الهند وحزب بهاراتيا جاناتا... لماذا العداء للمسلمين؟

لفهم التوجّه السياسي الحاليّ للهند، علينا أن نفهم الخلفية العقائدية لحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتعصّب الذي يدعو إلى العودة للتعاليم الهندوسية للهند، والتي تنظر إلى الإسلام على أنه حكم دخيل عليها تسبّب بتراجعها على مدى الألف عام السابقة.

  • لماذا إلقاء اللوم على الإسلام في تردّي الهند؟
    لماذا إلقاء اللوم على الإسلام في تردّي الهند؟

يلاحظ منذ عقد اعتماد الهند في ظلّ حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي المتعصّب لسياسات عدائية تجاه الإسلام بالتوازي مع سياسات معادية للصين. هذا يحصل في وقت باتت الهند تتقارب فيه مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" على حساب سياساتها التي اعتمدتها في عهود حكم حزب المؤتمر حيث كانت تنحو للتقارب مع روسيا ولدعم القضايا العربية. 

اختراع تاريخ هندوسي مزدهر 

لفهم التوجّه السياسي الحاليّ للهند، علينا أن نفهم الخلفية العقائدية لحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتعصّب الذي يدعو إلى العودة للتعاليم الهندوسية للهند، والتي تنظر إلى الإسلام على أنه حكم دخيل عليها تسبّب بتراجعها على مدى الألف عام السابقة، معتبراً أن رسالة بهارتيا جاناتا تكمن في إعادة أمجاد الهند والتخلّص من الموروثات الإسلامية الدخيلة عليها.

وفي هذا الإطار يمكن أن نسترشد بما يقوله أحد منظّري حزب بهاراتيا جاناتا وهو الاقتصادي الهندي والمؤرخ الشعبي سانجيف سانيال، وهو أيضاً عضو في المجلس الاستشاري الاقتصادي لرئيس وزراء الهند. والجدير ذكره أنّ سانيال قد أصدر عدة كتب فيها مراجعات إشكالية لتاريخ الهند، من أهمها كتاب "النهضة الهندية، صعود الهند بعد ألف عام من الانحدار".

وفي الكتاب أنه كانت للهند ثقافة واقتصاد غنيان قبل الإسلام يعودان إلى أربعة آلاف سنة، وأن الفلسفة الهندية تسبق الإغريق بآلاف السنين، وأن العلوم الهندية كانت متقدّمة في المجالات كافة. ويقول إن الهند والصين كانتا تساهمان بأكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ويضيف أن الهند كانت دولة عظيمة ترتاد البحر منذ زمن سحيق، وأن التجارة البرية والبحرية جعلت منها أمة مزدهرة للغاية. ويعتبر أن "طاعة الثقافة الهندية وشعبها سمحت للغزاة والمستعمرين بنهب هذا البلد المسالم"، وأنه "منذ نحو ألف عام، عندما بدأ الغزاة الإسلاميون في نهب واحتلال البلاد، توقّفت الهند عن النظر إلى الخارج واتجهت بدلاً من ذلك إلى الداخل. لقد أصبح المجتمع الهندي مجتمعاً مغلقاً وراكداً".

إلقاء اللوم على الإسلام في تردّي الهند 

ويعتبر سانيال أن الغزوات التي بدأت في القرن الحادي عشر مع الغزنويّين ثم "الغزوات والأوبئة التركية المغولية المسلمة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر أصابت الهند بأضرار جسيمة، وكانت السبب لاحقاً بجميع العقد الاقتصادية الرئيسية التي تعاني منها الهند اليوم".

لكن الكاتب لا يذكر لماذا وقعت الهند تحت الهيمنة الغزنوية ثم السلجوقية والمغولية لو كانت فعلاً مزدهرة اقتصادياً، ولو كانت ذات قوة سياسية وعسكرية، محاولاً بالتالي عدم تناول المشاكل البنوية التي كنت تعاني منها الهند قبل ذلك وذلك لتصوير الحضارة الهندية بصورة يوتوبية مثالية. 

وهو يضيف أنه "بحلول عام 1500، تعافت الصين في ظلّ إمبراطورية مينغ لتصبح أكبر اقتصاد في العالم بحصة قدرها 25%. وقد انخفضت حصة الهند حتى الآن إلى 24.5%، ولكن مع وصول إمبراطورية فيجاياناجار إلى ذروتها، ظلت ثاني أكبر دولة".

ويعتبر أنه "بحلول عام 1600، قفزت حصة الصين إلى 29%. وفي المقابل، انخفضت حصة الهند أكثر إلى 22.6%، بنتيجة الغزوة المغولية "حيث لم يتمّ تعويض الصدمة الاقتصادية الناجمة عن نهب فيجاياناجار، التي كانت آنذاك أكبر مدينة في العالم، من خلال إنشاء إمبراطورية موغال". وهو يعزو إلى المغول رعايتهم بعض المراكز الاقتصادية وتعطيلهم مراكز أخرى كجزء من فتوحاتهم.

ويرى سانيال أنّ تأثير عصر النهضة والاكتشافات البحرية الخارجية دفع حصة أوروبا الغربية إلى 20% بحلول عام 1600. وهيمنت إيطاليا وفرنسا على الاقتصاد الأوروبي في هذه المرحلة. وشهدت القرون اللاحقة توسّع الاستعمار الأوروبي، ومن أواخر القرن الثامن عشر، الثورة الصناعية. ومع ذلك، ظلت الصين القوة الاقتصادية العظمى في العالم حيث أنه في العام 1820، كانت الصين تمثّل 33% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين انخفضت حصة الهند إلى 16% بنتيجة الاستعمار البريطاني. 

ويربط سانيال نهضة الهند الحالية بصعود حزب بهاراتيا جاناتا معتبراً أن "الحدث الأكثر أهمية حقاً في تاريخ الهند المستقلة، عندما بدأ الجمع بين ناراسيمها راو ومانموهان سينغ عملية التحرير في عام 1991". وهو يرى أن صعود الاقتصاد الهندي في الوقت الحالي لا يمكن فهمه من معيار اقتصادي بحت بل يجب أن يفهم من ضمن صعود يقاس بالزمن الحضاري وذلك بالعودة إلى روحية القومية الهندوسية بما يفيد بأن على الهند التخلّص من ألف عام من الموروث الحضاري الإسلامي، بغية استعادة الهند لمكانتها التاريخية في العالم على حد تعبيره. 

نقد فرضيّات سانيال 

لكنّ مقولات سانيال هي أبعد ما تكون عن الحقيقة بحسب الباحث سواميناتان انكليساريا آيار. وفي هذا الإطار وفي بحث مطوّل نشره بعنوان "القومية الهندية والفانتازيا التاريخية حول عصر ذهبي هندوسي"، يعتبر الباحث أن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند يروّج لأجندته القومية الهندوسية من خلال الادعاء بأن الهند كانت أغنى منطقة في العالم تحت الحكم الهندوسي المجيد لآلاف السنين، قبل أن يغزوها الغزاة المسلمون في القرن الحادي عشر والغزاة البريطانيون في القرن الثامن عشر.

ويشير الباحث إلى أنه لدعم روايتهم، كثيراً ما يستشهد أنصار حزب بهاراتيا جاناتا بالمؤرّخ أنجوس ماديسون، الذي قدّر أن الهند كانت تمثّل 32% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في القرن الأول الميلادي (خلال الفترة الهندوسية)، لكن هذا الرقم انخفض إلى 4% بحلول الوقت الذي انتهى فيه الحكم البريطاني في عام 1947.

ويؤكد الباحث أنه في نظرة فاحصة على عمل ماديسون تفيد بأن حزب بهاراتيا جاناتا ينتقي البيانات لخلق رواية تاريخية زائفة. ففي القرن الأول الميلادي، كان نصيب الفرد في الدخل في الهند أقل من المتوسط ​​العالمي، ولم ترتفع على الإطلاق خلال الألف سنة التالية من الحكم الهندوسي.

ولم يتفاقم الأمر بعد الفتوحات الإسلامية والبريطانية، كما يدّعي أنصار حزب بهاراتيا جاناتا، على الرغم من تحسّنه ببطء شديد. ويؤكد البحث أن الفترة الهندوسية الذهبية المفترضة كانت فترة فقر مدقع وركود اقتصادي في الفترة السابقة للحكم الإسلامي، ما أدى إلى إبقاء عدد سكان الهند في حالة ركود عند 75 مليون نسمة طوال ألف عام من الحكم الهندوسي في الهند، وهي الفترة التي كان فيها مجرد البقاء على قيد الحياة يمثّل تحدياً. 

ويؤكد البحث أنه في ظلّ الحكم الإسلامي، ازدهر الاقتصاد وانخفضت معدلات الوفيات ونما عدد السكان، وأن عدد السكان حقّق زيادة حتى في ظل الاستعمار البريطاني وزاد أكثر بعد الاستقلال. ويؤكد الباحث أنه سواء من حيث الدخل أو متوسط ​​العمر المتوقّع، فإن "الفترة الذهبية" لم تكن يوماً خلال العصر الهندوسي.

الواقع الديمغرافي في الهندي خلال ألفي عام 

وبالأرقام يفيد الباحث بأن عدد سكان الهند ارتفع بشكل حاد في العصر الإسلامي، من 75 مليوناً في عام 1000م إلى 165 مليوناً في عام 1700م.

وتشمل الأسباب تحسين التقنيات الزراعية والصناعية، وزيادة الري، وتحسين الطب، والأشغال العامة التي وفّرت الدخل للمواطنين المتضرّرين من الجفاف، مثل بناء ضريح بارا إمامبارا في لكناو.

ويشير إلى عامل آخر ساهم في التغيّر في النمو السكاني، فلقد كانت التقاليد الهندوسية تحظر زواج الأرامل مرّة أخرى في عصر كان فيه معدل وفيات الذكور البالغين مرتفعاً. وقد شجّع المسلمون زواج الأرامل مرة أخرى، وهذا ما كان من شأنه أن يرفع معدل الخصوبة الإجمالي في تلك الفترة (1000 إلى 1700م)، فارتفع عدد السكان بشكل أسرع في أجزاء أخرى من العالم، من 59 مليوناً إلى 138 مليوناً في الصين، ومن 25.5 مليوناً إلى 81.5 مليوناً في أوروبا الغربية.

وبعد ذلك، ارتفع عدد سكان الهند بشكل أكثر حدة في الفترة البريطانية، من 165 مليوناً في عام 1700 إلى 359 مليوناً في عام 1950. وارتفع بأسرع ما يمكن بعد الاستقلال، من 359 مليوناً في عام 1950 إلى 1.0497 مليار في عام 2003 ليصل اليوم إلى مليار وأربعمئة مليون نسمة، لتصبح الهند البلد الأكثر تعداداً للسكان. 

الواقع الاقتصادي في الهند خلال ألفي عام 

ويرى الباحث أن المزاعم بازدهار الاقتصاد والحضارة الهندوسية مبالغ فيها إلى حد كبير. فخلال المرحلة الهندوسية السابقة للإسلام كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند صفراً.  ويضيف الباحث أنه في الفترة الإسلامية المبكرة (1000 إلى 1500م)، ارتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند بشكل هامشي بمعدل سنوي قدره 0.12%. وتحسّن قليلاً، إلى 0.19%، عندما أفسح الحكم الإسلامي المجال تدريجياً للحكم البريطاني (1500 إلى 1820م). 

بعد ذلك، تضاعف معدل النمو من تلك القاعدة المنخفضة إلى 0.38% سنوياً من عام 1820 إلى عام 1870، ثم إلى 0.97% سنوياً من عام 1870 إلى عام 1913. وفي المرحلة الأخيرة من الحكم البريطاني (1913 إلى 1950م)، ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند إلى 0.23% سنوياً.

ويؤكد الباحث أنه في فترة حكم حزب المؤتمر بعد الاستقلال، وخلافاً لمزاعم منظّري حزب بهاراتيا جاناتا الذين يعتبرون أن هذه المرحلة كانت مرحلة تراجع، فلقد تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى معدلات لم يكن من الممكن تصوّرها في العصور السابقة: إلى 3.54% في الفترة من 1950 إلى 1973، ثم إلى 5.20% في الفترة من 1973 إلى 2003.

وبعد ما يقرب من ألفي عام من النمو البطيء أو الراكد، انطلق الناتج المحلي الإجمالي الهندي أخيراً، وارتفع بشكل أسرع. مما كان عليه في المملكة المتحدة أو أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة.

ويؤكد الباحث أنّ العديد من ادعاءات المجد القديم التي يطلقها سياسيو حزب بهاراتيا جاناتا هي مجرد "هراء"، مشيراً إلى مزاعم لهم تدّعي أن العلماء الهندوس القدماء اكتشفوا الجاذبية قبل فترة طويلة من اكتشاف إسحاق نيوتن. ويذكر آخرون، بمن في ذلك رئيس الوزراء مودي، حوادث في الأساطير الهندوسية للادعاء بأن الهندوس القدماء كانوا أكثر تقدّماً من العلوم الغربية. ويشير الباحث إلى إيمان حزب بهراتيا جاناتا بالخرافات والأساطير، ومنها أنه في إحدى الأساطير الهندوسية، قطع اللورد شيفا رأس ابنه بالخطأ واستبدله برأس فيل، وبذلك خلق إله الفيل غانيش. 

وتحكي أسطورة هندوسية أخرى عن قدوم الإله سوريا إلى الأرض وحملت منه أميرة أنجبت صبياً اسمه كارنا. ويشير البحث إلى أنه وفي إحدى المناسبات في مومباي عام 2014، قال رئيس الوزراء مودي إن قصة غانيش أثبتت أن الهنود القدماء كانوا ماهرين في الجراحة التجميلية، وأشار إلى أن كارنا لا بدّ أن يكون طفل أنبوب اختبار.

لماذا تتحالف الهند مع "إسرائيل"

والجدير ذكره أن هذه الفانتازيا التاريخية التي يعمّمها حزب بهاراتيا جاناتا هي التي تجعله يعتمد سياسة معادية للصين، بحكم أنه الدولة التي تنافس الهند على الإرث الهندوسي في التيبت والقوة الاقتصادية التي تحاول الهند منافستها على النفوذ في جنوب آسيا، كما أن هذه الفانتزيا هي التي تجعل الهند الآن تناصب المسلمين العداء.

هذا هو ما يدفع الهند إلى التحالف مع "إسرائيل" والولايات المتحدة ولو كان ذلك على حساب علاقاتها التاريخية مع روسيا.

من هنا يمكننا فهم دخولها في شراكة مع "إسرائيل" والولايات المتحدة في إطار "أي تو يو تو" والممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي الذي تشكّل "إسرائيل" حلقة وصله الرئيسية، علماً أن هذا الخط يهدف إلى عرقلة مبادرة حزام وطريق الصينية وطريق شمال جنوب الروسي، وأن الدول العربية التي تتقارب مع الهند هي تلك التي تطبّع علاقاتها مع "إسرائيل" وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة.