غالانت يتوعد جنين وإيران بالمستوطنين

تعكس سياسة غالانت العسكرية ضد شمال الضفة وسلاح إيران، عبر شراذم المستوطنين غير المنضبطين، مستوى الاختناق الذي يشتد على الكيان.

  • يحاول غالانت تعزيز نفوذه داخل المعسكر اليميني.
    يحاول غالانت تعزيز نفوذه داخل المعسكر اليميني.

وقف وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، على تخوم مدينة جنين، شمال الضفة الغربية، معلناً استراتيجيته القتالية في مواجهة تدفق السلاح الإيراني إلى جنين وطولكرم، بما سمّاه "الفرق المتأهّبة" من المستوطنين.

 ما هي هذه الفرق؟ وكيف يمكنها مواجهة تصاعد المواجهات في شمال الضفة، خاصة مع ما سمّاه محاولات إيران تعزيز نفوذها التسليحي في المنطقة؟ وهل تهدف هذه السياسة إلى تشجيع اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين؟ وما علاقتها بمقترح سموتريتش إقامة مناطق عازلة حول المستوطنات؟ أم يريد غالانت الخروج بصورة نصر بعد تراجع حرب الظل الإسرائيلية ضد إيران، عقب هجومها الواسع في منتصف نيسان/أبريل الماضي؟

وصف غالانت هذه الفرق المتأهبة بفرق تدخل سريع لتوفير رد فوري عند الضرورات الأمنية، جاءت تصريحاته خلال جولة ميدانية أجراها في منطقتَي "غلبوع" و"عيمك همعينوت" شمال مدينة جنين، بحسب بيان صادر عمّا يسمّى "وزارة الدفاع الإسرائيلية"، وهذه الفرق عبارة عن قوة حراسة صغيرة على غرار الميليشيات المدنية المسلحة، يقودها عسكري مسؤول عن أمن بلدة أو مستوطنة معيّنة، ويتعيّن على هذه الفرق العمل بشكل سريع لمواجهة حدث أمني ما، إلى حين وصول قوات الدعم من قوات "الجيش" الإسرائيلي النظامية.

وهدفت الجولة الميدانية التي أجراها غالانت إلى "إجراء تقييم للوضع مع مسؤولي الجيش الإسرائيلي ورؤساء المجالس الإقليمية حول تعزيز عناصر الأمن في البلدات في مواجهة التهديدات المختلفة، مع التركيز على إطلاق النار من منطقة جنين".

وشملت جولة غالانت لقاء رئيسيّ المجلس الإقليمي "غلبوع وهمعينوت"، مشدّداً على "أهمية التعاون بين السلطات المحلية والجيش الإسرائيلي"، وأكد أن وزارة الأمن تعمل على تحسين عناصر الأمن المحلية من خلال شراء طائرات من دون طيار وتسليح "الفرق المتأهّبة" بأسلحة متطورة وإنشاء فرق التدخل وتجديد التعريفات والمحاور الأمنية.

وختم غالانت جولته بالقول: "أمام المساعي الإيرانية لإدخال الأسلحة والذخيرة من الشرق في اتجاه جنين، فإننا نبذل كل الجهود لوقف هذه المساعي وإحباطها ".

يحاول غالانت تعزيز نفوذه داخل المعسكر اليميني، باستغلال صلاحياته كوزير للحرب، بالمزايدة على الصهيونية الدينية، ومحاولة تجاوز الشعارات المتطرفة لابن غفير وسموتريتش، بإجراءات عملية منظّمة، أكثر تطرّفاً، يتبنّاها "الجيش" بشكل رسمي ومنهجي، خاصة أن الأمر يتعلق بمستوطنات أقيمت على تخوم الضفة داخل الأرض المحتلة عام 1948، ولكن غالبها أقيم بعد حرب أكتوبر 1973، ويعدّ سكانها وفق القانون الدولي "مدنيين إسرائيليين" وليس مستوطنين داخل الضفة الغربية يخضعون للحكم العسكري، رغم التداخل المقصود بين الجهتين في مشروع غالانت الجديد.

ويكفي لفهم طبيعة سياسة كهذه النظر إلى قرية جلبون الصغيرة، والتي وقف غالانت على مشارفها، شرق جنين على مسافة 15 كم، وهي محاطة بثلاث مستوطنات "معالي جلبوع، وميراف، والملك يشوع" والمقامة سنة 1976، وهي تعتلي الجبال المحيطة بالقرية الصغيرة بشكل مباشر ولصيق، وهي التي لا يصل عدد سكانها الأربعة آلاف فلسطيني، بحيث لا يتطلب الهجوم عليها سوى بضع دقائق، وقد تم تجريف مدخل القرية الوحيد، رداً على هجمات وقعت عبرها ضد المستوطنين، إضافة إلى هدم عدة مساكن بحجة أنها قريبة من المستوطنات، وترابط داخلها قوة دائمة من "الجيش" منذ شهرين.

يأتي مشروع غالانت هذا، بإقامة فرق التأهب من المستوطنين، في مواجهة جنين وطولكرم وسلاح إيران المتدفق فيهما، بحسب غالانت، مع تعزيزها بطائرات مسيّرة، وصواريخ مضادة للدروع، ليحقق عدة أهداف، مع جملة مخاطر، فما هي هذه الأهداف؟

أولاً؛ يتولى وزير المالية الإسرائيلي، سموتريتش، حقيبة الشؤون المدنية في وزارة الحرب، بما يعني مباشرة الشؤون المدنية في الضفة، وخاصة شؤون المستوطنين، لذا بادر بعد السابع من أكتوبر بأيام قليلة، للدعوة إلى إقامة مناطق عازلة للمستوطنات، بمعنى السيطرة على الأراضي الفلسطينية المحيطة، وربما تهجير سكان القرى المجاورة، وكان رد نتنياهو تشكيل لجنة لدراسة الأمر، بحيث يأتي مشروع غالانت الراهن في هذا السياق.

ثانياً، تشجيع المستوطنين، سواء في مستوطنات الضفة، أو الكيبوتسات الزراعية والتجمعات الإسرائيلية المحاذية للضفة من جهة الداخل المحتل عام 1948، على التوسع الأمني والمدني، عبر نشاط بؤر عسكرية (محلية) تبث الذعر في قلوب الفلسطينيين بما تملكه من مقدرات عسكرية وأمنية معززة بصلاحيات من "جيش" الاحتلال.

ثالثاً، التصدي للنفوذ الإيراني المتصاعد، بحسب غالانت، وهو اختراق إيراني داعم للمقاومة الفلسطينية، وخاصة كتيبة جنين، وما انبثق عنها من كتائب تتبع لسرايا القدس في مناطق طولكرم وطوباس والفارعة وجبع وكفر دان، وحتى نابلس وبلاطة، في ظل تهريب الأسلحة، أو مصادرة كميات منها، عبر نهر الأردن المحاذي لبيسان والأغوار، وما جاورها في جنين.

رابعاً، يعيش الكيان الإسرائيلي أزمة عميقة في الردع، يحاول جسرها عبر الوحشية في غزة والضفة، والاغتيالات في لبنان وسوريا، وكانت هذه الأزمة بلغت أوجها بعد هجوم الطوفان، وعناد غزة، وإسناد لبنان ثم تفاقمت بعد الردع الإيراني في منتصف نيسان/ أبريل الماضي، والذي ظهر فيه الكيان عاجزاً عن الرد ضد إيران، بعد أن قصفته على مدى سبع ساعات متصلة، لذا يحاول غالانت خلق حالة صراع مع سلاح إيران في الضفة، رغم أن الدعم الإيراني للمقاومة والكتيبة حقيقة ثابتة، بحسب كل المعطيات، فإن تسليط غالانت الضوء على هذا السلاح، وكأنه حالة منفصلة عن دعم إيران الدائم للمقاومة في غزة والضفة ولبنان واليمن والعراق، ربما يأتي بقصد مواجهة ميدان يزعم فيه الكيان أنه يحقق إنجازات عسكرية ضد إيران. 

في المقابل، ثمة مخاطر يحملها هذا المشروع الذي أطلقه غالانت ضد ما سمّاه سلاح إيران في الضفة، وهو في الحقيقة تسعير جنون المستوطنين ضد المزارعين الفلسطينيين، ومصالحهم وحياتهم اليومية، ثم هو سعي لاحتواء موجة المواجهة في شمال الضفة وهي موجة تدعمها إيران، باعتبار الحق الفلسطيني الأصيل، والتضامن الإيراني الإسلامي والإنساني بدعم هذا الحق، وأبرز مخاطر هذا المشروع الإسرائيلي:

أولاً، خلق ردود فعل فلسطينية شعبية واسعة، تتجاوز الكتائب شبه المنظمة، ما يعزز حواضن هذه الكتائب وخيارات صمودها، فالمواطن الفلسطيني العادي، سيجد نفسه مضطراً للدفاع عن حياته وحياة أسرته في مواجهة ميليشيا المستوطنين، وقد ركن ظهره إلى الحائط الأخير.

ثانياً، اتساع هامش حركة المستوطنين، ما يشجع غلاتهم على أخذ القانون بيدهم، سواء ما تعلق بالفلسطينيين أو الإسرائيليين، بحيث تنتشر الفوضى، التي تعزز خيارات المواطن الأصيل، على المدى البعيد، حتى لو كان هو الأضعف عسكرياً.

ثالثاً، خلق حالة من التراخي، في ظل تسليم "الجيش" أمن المنطقة لمجاميع استيطانية محدودة القوة والانضباط، مقارنة بـ"الجيش" الذي سيجد نفسه غير مضطر للتدخل إلا عند الأزمات، وهذا ربما يطور خطط كتائب المقاومة للسيطرة على المستوطنات النائية، عندما تجد نفسها في مواجهة مستوطنين يتحركون بإمكانات محدودة، خاصة عندما ينشغل "الجيش" بجبهات متعددة.

رابعاً، فتح آفاق جديدة لإيران نحو الصراع الميداني مع الكيان، داخل فلسطين، خاصة في مواجهة ميليشيات لا تخضع للقانون الدولي.

بالنتيجة، تعكس سياسة غالانت العسكرية ضد شمال الضفة وسلاح إيران، عبر شراذم المستوطنين غير المنضبطين، مستوى الاختناق الذي يشتد على الكيان، ما يفسر حالة التضارب وضيق الخيارات مع كل جبهة تتصاعد في الداخل وعبر الحدود.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.