صرخة من حمص.. أوقفوا استهداف المعلمين والعنف الطائفي

اغتيال المعلمة رهام حمودة في حمص بعد إلقاء قنبلة على منزلها يكشف تصاعد الاستهداف الطائفي ضد الكوادر التربوية، وسط عجز أمني متزايد. وتأتي الجريمة تأتي ضمن سلسلة اعتداءات ممنهجة على المعلّمين، ما يثير مخاوف من تفريغ المدينة من رموزها التعليمية.

0:00
  • صرخة من حمص.. أوقفوا استهداف المعلمين والعنف الطائفي
    صرخة من حمص.. أوقفوا استهداف المعلمين والعنف الطائفي

قُتلت المعلمة رهام حمودة في مدينة حمص بعد أن ألقى مجهول قنبلة يدوية على منزلها في ضاحية الوليد مساء الجمعة 24 تشرين الأول/أكتوبر، لتُفارق الحياة في لحظة، تاركة خلفها عائلة مفجوعة وطفلين أصبحا يتيمين في ظل تغييب والدهم داخل السجون، وزملاء في القطاع التربوي يعيشون رعباً متصاعداً من استهدافٍ بات يحمل ملامح تمييزٍ طائفيٍّ ممنهج. 

رهام، وهي مُعلّمة معروفة بين زميلاتها بحُبّها لمهنتها واستقامتها، كما وصفوها في منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي، كانت قد تعرضت سابقاً للطرد من منزلها ضمن حملة غير معلنة لإخلاء منازل مملوكة لعائلات من الطائفة العلوية، قبل أن تتمكن مؤخراً من استعادته بقرار إداري. 

لكن فرحتها لم تدم طويلاً؛ إذ عاد المعتدون ليثبتوا أن رسائل التهديد السابقة لم تكن عبثية، وأن الرعب أصبح وسيلة لفرض واقع جديد.

وبحسب إفادات مصادر محلية، فإنّ زوج رهام وهو ضابط مهندس معتقل منذ إعلان سقوط النظام في سوريا قبل أقلّ من عام، وكان من المتوقّع أن تزوره في السجن المركزي بحمص صباح اليوم التالي لاغتيالها.

ولم تكن جريمة قتل رهام هي الأولى؛ فقد سبقها قبل أسابيع اغتيال معلمة أخرى أمام مدرستها في حي الأرمن، في مشهدٍ ترك صدمة بين التربويين وأثار تساؤلات حول عجز السلطات المحلية عن حماية الكوادر التعليمية التي أصبحت هدفاً معلناً في سياق التصعيد الطائفي.

وأجمعت شهادات لسكان في مدينة حمص على أنّ ما يجري في أحياء المدينة من تهديدات متكررة لعائلات علويّة وعمليات طرد واستيلاء على المنازل يحمل طابعاً منظماً، إذ تُستخدم لغة العنف والخوف لإجبار العائلات على الرحيل وترك بيوتها لما يُعرف محلياً باسم "البدو" أو مجموعات منفلتة.

وفي الأسابيع الأخيرة، توسّعت رقعة الاستهداف لتطال كوادر تعليمية أخرى. فقد تمّ توثيق اعتداء على مديرة مدرسة في حي البياضة وتهديد أخرى داخل المدرسة نفسها، في حوادث كشفت حجم الانفلات الأمني وضعف القوانين الرادعة.

وهذه الحوادث المتكررة لا يمكن النظر إليها فقط كجرائم فردية، بل كمؤشر على انهيار الشعور بالأمان لدى المعلمين، الذين باتوا يؤدّون رسالتهم التربوية في ظل خوف دائم من الاستهداف. فالمعلم في حمص اليوم لا يخاف فقط على نفسه، بل على طلابه أيضاً؛ إذ تحولت المدرسة من رمز للعلم إلى ساحة قلق، يختلط فيها صوت الجرس بصوت الانفجار أو الصراخ.

ومع تصاعد موجة العنف، لم يعد الخوف حكراً على طائفة بعينها. فالمعلمون من مختلف المكونات الدينية والطائفية باتوا يشعرون بالخطر نفسه، بعد أن تجاوزت الاعتداءات حدود الانتماء، لتصبح استهدافاً عشوائياً لكل من يعمل في التعليم.

بات الجميع يتحسّس الخوف ذاته من انتشار الجماعات المتشددة بين الأحياء والمدارس، تعمل تحت مسميات مختلفة، لكنها تشترك في هدف واحد: تفريغ المجتمع من رموزه التربوية وإسكات صوت التعليم الذي يوحّد ولا يفرّق.

تقول إحدى المعلمات – رفضت الكشف عن اسمها – إن "كل يوم دراسي بات اختباراً للأعصاب. ندخل الصفوف ونحن نحمل في صدورنا الخوف من المجهول، ونتساءل بصمت: هل نعود إلى منازلنا اليوم؟".

هذا الجانب الإنساني المهمل هو ما يجب أن يُطرح بقوة أمام الرأي العام: فاستهداف المعلمين لا يقتل الأفراد فقط، بل يضرب روح التعليم ويزرع الخوف في قلوب الأطفال الذين يفقدون الثقة بالمدرسة كمكان آمن. إنّ كل تهديد لمعلم هو تهديد لجيل كامل، وكل صمت على الجريمة هو مشاركة في استمرارها.

وفي صرخة إلى الرأي العام، دعا ناشطون ألا يمر ما حدث للمعلمة رهام كخبرٍ عابر.

إنها صرخة ضمير للمنظمات الحقوقية، والنقابات التربوية، والمؤسسات الحكومية: حماية المعلمين واجب وطني وأخلاقي، والسكوت على استهدافهم يعني قبولاً ضمنياً بسياسة التهجير القسري والتطهير الطائفي التي تُهدد نسيج المدينة ومستقبلها.

وأمام هذا الواقع المرير، يطالب الأهالي والمعلمون في حمص بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف ملابسات الجرائم التي طالت الكوادر التربوية ومحاسبة الجناة مهما كانت انتماءاتهم، مع تفعيل دور الشرطة المحلية السابقة من العناصر المشهود لهم بالنزاهة والخبرة، وإبعاد كل من يثبت تورطه أو تستّره على الجرائم.

فالمعلم الذي يُقتل أو يُهدد اليوم، لا يخسر حياته فقط، بل يُطفئ شمعة في طريق المعرفة كانت تُنير درب أطفالٍ يحلمون بوطنٍ مختلف، أكثر عدلاً وأمناً وإنسانية.

اخترنا لك