احتلال تركيا!

يدرك الرئيس إردوغان حجم السخط لدى فئات واسعة من المجتمع التركي، التي أصبحت تتغذى على الخطاب التحريضي لبعض أحزاب المعارضة.

  • لا يكاد يمرّ يوم في تركيا من دون أن يشهد حادثاً ما يتعلّق باللاجئين.
    لا يكاد يمرّ يوم في تركيا من دون أن يشهد حادثاً ما يتعلّق باللاجئين.

لا يكاد يمرّ يوم في تركيا من دون أن يشهد حادثاً ما يتعلّق باللاجئين، فيتصدّر الخبر الصحف والمواقع الناطقة بالتركية، ويزداد القلق لدى كل من هو غير تركي، أكان عربياً أم "شرقياً" يقطن في هذا البلد.

ساهمت الخطابات الانتخابية الشعبوية التحريضية في جعل ملف اللاجئين على صفيح ساخن، فأصبح كالشمّاعة تُعلَّق عليه أزمات تركيا الاقتصادية والمالية كما الاجتماعية، فبتنا نسمع أن اللاجئين هم من جرّد الأتراك من ممتلكاتهم، وهم من يعملون على تدمير الثقافة التركية، وهم من يحاولون "تعريب" تركيا بعد أن تمّ تتريكها منذ سنوات خلت.

هل يمكن إطفاء نيران العنصرية المتقدة في تركيا؟

الانتقادات الموجّهة إلى الحزب الحاكم، العدالة والتنمية، لا تكاد تتوقّف، وبعض هذه الانتقادات محقّ. فرئيس البلاد رجب طيب إردوغان وحزبه هما من فتحا حدود تركيا على مصراعيها عقب اندلاع الحرب في سوريا وعليها، في محاولة للاستفادة من الدفق السوري في أكثر من اتجاه سياسي وغير سياسي.

اليوم يدرك الرئيس إردوغان حجم السخط لدى فئات واسعة من المجتمع التركي، التي أصبحت تتغذى على الخطاب التحريضي لبعض أحزاب المعارضة، كحزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، وأحزاب اليمين كحزب النصر. فتوجّه إلى من وصفهم "بأصحاب العقلية الفاشية" بأنه "لن يقبل مطلقاً أن يطال أيّ شخص سوء بسبب أنه أجنبي، أو يتحدث لغة مختلفة، أو بسبب الحجاب واللحية، أو أيّ شيء آخر، وكلّ من يتورّط في الإساءة لأحد سيعاقب".

لا نعرف إن كان في كلام الرئيس إردوغان تدشين لهجمة مضادة ضد العنصريّين ومن يقفون خلفهم، ولكن ما نعرفه أن الدستور التركي ذكر مبدأ المساواة أمام القانون "من دون أي تمييز على أساس اللغة أو العرق أو اللون أو الجنس، أو الفكر السياسي أو المعتقد الفلسفي أو الدين أو المذهب"، ما يعني أن باب المحاسبة مفتوح إذا أريد ذلك.

هذه الظاهرة قديمة جديدة-إذ لا يمكن إغفال التاريخ المحتقن بين العرب والأتراك– العثمانيين، فما كان يقال من قبل الصغار قبل الكبار حول "خيانة" العرب لهم في الحرب العالمية الأولى، أصبح اليوم يترجم أفعالاً عنفيّة، من شأنها أن تضع تركيا وأمنها في خطر، وهذا ما بدأنا نسمعه ونقرأه.

وجهتا نظر

في صحيفة "دايلي صباح" المقرّبة من الحكومة يقول الكاتب برهانتين دوران بأنه يتعيّن "على تركيا رفع مستوى الوعي حول كراهية الأجانب، من دون أن نتساءل ما إذا كان مثل هذا الجهد من شأنه أن يساعد الحكومة أو المعارضة". وأضاف "أن هناك حاجة إلى موقف مشترك بين السياسيين وعلى مستوى المجتمع المدني، فكراهية الأجانب من شأنها أن تلحق أضراراً جسيمة بالأمن القومي لتركيا، والسلام الداخلي والديمقراطية والاقتصاد وصناعة السياحة والسياسة الخارجية والسمعة الدولية".

دوران وإذ أشار في مقاله إلى "أن ما يحصل اليوم يهدّد بإلغاء الوقت والطاقة التي استثمرتها البلاد في الدبلوماسية الإنسانية والمساعدات الخارجية والقوة الناعمة"، رأى وجوب اتخاذ خطوات للحد من تدفّق طالبي اللجوء والهجرة غير النظامية، إضافة الى تدابير تتعلق بإعادة المواطنين السوريين إلى وطنهم، وترحيل المهاجرين غير الشرعيّين".

الخطاب الآخر ووجهة النظر الأخرى نقلها رحمي طوران في صحيفة "سوزجو" المعارضة، الذي كتب تحت عنوان "كان من الضروري وقف احتلال اللاجئين". ومما قاله طوران: "حتى الأعداء لم يلحقوا الضرر بتركيا كما فعل اللاجئون، فقد تحوّلت تركيا إلى مستودع للاجئين".

وأضاف "بأن الأمر لا يقتصر على اللاجئين السوريين والأفغانيين بل هناك العراقيون والأفارقة والباكستانيون والبنغلادشيون في كل أنحاء البلاد، وفاق عددهم في بعض المناطق عدد الأتراك ما يعني تغييراً ديمغرافياً".

لم يتوقّف دوران عند حدّ دقّ ناقوس الخطر إنما تعدّاه وصولاً الى إثارة مخاوف مستقبلية، فتابع يقول "إن معدّل الخصوبة لديهم أعلى بثلاث إلى أربع مرات من معدل الخصوبة لدى الأتراك، لذا تخيّلوا كيف سيكون مستقبل تركيا. علينا ألّا نخدع أحداً، فاللاجئون دائمون في تركيا ومن وصل إليها لن يغادر".

لجوء أم احتلال!

دخل ملف اللاجئين وتحديداً السوريين منهم ميدان البازار السياسي بقوة، وهذا ما يفسّر تقدّمه على غيره من الملفات عند كل استحقاق انتخابي (الانتخابات البلدية على الأبواب في آذار/مارس من العام 2024). لا شك أن اللجوء قد زاد من الأعباء الدولة التركية، ولكن أن يُقال عن احتلال وتغيير ديمغرافي وثقافي لمجرد وجود 5 ملايين أجنبي في بلد (وفق إدارة الهجرة التركية) وصل عدد سكانه إلى 85 مليوناً، ففي ذلك مبالغة لا تصدّق.

وعلى أثر هذه المبالغة بدأت الأمور تخرج عن السيطرة في تركيا، فخروج الناس بدلاً من قوات الأمن، ومضايقة أيّ أجنبي تحت ذريعة "لاجئ"، يؤشّر على عدم احترام الدولة، وعدم الثقة بإجراءاتها وتدابيرها وعدالتها في حل الأزمة، لأن أقصى ما يجب على الناس القيام به في دولة يحكمها القانون والمؤسسات، هو ممارسة الضغط على الحكومة للوصول إلى المطلوب.

الأمر الآخر، وهو ما من شأنه أن يضرّ بالسلم الداخلي وبتركيا السياحية وبالتالي اقتصادياً، هو عدم قدرة المعتدين على التمييز بين من هو لاجئ أو مهاجر غير نظامي، وبين من هو سائح أو حتى مواطن تركي.

قد تحمل بعض الخطوات والخطابات السياسية بعض المسؤولين لشغل مناصب رفيعة في الدولة، ولكنّ السؤال الأساس هو لأي دولة وأيّ مجتمع؟