تهجير قسري لأهالي خربة زنوتا في تلال جنوب الخليل بعد 7 أكتوبر

بدأت قوات الاحتلال بحصار قرية خربة زنوتا بعد 7 أكتوبر، والتي يمنع الاحتلال الماء والكهرباء عنها منذ العام 2019، فتم إغلاق الطرق المؤدية إليها وشرعت مجموعات من المستوطنين في مهاجمة البيوت والمدرسة الوحيدة في القرية.

  • مريم سالم الطل من خربة زنوتا جنوب الخليل تعد
    مريم سالم الطل من خربة زنوتا، جنوب الخليل، تعدّ "لبن الجميد" في منطقة سكنها 

"حاربونا حتى بلقمة عيشنا... اللي كان عنده 300 راس غنم باع نصهم عشان يطعم النص الثاني". كان هذا تصريح لعادل الطل إلى إحدى وسائل الإعلام قبل 3 سنوات من اليوم، وهو يصف واقع أهالي قريته خربة زنوتا، الواقعة إلى جنوب غرب الخليل، والتي كان يعتاش أهلها من رعي الأغنام وتربيتها وما ينتج منها، ولا سيما الألبان وأشهرها "الجميد الخليلي" ذائع الصيت في فلسطين. ولكنّ خربة زنوتا لن تعود إلى إنتاج الجميد، والحاجة مريم الطل، والدة عادل، لن تعود إلى تكويره وصناعته في قريتها، ففي 28/10/2023 أخلت قوات الاحتلال القرية تحت ذريعة حماية البؤرة الاستيطانية المجاورة لها، في خضم حالة الانشغال بحرب الاحتلال على قطاع غزة. 

إخلاء القرية

بعد أسابيع قليلة من بدء الاحتلال عدوانه على غزة وإعلان حالة الطوارئ في كيان الاحتلال، تم استغلال هذه الحالة لشنّ حملة من عمليات الإخلاء للتجمعات القروية والبدوية في مختلف محافظات الضفة الغربية، ومنذ تاريخ 1/11/2023 بدأت قوات الاحتلال بحصار قرية بيت زنوتا، التي يمنع الاحتلال الماء والكهرباء عنها منذ العام 2019، فتم إغلاق الطرق المؤدية إليها وشرعت مجموعات من المستوطنين في مهاجمة البيوت والمدرسة الوحيدة في القرية، وحظيرة الأغنام فيها، ويقول عادل الطل: "عشنا أسبوعين من الحصار ما شفناهم بحياتنا وما كان في أي تحرك شعبي أو حد يدعمنا، وبالأخير اطلعنا من بلدنا اللي عشنا فيها احنا وأهلنا من قبل الاحتلال". 

اليوم، يتوزع أهالي القرية ما بين تجمعي الشويكي والطيران القريبين من خربة زنوتا، عازمين على العودة إلى القرية على الرغم من صعوبة الأوضاع، ووجود بؤرة استيطانية لفتية التلال تجثم على أراضي القرية. 

استهداف الاحتلال لخربة زنوتا في الماضي

تقع خربة زنوتا على بعد لا يتجاوز الـ 2 كم عن الخط الفاصل بين جنوب الضفة الغربية وأراضي فلسطين المحتلة عام 1948، وتم احتلال القرية في العام 1967 لتبدأ رحلتها مع سياسات الاحتلال الاستعمارية، فبعد أن كانت كل منازل القرية تتكوّن من مغارات أثرية لها مداخل حجرية، بدأ أهالي القرية منذ العام 1980، كما أشار عادل الطل، ببناء المنازل والوحدات السكنية في أراضيهم، نظراً إلى تزايد أعداد أهل القرية، وتغير نمط الحياة في محافظة الخليل ككل. 

بدأ الاحتلال باستهداف خربة زنوتا منذ العام 1981 عندما أسست سلطاته ما يعرف باسم "الإدارة المدنية" للضفة الغربية، والتي تولّت مهام "إصدار التراخيص" للبناء في الضفة والقدس المحتلة. ويقول الباحث في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عادل أبو هواش: "لم تطرح (الإدارة المدنية) مخططاً تنظيمياً لقرية خربة زنوتا بحجة أنّ حجم التجمع السكني فيها صغير جداً ولا يحتاج إلى مخطط تنظيمي، وبدأ أهالي القرية بالتوسع العمراني العفوي من دون تراخيص". 

ويستدرك أبو هواش بالقول: "بطبيعة الحال، كانت  بيوت خربة زنوتا ومساكنها بمعظمها قد أقيمت قبل تشكيل (الإدارة المدنية) بل إنّ العديد منها قد أقيم قبل الاحتلال، ولكن الأخير عدّ الوحدات السكنية المقامة في القرية (غير مرخصة)، ليؤسس لحالة شرعنة هدم  القرية وإخلائها لاحقاً". 

وفي العام 1993، وبعد إنشاء الاحتلال الطريق الاستيطاني رقم 60، الواصل بين مستوطنات الاحتلال في جنوب فلسطين وشمالها مروراً بالخليل وبيت لحم وغيرها، اكتسبت بيت زنوتا أهمية استيطانية جديدة لديه، إذ بات الطريق لا يبعد أكثر من 90 متراً. 

وكان الاستهداف الاستيطاني الأول لمحيط القرية في العام 2010 عندما تم تأسيس مجمع استيطاني على بعد نحو 800 متر من قلب القرية، تحت مسمى "ميتاريم"، وضم المجمع منطقة صناعية ومبنى إدارة لـ "مجلس مستوطنات جبل الخليل" والتي يبلغ عددها 12 مستوطنة. 

معركة الهدم 

في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2007، أصدرت سلطات الاحتلال قراراً بهدم 22 عقاراً في خربا زنوتا، لينطلق حراك شعبي لمقاومة هذا القرار والتصدي له، فتقدم أهالي القرية بالتماس لدى محكمة الاحتلال "العليا"، وتم تجميد قرار الهدم لتبدأ ملامح معركة قانونية في محاكم الاحتلال لتجميد قرارات الهدم بالتزامن مع حراك شعبي، ربما كانت الملاحظة البارزة حوله، توجه الفعاليات الشعبية في البلدة للدعم الأوروبي والناشطين الأجانب كوسيلة للتصدي لمحاولات الهدم من قبل الاحتلال، وقد يكون ذلك هو السبب في توجه الاحتلال إلى حسم المعركة حول القرية في الأسابيع الأولى من عدوان الاحتلال على غزة، مستغلاً حالة التجييش والدعم اللامتناهي له بعد ما تعرض له من انتكاس في معركة "طوفان الأقصى". 

خربة زنوتا

في التقسيمات الإدارية في فلسطين تاريخياً، كان لفظ الخربة يشير إلى تجمع سكاني محدود المساحة والسكان، وهو أقل من القرية، وكانت الخرب في مختلف مناطق فلسطين تسكنها العائلات التي تعرف برعي الغنم، وفي حالة خربة زنوتا، والتي تغير تصنيفها بعد توسع قضاء الخليل الذي تتبع له، لتصبح إحدى القرى التابعة لبلدة الظاهرية جنوب الخليل، بعد أن كانت تاريخياً إحدى خرب قرية السموع القريبة من الظاهرية.

وتُعدّ خرب زنوتا من أقدم الخرب التاريخية في فلسطين، إذ كانت توجد على أراضيها آثار بيزنطية وإسلامية، من أبرزها الجامع العمري الذي يعود بناؤه إلى العصور الإسلامية، كما تحوي العشرات من المغارات التاريخية التي كان يسكنها أهل القرية، وبعضها يعود إلى العصور الرومانية. 

ويقدر عدد أهالي خربة زنوتا بنحو 250 نسمة معظمهم من عائلة الطل، يعملون في رعي الأغنام وإنتاج مشتقات الألبان.