اشتباك ترامب – زيلينسكي: مرآة الخلاف العمودي والأفقي داخل الغرب الجماعي
ليس الموقف تجاه روسيا وحده ما يقسم الغرب، بل عدد من الأمور الإشكالية، التي ترى إدارة ترامب أنها استغلال للولايات المتحدة من جانب حلفائها، وأن الحلفاء يقومون بتنمية دولهم على حساب الولايات المتحدة.
-
من الصعب على أوكرانيا الاستمرار في حربها مع الروس من دون الدعم الأميركي.
تابع العالم الاشتباك الكلامي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، والذي عكس عمق الخلاف بين وجهة نظر أوكرانيا، ومعها عدد من دول الغرب، ووجهة نظر الولايات المتحدة بشأن مصير الحرب الأوكرانية، وما يمكن أن ينتج من هذه الاختلاف من تعميق الأزمات داخل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
كان واضحاً من المواقف المتشنجة للرئيس الأوكراني، الذي بادر الى الاشتباك ومساءلة جي دي فانس عن المسار الدبلوماسي الذي يدعو إليه الأميركيون، أن زيلينسكي قادم الى الولايات المتحدة، لا ليسير وفق ما يريده ترامب، بل ليؤكد المواقف، التي أعلنها القادة الأوروبيون، الذين زاروا واشنطن مؤخراً، ويبدو أنه كان تلقّى جرعات من الدعم الأوروبي قبل وصوله، وإلا لما تجرأ على الاشتباك مع ترامب في البيت الأبيض، وأمام الصحافة العالمية.
وهكذا، انتقل الخلاف الأطلسي - الروسي الى خلاف أفقي وعمودي داخل الغرب الجماعي، وداخل حلف شمال الأطلسي نفسه.
خلاف ضمن الغرب الجماعي
ليس الموقف تجاه روسيا وحده ما يقسم الغرب، بل عدد من الأمور الإشكالية، التي ترى إدارة ترامب أنها استغلال للولايات المتحدة من جانب حلفائها، وأن الحلفاء يقومون بتنمية دولهم على حساب الولايات المتحدة، التي تقوم بالصرف على أمنهم وأجنداتهم العالمية.
واقعياً، هذا الخلاف هو استكمال لمسار إشكالي عبّر عن نفسه خلال فترة ترامب الأولى، وحيث احتفل الرئيس السابق، جو بايدن، خلال لقائه الأول مع الأوروبيين بعد انتخابه رئيساً، بالقول "لقد عادت أميركا America is back".
ومنذ عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض بموجة حمراء جمهورية، عاد الخلاف داخل الغرب الجماعي، عبر إعلان ترامب رغبته في السيطرة على غرينلاند، وتحويل كندا الى الولاية الـ51 ضمن الولايات المتحدة الأميركية، وفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك، وعلى عدد من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، لأن الجميع يستفيد من الولايات المتحدة ومن خسارتها الاقتصادية، كما يعتقد ترامب.
ويمتد الخلاف بين الحلفاء من الأمن الى ما يسميه الأميركيون "القيم الديمقراطية وحرية التعبير"، والتي تمتد لتطال الشركات الأميركية، وليس فقط المواطنين في أوروبا، كما عبّر نائب الرئيس الأميركي فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن.
وبعد تنصيب ترامب، سارع الاوروبيون الى عقد قمم طارئة للبحث في إشكالية الأمن الأوروبي في حال قرر ترامب التراجع عن المظلة الأمنية، التي يوفرها الأميركيون للقارة. ومن المقرر عقد قمة رئيسة أخرى في لندن، يستضيفها رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر. سيجتمع أكثر من إثني عشر زعيماً أوروبياً وأوروبياً، بمن في ذلك زيلينسكي، لحضور اجتماع يهدف إلى دفع العمل بشأن أوكرانيا والأمن الأوروبي الشامل.
الانقسام الأفقي داخل أوروبا نفسها
مباشرة، بعد الاشتباك بين زيلينسكي وإدارة ترامب، أدلى عدد من الزعماء الأوروبيين، ومعهم رئيس وزراء كندا ومسؤولون في حلف شمال الأطلسي، بتصريحات داعمة لزيلينسكي وأوكرانيا، من دون تسمية ترامب أو الأميركيين صراحة.
وعبّرت كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، عن دعم زيلينسكي في مواجهة ترامب، بالقول إن "أوكرانيا هي أوروبا! نحن نقف إلى جانب أوكرانيا. وسنكثف دعمنا لأوكرانيا حتى تتمكن من الاستمرار في محاربة المعتدي". وأضافت: "اليوم، أصبح من الواضح أن العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد. الأمر متروك لنا، نحن الأوروبيين، لقبول هذا التحدي".
وفي حديث مباشر إلى زيلينسكي، كتبت أورسولا فون دير لاين، رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي: "كرامتك تكرم شجاعة الشعب الأوكراني. كن قوياً، كن شجاعاً، كن بلا خوف. أنت لست وحدك أبداً". وأضافت: "سنواصل العمل معك من أجل سلام عادل ودائم".
في المقابل، يتسرب الانقسام أيضاً الى داخل اليمين الأوروبي، ففي حين يقف عدد من مسؤولي اليمين الأوروبيين، مثل رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، ورئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، الى جانب ترامب، وقف اليمين السويدي الحاكم الى جانب زيلينسكي.
واقترحت رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني "قمة فورية" بين الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين "للتحدث بصراحة عن الكيفية التي نعتزم بها مواجهة التحديات الكبرى اليوم، بدءاً بأوكرانيا". وحثت الغرب على البقاء متحداً.
في المحصلة، من الصعب على الأوروبيين وعلى أوكرانيا الاستمرار في حربهم مع الروس من دون الدعم الأميركي. فإذا قرر ترامب التخلي عن الدعم العسكري لأوكرانيا وتخفيف العقوبات على روسيا، فسيكون الاتحاد الأوروبي أمام مازق كبير لم يشهده منذ الحرب العالمية الثانية.