بضائع إسرائيلية تتسلل إلى أسواق شمال شرق سوريا.. ودعوات لمحاسبة "قسد"
تشهد أسواق الجزيرة السورية حالات تسلل لبضائع إسرائيلية، وتحديداً في مواسم الصيف والأعياد، عندما يكون الطلب على المواد الغذائية والعصائر كبيراً.
-
بضائع إسرائيلية تتسلل إلى أسواق شمال شرق سوريا.. ودعوات لمحاسبة "قسد"
لم يكن أسعد الحميد (64 عاماً) يعلم أنّ الحلوى والبسكويت التي اشتراها لأحفاده من أحد أسواق مدينة الحسكة شمال شرق سوريا ستكون صناعة إسرائيلية، حيث تفاجأ لدى وصوله إلى المنزل بوجود كتابات عبرية على أوراق التغليف، فما كان منه إلا أن جمعها ورماها في القمامة سريعاً.
"آخر شيء كنت أفكر فيه أن تكون هذه المنتجات صناعة إسرائيلية"، يتحدث الموظف المتقاعد للميادين نت عن حالة الصدمة التي عاشها في تلك اللحظة، وكيف كان يعتقد أن الكلام عن وجود بضائع إسرائيلية في أسواق الجزيرة السورية غير واقعي، لأن أبناء الجزيرة يرفضون التعامل بأيّ شكل من الأشكال مع حكومة الاحتلال.
ويقول الحميد: "خلال السنوات الماضية كثُر الحديث عن وجود علاقات بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة الاحتلال، وخاصّة فيما يتعلّق بالمشاريع الخدمية المشتركة، إضافة إلى الحديث عن تسلل بعض أنواع البضائع الإسرائيلية إلى أسواق الحسكة والقامشلي والرقة؛ لكن طوال تلك الفترة لم أشاهد أيّ منتجات بأمّ عيني"، ويضيف: "عندما اشتريت الحلوى والبسكويت، كنت أظنها صناعة تركية، لأن البضائع التركية باتت تغرق أسواق الجزيرة السورية وبأسعار زهيدة، إلا أنني تفاجأت بوجود الكتابات العبرية عليها، فما كان مني إلا أن تخلّصت منها".
حال أسعد الحميد لا يختلف كثيراً عن معظم أهالي الجزيرة السورية، الذين يشاهدون المنتجات الإسرائيلية في أسواق مدنهم وقراهم بشكلٍ علني، وخاصّة السكاكر والبسكويت والعصائر وملابس البالة، بدون أيّ تحرك من جانب "الإدارة الذاتية" التابعة لقوات سوريا الديمقراطية لكبح هذه الظاهرة؛ بل على العكس فإن البضائع المهرّبة تمر عبر المعابر التي تسيطر عليها "قسد" مع إقليم كردستان العراق.
مصادر محلية في مدينة الحسكة أكدت للميادين نت أن المعابر غير الشرعية بين سوريا وإقليم كردستان العراق تشهد يومياً عمليات نقل للبضائع على طرفي الحدود، ومن خلال تلك المعابر يتم إغراق الأسواق بالمواد الإسرائيلية والأجنبية، لتصبح أمراً واقعاً على الأهالي.
ومنذ سنوات، تشهد أسواق الجزيرة السورية حالات تسلل لبضائع إسرائيلية، وتحديداً في مواسم الصيف والأعياد، عندما يكون الطلب على المواد الغذائية والعصائر كبيراً، وفي هذا السياق يؤكد أبو خالد (اسم مستعار)، وهو صاحب محل تجاري صغير في القامشلي، أن البضائع الإسرائيلية يتم تهريبها بكميات قليلة بين المواد الغذائية التي يتم إدخالها عبر المعابر غير الشرعية مع العراق، بحيث لا تكون ملفتة للنظر.
ويضيف أبو خالد، أن الهدف من وضع البضائع الإسرائيلية ضمن المنتجات الأجنبية المستوردة من دول أجنبية هو التمويه على التجار أولاً، وثانياً من أجل ترسيخ وجودها في أسواق الجزيرة، وجعلها أمراً طبيعياً في نظر السكان المحليين.
ويؤكد أبو خالد أن غالبية التجار يتلفون هذه المواد عند العثور عليها، "انطلاقاً من واجبهم الديني والأخلاقي ضد كيان الاحتلال وحرمة التعامل معه، إضافة إلى أن تلك البضائع يمكن أن تكون خطيرة وغير صحيّة، لكن يستغلّ المهربون بساطة أصحاب "البسطات" الصغيرة وجهل البعض لنشر تلك المنتجات في الأسواق".
المنتجات الإسرائيلية في المناطق الريفية
لا يمكن النظر إلى وجود البضائع الإسرائيلية في مناطق الجزيرة السورية على أنه طفرة عابرة أو خطأ بعملية الاستيراد، فهذه المنتجات تجد طريقها إلى الأسواق بشكلٍ متكرر منذ سنوات.
ويؤكد العديد من الأهالي أن المستوردين يتجنبون بيعها في مراكز المدن الكبيرة، حيث يكون الناس على درجة كبيرة من الوعي والثقافة، ولذلك يتم نشرها في المناطق الريفية والتجمعات السكانية النائية، كما أن الحديث المتصاعد عن وجود تلك المواد في الأسواق المحلية، دفع الأهالي ليكونوا أكثر حيطة في التعامل مع المنتجات الأجنبية المنتشرة بكثرة.
وخلال العام الماضي، شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية ارتفاعاً قياسياً في أسعار الألبسة، بالتوازي مع انتشار ملابس إسرائيلية في أسواق الألبسة المستعملة "البالة" بأسعار زهيدة.
وما لفتَ النظر حينها، هو انتشار ألبسة مستعملة تحمل نقوشاً إسرائيلية مثل "نجمة داوود"، وأخرى مكتوب عليها عبارات مختصرة بالإنكليزية معناها "أحب إسرائيل"، وبعض الملابس كانت بألوان العلم "الإسرائيلي"، فيما يبدو أنها خطة مشتركة بين "إسرائيل" و"قوات سوريا الديمقراطية" لنشر هذه الأفكار في مجتمع الجزيرة السورية، عبر استغلال ضعف الوعي المجتمعي بما تمثله تلك الرموز من دلالة، وأيضاً استغلال حاجة الأهالي إلى شراء ملابس رخيصة الثمن.
وتبرّأ باعة الألبسة المستعملة في ريف الحسكة من المسؤولية عن إدخال الألبسة الإسرائيلية إلى الأسواق، وأكدوا أنهم يتعاقدون مع تجار كرد على علاقة وثيقة بقوات سوريا الديمقراطية، وهؤلاء يعملون على إدخال كميات كبيرة من الألبسة دفعة واحدة من إقليم كردستان العراق وفق ما يُسمى محلياً بـ"الطابة"، وهي كمية كبيرة من الثياب المستعملة تكون مغلفة بشكل كامل من قبل التاجر المستورد، ولا تتم معاينتها بشكل مسبق من قبل الباعة الراغبين بالشراء، وعند فتح "طابة البالة" يتم نشر الألبسة المستعملة على البسطات كأكوام كبيرة بدون التدقيق في محتوياتها أو ما هو مكتوب عليها.
محاولات قديمة للتغلغل
محاولات اختراق أسواق مناطق سيطرة "قسد" من قبل الإسرائيليين ليست جديدة، فقد عمل الكرد عام 2019 على إدخال بعض المنتجات الغذائية إلى شمال شرق سوريا، مثل المثلجات والبقوليات والسكاكر، التي كانت تحمل أسماء وكلمات عبرية، ومذيّلة بعبارة "صنع في إسرائيل"، إلا أن رفض الأهالي التعامل مع هذه المنتجات، وتحميل "قوات سوريا الديمقراطية" مسؤولية انتشارها في الأسواق، دفع الكرد إلى سحبها من الأسواق.
المعلومات تؤكد أيضاً أن شركة إسرائيلية نشطت خلال العامين الماضيين في محافظة الرقة، بعد توقيع اتفاقية مشتركة بين الحكومة الإسرائيلية وقوات سوريا الديمقراطية لتنفيذ مشروع "تحلية المياه الجوفية"، وبقيت الشركة تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الكرد عدة أشهر، قبل أن تنسحب بشكلٍ مفاجئ بدون ذكر تفاصيل حول أسباب المغادرة.
التغلغل الإسرائيلي في الشرق السوري ظهر جليّاً في محافظتي الحسكة ودير الزور عبر الجانب الإغاثي من خلال المنظمات العابرة للحدود، حيث شاركت منظمات يهودية عام 2018 بتقديم المساعدات الغذائية لأهالي منطقة "تل حميس" بريف الحسكة، إلا أن مصادر أهلية أكدت أن المنظمات كان لها أهدافاً أخرى، تتمثل بجمع البيانات عن كامل المنطقة الشرقية، حيث عمدت إلى جمع المعلومات عن الأهالي والمؤسسات والمنظمات الإنسانية والنقاط العسكرية والأماكن الأثرية.
روعة خليف مُدّرسة في ريف الحسكة تؤكد للميادين نت أن "إسرائيل" تسعى للتغلغل ببطء في المجتمع السوري عبر استغلال حالة الفوضى التي تسود في مناطق سيطرة "قسد"، وخاصّة الظروف المعيشية المتردية، وحاجة الأهالي لشراء ملابس مستعملة رخيصة الثمن، وتؤكد خليف إلى أنها تصادف أحياناً في الشوارع شباناً يرتدون ألبسة مكتوب عليها باللغة الإنكليزية عبارات تشجع على "المثلية الجنسية" أو "الإلحاد"، وغالباً فإن هؤلاء الشبان لا يعرفون معنى تلك العبارات أو الهدف منها.
وتدعو خليف إلى ضرورة القيام بحملات توعية من قبل الجهات المعنية وخاصّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتعريف المجتمع وتحديداً فئة الشباب بتلك العبارات ودلالاتها وأهدافها، مع التأكيد على ضرورة مقاطعتها من قبل الأهالي، إضافة إلى الضغط على التجار للتدقيق في المواد التي يتم استيرادها وعدم التعامل مع الشركات التي تشجع المنتجات الإسرائيلية.
وبرغم الرفض الشعبي المطلق في مناطق الجزيرة السورية لأيّ تعامل مع حكومة الاحتلال مهما كان شكله، إلا أن البضائع الإسرائيلية لا تزال موجودة في المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، وهذا ما يفرض على الحكومة الجديدة في سوريا الضغط لإيقاف هذا التعامل العلني، خاصّة في الوقت الذي تواصل فيه "تل أبيب" عمليات الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتوغل العسكري في جنوب سوريا.