كتاب "عاشق الكالسيوم"

كتاب عاشق الكاسيوم، هو سيرة ذاتية عن الشاب حسن فضل وقصته مع مرض نقص الكالسيوم.. فمن هو حسن؟ وكيف واجه هذا المرض النادر؟

اعداد: علي الديري

 

 

مرحباً بكم في بودكاست ورق، أحدّثكم في هذه الحلقة عن "عاشق الكالسيوم"، وهذا الكتاب هو سيرة ذاتية لحسن فضل مع مرض نقص الكالسيوم، كيف واجه هذا المرض؟ مَن هو حسن فضل؟ وما هي قصّته؟ 

حسن فضل هو شاب من مدينة جد حفص بالبحرين، وُلِد في العام 1982، يعاني من تصلّبٍ وتشنّج وتنمّل، يضطر لأخذ جرعة من الكالسيوم بعد تشخيص مرضه في العام 1987 بنقص الكالسيوم، كان يأخذ الجرعة في الوريد بشكلٍ يومي ليتمكّن من التغلّب على هذا المرض، كان التحدّي الذي يخوضه هو في كيفيّة استبدال هذه الجرعة بدواءٍ آخر وفي إحضار الدواء.

كان التحدّي الأول في تشخيص المرض على وجه التحديد، ما الذي يسبّب نقص الكالسيوم في جسده، اكتشف الأطباء بعد مدة أنه يعاني من خللٍ في الغدد التي تسمّى "جارات الدرقية"، هناك الغدّة الدرقية وجارات صغيرة لها، هذه الغدد تتحكّم في ضبط نسبة الكالسيوم في الجسد، وقد يكون سبب هذه المشكلة وراثياً أو بسبب جهل الأطباء لموقعها فتتمّ إزالتها مع إزالة الغدة الدرقية فيعاني المرضى من التشنّج والتنميل.

إن تحدّي هذا المرض وتشخيصه هو ما يرويه لنا حسن في هذه القصة. في الحقيقة إن حسن تحوّل مع هذا المرض إلى عاشقٍ ولكن ليس بمعنى أن حياته كانت وردية أو أنه يعيش حياة الرومانسية إنما كان يعيش حياةً شقيّةً مع الكالسيوم، هو كان بحاجة إلى هذا الكالسيوم، كان يجد الراحة حين يُعطى الكالسيوم ولكن كان يجد الموت في الوقت نفسه لما تسبّبه هذه الجرعة من آلام لأنه حين يدخل الكالسيوم إلى الجسد عبر الوريد يسبّب أملاحاً تتحوّل في الكلى إلى حصوات، كاد يموت ذات مرةٍ بسبب خطأ التشخيص الطبي في الجرعة التي كانت تُمنَح له، فكيف يمكن أن نحوّل هذه العلاقة الشقيّة وهذا العشق للكالسيوم إلى علاجٍ وترياق، هذا ما كان يبحث عنه حسن، كان يريد أن يتحوّل الكالسيوم في جسده إلى علاج ومنطقة راحة، وأن يحيا حياةً طبيعية.

لقد كان عاشقاً للكالسيوم لأنه كان يريد أن يدخل عبر الجلد وليس عبر الوريد إلى أن توصّل في نهاية القصة بعد 29 عاماً من رحلة العذاب والشقاء لأن يصبح شخصاً مُلهماً، حين وجد هذا الهرمون وجده كإبرة توضَع تحت الجلد يحقن بها نفسه، لم يكن يحتاج إلى الذهاب إلى طوارئ السلمانية يومياً حيث اعتاد أن ينتظره الممرض نافع هناك الذي تربطه به علاقة جميلة، كانت يده ساحرة بحيث يعطيه جرعات الكالسيوم عبر الوريد بمهارةٍ فائقةٍ ولم يكن يشعر حسن معها بالألم.

في هذه السيرة نكتشف أن الكالسيوم ليس مقوّياً للعظام والعضلات فقط بقدر ما هو مقوٍّ للشخصية، شخصية حسن فضل في هذه السيرة بدت وكأنها قد تحوّلت من الشخصية المحلية والطفولية إلى الشخصية العالمية القوية المُتحدّية، بل نستطيع أن نقول إن حسن فضل تحوّل كما يقول في جزءٍ من الحوارات مع صديقه السيّد محمد الذي كان يُلهمه وهو يتحدّث معه عن مرضه على ساحل كرباباد، كانا يخوضان حواراتٍ ومعارك كلامية حول المرض والحياة والغيب وحول الله والابتلاء والحلول، كانت هذه الحوارات تغسل روحه كما يغسل البحر روحه وجسده، كان ملح البحر أيضاً قد تحوّل إلى ملحٍ فكري عبر هذه الحوارات، كانت أملاح هذه الحوارات تعطٍيه وتُلهمه.

في واحدةٍ من هذه الحوارات كان يقول: "لقد تحوّلتُ من مريضٍ بالكالسيوم إلى رسول الكالسيوم"، بمعنى أنه يبشّر برسالة، ورسالته كانت رسالة العلاج، كان يُلهم الآخرين، حسن في الحقيقة حوّل البحرين إلى مكانٍ للعلاج بعد أن كان يبحث في الأمكنة الأخرى عن علاج، حسن استقطب إلى البحرين مرضى من الجزائر وفلسطين ومن مناطق مختلفة لتلقّي العلاج في البحرين بفضل هذه الرسولية التي كانت لديه.

كان السيّد محمد يقول له كُفّ عن هذا البحث وعن هذه الروح التي تعذّبك وتجعلك تبحث عن حلول، يكفي لقد وجدتَ الحل يا حسن، فيقول له حسن "لستُ بالشخص الذي يستسلم أو يبحث عن خلاصٍ فردي، أنا رسول الكالسيوم وعاشقه، أنا أبحث عن خلاصٍ جماعي لكل مَن يعاني من هذا المرض".

يقول له: "لو لم أبادر للبحث عن هذا الحل هل سأكون موجوداً أمامك الآن؟"، سؤال موجِع يجعل من هذه الرسالة التي يحملها حسن مسؤوليةً كبيرة، هذا ما كان يفعله، كان يؤكّد بأنه رسول لجسده وذاته وروحه وشخصيّته وللآخرين.

تمكّن حسن من توسيع دائرته حيث وصل إلى أميركا وخاض فيها سبعة مؤتمرات، وتعرّف إلى الجمعية الدولية لهذا المرض، مرض نقص الكالسيوم أو جارات الغدّة الدرقية، هذا المرض الذي خاض معه رحلة علاجٍ شرِسة، هذا الوحش الذي كان دائماً يتهدّده وينهش روحه ويُضعف شخصيّته. أصبح حسن بسبب هذا المرض صاحب علاقات واسعة مع صحافيين ونواب وحقوقيين وأطباء وجمعيات دولية وكذلك مع ممرّضين، أصبحت علاقاته عابرة للأجيال والبحار والقارّات وعابرة كذلك للتخصّصات.

نحن نقرأ اليوم هذه السيرة ونعقد علاقاتٍ مع حسن ليس لأننا نعاني من نقصٍ في الكالسيوم، ليس لأن جارات الغدّة الدرقية لدينا لا تضبط نسبة الكالسيوم في أجسادنا وإنما لأن حسن قدَّم نموذجاً في الحياة، كيف تخلق التوازُن حين تمرّ بحالٍ لا توزان فيها، لا بدّ من أنك ستعاني من نقصٍ ما، قد يكون كالسيوم أو حباً أو علاقة أبوية أو عاطفية، قد تعاني من نقصٍ في أملاحك أو قدراتك فأنت تحتاج إلى خلق توازنٍ، هذه السيرة تقدّم لك نموذجاً لخلق التوازن في الحياة واستعادة ما هو ناقص منك.

هذا ما نجح فيه حسن، هناك شخصيّات مُلهِمة في قصّته مثل الدكتور فيصل المحروس وهو من أوائل مَن تواصل مع حسن منذ أن كان طفلاً وأصبح صديقه ومستشاره ومعاونه، وكان هو مَن يرسل الرسائل إلى الجهات الطبية في فرنسا وأميركا وإلى الجمعيات المُهتمّة بهذا المرض، وهناك أيضاً الدكتورة نسرين السيّد التي كانت تلميذة الدكتور فيصل وهي التي تسلّمت مهمّة الاعتناء بحسن، وهي التي مكّنته من الوصول إلى هذا الهرمون.

في العام 2006 لم يكن هذا العلاج قد اعتُمِد دولياً أو مُنِح ترخيصاً كاملاً، حسن سخَّر جسده من أجل اختبارات هذا المرض. حين طرحت جامعة كولومبيا مشروعاً لاختبار علاجٍ لهذا المرض تواصل معهم حسن، وكان السفر يتطلّب مبالغ هائلة.

لقد خاض حسن معركةً ليس مع المرض فقط وإنما مع أجهزة الدولة البيروقراطية، حين أراد أن يذهب إلى جامعة كولومبيا ليكون واحداً من الأشخاص الذين تُجرى عليهم اختبارات الهرمون واجه مشكلةً في التمويل، فعقد مؤتمراتٍ صحفية واتّصل بسياسيين وحقوقيين، ذهب ليقاضي الوزراء والوكلاء والمدراء، خاض معركةً كبيرة على مستوى العالم، أصبحت معركته معركةً إنسانية ومعركة حق في الحصول على العلاج، وهذا الحق كان يدفعه إلى طَرْق ِكل الأبواب، حتى تمكّن من الحصول على التمويل وموافقة وزارة الصحّة، ولكن يأتيه خبرٌ صاعق مفاده بأن جامعة كولومبيا لا تستطيع استقباله لأنه يحتاج إلى عنايةٍ خاصةٍ وجرعاتٍ يومية من الكالسيوم عبر الوريد وهم لا يستطيعون توفيره له، ولكنه لم يتوقّف وظلّ يُراسلهم ويحاول أن يقنعهم ولم يستجيبوا إلى أن خرج من صندوق جامعة كولومبيا وراح يبحث عن صناديق ومساحاتٍ أخرى حتى تمكّن من الوصول إلى العلاج في يناير من العام 2006 بعد 29 عاماً من المُعاناة والبحث، تمكّن من إيصال أدوية العلاج إلى البحرين، وكانت هذه الإبرة التي تُعطى تحت الجلد هي العلاج.

هو يستخدمها ويحقن نفسه بهذه الإبرة ولا يحتاج إلى الذهاب ليلاً إلى الطوارئ والمبيت هناك في ظل الأجواء المؤلمة والصعبة جداً في المستشفيات كما نعرفها جميعاً.

في الحقيقة نحن بحاجةٍ لأن نقرأ هذه السيرة ليس لأننا نعاني من نقصٍ في الكالسيوم بل لأننا نعاني أحياناً من نقصٍ في الإرادة والتحدّي، أو نعاني من آلامٍ وضغوطات واكتئاب، أحياناً نصل إلى اليأس والقنوط، ولكن حين تقرأ هذه الرواية وهذه التجربة ستعرف أن هناك دائماً بقعة ضوءٍ خارج الصندوق الذي أنت فيه، وأن هناك منافذ أخرى يبعثها الله ليُلهمك وعليك أن تبحث عنها.

حسن في هذه السيرة قدَّم لنا درساً وعلاجاً إنسانياً يتجاوز المرض وينفتح على كل الأمراض التي تصيب البشر، وهي أمراض تتنوَّع في أسمائها وأشكالها ولكنها تتوحَّد في جوهرها وتتعلّق بإرادة الإنسان وبقدرته على مقاومتها، شكراً لكم....