"إسرائيل": ماذا تبقى من "عقائد" الحروب مع لبنان؟

يشير سير المعارك التي حصلت على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى أن الادعاءات الإسرائيلية بالتفوق وتأمين الظروف الأمثل للانتصار كانت "تقديراً خاطئاً"، وأن الردع الإسرائيلي لم يتحقق.

  • فشل الاستعدادت الإسرائيلية للحرب.
    فشل الاستعدادت الإسرائيلية للحرب.

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن "مقترح إسرائيلي" من 3 مراحل يشكل خارطة طريق لإنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن. تتضمن المرحلة الأولى المقترحة هدنة لمدة 6 أسابيع وانسحاب "إسرائيل" من غزة والإفراج عن الرهائن وجثامين المتوفين منه، وتشهد المرحلة الثانية إطلاق سراح بقية الرهائن، بما في ذلك الجنود، ووقفاً دائماً لإطلاق النار، فيما تتعلق المرحلة الثالثة بما بعد الحرب وإعادة الإعمار.

وأكد بايدن أيضاً أنَّ الولايات المتحدة ستساعد في صياغة حل على الحدود اللبنانية يسمح بعودة سكان المناطق المهددة شمال "إسرائيل" إلى بيوتهم.

وفي المجال الأخير، أي الملف اللبناني الذي لم يتحدث عنه بايدن بالتفصيل في خطابه، كان مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط آموس هوكستين قد كشف في لقاء مع مركز كارنيغي في وقت سابق عن التصور الأميركي للحل في لبنان ولمرحلة ما بعد حرب غزة، وذلك على الشكل التالي: 

"البداية ستكون بالسماح لسكان المجتمعات الشمالية في إسرائيل بالعودة إلى منازلهم، ولسكان المجتمعات الجنوبية في لبنان بالعودة إلى منازلهم"، وذلك يتطلب -بحسب هوكستين- "تعزيز القوات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك التجنيد وتدريب القوات وتجهيزها". أما المرحلة الثانية، فستشمل حزمة اقتصادية للبنان. وقد وعد هوكستين بحلّ أزمة الكهرباء، على أن يكون اتفاق الحدود بين لبنان وإسرائيل في المرحلة الأخيرة".

ويلاحظ في الاقتراحات التي قدمها كل من بايدن ومستشاره هوكستين أن الأهداف الإسرائيلية المعلنة حول القضاء حماس، وعلى إبعاد حزب الله عن الحدود لعدة كيلومترات لإقامة منطقة عازلة داخل الحدود اللبنانية، سواء عبر اجتياح عسكري أو تفاهم دبلوماسي، كما توعد العديد من القادة الإسرائيليين، وحتى المبادرة الفرنسية التي تريد أن تعطي اليونيفيل القدرة على الدهم والتفتيش ونزع السلاح... كل هذه الأفكار والمبادرات والتهديدات الإسرائيلية باتت جزءاً من  الماضي، ولا يبدو أن المقترح الأميركي -بالتنسيق مع "إسرائيل"- يحمل في طياته أياً من تلك الأهداف. 

وهكذا، وفي حال نجح المفاوضون في التوصل إلى اتفاق هدنة في غزة، وهدأت معها الحرب على الحدود الجنوبية اللبنانية، تكون أولى خسائر إسرائيل في حربها مع لبنان سقوط العديد من المفاهيم والعقائد الحربية التي استمر الإسرائيليون في مراكمتها منذ حرب تموز 2006، وهي على الشكل التالي:

فشل الاستعدادت الإسرائيلية للحرب

انطلاقاً من مبدأ شهير أطلقه كلاوسفيتز، وهو "على الجيش أن يكون دائماً في أحد وضعين: إما في حالة حرب وإما في حالة الاستعداد لها"، قام الإسرائيليون منذ ما بعد حرب تموز/يوليو 2006 بتحضير أنفسهم وجيشهم للمعركة القادمة.

وعلى هذا الأساس، عمل "الجيش" الإسرائيلي على استخلاص العِبر وترميم الفجوات العسكرية والسياسية التي أوصت بها لجنة فينوغراد لاستعادة ثقة الجمهور بالجيش وقدراته وتطوير القدرات لمواجهة متوقعة مع حزب الله.

 وإضافة إلى المناورات العسكرية السنوية التي استعدوا لها بعنوان "الغولاني مقابل الرضوان"، كان الإسرائيليون يراهنون على التفوق التكنولوجي وسلاح المسيرات المتطورة. وبالرغم من كل الاستعدادات، كشفت الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله أن الأخير استعد بشكل جيد أيضاً لهذه المعركة، وراكم الخبرات والتقنيات التكنولوجية، فقام بتعطيل الرادارات وتعطيل فعالية القبة الحديدية، وأسقط الطائرات المسيّرة الاستعدادات، وضرب أهدافاً عسكرية في العمق وعلى الحدود مع لبنان.

عقيدة "المعركة بين الحروب"

منذ عام 2013، بدأ الإسرائيليون يقصفون أهدافاً لحزب الله وإيران في سوريا، معلنين أنهم يطبقون مبدأ "المعركة ما بين الحروب" لتحقيق أهداف ثلاثة هي: منع تعاظم قدرات العدو، والتشويش على أنشطة العدو بما يعطّل قدراته وخططه لشن عمليات ضد "إسرائيل"، والردع بحيث يستوعب الأعداء مقدار الأخطار في حال فكروا في شنّ هجوم على إسرائيل.

وكان تطبيق هذه الاستراتيجية يتراوح بين حدّين: الحد الأول هو تقويض قدرات العدو وضربه، والحدّ الثاني هو عدم تفجير الأوضاع بشكل يؤدي إلى حرب مفتوحة، ولا الوصول إلى مواجهة عسكرية مباشرة.

وفي هذا السياق، يقول غادي أيزنكوت وغابي سيبوني (جنرالان سابقان في الجيش الإسرائيلي) في مقال لهما نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى عام 2019، أن أحد أهداف "الحملة بين الحروب" هو "تأمين الظروف المثلى لـ"الجيش الإسرائيلي" إذا نشبت الحرب في النهاية"، وزعما في المقال أن هذه العقيدة نجحت في تكريس "تفوّق إسرائيل العسكري في الشرق الأوسط، وعززت بشكل كبير قوة الردع الإسرائيلية ضد أعداء البلاد في المنطقة، وقللت من التهديدات المحدقة بالدولة ومواطنيها، وحسّنت قدرات "الجيش الإسرائيلي". 

عملياً، يشير سير المعارك التي حصلت على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى أن الادعاءات الإسرائيلية بالتفوق وتأمين الظروف الأمثل للانتصار كانت "تقديراً خاطئاً"، وأن الردع الإسرائيلي لم يتحقق، بدليل أن حزب الله، وفي كثير من الأحيان، لم يكتفِ بالرد الدفاعي، بل قام بالهجوم على المواقع الإسرائيلية، وسُجّل لأول مرة على الحدود اللبنانية أنَّ طائرات هجومية أغارت على مواقع إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، في تطور لافت سوف يدرس الإسرائيليون تداعياته ورسائله لفترة طويلة قادمة بعد انتهاء هذه الحرب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.