انتخابات وألعاب أولمبية.. استحقاقات صيف باريس تخفض حماسة السياح

أمام فرنسا في هذه الأيام استحقاقان كبيران، هما الانتحابات التشريعية والألعاب الأولمبية. ويأتي توقيتهما في ذروة الموسم السياحي، الذي يعوّل الفرنسيون عليه بدرجةٍ عالية، وخصوصاً سكان العاصمة، من أجل تأمين معيشتهم للفترة المتبقية من العام.

  • انتخابات وألعاب أولومبية.. استحقاقات صيف باريس تخفض حماسة السياح
    انتخابات وألعاب أولومبية.. استحقاقات صيف باريس تخفض حماسة السياح

تعيش فرنسا، هذه الأيام، تحت وطأة حدثين كبيرين، سيتركان تأثيراتٍ اجتماعيةً واقتصاديةً كبيرة، فضلاً عن الأبعاد السياسية الحاضرة دوماً في المشهد الفرنسي.

الاستحقاق الأول دخل في المشهد بصورةٍ مفاجئة، وهو يتمثل بانتخاباتٍ تشريعيةٍ مبكرة، كان يفترض أن تجري في موعدها في عام 2027، لكن نتائج الانتخابات الأوروبية دفعت الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إجرائها عبر مرحلتين، في الثلاثين من حزيران/يونيو، ثم في السابع من تموز/يوليو المقبل.

أما الاستحقاق الثاني، فهو الألعاب الأولمبية، التي تستضيفها باريس بين 26 تموز/يوليو و11 آب/أغسطس المقبلين.

في الأبعاد المحلية المباشرة على السكان والمجتمع والاقتصاد، يأتي توقيت الاستحقاقين في ذروة الموسم السياحي، الذي يعوّل الفرنسيون عليه، بدرجةٍ عالية، وخصوصاً سكان العاصمة، من أجل تأمين معيشتهم للفترة المتبقية من العام.

لكن الواقع هذا العام مغاير تماماً، فحلول الحدثين، بالتزامن مع الموسم السياحي، أدى إلى تباين الحسابات، بصورةٍ حادة.

ينتشر السياح عادةً في محيط كنيسة نوتردام في هذا الوقت من العام. وفي المكان نفسه، شيّد المنظمون للألعاب مدرّجاتٍ تستضيف المتفرجين في الصرح التاريخي، الذي لم يعد إلى رونقه منذ حادثة احتراق أبراج الكنيسة، في 15 نيسان/أبريل 2019.

ومن هناك، ومع مسار نهر السين والجسور المتعددة الفاصلة بين "سان ميشال" و"برج إيفل" الشهير، ينتشر السياح، أفراداً وجماعات، ويلملمون ذكريات قديمة من شوارع المدينة ومعالمها، ويصنعون أخرى جديدة لمن لم يزرها من قبل.

عند ساحة "شان دي مارس"، التي تضم البرج الشهير، صعوداً إلى ساحة "تروكاديرو"، تتكثف حركة السياح وتكثر جنسياتهم. فالـمَعْلَم يُعَدّ الأهم في المدينة الأكثر شهرةً بالنسبة إلى رادارات صنّاع السياحة حول العالم. وهناك أيضاً، نصبت الجهة المنظمة للألعاب منصّات مخصصة لاستقبال المشجعين والسياح، ضمن برامج ترفيهية وتحفيزية تهدف إلى خلق تجربة فريدة لصيف هذا العام.

في الأرقام، تستقبل باريس سنوياً نحو 25 مليون سائحٍ من مختلف أنحاء العالم. وعززت الألعاب الأولمبية نشاط القطاع السياحي من ناحية الحجوزات، لكنّها أضرت، إلى حدّ ما، بقدرة السياح الآخرين على إيجاد حجوزاتٍ ملائمة لهم في الفنادق ومواقع بيوت الضيافة والسكن الخاص. 

ومع ذلك، سينشط القطاع السياحي بزيادة نسبتها 15% عن العام الماضي، خلال الأسابيع الأولى من شهر تموز/يوليو، الأمر الذي يُعَدّ مؤشراً إيجابياً للسلطات السياحية في باريس.

أمّا معدل الإشغال الفندقي، خلال الأسبوع الأخير من حزيران/يونيو، فبلغ 63%، وفق بياناتٍ تستند إلى نحو 280 مؤسسةً سياحية كبرى في باريس، وتراجعت نحو 20% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وهذا ما يفسّره حلول الاستحقاقين الانتخابي والرياضي، في قلب الموسم السياحي.

في العادة، يتراجع قدوم السياح إلى العاصمة الفرنسية، وخصوصاً عن طريق الجو، خلال الفترة الأولى من شهر تموز/يوليو، في حين يكون حزيران/يونيو من أفضل الأشهر في نِسَب وصول الأجانب. أما هذا العام، فتراجعت أرقام حزيران/يونيو، وتحسّنت قليلاً أرقام تموز/يوليو.

لكنّ هذا المعطى لا يُعَدّ غريباً على تفاعلات أحداثٍ من النوع نفسه. فلندن عاشت التأثير نفسه للألعاب الأولمبية في موسمها السياحي في عام 2012. فكثيرون من السياح يفضلون القدوم في فتراتٍ أكثر هدوءاً، وأقل تشدداً من ناحية الإجراءات الأمنية والإدارية. لذلك، فإنّ التأجيل يكون خياراً ملائماً، إذا لم تحلّ وجهة أخرى محل باريس في روزنامة سياح هذا الصيف.

ثم إن كثيرين من الزوار الدوريين لباريس اتّصلوا بمقدمي خدماتهم هناك ليعربوا عن عدم نيّتهم القدوم خلال الصيف الحالي، بحسب مقابلات نشرها الإعلام الفرنسي مع مديري فنادق شهيرة في العاصمة.

وزاد في عدول هؤلاء عن هذه الوجهة الآن، شيوع أخبار الإجراءات الاستثنائية التي تقيمها الإدارة لتأمين الأولمبياد وتنظيمه، الأمر الذي ما دفع لجنة السياحة الإقليمية في باريس - إيل دو فرانس، إلى توضيح الموقف، عبر التأكيد أن باريس ليست مغلقة، على عكس ما يُنشَر بشأن الأمر، مع العلم بأن السلطات هناك فرضت رمزاً إلكترونياً للدخول والخروج من العاصمة، وزادت في تعرفة النقل العام للسياح القادمين خلال فترة الألعاب.

كما أن بين المؤثرات السلبية في حركة السياحة في صيف باريس الحالي، إغلاق أماكن ومواقع لفعاليات رئيسة في المدينة، منها ساحة "لا ديفانس" و"بورت دو فرساي" وستاد فرنسا، استعداداً للألعاب.

في المحصّلة، ربحت باريس ملف الاستضافة، وباعت نحو 12 مليون بطاقةٍ للألعاب الأولمبية، لكنها خسرت، في المقابل، نسبةً من السياح العاديين الذين يفيدون قطاعات الأعمال الخاصة، في ظل صعوباتٍ اقتصادية لا تزال غير قابلةٍ للحل، وربما تشكّل سبباً في تراجع شعبية الرئيس ماكرون وحزبه في الانتخابات الأوروبية، واضطراره إلى طلب الانتخابات المبكرة. 

يحدث ذلك في ظل صعود اليمين، وبروز مؤشراتٍ حادة على تحولٍ اجتماعي وتحول سياسي، يسعى حزب النهضة وماكرون لإيقاف عجلته من خلال الانتخابات المبكرة، الأمر الذي لا تبدو أرقام السياحة مشجعةً له الآن.