ثمن الرغيف يتضاعف 300%.. رفع الدعم عن الخبز والوقود والكهرباء يرهق المصريين

تضاعف سعر الرغيف بنسبة 300%، وتزامن مع رفع أسعار الوقود والكهرباء ما يثقل كاهل الفقراء، في وقت تبرر الحكومة قراراتها بأنها تنتج نحو 100 مليار رغيف سنوياً تتحمّل الدولة 120 قرشاً لدعم الرغيف الواحد.

  • ثمن الرغيف يتضاعف 300%.. رفع الدعم عن الخبز والوقود والكهرباء يرهق المصريين
    ثمن الرغيف يتضاعف 300%.. رفع الدعم عن الخبز والوقود والكهرباء يرهق المصريين

بعمره الذي لا يتعدى الأربع سنوات وجلبابه القديم، التقط الطفل عمرو الورداني، بلهفة رغيف خبز طازج خرج للتو من المخبز البلدي، الواقع في المنطقة التي يقطن فيها. أكل الرغيف بنهم شديد، لسدّ رمق جوعه بعد أن استيقظ من النوم من دون أن يجد الطعام اللازم لوجبة الفطور.

الخبز أو "العيش"، كما يسمّيه المصريون لربطه تاريخياً بمعيشتهم، يُعدّ العنصر الأساسي على موائدهم، فلا تخلو مائدة طعام من هذا "الساحر" الذي يشبع البطون ويسدّ رمق الجوعى، لكن ربما تتناقص كميته في المستقبل، خصوصاً في وجبات الأسر الفقيرة بعد قرار الحكومة رفع الدعم وزيادة سعر الرغيف من 5 قروش إلى 20 قرشاً (0.0042 دولار) لأول مرة منذ 36 عاماً.

وتضاعف السعر الجديد للرغيف بنسبة 300%، وتزامن مع رفع أسعار الوقود والكهرباء ما يثقل كاهل الفقراء، في وقت تبرر الحكومة قراراتها بأنها تنتج نحو 100 مليار رغيف سنوياً تتحمّل الدولة 120 قرشاً لدعم الرغيف الواحد، أي 120 مليار دولار سنوياً (2.54 مليار دولار).

إلغاء الدعم ورطة للفقراء

عمرو الورداني، الشقيق الأصغر لثلاثة أطفال أكبرهم عمره 11 عاماً، وصفت والدته الأربعينية آمنة متولي، للميادين نت، قرار تحرير سعر الخبز والكهرباء والوقود بـ"أمر كارثي" على الأسر الفقيرة، قائلة: "أسرتي تتكوّن من 6 أفراد، نعتمد على الخبز المدعم بشكل أساسي في وجبات الطعام، وليس لدينا الأموال لشراء الخبز السياحي الذي يصل سعر الرغيف إلى نحو جنيه واحد".

متولي التي تعيش في منطقة إمبابة الشعبية في الجيزة، لم تلق حظها من التعليم، وقفت منذ الصباح الباكر على المخبز أو "الفرن" باللهجة العامية المصرية، للحصول على الحصة اليومية لأسرتها من الخبز المدعم، وهي 30 رغيفاً، لكن بزيادة قدرها 4 أضعاف عن سعرها القديم.

حدثت مشادات كلامية بين آمنة وصاحب المخبز جمال الأسيوطي، حين حاولت الحصول على حصتها  بالسعر القديم، متهمة الأسيوطي بتزويد الأسعار، لكن مع شرح قرار الحكومة لها وإفهامها، همهمت ببعض الكلمات غير المفهومة التي تنبئ في مجملها بحجم الكارثة التي حلّت بها.

وكانت زيادة سعر الخبز المدعم، مسألة ذات حساسية منذ عام 1977 إثر "انتفاضة الخبز" المعروفة، حيث شهدت البلاد احتجاجات وأعمال شغب، ما أجّل القرار إلى سنوات في بلد يشكّل فيه الخبز الرخيص عنصراً رئيسياً على موائد الطعام بسبب انتشار الفقر.

التداعيات المأساوية لقرار رفع أسعار الوقود والكهرباء، فضلاً عن الخبز، برغم أنه لا يزال مخفضاً بشكل كبير، طالت ميزانية الأسر وبينها عائلة عاشور جمال الدين، الذي يقول لـلميادين نت إن "رفع الدعم عن رغيف الخبز يجعل حياة الفقراء الذين يعتمدون عليه بشكل أساسي في طعامهم أصعب من أي وقت مضى".

ووفق وزير التموين المصري علي المصيلحي، فإن السعر الجديد للخبز يشكل 16 في المائة فحسب من تكلفة الرغيف، بعد خفض قيمة الجنيه وزيادة أسعار القمح عالمياً، مشيراً إلى أن الحكومة تخصص نحو 125 مليار جنيه (2.65 مليار دولار) لدعمه في موازنة العام المقبل.

خبز بطعم المرار

بلغة ساخرة تنمّ عن حجم المعاناة التي تخبو داخل خلجات نفسه، يقول أحمد كامل، على مشارف الستين عاماً من سكان القاهرة، ويتحصل على الخبز المدعم عبر بطاقة التموين، بلهجة عامية مصرية: "كان باقي بس العيش والحمد لله الحكومة رفعت سعره، مفيش حاجة تاني كهرباء ومياه وبنزين وكل حاجة زادت سعرها".

لا يكفي الأجر اليومي الذي يتقاضاه أحمد كامل، العامل في متجر المواد الغذائية، أعباء الحياة، ويضيف للميادين نت: "لا يكفي الفواتير أو الخبز و الطعام، وأين الكهرباء التي تم رفع سعرها ويتم قطعها 3 ساعات يومياً؟ والخبز المدعم كان طوق نجاة بالنسبة إلينا".

وبرّرت الحكومة المصرية رفع أسعار الكهرباء بأن استخراج الغاز الطبيعي يكلف الدولة 4.25 دولارات ويباع للكهرباء بـ 3 دولارات، بينما تبلغ فاتورة الوقود المورد إلى محطات الكهرباء شهرياً 15 مليار جنيه، فيما تدفع وزارة الكهرباء منها 4 مليارات جنيه فقط. وتصل تكلفة إنتاج الكيلووات ساعة من الكهرباء نحو 223 قرشاً.

وفي بيان حكومي، قالت إن معدل استهلاك مصر من المواد البترولية خلال عام يصل إلى 55 مليار دولار، وأكثر من 60 في المائة من الغاز الطبيعي الذي تنتجه مصر يذهب لاستهلاك الكهرباء، بينما تستورد المازوت بـ3 أضعاف قيمته الحقيقية في السوق المحلية، وبرغم ذلك، لا تزال بحاجة إلى كميات أخرى من الغاز والمازوت لتشغيل المخابز ومحطات الكهرباء.

الدعم مستمر ولن يتناقص

"رغيف الخبز سيظل مدعوماً، ولكن يجب تحريك سعره بما يتناسب مع الزيادة الكبيرة في الأسعار"، بحسب المتحدث باسم الحكومة المصرية المستشار محمد الحمصاني، للميادين نت.

الحمصاني، أكد أن الحكومة تدرس تحويل الدعم العيني إلى نقدي للأسر المستحقة، وأن الدولة ستظل ملتزمة بالدعم، ولا سيما السلع الأساسية، وأن ما يجري هو محاولة لترشيد هذا الدعم فقط.

وبالنسبة إلى أسعار السولار، يقول إنها ستظل مدعومة "لكن أسعار المنتجات البترولية الأخرى يجب أن تشهد توازناً في نهاية 2025، كما أن فاتورة الدعم المقدمة من الدولة إلى المواطنين للسنة المالية المقبلة تبلغ 636 مليار جنيه (1 مليار و356 مليون دولار) بزيادة 20 في المائة عن العام الحالي".

من جهته، يقول حسن الصادي، أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، للميادين نت، إن رفع الدعم عن الخبز في ظل التضخم المرتفع الذي يعاني منه الاقتصاد المصري والمواطن المصري غير مستحب، لأنه سيسهم في موجة كبيرة من رفع الأسعار في العديد من المنتجات والخدمات، برغم قرار تحويل الدعم العيني إلى نقدي.

في المقابل، اعتبر نادر نور الدين، أستاذ الزراعة في جامعة القاهرة، أن الحكومة المصرية خفّضت وزن رغيف الخبز المدعم لعدة مرات خلال السنوات الماضية فبعد أن كان 160 غراماً وصل إلى أقل من 90 غراماً حالياً، وهو نوع من تقليل الدعم بنسبة 25 في المائة.

ويضيف نور الدين، للميادين نت: "تم كذلك تخفيض نوعية دقيق الخبز، وهو ما يعني تخفيض الدعم بشكل آخر".