لماذا تضحي الهند بعلاقاتها التاريخية مع روسيا؟

يبدو أن الهند، باندفاعتها القوية في مواجهة الصين قد انحازت كلياً إلى المعسكر الغربي، وهو ما تمثّل بدخولها في شراكة أمنية مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة.

  • العلاقات الروسية الهندية.
    العلاقات الروسية الهندية.

في مقالة في مجلة "يورازيان تايمز" أشارت الصحافية الهندية ريتو شارما إلى أن الهند تقوم بتخفيض تعاونها العسكري مع روسيا، في الوقت الذي تزمع فيه تعيين ملحقين عسكريين لها في دول تناصب روسيا العداء، مثل بولندا والفلبين وحتى أرمينيا التي يبدو أنها التحقت كلياً بالمعسكر الغربيّ في ظلّ رئيس الوزراء نيكول باشينيان. 

وكتبت الصحافية الهندية أنه في استجابة للتحديات الجيوستراتيجية المتغيّرة، أنه بموازاة تعيين ملحقين عسكريين في أرمينيا، والفلبين، وبولندا للمرة الأولى في تاريخها، فإن الهند تعتزم سحب ملحقها العسكري في روسيا مع توجّهها لتعزيز حضورها العسكري في أفريقيا عبر تعيين ملحقين عسكريين هناك لمواجهة تصاعد النفوذ الصيني في القارة السمراء.

العلاقات مع أرمينيا 

وذكرت الصحافية ريتو شارما أن الهند استغلّت توجّه أرمينيا للحصول على سلاح بديل عن السلاح الروسي لتزويدها بالسلاح، ما جعل نيودلهي ويريفان شريكين استراتيجيين للمرة الأولى في تاريخهما.

وقد زوّدت الهند أرمينيا بقاذفات صواريخ متعدّدة الفوهات من طراز "بيناكا" إضافة إلى ذخائر مضادة للدبابات وأسلحة أخرى بقيمة 250 مليون دولار. كذلك فلقد زوّدت الهند أرمينيا بنظم دفاع جوي ضدّ المسيّرات، وقامت بتدريب وحدات من الجيش الأرميني. لكن لماذا تهتمّ الهند بتطوير علاقات مع يريفان؟

الجواب يكمن في رغبة نيودلهي بالوصول إلى موطئ قدم في منطقة القوقاز قريبة من مسار طريق شمال جنوب الذي أطلقته روسيا ليمرّ عبر أذربيجان فإيران باتجاه المحيط الهندي، والذي يفترض أن يتصل بطريق آخر ينطلق من ميناء غوادر عبر باكستان باتجاه الصين. 

وبالتالي فإنّ العلاقات مع يريفان قد تدخل في إطار مساعي الهند لعرقلة تطوير مسار شمال جنوب الذي سيشكّل حكماً امتداداً لمبادرة حزام وطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل عشرة أعوام لتصل تجارة شرق آسيا بأوروبا. 

العلاقات مع الفلبين 

كذلك فلقد قامت الهند ببيع صواريخ كروز من نوع باهموس الأسرع من الصوت إلى الفلبين، التي تسعى لتطوير قواتها المسلّحة في مواجهة الصين في إطار تنافسها مع بكين على النفوذ في منطقة بحر الصين الجنوبي. وتسعى الهند من وراء ذلك إلى إيجاد حلف لها في شرق آسيا يساعدها على تطويق الصين من الشرق ويعرقل تمدّد نفوذها في منطقة بحر الصين الجنوبي.

والجدير ذكره أن هذه المنطقة تشكّل صلة الوصل الرئيسية بين المحيط الهادئ من جهة والمحيط الهندي من جهة، وتشكّل هذه المنطقة نقطة انطلاق رئيسية لخط الحزام الذي يشكّل المسار البحري من مبادرة حزام وطريق عبر مضيق ملقة باتجاه المحيط الهندي. وبالتالي فإن توثيق العلاقات مع الفلبين يؤمّن للهند إطلالة على تلك المنطقة يمكنها عبرها إعاقة انطلاق مسار الحزام الصيني باتجاه المحيط الهندي، في ظلّ التنافس الصيني الهندي على النفوذ في جنوب آسيا. 

العلاقات مع أفريقيا 

تشكّل أفريقيا الساحة الرئيسية التي ستتنافس فيها القوى العظمى على النفوذ خلال القرن الحادي والعشرين لما تشكّله من سوق واعدة ومصدر ثروات طبيعية ضخمة. لهذا فلقد سعت كلّ من روسيا والصين إلى توثيق علاقتهما مع الدول الأفريقية مقدّمتين لها بديلاً عن الاعتماد الكلي على الغرب الذي فرض هيمنته على القارة السمراء لقرون عديدة مستنزفاً مواردها على حساب مصالح شعوبها. 

إلا أن الهند التي تطمح إلى دور ريادي عالمي وتسعى لاستغلال علاقاتها التاريخية مع دول القارة السمراء لن تكون لها حصة من النفوذ هناك في مواجهة الصين بالدرجة الأولى، وهذا الذي جعل نيودلهي تقرّر تعيين عشرات الملحقين العسكريين في الدول الأفريقية ليعزّزوا حضورها العسكري، علماً أن الهند تنشر قوت سلام في عدد من الدول الأفريقية، وهي تطمح لأن تصبح أحد أبرز مصدّري السلاح إلى أفريقيا. 

ولم تخفِ الهند طموحها في أن تصبح مصدّراً رئيسياً في قطاع الدفاع، فقد طلبت من ملحقيها الدفاعيين العاملين في الخارج أن يؤدّوا "دوراً محورياً" في تحقيق هدف التصدير الدفاعي البالغ 5 مليارات دولار بحلول عام 2025، وتسعى الحكومة الهندية بقوة إلى الاعتماد على الذات في مجال التصنيع الدفاعي. وفي حين يتمّ تشجيع القوات المسلحة الهندية على دعم منتجات "صنع في الهند"، فإن البلاد تتطلّع أيضاً إلى الأسواق الخارجية لمعداتها العسكرية. 

هذا الذي جعلها تدعو 31 رئيس دولة أفريقية إلى الاجتماع في الهند في العام 2023 لحضور عرض عسكري لطائراتها المروحية ومسيّراتها، إضافة إلى مركباتها المدرّعة وروبوتات إبطال مفعول القنابل. كما تمّ عرض بنادق هجومية وقذائف مدفعية ونماذج من الصواريخ، وقد ترافق ذلك مع إطلاق تدريبات عسكرية دورية بمشاركة من قوات عسكرية من 23 دولة أفريقية. 

خلاصة 

يبدو أن الهند، باندفاعتها القوية في مواجهة الصين قد انحازت كلياً إلى المعسكر الغربي، وهو ما تمثّل بدخولها في شراكة أمنية مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى مشاركتها في إطلاق مشروع الممرّ الهندي الشرق أوسطي الأوروبي برعاية أميركية، والذي من المفترض أن يقف حجر عثرة في مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصيني. ولهذا الغرض فإن الهند اختارت التضحية بعلاقاتها التاريخية مع موسكو مؤثرة الحصول على دعم الغرب في مواجهة الصين.

هذا ما يفسّر سحبها لملحقين عسكريين من موسكو في مقابل تعيين ملحقين عسكريين لها في بولندا، وهي من أكثر الدول عداء لروسيا، وهذا هو الذي دفعها لتدعيم تعاونها العسكري مع أرمينيا التي تتحوّل تدريجياً إلى حليف للغرب في مواجهة روسيا. وقد جاء هذا التوجّه الهندي حتى على حساب التعاون الاقتصادي مع روسيا، حيث اختارت نيودلهي تخفيف حجم مشترياتها من النفط الروسي رغم أن العقود الممنوحة لها تفضيلية وبأسعار أقلّ بكثير من سعر النفط في السوق العالمية.