تبدّل ديمغرافي في دمشق القديمة بعد انتقال عائلات من الشمال السوري

تغيّرات سكانية لافتة تشهدها دمشق القديمة، حيث تنتقل عائلات من شمال سوريا إلى أحياء تاريخية كـ"حارة اليهود"، ما يعيد رسم ملامح المدينة.

0:00
  • تبدّل ديمغرافي في دمشق القديمة بعد انتقال عائلات من الشمال السوري
    تبدّل ديمغرافي في دمشق القديمة بعد انتقال عائلات من الشمال السوري

تشهد دمشق القديمة، ولا سيما "حارة اليهود" الملاصقة لحي الأمين، خلال الأشهر الأخيرة، تغيّرات سكانية لافتة، تمثّلت في انتقال عائلات جديدة من محافظات شمال سوريا إلى منازل كانت مأهولة سابقاً بأبناء الحي. 

مشهد يومي متغيّر 

يجلس "أبو أحمد" (اسم مستعار) أمام بسطته الصغيرة لبيع الخضار في حي الأمين، يراقب السيارات المتوقفة على جانبي الطريق وقد كُتب على لوحاتها أسماء مدن مثل إدلب، منبج، وحلب.

يقول: "قبل فترة قصيرة لم نكن نرى هذه الأسماء كثيراً في شوارعنا، أما اليوم فأصبحت مألوفة، فقد جاءت عائلات جديدة لتسكن هنا بعد أن كانت بعض المنازل خالية منذ فترة".

يرى أبو أحمد أن ما يحدث تبدّل طبيعي في النسيج السكاني بعد سقوط النظام السابق، معتبراً أن هذا التنوع قد يفتح باب التعارف والتعايش بين القادمين وأبناء الحي الأصليين.

قصص انتقال وإعادة إسكان

في أحد البيوت العربية القديمة، تروي سيّدة خمسينية كيف طُلب منها إخلاء منزلها في "حارة اليهود" بعد سقوط النظام بفترة قصيرة. تقول: "بقينا أشهراً نبحث عن بيت آخر، وعندما مررت لاحقاً من أمام منزلي القديم وجدته مأهولاً بعائلة جديدة من الشمال السوري. لم أتوقع أن يتغيّر المشهد بهذه السرعة، لكنه واقع دمشق اليوم".

تضيف أن هذه التحوّلات انعكست على تفاصيل الحياة اليومية، من الأسواق إلى الأفران والمحال التجارية، حيث باتت اللهجات المتنوعة جزءاً من المشهد اليومي.

اندماج اجتماعي وتحديات يومية

توضح "أم علاء"، من سكان الحي القدامى، أن الأيام الأولى من وصول العائلات الجديدة اتسمت بالحذر المتبادل، لكن العلاقات تحسّنت مع الوقت. تقول: "أصبحنا نتبادل التحية ونشارك بعض الاحتياجات. الاندماج ليس سهلاً، لكنه ممكن إذا كانت النية طيبة من الطرفين".

وترى أن اختلاف الخلفيات والمناطق يشكّل فرصة لتوسيع الفهم المشترك بين السكان.

وفي أحد الأزقة القريبة من الكنيسة المريمية، تقول السيدة جانيت، وهي من العائلات المسيحية القديمة في المنطقة: "الحي تغيّر فعلاً، وجوه اعتدناها رحلت وأخرى جاءت من مناطق مختلفة. فقدنا شيئاً من روح دمشق القديمة".

بينما ترى مريم أن هذا التنوّع قد يمنح الحي طابعاً أكثر حيوية، شرط الحفاظ على روح الجيرة الدمشقية التي ميّزت المكان عبر القرون.

تحوّلات اقتصادية موازية

في السوق القريب، يؤكد البائع "أبو محمد" أن التغييرات السكانية أعادت النشاط التجاري إلى بعض أركان الحي، برغم التحديات الخدمية والتنظيمية.

أما "أبو علي" (اسم مستعار)، أحد وجهاء الحي، فيكشف أن عمليات إخلاء منازل حارة اليهود تجري تدريجياً بدون تنسيق مع المختار، بحجة تأمين مساكن للعائلات القادمة.

يقول إن كل أسبوع تقريباً يُخلى بين 3 و7 منازل، كان يقطنها 3 عوائل وسطياً في كل منزل. ويضيف أن هذه العمليات مستمرة بدون حصيلة رسمية واضحة.

من جهته، يعبّر رئيس الطائفة اليهودية في سوريا بيخور شمنتوب عن رفضه تسليم هذه المنازل لأي جهة طالما أن لها أصحاباً، حتى لو كانوا مغتربين.

ظاهرة تمتد إلى أحياء أخرى

ولا تقتصر هذه التحوّلات على دمشق القديمة وحدها، إذ تشهد مناطق أخرى في العاصمة ومحيطها حركة سكانية مشابهة، مع قدوم عائلات من محافظات مختلفة واستقرارها في أحياء دمشق، ضمن إعادة تموضع مجتمعي واسعة عقب التغيّرات السياسية والاقتصادية الأخيرة في البلاد، ما يثير تساؤلات حول شكل التعايش الاجتماعي في السنوات المقبلة.

دمشق تتبدّل... وروحها في الامتحان

بين القادمين من الشمال الذين استقروا حديثاً وسكان الحي القدامى، تتعايش روايات متعددة عن الانتماء والذاكرة والمستقبل.

فالمدينة التي احتضنت على مرّ قرون مسلمين ومسيحيين ويهوداً، تختبر اليوم شكلاً جديداً من التنوّع القسري الذي يفرض عليها إعادة تعريف معنى الجيرة والهوية.

ورغم التباينات في الرؤية، يتفق معظم الأهالي على أن روح دمشق القديمة لا تزال قادرة على امتصاص التغيير، شرط أن يُدار بوعيٍ اجتماعي يحفظ التوازن بين الماضي المتجذر والحاضر المتحوّل.

اخترنا لك