مشروع المحافظين الجدد فشل.. فهل يتم اغتيال نتنياهو؟

ساهمت عملية التحوّل الدولي لغير صالح أجندة المحافظين الجدد من جهة، وصمود المقاومة الفلسطينية واللبنانية بدعم من محور المقاومة من جهة أخرى، في تعثر مشاريع الهيمنة الأميركية -الصهيونية في الشرق الأوسط. 

  • نتنياهو بطل مرحلة المحافظين الجدد.
    نتنياهو بطل مرحلة المحافظين الجدد.

في عام 1995، كانت الآمال كبيرة في تحقيق اختراق في مسار السلام بين "إسرائيل" من جهة، وكل من لبنان وسوريا، من جهة أخرى. فبعد توقيع الكيان الصهيوني اتفاقية سلام مع قائد منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في أيلول/ سبتمبر 1993، ومن ثم توقيعه بعد عام من ذلك التاريخ اتفاقية سلام مع الأردن، فلم يبق سوى لبنان وسوريا اللذين كان جزء من نخبهما الحاكمة يعوّل على توقيع سلام مع هذا الكيان حتى يفتح باب التطبيع على مصراعيه بين العرب و"إسرائيل". 

قتل رابين كان ضرورياً

في ذلك الوقت بالذات، بدأت معارضة اليمين الإسرائيلي لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين تتصاعد، وكان ذلك برئاسة زعيم حزب الليكود الجديد بنيامين نتنياهو العائد من الولايات المتحدة ليتزعم الحزب اليميني ويعلي صوته ضد مبدأ "الأرض مقابل السلام"، رافضاً بالتالي انسحاب "إسرائيل" من الأراضي التي احتلتها في عام 1967. 

في ظل هذه الظروف، قام يميني متطرف هو ييغال عمير بإطلاق الرصاص على إسحق رابين مردياً إياه، بينما كان يشارك في حفل غنائي دعماً للسلام. كما كل الاغتيالات، فقد عُدّت فعلة عميرعملاً فردياً، تماماً كما حصل مع لي هارفي أوزوالد الذي اتهم باغتيال الرئيس الأميركي جون كنيدي في تشرين الثاني/ نوفمبر 1963، أو سرحان سرحان الذي اتهم باغتيال المرشح للرئاسة الأميركية روبرت كنيدي في عام 1968 وغيرها من حالات الاغتيال.

لم يكن اغتيال رابين حدثاً عرضياً خارج سياق عام من الأحداث، بل إن اغتياله جاء تتويجاً لفكرة أن "البطل" الإسرائيلي وأحد الآباء المؤسسين للكيان كان قد ولّى زمانه، وتجاوزته الأحداث. فانتخاب رابين رئيساً للوزراء كان يتلاءم مع السياسة الأميركية التي كان يقودها جورج بوش الأب (1989 – 1993)، الذي كان يدفع مع وزير خارجيته جيمس بيكر إلى فرض تسوية في منطقة الشرق الأوسط تقوم على انسحاب "إسرائيل" من الأراضي المحتلة في عام 1967 لقاء إقامة سلام في المنطقة مع الدول العربية يفتح المجال أمام تطبيع العلاقات، ودمج الكيان في المنطقة من موقع القوة المهيمنة لضمان الهيمنة الأميركية عليها. 

بناء على ذلك، مارست إدارة جورج بوش الأب ضغوطاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير للمشاركة في المفاوضات التي انطلقت في مدريد في خريف عام 1991. وكان شيمون بيريز هو الذي يمتلك رؤية لدور "إسرائيل" المحوري في المنطقة، والذي عبّر عنه في كتبه عن السلام في الشرق الأوسط. 

ولأن بيريز لم يكن يمتلك الرصيد الكافي لحمل هذا المشروع وحده، تدخل الأميركيون لإصلاح ذات البين بينه وبين إسحق رابين، "الجنرال ذي الرصيد الكبير من الانتصارات وأحد أبطال الكيان" لمواجهة حزب الليكود، فكان النجاح الانتخابي لحزب العمل بقيادة رابين في عام 1992 وقيادته الكيان لتوقيع اتفاقَي سلام مع منظمة التحرير في أيلول/ سبتمبر 1993 ومع الأردن في خريف عام 1994. 

صعود أجندة المحافظين الجدد 

لكنّ تدخل بوش الأب في السياسة الداخلية الإسرائيلية كانت من نتائجه معاقبته من قبل اللوبي الإسرائيلي وإفشاله في الانتخابات التي جرت في عام 1992 ليفوز منافسه بيل كلينتون. شكّل فشل جورج بوش الأب في الانتخابات مقدّمة لتحوّل في السياسة الأميركية، خصوصاً مع تصاعد نفوذ فريق المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، والذين كانوا يمتلكون تصوراً جذرياً تجاه السياسة الأميركية في مواجهة منافسين محتملين مثل روسيا والصين ومعهما إيران، وفي منطقة الشرق الأوسط حيث دعوا إلى وقف عملية السلام لأن منطقة المشرق العربي ستكون عرضة لتغييرات جيوسياسية يكون على رأس قائمتها تقسيم العراق وسوريا ولبنان وجعلها مجالاً حيوياً لـ "إسرائيل". 

كان هذا هو المناخ الذي هيّأ لصعود اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتينياهو لحكومة رابين وعملية السلام، وكان اغتيال رابين ضمن هذه الظروف التي كانت قد أذنت بنهاية دور "بطل إسرائيل" السياسي. 

بعد ذلك، انطلقت أجندة المحافظين الجدد، خصوصاً مع انتخاب جورج بوش الابن (2001 – 2009) فكان انتهاز المحافظين الجدد فرصة وقوع هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 لبدء تنفيذ أجندتهم التي ترجمت اجتياحاً لأفغانستان في عام 2002 ومن ثم العراق في عام 2003، ليليها القضاء على ياسر عرفات في عام 2004 ومن ثم اغتيال رفيق الحريري في شباط/ فبراير 2005 في لبنان؛ تمهيداً لإحداث انقلاب ضد النفوذ السوري في هذا البلد. 

وبعد تعثر الجهود الأميركية العسكرية بضمان الهيمنة على العراق وأفغانستان، وتصاعد المقاومة العراقية، ثم فشل العدوان الإسرائيلي في عام 2006 مع ما رافق الحروب الأميركية من أكلاف بلغت 6 تريليون دولار وأدت إلى تفجر الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة في عام 2008، لجأ المحافظون الجدد إلى تنفيذ الأجندة نفسها عبر اللجوء إلى أساليب القوة الناعمة والثورات الملونة فكان اندلاع "الربيع العربي" في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا بعد عام 2011. 

نتنياهو بطل مرحلة المحافظين الجدد 

خلال تلك الفترة كان بنيامين نتنياهو هو بطل المرحلة، أكان رئيساً للوزراء (1996 – 2009) أو وزيراً لخارجية حكومة أرييل شارون (2002 – 2006) ومجدداً رئيساً للحكومة الأطول عمراً في تاريخ الكيان الصهيوني (2009 – 2018). فلقد كان نتنياهو هو وكيل تنفيذ سياسات المحافظين الجدد في منطقة الشرق الأوسط. 

لكن، مع فشل الولايات المتحدة في القضاء على المقاومة في لبنان، وفشلها في ضرب سوريا، وهو الأمر الذي بدا جلياً بعد عام 2017، بدأ مشروع المحافظين الجدد بالتعثر في الشرق الأوسط، ومعه بدأ وضع بنيامين نتنياهو يتعثر في الكيان، وهو ما ترجم أزمات سياسية أدت إلى انهيار حكومته ودخول "إسرائيل" في حالة عدم استقرار تجلت في إجراء خمسة انتخابات تشريعية ولدت حكومات ائتلافية وغير مستقرة. 

في حقيقة الأمر، فإن أزمة المحافظين الجدد في الشرق الأوسط كانت انعكاساً لتعثر محاولاتهم احتواء القوى الأوراسية الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين اللتين كانتا تسيران بخطى واثقة لتشكيل تحالف دولي ينتقل بالعالم من أحادية قطبية تهيمن عليها الولايات المتحدة إلى عالم متعدد الأقطاب. 

ولقد كان فشل مرشحتهم هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية للعام 2016 أحد أوجه التعثر، مع عدم قدرتهم على وقف زحف دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. 

شكّل انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة في عام 2020 محاولة يائسة من المحافظين الجدد لترميم أجندتهم، فكان أن دفعوا باتجاه تصعيد ضد روسيا في أوكرانيا وضد الصين في شرق آسيا، وحاولوا ترميم مشروعهم للهيمنة عبر رعاية إدارة بايدن مشروع الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي في صيف عام 2023 في محاولة لعرقلة مبادرة "الحزام والطريق" الصينية و"شمال جنوب" الروسية، وفرض نظام إقليمي تكون "إسرائيل" قاعدته عبر لعبها دور صلة الوصل بين الهند من جهة، وأوروبا من جهة أخرى. 

حتى تكون القاعدة صلبة، كان على "إسرائيل" أن تفرض هيمنتها على كامل مساحة فلسطين التاريخية، والتخلص من الوزن الديمغرافي الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وحتى الأراضي المحتلة في عام 1948. لذا، كان نتنياهو يخطط لشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين، وحين بلغت المقاومة أنباء هذا المخطط، استبقت الأمر بشن عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

اغتيال نتنياهو بات ضرورياً

لقد شكّلت عملية "طوفان الأقصى" ضربة قاصمة للأمن الإسرائيلي من جهة، وللممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي ومعه مشروع الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. وقد شكل هذا التعثر انعكاساً لتعثر مشروع المحافظين الجدد في تحقيق نصر ضد روسيا في أوكرنيا من جهة، وفشلاً في احتواء الصين من جهة أخرى، علماً أن بكين وموسكو تمكنتا من عرقلة المشاريع الأميركية ومن تدعيم تحالفاتهما الدولية عبر توسيع منظمة "بريكس"، التي باتت تضم تسع دول هي: روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وإيران ومصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا، مع تحضيرهما لإطلاق منصة مالية مستقلة عن "بروتون وودز" وعملة موحّدة لدول "بريكس" تجعلهما تستغنيان كلياً عن الدولار الأميركي بما يعزز كسرهما للهيمنة الأميركية على الشؤون الدولية. 

لذا، فلقد ساهمت عملية التحوّل الدولي لغير صالح أجندة المحافظين الجدد من جهة، وصمود المقاومة الفلسطينية واللبنانية بدعم من محور المقاومة من جهة أخرى، في تعثر مشاريع الهيمنة الأميركية -الصهيونية في الشرق الأوسط. 

ترجم هذا التحوّل تصاعداً في الخلاف بين إدارة بايدن من جهة، ونتنياهو من جهة أخرى، وهو ما لا يمكن تفسيره فقط بالعداء الشخصي بين بايدن ونتنياهو. ولقد أذن ذلك بنهاية المرحلة التي امتدت على مدى نحو ثلاثة عقود والتي كان نتنياهو بطلها، لكن في ظل غياب شخصية إسرائيلية قادرة على إطاحته من السلطة في ظل خبرته الكبيرة في المناورة السياسية وضعف الرموز السياسية المعارضة له، فهل يكون الحل باغتياله كما اغتيل رابين من قبله؟ 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.