معركة إعمار غزة (1-2)

إذا حاولنا إجراء عملية اقتصادية تقديرية للحجم وللطبيعة للخراب الذي تعرضت له غزة، فسوف نستطيع أن نوزعها بين مستويين: الأول: الخسائر الاقتصادية والمادية المباشرة. الثاني: الخسائر غير المباشرة. 

  • كيف سيستغل البعض تكاليف إعادة الإعمار لأغراض سياسية وانتزاع تنازلات سياسية؟ 
    كيف سيستغل البعض تكاليف إعادة الإعمار لأغراض سياسية وانتزاع تنازلات سياسية؟ 

بقدر ما ظلت معركة طوفان الأقصى وتداعياتها قاسية ونازفة، تهز وجدان كل صاحب ضمير في هذا العالم، فإنها أسقطت الأقنعة عن الضعف والهزال، عربياً وإسلامياً، في منظومة العلاقات الدولية الراهنة، كما كشفت مقدار التواطؤ والتآمر من بعض الأنظمة العربية. 

والآن، فإن معركة إعادة إعمار غزة، بشرياً واجتماعياً واقتصادياً، سوف تكون أشد قسوة.

لقد جرى تدمير غزة بالمعنى الحرفي للكلمة، وتكشف البيانات الرسمية لحكومة غزة ووزارة الصحة فيها حجم هذا الدمار في البشر والحجر، فعبر أكثر من 3070 مذبحة - حتى (20/4/2024) - راح ضحيتها ما يقارب 34 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين، وأكثر من 76 ألف جريح، وهؤلاء يشكلون ما يعادل 5.13% من سكان قطاع غزة (أي ما يعادل 16.4 مليون إنسان في بلد مثل الولايات المتحدة، الذي عدد سكانه 320 مليون نسمة، أو 5.4 ملايين إنسان في بلد مثل مصر، الذي عدد سكانه 105 ملايين نسمة). 

في أي حال، إذا حاولنا إجراء عملية اقتصادية تقديرية للحجم وللطبيعة للخراب الذي تعرضت له غزة، فسوف نستطيع أن نوزعها بين مستويين: 

الأول: الخسائر الاقتصادية والمادية المباشرة. 

الثاني: الخسائر غير المباشرة. 

فلنتأمل كل واحدة من هذه الخسائر حتى نستطيع تقدير حجم الأموال المطلوبة والمدى الزمني المتاح لإعادة إعمار غزة وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل العدوان الوحشي وحرب الإبادة التي مارسها جيش الكيان الصهيوني، بدءاً من يوم الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى يومنا الراهن. 

أولاً: الخسائر الاقتصادية المباشرة 

إذا نحّينا جانباً – بسبب الحساب الاقتصادي المجرد - حجم التعويضات المطلوبة للخسائر البشرية الهائلة، التي ضحى بها شعب غزة، والتي تزيد على 34 ألف شهيد و10 آلاف مفقود، و77 ألف جريح ومصاب، فسنستطيع أن نحدد هذه الخسائر على النحو التالي: 

1-لدينا 90 ألف مبنى تضررت، منها 30 ألف مبنى سُوِّيت بالأرض تماماً. بصورة عامة، نحن إزاء 365 ألف وحدة سكنية دُمِّرت كلياً أو جزئياً، فإذا قدرنا تكلفة إعادة بناء الوحدة السكنية الواحدة في المتوسط بنحو 50 ألف دولار، فالأمر يحتاج إلى 18.3 مليار دولار.

2- لدينا أيضاً 11 ألف منشأة صناعية وحِرَفية وتجارية دُمِّرت تماماً، خسائرها تقدَّر بنحو 1.1 مليار دولار (بمتوسط 100 ألف دولار للمنشأة الواحدة). 

3- أمّا المنشآت الزراعية ومراعي الأغنام وتربية الحيوان وإنتاج الألبان فتضرر 95% منها، وقدّرها تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة، بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي، نُشر في مطلع شهر نيسان/أبريل عام 2024 بنحو 400 مليون دولار.

4- وقدّر هذا التقرير حجم الخسائر في البنية التحتية في القطاع بنحو 18.5 مليار دولار (تشمل هذه البنية التحتية 33 مستشفى مدمراً، و157 مركزاً صحياً ومركز رعاية طبية أولية، و677 مدرسة حكومية وتابعة لمنظمة الأونروا وخاصة، وأربع محطات لتحلية مياه ومضخات لرفع المياه من نحو عشرة آلاف بئر مرخصة وغير مرخصة، وأربع محطات للصرف الصحي، ومحطة الكهرباء وشبكات توزيعها، وأكثر من 1006 كيلومترات من الطرق، علاوة على 26 مليون طن من الأنقاض والمخلّفات والركام، ومراكز الترفيه، والجامعات السبع وكلياتها الفرعية، والتي تربو على 25 كلية ومعهداً عالياً). 

والحقيقة أن تقديرات البنك الدولي ربما تكون أقل من التقدير الحقيقي أو الواقعي، وفقاً لتقديرنا التالي: 

تكلفة إعادة إعمار 33 مستشفى مدمراً بمتوسط 50 مليون دولار للمستشفى الواحد تحتاج إلى 1.7 مليار دولار.

تكلفة إعادة إعمار 677 مدرسة بتكلفة 10 ملايين دولار في المتوسط تعادل 6.8 مليارات دولار.

تكلفة إعادة إعمار 157 مركزاً صحياً ورعاية طبية أولية بمتوسط 3 ملايين دولار تحتاج إلى 471 مليون دولار. 

تكلفة رفع أنقاض قُدِّرت بنحو 26 مليون طن من الأنقاض والركام ومخلفات، تحتاج في المتوسط إلى 50 دولاراً/ للطن الواحد بتكلفة 1.3 مليار دولار، علاوة على الفترة الزمنية الطويلة، والتي قدرها بعض المصادر بـ14 عاماً.

تكاليف إعادة رصف الطرق في القطاع وتسويتها، والتي تُقدَّر بنحو 1006 كيلومترات بمتوسط 2.5 مليون دولار للكيلومتر الواحد، تعادل 2.5 مليار دولار.

تكاليف إعادة البناء والتجهيز لـ4 محطات للمياه تحتاج إلى 500 مليون دولار على الأقل. 

تكاليف إعادة البناء والتجهيز لمحطات الصرف الصحي، البالغ عددها أربع محطات، تحتاج إلى 600 مليون دولار على الأقل. 

تكاليف إعادة بناء محطة الكهرباء وتشغيلها وتحديثها تحتاج إلى مليار دولار على الأقل، علاوة على تكاليف مد شبكات جديدة لتوزيع الكهرباء تحتاج إلى مليار دولار أيضاً.

تكاليف التجديد والتحديث والصيانة لأسطول سيارات الإسعاف المجهزة تعويضاً من تلك التي دُمرت - والتي تزيد على 160 سيارة - تحتاج في المتوسط إلى مليوني دولار للسيارة الواحدة في المتوسط، أي بمجموع 320 مليون دولار 

أمّا الجامعات السبع (الجامعة الإسلامية - جامعة الأزهر - جامعة القدس المفتوحة  - جامعة الإسراء - جامعة الأقصى - جامعة غزة - جامعة فلسطين) وكلياتها الخمس والعشرون فقد تزيد تكاليف إعادة إعمارها على مبلغ يتراوح بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار. 

وأخيراً، هناك تكاليف مراكز الترفيه وخدمات الشاطئ الغزّي، والتي تقدر بنحو 300 مليون دولار. 

وأشار التقرير الدولي إلى أن الأضرار، التي لحقت بالمباني السكنية، تمثل 72% من التكاليف، وتمثل البنية التحتية للخدمات العامة، مثل المياه والصحة والتعليم 19%، علاوة على أنّ 75% من سكان القطاع تم تهجيرهم من بيوتهم، بالإضافة إلى معاناتهم بسبب انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وخطر المجاعة، وقدر التقرير أن 84% من المرافق الصحية في غزة إمّا لحقت بها أضرار، وإمّا دُمّرت تماماً.

فإذا جمعنا هذه التكاليف المقدرة مبدئياً فسوف نجدها تزيد على 25 مليار دولار للبنية التحتية فقط. وإذا أضفنا إليها تكاليف إعادة إعمار المباني السكنية، التي دُمرت تماماً (بنسبة 75%) أو جزئياً - والتي قدرناها بنحو 18.3 مليار دولار - فستكون تكاليف إعادة إعمار قطاع غزة المسكون بحزن أهالي الشهداء والجرحى تحتاج إلى 43.3 مليار دولار.

ثانياً: الخسائر غير المباشرة

يُقصَد بالخسائر غير المباشرة تلك الخسائر الناتجة من توقف دورة الإنتاج والتشغيل والتجارة المحلية والتصدير والأجور والمرتبات… إلخ، والتي انقطعت بسبب الحرب والعمليات العسكرية فترة سبعة أشهر كاملة، ومن قبيل دورات الإنتاج والتشغيل العملية التعليمية ونظم الرعاية الصحية والطبية.

فإذا كان الناتج المحلي لقطاع غزة في العام السابق (2022) بلغ 700 مليون دولار فإن الخسائر غير المباشرة المقدرة لفترة حرب الإبادة، التي مارسها الكيان الصهيوني منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي حتى كتابة هذه السطور (20/4/2024) قاربت 700 مليون دولار.

 من سوف يتحمل هذه التكاليف؟ 

وفي ظل الصراع الضاري حالياً، كيف سيستغل البعض تكاليف إعادة الإعمار لأغراض سياسية وانتزاع تنازلات سياسية؟ 

ثالثاً: صعوبات إعادة الإعمار 

من هنا تأتي قسوة عملية إعادة إعمار غزة التي سوف تتجاوز مدتها وقتاً يتراوح بين عشرة أعوام وخمسة عشر عاماً على الأقل حتى تعود إلى ما كانت عليه قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. هذا لو توافرت الأموال والنيات الجادة للبدء في عملية الإعمار. 

نستطيع أن نشير إلى مجموعة كبيرة من الصعوبات والعوائق التي سوف تواجه عمليات البدء في إعادة الإعمار - في حال الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار والمحرقة التي يقوم بها جيش الكيان الصهيوني الفاشي في غزة والضفة الغربية -، ومنها: 

الموقف الإسرائيلي، عسكرياً وسياسياً، بشأن إعادة إعمار غزة. 

الموقف الخليجي والموقف التركي من إعادة الإعمار. 

الموقف الأوروبي والموقف الأميركي بشأن إعادة الإعمار.

موقف الأمم المتحدة ومنظماتها بشأن إعادة الإعمار.

موقف سائر دول العالم، وخصوصاً المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في أميركا اللاتينية وآسيا. 

موقف كل من الصين وروسيا ودول البريكس. 

ولكل طرف من هذه الأطراف حساباته ومصالحه. 

فكيف نتصور تصرفات كل طرف من هذه الأطراف وإجراءاته في عملية إعادة إعمار قطاع غزة، والتي يتداخل فيها ما هو اقتصادي ومالي بما هو سياسي واستراتيجي؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.