ضمانات المقاومة في كبح جماح الحرب على غزة
يتلبد فضاء غزة بنكث الوعود والعهود، وهذا المتوقع إسرائيلياً، ولكن في أتون هذا الواقع ثمة ضمانات نسبية قد تؤدي إلى وقف الحرب بالفعل وإن لم تؤدّ إلى وقف الاعتداءات والاغتيالات والعمليات الخاطفة وربما اليومية بالمطلق.
-
يتلبد فضاء غزة بنكث الوعود والعهود.
يصعب الجزم بتوفر ضمانات مؤكدة تلزم الكيان الإسرائيلي، بوقف فعلي للحرب على غزة، وهو الوقف الذي نصت عليه خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي حظيت بدعم عالمي واسع، وهو ما تأكد بعد الرد الذي تقدمت به حركة حماس بعد موافقة القوى الفلسطينية وخاصة حركة الجهاد، ثم قبول ترامب السريع لهذا الرد على ما فيه من تجاهل للألغام التي غصت بها تلك الخطة وخاصة لغم سحب سلاح غزة.
قبل ترامب رد حماس، وصرح بأنه على "إسرائيل" وقف قصف غزة فوراً، لكن "إسرائيل" تتذرع منذ يوم السبت حتى الآن بأنها في موقف دفاعي، تطلب القصف من دون الزحف، وهو القصف الذي تسبب يوم السبت بعد تصريح ترامب باستشهاد 70 مدنياً في غزة، وفي اليوم التالي 19، ثم الذي يليه 12، وإن عكس هذا المنحنى حتى اللحظة تراجعاً في عدد الضحايا، إلا أنه أكد عدم الالتزام الإسرائيلي التام بوقف العدوان، ما يشير إلى طبيعة المرحلة المقبلة في فضاء اليوم التالي لوقف الحرب.
اعتاد نتنياهو الكذب منذ بداية حرب الإبادة، وجاراه ترامب في أكاذيبه إن لم يكن قد سبقه، في واقع عالمي مختل الموازين، لا احترام فيه للمحاكم الدولية وقراراتها التي جرّمت نتنياهو وحكومته، وفي واقع عربي إسلامي خاضع للإجرام الأميركي، إلا ما كان من إيران وحزب الله وأنصار الله والحشد، لذا استبيح دمهم وحوصروا ثم قُصفوا بتواطؤ عالمي وعربي وإسلامي، لأنهم أسندوا ظهر غزة بطهر دماء أبنائهم.
ليس ثمة ضامن مؤكد لوقف الحرب في عالم بات ينظر إلى الخداع باعتباره بطولة، في حرب يقاتل فيها الإسرائيلي بدعم كامل من الأميركي والغربي، ثم يزعم الأميركي أنه وسيط يقدم مبادرة للسلام في غزة، ويهرع الشرق والغرب لتأييد مبادرته، ولا تجد غزة مفراً من التعاطي مع مبادرة كهذه طمعاً بوقف الإبادة في أهلها، لذا وافقت أن تكون المرحلة الأولى في عملية تبادل للأسرى، وقد نجح نتنياهو في تجاوز ملف الأسرى طوال عامين، ما جعل هذا الضاغط يتآكل خاصة أن احتمال مقتل الأسرى الإسرائيليين وارد أمام هول القصف، وعندها ستضيع فرصة مئات الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام المؤبدة للتحرر، كما أن إغلاق هذا الملف ينزع من يد نتنياهو ذريعة يواصل الحرب لأجلها، وإن لم يعدم الذرائع خاصة نزع السلاح والذي ورد في مبادرة ترامب، من دون أن توافق عليه حماس في ردها، وإن ظهر استعدادها للتعاطي في ذلك مع حكومة فلسطينية من المستقلين تدير غزة مؤقتاً.
يتلبد فضاء غزة بنكث الوعود والعهود، وهذا المتوقع إسرائيلياً، ولكن في أتون هذا الواقع ثمة ضمانات نسبية قد تؤدي إلى وقف الحرب بالفعل وإن لم تؤدِّ إلى وقف الاعتداءات والاغتيالات والعمليات الخاطفة وربما اليومية بالمطلق، وهذه الضمانات هي:
أولاً: ما نصت عليه خطة ترامب في جوهرها العام من وقف للنار عندما تبدأ عملية تبادل الأسرى، وإن نصت أيضاً على نزع السلاح، ولكن رد حماس لم يشر إلى نزع السلاح، في وقت قبل فيه صاحب الخطة وهو ترامب برد حماس، وإن جاء رد نتنياهو أنه يقبل تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب، ليشير بعدها إلى أن المرحلة الثانية هي نزع السلاح بمشاركة "إسرائيل"، وهو ما جعله يستجلب صمت بن غفير وسموتريتش ولو إلى حين.
ثانياً: كلمة الوسطاء وخاصة الرئيس التركي إردوغان، في ظل تأكيد ترامب لدوره الضاغط على حماس لقبولها الخطة، ومشاركة وفد تركي في اللقاء مع حماس بعد عودة الزعماء العرب والمسلمين من واشنطن وتأييدهم الصريح والمطلق للخطة، وأيضاً قطر ومصر والعالم، على الرغم من أنه يمكن إسكات هؤلاء خاصة مع تأكد دورهم السلبي طوال الحرب، والذي حال دون استخدامهم لما يملكون من أوراق ضغط على "إسرائيل"، بل مواصلتهم تقديم الدعم لها في مجالات متعددة باتت مكشوفة أمام شعوبهم، فإن سكتوا مجدداً في حال تجدد الحرب على غزة، فإن هذا كفيل بخسارة مكانتهم كوسطاء، وكفيل بفضح نهائي لكل الشعارات التي أطلقوها طوال الحرب.
ثالثاً: الوضع الداخلي الإسرائيلي، على الرغم من حرص نتنياهو على مواصلة الحرب لما تحمله من تأجيل المساءلة عن دوره في الفشل الاستراتيجي أمام هجوم السابع من أكتوبر، إلا أن هناك حقيقة قاطعة بتعاظم النزيف الإسرائيلي الداخلي وهو ما دفع نتنياهو إلى الإعلان عن ضرورة تحول "إسرائيل" نحو النموذج الإسبرطي في الاقتصاد العسكري واعترافه بتعاظم عزلة كيانه.
رابعاً: قدرة المقاومة على إيلام جيش الاحتلال رغم ما خسرته في الأرواح والمعدات والحواضن الشعبية، وهي قدرة نوعية لم تتراجع إلا في مديات الصليات الصاروخية، في وقت ظل عدّاد الخسائر البشرية في جيش الاحتلال بين مد وجزر، مع نجاح المقاومة في تعويض خسائرها في المقاتلين.
خامساً: تآكل مبررات الحرب على الصعيد الداخلي في ظل تصاعد أغلبية المؤيدين لوقف الحرب مقابل صفقة، حتى داخل حزب الليكود الحاكم، فكيف والحال أن هذا الوقف جاء ضمن خطة أميركية من رئيس أميركا الأكثر إخلاصاً لـ"إسرائيل" من نفسها؟
سادساً: تصاعد نذر الحرب مع لبنان وإيران واليمن وسوريا، حيث ثمة أهداف يتوقع نتنياهو قدرته على تحقيقها في نزع سلاح حزب الله والانتصار على إيران، وإقامة كيان درزي في سوريا مع إخضاع النظام هناك لاتفاق أمني جديد، وتجاوز المخاطر الآتية من اليمن، وهو ما يتطلب دعماً أميركياً وأوروبياً وعربياً، فيما أن مواصلة الحرب على غزة تنغّص ذلك، وإن بشكل نسبي، ولكنها نسبة تعاظمت بعد قبول الطرفين خطة ترامب.
سابعاً: تصاعد عزلة "إسرائيل" دولياً، وقد أخذ هذا التصاعد يتجاوز المكانة لما هو مطاردة الإسرائيليين في كل أوروبا كمجرمي حرب، خاصة بعد التنكيل بالمتضامنين في أسطول الصمود لكسر الحصار على غزة، والحال بعد خطة ترامب وما تنص عليه من وقف للحرب، أن هذا التصاعد سيكسب زخماً أوسع من ذي قبل ما يشكل ضغطاً أوروبياً وشعبياً وعالمياً يفاقم أزمات الكيان.
كل ما سبق منوط بتجاوز أزمة تبادل الأسرى، والتي يجري عليها التفاوض بشكل حثيث في القاهرة، والمتوقع نجاحها نظراً لاستعداد إسرائيلي للإفراج عن 250 أسير فلسطيني مؤبد، وإن يبقى من المتوقع إصرار فلسطيني على إطلاق كل الأحكام المؤبدة البالغة 289، خاصة مع محاولة إسرائيلية للاحتفاظ بقادة الأسرى مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعباس السيد، إضافة إلى مدى قدرة المقاومة على جمع الأسرى لديها في ظل خروقات وقف النار المتواصلة، ما يجعل تنفيذ المرحلة الأولى محل سؤال رغم ترجيحات تجاوزها.