برغم صواريخ إيران المؤلمة.. الاحتلال لا ينشغل عن الإبادة في غزة

يرى الغزيون في الردّ الإيراني على "إسرائيل" بارقة أمل تُعيد لهم شيئًا من الكرامة والإنصاف وسط الجوع والدمار المستمر منذ أكثر من 20 شهرًا. وبرغم فرحة الصواريخ، فإن واقع المجازر اليومية والمساعدات القاتلة يكشف خذلان العالم وعمق معاناة المدنيين.

0:00
  • برغم صواريخ إيران المؤلمة.. الاحتلال لا ينشغل عن الإبادة في غزة
    برغم صواريخ إيران المؤلمة.. الاحتلال لا ينشغل عن الإبادة في غزة

مع تساقط الصواريخ الإيرانية على الكيان الإسرائيلي وسط ظلام الليل، تعمّ مشاعر الفرح أوساط الفلسطينيين في غزة، وتعلو التكبيرات في احتفالات عفوية فوق الركام، برغم الجوع والدمار والمجازر اليومية، ويلوّح الأهالي بعلمَي فلسطين وإيران في مشهد يُجسّد تداخل الفرح بالمقاومة، والألم بالصمود.

لكن الفرحة بالصواريخ الإيرانية تصاحب ألماً متراكماً لأكثر من 620 يومًا، وكأن صوت الصواريخ كسر جدار الخوف ليعيد للناس كرامتهم وقدرتهم على الرد، إذ في ظل غياب الخبر الغزي عن نشرات الأخبار، يواصل الاحتلال سياسة ممنهجة لتفكيك النسيج الاجتماعي عبر التجويع، وإدخال مساعدات فوضوية، محوّلًا مجتمعًا متماسكًا إلى ساحة صراع تحكمها غريزة البقاء.

"لسنا وحدنا"

ووسط وهج الصواريخ المتصاعدة نحو عمق المستوطنات، وضجيج الإنذارات في قلب كيان الاحتلال، تقف أم أحمد أبو سعدة، التي فقدت منزلها وأبناء جيرانها تحت ركام الغارات السابقة، رافعةً كفّيها إلى السماء، تُتمتم بدعاء النصر لإيران، وتشكر كل يد ترد على العدوان، قائلة للميادين نت: "هذا الردّ، يُعيد إلينا شيئًا من كرامتنا المسلوبة، ويثبت أننا لسنا وحدنا في هذا الجحيم".

وتضيف أبو سعدة، وعيناها معلقتان بألسنة اللهب في السماء: "نعيش تحت نيران مستمرّة منذ أكثر من عشرين شهرًا، ومحاصرين بالجوع والدمار، والخوف ينهش قلوب أطفالنا، لكن الرد من طهران يخفف قليلاً من ثقل العجز، وبرغم أن أطفالنا ينامون على رائحة البارود، فإن رؤية الاحتلال يرتجف تحت القصف تمنحنا شعورًا مؤقتًا بعدالة طال انتظارها، وتكسر ميزان الظلم".

وتبين أبو سعدة أنّنا "لا نطلب معجزات، فقط أن يُرى وجعنا ويُسمع صراخنا في هذا الظلام المطبق، حيث هذا الرد ليس مجرد صواريخ، بل رسالة حياة تؤكد أننا لسنا وحدنا في هذا الموت الجماعي، وأن لحظة الإنصاف ترفع عنا شعور الخذلان والنسيان الذي أرهق أرواحنا".

الردّ الإيراني كسر صمت العالم

المواطن محمود يحيى يعبّر في حديثه للميادين نت عن مشاعر مختلطة عقب الرد الإيراني الأخير على الاحتلال، مؤكداً أنه "لم نشعر منذ وقت طويل بأن هناك من يردّ على ظلم الاحتلال، ولأول مرة منذ سنوات شعرنا أننا لسنا وحدنا، وأن دماءنا ليست رخيصة". 

ويوضح يحيى، أنّ "الضربات الإيرانية لم تغير مجرى الحرب بالكامل، لكنها كسرت غرور الاحتلال وألحقت دمارًا بمبانيه كما يدمّر حياتنا، وعبّرت عن ألم شعبنا ودعمت صموده"، لافتاً إلى أنّنا "لا نسعى للحرب، بل نريد حياة كريمة وعدالة تحفظ إنسانيتنا، لكن في ظل الصمت العالمي وذبح الفلسطيني يوميًا، يصبح أي صوت يواجه هذا القتل دليلاً على وجودنا وإنسانيتنا."

ويعرب يحيى عن أمله بأن يكون هذا الرد نقطة تحوّل وبداية لمرحلة جديدة تحوي رادعًا حقيقيًا للعدوان وموقفًا فعليًا يدعم شعبنا المحاصر وقضيته.

اقرأ أيضاً: المستوطنون أمام صدمة تهشيم "التفوّق": لسنا شعب الله المختار!

شعور بالانتقام

ويشير المواطن عبد الناصر قنيطة، إلى أنّه "في وقت انشغال العالم بالحرب على إيران، يستمر الاحتلال في قتلنا يوميًا، لكن اشتعال السماء فوق "تل أبيب" أعطانا شعورًا بالانتقام"، مشيراً إلى أنّ "الضربات الإيرانية رسالة بأن الاحتلال لن يفلت من الحساب، ونحن نطلب الكرامة والعدالة، وأي قوة تُضعف العدو هي خطوة إيجابية".

ويحتدّ قنيطة في حديثه إلى الميادين نت، قائلاً: "كفانا خذلانًا وصمتًا، نحتاج من يقف معنا فعليًا، فهذه الحرب كشفت المتواطئين، والجيل الجديد يميّز بين من يواجه الاحتلال ومن يحميه، ولم يعد التستر على الخيانة ممكنًا، فشعبنا يرى كل شيء بالدم".

هذا الإحساس بالغضب والانكسار يملأ أرجاء غزة المنهكة بالحرب والحصار، حيث يرى سكانها في كل ضربة تُوجَّه للاحتلال شكلًا من "العدالة الرمزية" التي تخفف من شعورهم بالعجز، وتمنحهم بارقة أمل بأن هناك من لا يزال يواجه الظلم.

ويواصل الاحتلال - الذي لا ينشغل عن الإبادة - قصفه العنيف لمناطق غزة، مخلّفًا مئات الشهداء والمفقودين، ومرتكبًا مجازر يومية بحق الجائعين، خصوصًا في "زكيم" شمالًا، ومحور نتساريم، ومحيط مراكز المساعدات الأميركية في رفح، التي تحوّلت إلى مصائد موت، حيث يُقتل المدنيون دهسًا أو تدافعًا أو برصاص الاحتلال بذريعة اقترابهم من مواقعه.

الإغاثة تحوّلت إلى فخاخ دامية

ينتظر محمد أبو عودة (28 عامًا) عند معبر "زكيم" دخول المساعدات، لكنه يشعر بخيبة أمل كبيرة، ويبين للميادين نت، أنّ "الاحتلال لم يتوقف عن استهدافنا حتى مع تصعيد عدوانه على طهران، حيث جئت أبحث عن طحين لأطفالي، فوجدت الموت ينتظرنا، والشباب يسقطون دهسًا وقنصًا قرب المساعدات"، لافتاً إلى أنّ "أماكن الإغاثة تحولت إلى مصائد موت، والخوف لا يمنعنا لأن الجوع أقوى، لكن النتيجة واحدة هي جثث تحت القصف وصمت دولي".

ولم يعد لدى أهالي غزة مأوى أو طعام أو دواء، وحتى كرامتهم سُلبت، وكأن صوتهم لا يُسمع، برغم الجرائم اليومية التي تستدعي محاكمة كاملة، لكن العالم يكتفي بالتفرج أو المساواة بين القاتل والضحية.

المساعدات تحوّلت إلى أداة "اصطياد"

وفي الإطار ذاته، أكد المفوض العام لـ "الأونروا" فيليب لازارينيـ، أنّ قتل الجوعى أثناء محاولتهم الحصول على الطعام يعد "جريمة حرب"، واصفًا "مؤسسة غزة الإنسانية" بأنها "نظام قاتل يُلحق الأذى باسم المساعدات"، مطالبًا بمحاسبة المسؤولين وإعادة المبادئ الإنسانية.

كما حذرت "الفاو" وبرنامج الأغذية العالمي من أنّ 2.1 مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة، وأن الوضع وصل إلى "مرحلة حرجة" وقد يزداد سوءًا بحلول أيلول المقبل، مع تصنيف غزة كبؤرة "قلق شديد" غذائيًا.

اخترنا لك