولايات المتحدة و"إسرائيل" على الخوض في هذه المغامرة العسكرية الجديدة. 

لقد كانت أهداف الغزو الإسرائيلي للبنان أوسع وأعمق من مجرّد كونه عملاً انتقاماً، تماماً كما هو الحال الآن في عملية الغزو وحرب الإبادة التي يمارسها الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.

وكما هي العادة الأميركية انتعشت آمالها ومؤسسات الدولة العميقة (البنتاغون – الخارجية – الاستخبارات – البيت الأبيض) بسبب النجاحات والاختراقات الإسرائيلية السريعة الأولى التي اجتاحت الجنوب اللبناني في عدة أيام حتى قاربت على العاصمة "بيروت" وأكملت حصارها. 

وهنا حدث ما لم تتوقّعه الولايات المتحدة وتقديرات "جيش" الاحتلال الصهيوني، فرغم القصف الوحشي براً وبحراً وجواً على العاصمة بيروت، وتحديداً شقّها الغربي حيث تتمركز قوات المقاومة الفلسطينية وفصائلها المتحالفة مع قوات الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية المكوّنة من مزيج مبدع من التيارات اليسارية والناصرية والشيوعية والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل وغيرها، واجهت قوات الغزو الإسرائيلي مقاومة باسلة وصلبة طوال ثمانين يوماً. 

وهنا حدث الخلاف والاختلاف داخل الإدارة الأميركية حول كيفية إدارة الحرب التي بدت في وحشيتها وقسوتها غير مبرّرة دولياً وقانونياً، مما قد يهدّد العملية العسكرية الإسرائيلية كلّها والأهداف الأميركية بالتالي. 

فغيّرت الولايات المتحدة وإداراتها الجمهورية المحافظة من السلوك السياسي والدبلوماسي لها وجرى استبدال وزير الخارجية الأميركية المندفع الجنرال ألكسندر هيغ برجل القانون والمحاماة جورج شولتز الذي تربطه صلات وعلاقات بدوائر المال والأعمال والبترول والعائلات الحاكمة في منطقة الخليج. وتحوّل الأسلوب الأميركي إلى الوجه الآخر من العملة بحيث يبقى الحفاظ على الأهداف الأميركية والإسرائيلية والتخلّص من منظمة التحرير الفلسطينية وإجلاؤها من لبنان وتشتيت قواها العسكرية (الثابت) مع تغيير في الأسلوب والوسائل (المتحوّل). 

وعلى الفور جرى استدعاء الدبلوماسي الأميركي ذي الأصول اللبنانية فيليب حبيب ليؤدّي الدور ويمارس آلاعيب السياسة الأميركية. 

وإذا تأمّلنا الخطوات والدينامية السياسية والدبلوماسية المتعددة الأبعاد والأهداف التي اتبعها فيليب حبيب نكتشف أنها تكاد تتطابق مع تلك التي اتبعها وزير الخارجية الأشهر هنري كسينجر في إدارته لأزمة الحرب العربية – الإسرائيلية التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، وتكاد تتطابق مع الأسلوب الأميركي الراهن في التعامل مع حرب الإبادة التي تمارسها "إسرائيل" ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وكانت على النحو الآتي: 

أولاً: العمل على فصل قوى التحالف المقاوم لـ"إسرائيل" والمكوّن من منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات والأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية من خلال تكثيف الضغط العسكري الإسرائيلي على بيروت العاصمة، والتهديد بتدميرها تماماً بحيث ذهبت بعض القوى الوطنية اللبنانية إلى حد القبول بفكرة فيليب حبيب ومن خلفه "إسرائيل" خروج قوات وفصائل المقاومة الفلسطينية من لبنان. 

ثانياً: بذر بذور الفتنة والوقيعة بين قيادة منظمة التحرير – وخصوصاً فتح بقيادة ياسر عرفات – والحكومة السورية، بحيث قبلت قيادة المنظمة أن تذهب بقواتها مشتتة إلى عدة دول عربية بعيداً عن ساحات الجوار المباشر لفلسطين المحتلة (تونس – اليمن الشمالي واليمن الجنوبي – وليبيا – الجزائر). 

ثالثاً: ومثلما صاغ هنري كسينجر دينامية الخطوة خطوة وأوصل بها الرئيس المصري إلى منزلق المفاوضات المعلنة (مفاوضات فكّ اشتباك القوات – مؤتمر جنيف)، ثمّ المفاوضات السرية في المغرب والتي انتهت بزيارة الرئيس السادات للقدس المحتلة في التاسع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 1977، ومنها إلى اتفاقيتي كامب ديفيد في أيلول/سبتمبر عام 1978، وبعدها اتفاقية ما سمّي السلام المصرية الإسرائيلية في آذار/مارس 1979  بين حكومة السادات و"إسرائيل"، ذهب الدبلوماسي الأميركي  فيليب حبيب بالاتفاق مع "الجيش" الإسرائيلي إلى تكثيف القصف البري والبحري والجوي، وبلغت المعارك ذروتها في الثامن والتاسع والعاشر من آب/أغسطس 1982، واستخدمت فيها "إسرائيل" أسلحة محرّمة دولياً.

وبعد أن أكملت "إسرائيل" حصار بيروت الغربية الذي استمر 70 يوماً، وبمساعدة فيليب حبيب، جرى تنفيذ الشقّ السياسي من الأهداف الأميركية والإسرائيلية بإعلان بشير الجميل قائد ميليشيا القوات اللبنانية المتحالفة مع "إسرائيل" في 24 تموز/يوليو 1982 ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية.

وبرغم المعارضة القوية  التي واجهها بشير الجميل من القيادات الإسلامية وبعض المسيحيين الموالين للرئيس السابق سليمان فرنجية، فقد جرى انتخاب بشير الجميل رئيساً للبنان في 23 آب/أغسطس الذي حظي بدعم الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وعلى الفور أطلقت مليشيات القوات اللبنانية والكتائب عيارات نارية احتفالاً، وانطلقت 7 دبابات إسرائيلية تحمل كلّ واحدة منها صورة لبشير الجميل، وعلّق أرييل شارون بأنّ كلّ شيء يجري وفق المخطّط.

وهكذا نجح الدبلوماسي الأميركي فيليب حبيب في تحقيق هدفين استراتيجيين للولايات المتحدة و"إسرائيل"، هما الانتخاب الجبري لزعيم ميليشيا القوات اللبنانية بشير الجميل رئيساً للجمهورية تحت حماية الدبابات الإسرائيلية، والثاني دفع الحكومة اللبنانية ورئيس الجمهورية الجديد أمين الجميل بعد اغتيال شقيقه بشير الجميل في 14 أيلول/سبتمبر 1982 إلى التوقيع على "معاهدة سلام" لبنانية – إسرائيلية أطلق عليها اتفاقية السابع عشر من أيار/مايو عام 1983. 

وقد نصّت معاهدة السلام اللبنانية-الإسرائيلية، على إنهاء حالة الحرب بين لبنان و"إسرائيل". وتعهّد فيها لبنان بحفظ الأمن على الحدود الشمالية لـ "إسرائيل" ودمج جيش لبنان الجنوبي في الجيش اللبناني، كما فرضت المعاهدة قيوداً على العلاقات العربية والدولية مع لبنان.

في المقابل، تعهّدت "إسرائيل" بالانسحاب من الأراضي اللبنانية بشرط انسحاب القوات السورية، وتمّ الاتفاق على أن تنسحب "إسرائيل" خلال فترة تتراوح بين 8 و12 أسبوعاً من سريان الاتفاق، وربطت انسحابها بانسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، وكان هذا بمثابة مسمار جحا للبقاء واستمرار القوات الإسرائيلية المحتلة في لبنان تماماً كما يجري حالياً في موضوع ممر صلاح الدين (فيلادلفيا) ومحور نتساريم.

صحيح أنّ معاهدة 17 أيار/مايو لم تصمد كثيراً أمام رفض ومقاومة القوى الوطنية اللبنانية والقيادات السياسية الوطنية، من أمثال الرئيس رشيد كرامي وسليمان فرنجية وحركة أمل بقيادة نبيه بري المتحالفين مع سوريا، وبداية بروز قوى إسلامية جديدة في صفوف المقاومة. 

وبرغم ما أسفرت عنه العمليات العسكرية الإسرائيلية من خسائر بشرية هائلة، وفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، حيث بلغ عدد الضحايا المدنيين 26 ألفاً و506، منهم 11 ألفاً و840 طفلاً، و868 امرأة، كما أصيب 2994 شخصاً بحروق خطيرة بسبب استخدام الاحتلال القنابل الفوسفورية، وتعرّض الآلاف لتشوّه دائم، حيث فقدوا السيقان والأذرع، وتعرّضوا للإصابة بالحروق والتمزّقات الناتجة عن استخدام القنابل الفسفورية والقنابل العنقودية المحرّمة دولياً. فإنّ هذه الخسائر لم تحرّك أبداً السياسة والدبلوماسية الأميركية في مراجعة حساباتها ومواقفها من "إسرائيل" وجرائمها. 

وفي 5 آذار/مارس 1984 ألغى الرئيس اللبناني أمين الجميل اتفاق 17 أيار/مايو وقطع العلاقات مع "إسرائيل" وتقرّب من جديد مع سوريا.

الدبلوماسية الأميركية وعدوان تموز/يوليو 2006

جاءت أزمة تموز/يوليو 2006 لتؤكّد السلوك النمطي للدبلوماسية الأميركية التي كانت تقودها واحدة من غلاة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة والمناصرين دوماً للصهيونية و"إسرائيل" هي السيدة كونداليزا رايس والمندوب الأميركي المتعصّب في مجلس الأمن جون بلتون. 

فمنذ اللحظة الأولى للأزمة، أدانت الولايات المتحدة بدءاً من البيت الأبيض انتهاء بوزارة الخارجية حزب الله باعتباره المعتدي باختراقه لما يسمّى حدود "دولة إسرائيل" والهجوم على دورية عسكرية إسرائيلية واختطاف جنود بهدف تبادلهم مع أسرى لبنانيين لدى "إسرائيل". 

وتكرّرت الأساليب النمطية نفسها للدبلوماسية الأميركية، بدءاً من زرع بذور الفتنة بين حزب الله وحركات المقاومة المناصرة له من جهة، والبيئة السياسية اللبنانية الممثّلة في الحكومة اللبنانية التي يقودها أحد غلاة المعادين للمقاومة وهو السيد فؤاد السنيورة. ولم يكن الأمر في هذه الحالة يحتاج إلى الكثير من الدس والوقيعة، فالرجل جاهز للمفاصلة وحصار حزب الله، كما امتدّ نشاط وزيرة الخارجية الأميركية لزيارة قيادات ما سمّي "قرنة شهوان" وتكتل 14 آذار من أحزاب الكتائب والقوات اللبنانية وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وغيره من صفوف قوى اليمين اللبناني.

كما أسرعت الدبلوماسية الأميركية إلى توفير مظلة دعم سياسي للغزو الإسرائيلي للبنان ووحشية القصف المدمّر الذي تعرّضت له الضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني والمرافق الحيوية والبنية التحتية للدولة اللبنانية، وحرص مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن والأمم المتحدة اليميني الصهيوني جون بولتون على المماطلة والمراوغة لكسب الوقت "للجيش" الإسرائيلي لتحقيق أهدافه المعلنة من الحرب، وخصوصاً تدمير حزب الله ونزع سلاحه، وزاد عليها أن تعامل بغرور وغطرسة وتعالٍ وازدراء مع السفراء العرب الذين ذهبوا لمقابلته لطلب وقف إطلاق النار ووقف التدمير الشامل للجنوب اللبناني والعاصمة بيروت. 

وبالمقابل كرّرت الدبلوماسية الأميركية أسلوب استبعاد تأثير وحضور روسيا الاتحادية والقوى الدولية الأخرى نفسه لتحتفظ لنفسها بإدارة الملف بما يتلاءم ويتفق مع الأهداف المشتركة لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة من الحرب. 

ولم تكن الدبلوماسية الأميركية تحتاج ممارسة شيء من الضغط أو الجهد على بعض الحكومات العربية من أجل إدانة حزب الله والاصطفاف مع الدعاية والمواقف الأميركية والإسرائيلية، فقد تبرّعت أربع حكومات عربية منذ اللحظة الأولى للحرب في الثاني عشر من تموز/يوليو، وأعلن قادتها إدانتهم "لمغامرة حزب الله" الخطيرة والضارة، وكانت الإشارة الأميركية كافية ولو بغمزة عين من الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. 

وحينما تأكّد للجميع وللولايات المتحدة صمود وبسالة المقاومة اللبنانية وكسرها غرور وغطرسة القوة الإسرائيلية على مدار ثلاثين يوماً ويزيد، انتقلت الدبلوماسية الأميركية إلى الوجه الآخر للعملة، والتحوّل إلى صيغ التسوية التي تحفظ لـ"إسرائيل" ما بقى لها من ماء وجه، وسارع المندوب الأميركي جون بلتون بطلب لقاء السفراء العرب لحثّ حكوماتهم على الضغط على حزب الله للموافقة على وقف إطلاق النار والقبول بقرار يصدر من مجلس الأمن، كما سارع رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لطرح نقاطه السبع المخزية في العاصمة الإيطالية، وجرى الدفع بصياغة القرار 1701 من أجل ضمان أمن "إسرائيل" وضمان حدودها. 

إذاً.. الدارس لأساليب الدبلوماسية الأميركية في الأزمات المتعددة والحروب المتكررة ، ومن ضمنها  حرب الإبادة الجارية حالياً في غزة عليه أن ينتبه إلى حقيقة أساسية تمثّل جوهر هذه السياسة وعمقها الفاعل، وهي أنّ الثابت والدائم هو حماية "إسرائيل" والدفاع عنها على الصعد والمستويات كافة، أما المتحوّل فهو تغيير الأسلوب الدبلوماسي في التعامل مع الأزمة ، فليس الأمر ضعف إرادة أميركية، أو ضعف إدارة أميركية، أو ضعف رئيس أميركي، وإن كان كلّ هذا وارداً وحقيقياً، وإنما علينا أن ننتبه أننا أمام مشروع استعماري أميركي غربي صهيوني في منطقتنا العربية كلّ منهم يتولّى دوراً في المسرح الجاري من حولنا، حتى لو كان هذا المسرح حافلاً بالدم والقتل والضحايا العرب والفلسطينيين. 

ولعل هذه هي المقاربة التحليلية الوحيدة لفهم ما يجري حالياً في معركة غزة على الصعيد السياسي والدبلوماسي الأميركي كما سوف نرى. 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.