تحقيق: واشنطن كانت على علم مُسبق بانقلاب فنزويلا عام 2020

وثائق أصدرتها محكمة فيدرالية تُقدّم تفاصيل جديدة ومقلقة عن محاولة مساعدي ترامب تدبير انقلاب ضدّ حكومةٍ من الواضح أنهم لم يفهموها.

  • مادورو يكشف جوازَي سفر لأميركيَّين أُدينا بالإرهاب والاتجار بالأسلحة، وحُكم على كلٍّ منهما بالسجن 20 عاماً.
    مادورو يكشف جوازَي سفر لأميركيَّين أُدينا بالإرهاب والاتجار بالأسلحة في فنزويلا (عام 2020)

موقع "The Grayzone" ينشر تحقيقاً مطوّلاً يكشف وثائق تُظهر أنّ بعض المعنيين في إدارة ترامب والبيت الأبيض كانوا على علم مُسبق بخطط الانقلاب الفنزويلي عام 2020.

تُقدّم هذه الوثائق نظرةً غير مسبوقة على الأطراف ومخططاتهم، من الإرهاب إلى التضليل الإعلامي، التي قد تُشكّل أساساً للهجوم العسكري الأميركي الوشيك على فنزويلا.

أدناه نص التحقيق منقولاً إلى العربية:

تُقدّم الوثائق التي أصدرتها محكمة اتحادية أميركية، تفاصيل جديدة ومقلقة عن محاولة شركاء ترامب تدبير انقلاب ضدّ حكومة كراكاس التي من الواضح أنَّهم لم يفهموها، وخاضوا بشكل غير مسبوق بإعداد مؤامراتهم من إطلاق تُهمة الإرهاب إلى تزييف أخبار الإعلام الكاذب، في سبيل الاستفادة منها للهجوم العسكري الأميركي الذي يلوح في الأفق على فنزويلا.

الرجل الذي تُلقي الحكومة الأميركية باللوم عليه في كلّ شيء غوردان غودرو، قدَّم دليلاً لموقع "غراي زون"، عن أنّه وقّع عقداً بقيمة 221 مليون دولار مع خوان غوايدو الفنزويلي حيث خطَّطت الولايات المتحدة علناً وسرّاً لتعيينه رئيساً شرعياً للبلاد. ويبدو أنَّ مسؤولي إدارة ترامب رفيعي المستوى من ضمنهم إليوت أبرامز وجون بولتون، كبير مسؤولي وكالة المخابرات المركزية في أميركا اللاتينية، ومستشار كبير في مجلس الأمن القومي كانوا على علم بمؤامرة الغزو، وربّما شاركوا في التخطيط لها. فقد شكّل مساعدو ترامب شركةً مشبوهةً لتحقيق الأرباح في فنزويلا ما بعد الرئيس مادورو، بعد أن حثّهم أحد شركاء غوايدو على "التحرّك الآن، والحصول على الشركات وعلى الفوائد المالية.

وقد نفَّذت وكالة المخابرات المركزية وشركة دعاية مرتبطة بها باسم "ذا رِيندون غروب"، عمليّات تخريبية للبنية التحتية الفنزويلية الحيوية "لمُدّة عقد أو نحو ذلك". كذلك، تضمَّنَ الاقتراح الذي سلّم إلى مكتب نائب الرئيس بنس آنذاك، خطّطاً لإطلاق شائعات في فنزويلا، منها أنّ مرض التهاب الكبد منتشر بين جنود الجيش الوطني الفنزويلي، على أن تُموّل هذه المخطّطات من خلال "مُصادرة أموال مُنتجات المخدّرات.

وقال روين كرافت لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو مُموّل ثريّ مرتبط بالاستخبارات جُنِّد لتمويل جوانب من العملية، إلى أنّه خلص إلى نتيجة مفادها "أنّ الفنزويليين يسرقون أيّ شيء يرونه". واتَّهم زُملاء غوايدو باختلاس 200,000 دولار من أموال المساعدات الإنسانية. بينما قال المشاركون في المؤامرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، إنّهم يعتبرون المعارضة الفنزويلية فاسدةً بشكل ميؤوس منه، وهم شهدوا قادتها ينفقون مبالغ ضخمة، على "بائعات الهوى وزجاجات النبيذ التي تبلغ قيمتها آلاف الدولارات ومواعيد تجميل الأظافر لصديقاتهم.

في صباح يوم 3 أيار/مايو 2020، جابت سفينتان صغيرتان تعملان بمحرّكات عبر المياه الساحلية لمنطقة لا غواريا في فنزويلا، ولم يُزعم أنّها تحمل مخدّرات، مثل الزوارق وعددها 15 التي أغرقتها البحرية الأميركية مؤخراً، لأنّها كان لديها شيء أكثر إثارة للقلق، وهم جنود سابقون من القوّات الخاصّة الأميركية كانوا يأملون أن يستقبلهم الشعب الفنزويلي كمُحرِّرين.

وإلى جانب مجموعة من الفنزويليين الذين درَّبوهم في أدغال كولومبيا، خطَّط الجنديان الأميركيان السابقان، آيران بيري ولوك دينمان لإشعال تمرُّد وطني عنيف ينتهي بالإطاحة برئيس فنزويلا نيكولاس مادورو واختطافه. لكن، بعد ساعات، نُشرت صورهما على رصيف قرية صيد، ووجهاهما إلى الأسفل وأيديهما وأرجلهما مُقيَّدة من قبل الفنزويليين أنفسهم الذين اعتقدوا أنّهما جاءا لإنقاذهم. رسميّاً، عُرفت محاولة الانقلاب الفاشلة باسم عملية "غيديون". لكنّها أصبحت تعرف شعبياً باسم "خليج الخنازير الصغار"، في إشارة ساخرة إلى الغزو الفاشل لخليج الخنازير في كوبا عام 1961 بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

وقد قُتل 8 منفيّين فنزويليين خلال ذاك التوغُّل الفاشل، ولاحقاً بُثَّت مُقابلات مع الجنديين الأميركيين الأسيرين على شاشات التلفاز في جميع أنحاء فنزويلا. وفي التسجيلات، أوضح بيري ودينمان أنّ التفويض بالعملية جاء من أعلى مستويات الحكومة الأميركية، مُشيرَين مُباشرةً إلى الرئيس ترامب باعتباره القائد الرئيسي للمهمّة، بينما نفى وزير خارجية ترامب آنذاك مايك بومبيو أي تورُّط "مباشر" للولايات المتحدة.

وفي السنوات التي تلت ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى تصوير المؤامرة على أنّها عملية غير مُصرّح بها نفّذها مُرتزق مارق يدعى غوردان غودرو. وقد قُبض على الضابط السابق في القوات الخاصة الأميركية المزيّن بالأوسمة، والذي أصبح لاحقاً وَجْهَ عَمَلِيَّةِ "غيديون" في عام 2024، ويواجِهُ الآن 14 تُهمةً تتعلّق بادّعاء الحكومة الفيدرالية بأنّه تآمر لتهريب أسلحة عبر كولومبيا قبيل تنفيذ المخطَّط الفاشل. وتحمل تلك التُهم أحكاماً أقصاها السجن لمدّة 10 سنوات.

ومع ذلك، أكّد غودرو في مقابلات مع "ذا غراي زون" أنّه جُنِّد شخصياً لقيادة انقلاب ضدّ حكومة فنزويلا من قبل رئيس فريق أمن دونالد ترامب، كيث شيلر، وأنّ العملية تمّت بعلم ودعم كاملين من الحكومة الأميركية. والآن، حصل فريق غودرو القانوني على أدلّة لم تُكشف من قبل حول الشخصيات التي يقول إنّها خطَّطت للانقلاب.

وقد كانت "ذا غراي زون" من أولى المنشورات التي راجعت هذه الموادّ، والتي تتضمَّن مقابلات أجرتها "أف بي آي" مع مشاركين في المخطَّط، وتظهر معرفة مُسبقة من قبل كبار مساعدي ترامب، وقادة حكومة كولومبيا، وضبّاط وعملاء في وكالة الاستخبارات المركزية، ومسؤولين يعملون مباشرةً تحت إمرة نائب الرئيس مايك بنس وترامب. وتحتوي الوثائق على مُؤشِّرات قويّة بأنّ الحكومة الأميركية راقبت ودعمت العملية في مراحل مختلفة، والتي كانت برعاية مُموِّلين أميركيين مقرَّبين من ترامب، إضافة إلى قادة المعارضة الفنزويلية المموَّلين من واشنطن.

وراء ستار مزاعم الأهداف النبيلة مثل "تعزيز الديمقراطية" ومُحاسبة "الجهات الفاسدة"، كان العاملون في الكواليس والجواسيس في واشنطن الذين يُقال إنّهم جنّدوا غودرو لقيادتهم إلى كاراكاس، يدفعهم الطمع ليس إلا، وقد كانوا يتوقون إلى نصيب من ثروات فنزويلا الهائلة من النفط والمعادن، ويتطلَّعون إلى عقود مُربحة في اليوم التالي لرحيل مادورو، فانطلق مُدبّرو الانقلاب من أصحاب الياقات البيضاء في مغامرة للنهب انتهت بالعار.

وتشمل الملفات التي راجعتها "ذا غراي زون" أيضاً مُناقشات مُسجَّلةً سرّاً، ورسائل بريد إلكتروني، وخُطَّطاً مُفصَّلةً للانقلابات والهجمات الإرهابية وضعتها شخصيات مُؤثِّرة في المعارضة الفنزويلية. وكلّ هذه الوثائق معاً ترسم صورة سلبية للغاية للدائرة السياسية التي قامت الولايات المتحدة بتدريبها ورعايتها على مدار عقدين من السنوات.

ومن بين أكثر المزاعم التي تكرَّرت على ألسنة المشاركين في عملية "غيديون"، عن أنّ كبار شخصيات المعارضة لم يكونوا مُجرَّد مُنحرفين مُهرِّجين، بل كانوا أَيضاً يميلون إلى سرقة داعميهم في واشنطن. وهؤلاء المفرطون بالفساد في ملفّات العملية في الماضي، هم من كانوا على وشك الاستيلاء على السلطة لو نجحت الخطة العسكرية الأميركية التي أمر بها ترامب منذ نحو شهر لإسقاط حكومة فنزويلا. من بينهم اثنان من قادة المعارضة الذين سخر منهم مموّل أميركي للعملية، إضافة إلى رئيسهم السابق ليوبولدو لوبيز ونائبه خوان غوايدو الذي وصف في أحد ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه من المُحتمل أن يتلقى تمويلاً من "تجار مخدّرات" لم يُكشف عن أسمائهم.

ومع ذلك، فإنّ الشخص الوحيد الذي واجه عقوبات جنائية في الولايات المتحدة، بسبب عملية "غيديون" هو الجندي السابق في القوّات الخاصّة الذي نفَّذها. وبعد أن واجه سنوات من السجن في مؤسّسة إصلاحية اتحادية، هرب غودرو وتوارى عن الأنظار، وقبل فراره أجرى عدّة مقابلات مع "ذا غراي زون"، وقدَّم "مُوجزاً استخباراتياً"، يُجادل فيه بأنّه لم يكن ليكون في موقع يسمح له بقيادة جيش خاصّ إلى فنزويلا من دون علم ومباركة البيت الأبيض في عهد ترامب.

العديد من الخيارات لفنزويلا

كانت فنزويلا تُعتبر في السابق حليفاً قوياً للولايات المتحدة ومُتعاونةً موثوقةً في مجال الاستخبارات خلال الحرب الباردة، لكنّ علاقتها مع واشنطن بدأت تتدهور عندما انتخبت هوغو تشافيز في عام 1998، الضابط العسكري الكاريزمي الذي برز بعد قيادته تمرُّداً غير ناجح ضدّ حكومة نيوليبرالية قمعية وغير شعبية في عام 1992، ثمّ اندفع بقوّة في خطّة طموحة لتمويل حملات واسعة لمكافحة الفقر من خلال تأميم حقول النفط الفنزويلية.

وفي العقد التالي، أدّت مبادرة تشافيز إلى رفع مستوى المعيشة وزيادة إنتاج النفط في البلاد، ممّا أدّى إلى تقليص حجم الفقر المدقع بمقدار الثلثين مع تضاعف عائدات صادرات النفط 4 مرّات. لكنّ هذه المبادرة لم تكن تحظى بشعبية في واشنطن، التي ردّت في عام 2002 بتنظيم انقلاب أطاح بالرئيس لمدّة تقارب 48 ساعة قبل أن تُعيده التظاهرات الجماهيرية العفوية وكتائب الجيش إلى السلطة.

وبعد وفاة تشافيز المفاجئة في آذار/مارس 2013، انتُخب خليفته المفضّل ووزير الخارجية نيكولاس مادورو بعد عدّة أشهر. وخلال عام واحد، فرض الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما عقوبات واسعةً على فنزويلا، مُدّعياً انتهاكات حقوق الإنسان لتبرير استهداف قطاع النفط في البلاد، ومُمهّداً الطريق لسلسلة من عمليات تغيير النظام العنيفة.

الجمعية الوطنية التي تسيطر عليها المعارضة تجاهلت أمراً دستورياً، من خلال عملية أداء اليمين الدستورية لثلاثة مشرّعين ينتخبون من خلال مُخطَّطات شراء الأصوات، واستغلال الجمود لزعزعة استقرار البلاد من خلال أعمال الشغب العنيفة في الشوارع. وفي النهاية استغلّ مادورو الشلل مِستفيداً من سلطاته الرئاسية لانتخاب جمعية وطنية جديدة في عام 2017، حيث انتهز ترامب الفرصة للتصعيد، مُهدّداً بغزو البلاد إذا رفض مادورو التنحّي، وقال "لدينا العديد من الخيارات لفنزويلا، بما في ذلك خيارات عسكرية محتملة، إذا لزم الأمر". وفي عام 2018 أُعلن عن فوز مادورو بالانتخابات الرئاسية المُبكّرة، والتي أدانتها إدارة ترامب، ووصفتها بغير الشرعية. وفي العام التالي، أعلنت إدارة ترامب زعيم الجمعية الوطنية الغامض سابقاً خوان غوايدو رئيساً لفنزويلا، مُستشهدةً ببند غير معروف في دستور البلاد أصرّت على أنّه يُعطّل قبضة مادورو على السلطة.

وقد مكّن اعتراف واشنطن بغوايدو من سرقة احتياطيّات فنزويلا من الذهب من بنك إنكلترا، فضلاً عن مصادرة أصولها الأكثر قيمةً في شركة "سيتغو" النفطية الأميركية، وهي الذراع الدولية لشركة النفط "أوكسيدنتال بتروليوم" المملوكة للدولة، وأُخذت مليارات الدولارات من ثروات الحكومة المنتخبة في كاراكاس، حيث لم تُغذّ حكومة الولايات المتحدة الفقر والهجرة الجماعية بقرارها هذا فحسب، بل دعت إلى الفساد من خلال دعمها لشخصيات المعارضة الفنزويلية من أموال الأصول المسروقة.

وعلى غرار المؤامرات السابقة للإطاحة بالقيادة الاشتراكية في فنزويلا، فإنّ رئاسة غوايدو المزعومة تلاشت بطريقة محرجة. وبدأ زوالها بعملية فاشلة في شباط/فبراير 2019، لإدخال شحنات ضخمة من البضائع التي قدّمتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عبر الحدود الفنزويلية الكولومبية.

وفاة المعونة الفنزويلية 

كان الهدف من الخطّة اختراق حدود البلاد تحت غطاء إنساني، من خلال اقتحام قوافل الشاحنات إلى داخل البلاد، ثم اتِّهام مادورو برفض المساعدات بقسوة عن شعب يُزعم أنّه يائس وقوّات أمنه تمنع التدخّل الإنساني بشكل عدائي. وإذا فشلت الحكومة الفنزويلية في منع دخول قوافل المساعدات، فإنّ فقدانها للسيطرة سيلهُم تمرُّداً أوسع.

لكنّ حيلة الدعاية الإنسانية انتهت بالعار الفوري تقريباً عندما فشلت موجتها الأولى في اختراق كتيبة من حرس الحدود، وقامت عصابات من مثيري الشغب المعارضين الفنزويليين المُحبطين بإحراق المساعدات، ثم استولوا على ما تبقّى منها. كما فشلت محاولة تحميل قوّات مادورو مسؤولية إحراق مساعدات بقيمة ملايين الدولارات، عندما كشف ماكس بلومنتال من "ذا غراي زون" وعدد من الصحافيين المحلِّيين مسؤولية المعارضة عن ذلك.

أمّا الحفل المرتجل "لايف إيد" الذي أقيم في الوقت ذاته في مدينة كوكوتا الحدودية في كولومبيا، برعاية الأوليغارشي البريطاني النيوليبرالي ريتشارد برانسون، فلم يكن أكثر نجاحاً، حيث نهب جزء كبير من عائداته من قبل شخصيات في المعارضة الفنزويلية. وأظهرت استطلاعات الرأي أنّ أقلّ من 1% من الحضور بقوا للحصول على المساعدة بعد انتهاء الحفل الذي شارك فيه عدد كبير من النجوم.

كذلك الإعلام المتحالف مع المعارضة كشف أنّ أتباع غوايدو اختلسوا مبالغ ضخمةً من المال كان قد وُعد بها جنود فنزويليين انشقّوا إلى كولومبيا وانضمّوا إلى التمرّد المناهض لمادورو. في النهاية، ترك الجنود الخائنون بلا مال في بلدة كوكوتا الحدودية، بينما أنفق كبار أتباع غوايدو حصّتهم من أموال المساعدات على بائعات هوى وفنادق فاخرة. اثنان من هؤلاء المُتحمِّسين للانقلاب هما فريدي سوبرلانو وابن عمّه كارلوس خوسيه ساليناس، وُجِدا فاقدي الوعي في غرفتيهما بالفندق بعد أن تمّ تخديرهما وسرقتهما من قبل بغايا من الأموال المُخصَّصة للفنزويليين المُعدمين.

لقد تمَّ تصوير غوايدو في الأيام التي سبقت محاولة إدخال المساعدات على الجانب الكولومبي من الحدود مع كبار قادة عصابة المخدّرات الشهيرة "لوس راستروخوس"، وقد ورد أنّهم هرّبُوه إلى داخل فنزويلا. وبعد فشل التدخّل الإنساني، وتضاؤل الخيارات للإطاحة بالرئيس مادورو، اتَّخذت إدارة ترامب إجراءً استثنائياً كان من الواضح أنّه يهدف إلى تشجيع مُخطَّطات الانقلاب الخاصّة. وفي 26 آذار/مارس 2019، عرضت وزارة العدل التابعة لترامب مُكافأةً قدرها 15 مليون دولار مقابل معلومات تُؤدّي إلى القبض على الرئيس مادورو.

حينئذ، كان غودرو يدرس غزو فنزويلا للحصول على المكافأة، وجعل نفسه نجماً في عالم المرتزقة. وبعد جولات الخدمة في العراق وأفغانستان، حيث حصل على تقدير من زملائه في القوّات الخاصّة لمهاراته في جمع المعلومات الاستخباراتية البشرية، انطلق غودرو للعمل في مجال الأمن الخاصّ. وقد عمل في فعّالية واحدة على الأقلّ من فعّاليات حملة ترامب، حيث نشرت صورة له على حساب شركته الأمنية في إنستغرام تُظهره ضمن فريق الحماية الخاصّ بالرئيس في مدينة شارلوت بولاية نورث كارولاينا عام 2018. وبعد عام، كان ضمن الفريق الذي قدَّم الحماية في حفل "لايف إيد" المشؤوم على الحدود الكولومبية الفنزويلية قبل شهر واحد. وفي تلك الفترة قال غودرو إنَّه تعرَّف على كيث شيلر، رئيس الأمن القديم لدونالد ترامب والمسؤول عن عدّة مشاريع خارجية لعائلة الرئيس.

في أوائل 2019، كان شيلر واحداً من قلَّة من شركاء ترامب، ومحامي الحزام الواقي، والصناعيين الطموحين للموارد الذين اجتمعوا للبحث عن عقود مُربحة في فنزويلا خيالية بعد مادورو. وبينما كانت تعمل تحت اسم "الحكومات العالمية"، سرعان ما تركت هذه المجموعة الغامضة بصمتها على فنزويلا وإن لم يكن بالطريقة التي أراد مُؤسّسوها. يقول غودرو إنّ فريق الحكومة العالمية كانت لديه مجموعة بسيطة من الدوافع، "كانوا يريدون عقود أعمال، وطريقة لاستغلال نتائج فنزويلا خالية من مادورو.

إضافة إلى شيلر، من ذُكروا في الوثائق الداخلية كأعضاء في "الفريق" شمل رون كرافت، ومستشار أول للوجستيات والنقل الذي لم يذكر اسمه الأول علناً، لكنّه يبدو أنّه تيموثي. ووفقاً لأحد معارف الحكومة العالمية، "كان كرافت يعمل في مجالات الطاقة والنفط والغاز والتعدين، ولديه خبرة وكفاءة في الأعمال الدولية، وكان مناسباً لهذه الأدوار. كما تعامل كرافت مع هذه الأمور في نيجيريا التي كانت "دولة مُعادية".

قال كرافت لمكتب التحقيقات الفيدرالي، إنّه في موقع لتوفير التمويل للتدخُّلات الإنسانية اللاحقة في فنزويلا، واسترداد خسائره على شكل أرباح وعقود نفطية في اليوم التالي لإقالة مادورو. وليس من الواضح ما إذا كان كرافت وريث ثروة جُبن كرافت، كما أفادت بعض وسائل الإعلام. وقد تولّى نيستور ساينز، موظّف مكتب سابق في وزارة الخارجية وعميل مقرّه واشنطن، دوراً في الحكومة العالمية لجسر اتّصالاته وعلاقاته بالمعارضة الفنزويلية.

وتُشير مقابلات مكتب التحقيقات الفيدرالي مع شركاء من الحكومة العالمية إلى أنّ ساينز أقام علاقات مع عدّة مُقرَّبين من الوسيط القوي الأعلى في المعارضة الفنزويلية المدعومة من الحكومة الأميركية، ليوبولدو لوبيز. وذُكر أيضاً اسم غاري كومبتون مُستشار قُطب الطاقة "تي. بون بيكنز" لأكثر من 20 عاماً"، وُصف بأنّه خبير في النفط والطاقة من قبل زملائه في الحكومة العالمية. وهو كان مُدرجاً كشريك سابق في مكتب المحاماة "ترافيس لوكاس"، الذي كان حاضراً كثيراً خلال اجتماعات الشركة المُتعلّقة بفنزويلا.

من الأسماء أيضاً جيرمان شيكا وهو معارض فنزويلي ظهر أحياناً في اجتماعات الحكومة العالمية كحلقة وصل مع القوى المناهضة لمادورو. كان شريكاً حاكماً في مؤسسة لونا، والتي يفترض أنّها مُكرَّسة لحقوق المرأة، وأدرجته "الحكومات العالمية" كشريك. وأندرو ديفيس، رئيس إدارة مجلس أميركا الكتالونية، التي ضغطت من أجل استقلال كتالونيا عن إسبانيا. ولم يُدرج اسم ترافيس لوكاس كعضو سابق في فريق الحكومات العالمية، لكنّه عمل كمحام لشيلر في واشنطن. بعد أنّ مثّل قانونياً نائب الرئيس آنذاك مايك بنس ووزير الخارجية ومدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو، وقد عرض لوكاس على الشركة فرصةً مُحْتملةً للوصول إلى المستويات العليا في إدارة ترامب.

وكانت "الحكومات العالمية" قد أسَّست أوّل عميل لها في أوائل عام 2019، عندما تواصل ساينز مع ديك موريس، المستشار الجمهوري الشهير، لعرض خُطط الشركة لتحقيق عقود مُربحة بعد الإطاحة بمادورو. ووفقاً لساينز، تواصل موريس مع صهره كريس لارسن، الذي كان يرأس شركة إنشاءات دولية تدعى "هالمار"، وأبدى اهتماماً قوياً بالمشروع. وفي أوائل شباط/فبراير 2019، وصل لارسن إلى مكتب الحكومات العالمية في واشنطن لمناقشة الطريق المستقبلي مع كرافت، وساينز وجيرمان شيكا، وكان ديك موريس حاضراً أيضاً في الاجتماع. ويبدو أنّ لارسن أعجب بما سمعه لأنّه وفقاً لساينز، أصبح أوّل العملاء الذين وقّعوا مع الحكومات العالمية عقداً بشأن الذهب الفنزويلي بعد مادورو.

أرسل بارون البناء في جيرسي رسوم حجز أوليّة قدرها 16,000 دولار إلى "الحكومات العالمية"، مُتعهّداً بالمزيد خلال الأشهر التالية. لكن بعد أنّ دفع ما يقارب من 100 ألف دولار، تخلَّى لارسن عن المشروع، لأنّه لا يتقدّم بسرعة. ووفقاً لوثيقة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، "قال ساينز إنّه مرّت عدّة أشهر ولم يفعلوا شيئاً من أجل لارسن، وفهموا سبب رغبته في المغادرة، مع أنّ دفعات لارسن، قُسِّمت بين فريق الحكومة العالمية.

على الرغم من صعوبة انطلاق هذه الشركة، أخبر ساينز مكتب التحقيقات الفيدرالي أنّه من الواضح أنّ الشركة تحضّر عملية عسكرية في فنزويلا، وهو تصوُّر يؤكّد غودرو أنّه كان شائعاً على نطاق واسع. وقال "في أوّل اجتماع لي مع الحكومات العالمية، كان الجميع يعلم أنّني سأقوم بانقلاب عسكري.

تصرّف الآن واحصل على الشركات والأموال لاحقاً  

"بدأ كلّ شيء في اجتماع نادي الجامعة في واشنطن في 19 آذار/مارس 2019"، بحسب ما يقوله ليستر توليدو، الذي يُسمّي نفسه مديراً للمساعدات لخوان غوايدو، عن أوّل لقاء له مع مساعدي ترامب ومسؤولي "الحكومات العالمية" في نادي الجامعة، وهو نادٍ فاخر خاصّ بالأعضاء فقط في وسط مدينة واشنطن العاصمة. وقد تبادل الفريق المُتحمِّس للانقلاب الأفكار حول سبل المضي قُدماً بعد فشل غوايدو في تقديم المساعدات الإنسانية قبل نحو شهر. 

وكان حاضراً في اللقاء الافتتاحي كلّ من ساينز، وشيلر، ولوكاس، وكرافت، وممثّلون عن شركة الشحن الدنماركية "ميرسك"، الذين كان من المتوقَّع أن يتولَّوا التعامل مع الخدمات اللوجستية لعمليات المساعدة المستقبلية. وقد أكّد توليدو لمكتب التحقيقات الفيدرالي أنّه "لم تتمَّ مناقشة أي عمل عسكري في هذا الاجتماع. لكن، بعد أسبوعين، قال توليدو إنّه تلقّى رسالة نصّية من شيلر يطلب فيها تقديم غودرو كقائد محتمل للفريق الذي يُوفّر الأمن لشحنات المساعدات إلى فنزويلا. وفي مقابلة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد عامين، كرّر شيلر رواية توليدو، مُؤكّداً أنّه لم يكن من المفترض أن يقود غودرو غزواً عسكرياً خاصّاً.

بعد ذلك، توجّه غودرو وشيلر إلى فلوريدا في أوائل نيسان/أبريل لبحث خُططهما المُعدَّة مع توليدو، وخلال ذلك تساءل شيلر عن كيفية تأمين المساعدات الإنسانية المزعومة في حال أُطيح بمادورو بالقوة، وحذّر رجل أمن ترامب بقوله "قد تحدث كارثة".  وفي منتصف الشهر نفسه عبر رسالة بالبريد الإلكتروني نظّم شيلر مكالمة لتقديم غودرو إلى مدير الشؤون المؤسسية في "الحكومات العالمية". 

ومع تزايد اقتراب منظّمة "الحكومات العالمية" من الدائرة الداخلية لغوايدو، علم أحد مستشاريها، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية يدعى نيستور ساينز، بخطّة حاسمة للمعارضة الفنزويلية لتحريض انتفاضة عسكرية ضدّ مادورو والاستيلاء على السلطة بالقوة. وخلال مقابلة مُطوَّلة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، صرَّح ساينز بأنه أُبلغ بالانقلاب العسكري قبل عام على الأقلّ من تنفيذه من بيدرو بول بيتانكور، أحد المقرَّبين من غوايدو. ووفقاً لساينز، روّج مساعد غوايدو للانقلاب المقبل على أنّه فرصة للمُؤيِّدين الأميركيين المحتملين "للتحرُّك فوراً لأجل الحصول على شركات وفوائد مالية.

وفي المقابلة التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي، أصرّ ساينز على أنّه سعى فقط إلى المساعدة على إدخال شركات الطاقة إلى فنزويلا الغنية بالنفط، فضلاً عن شركات البناء التي يمكنها إعادةُ بناء البنية التحتية المُتضرِّرة في البلاد. وردّدت الشركات التابعة لـ"الحكومات العالمية" هذا التوجُّه، مُدَّعِيةً أنّها مُهتمّة ​​حصراً بالجهود الإنسانية وفرص الأعمال في ظلّ حكومة فنزويلية مُوالية للولايات المتحدة ومُؤيّدة لسياسات السوق. إلا أنّ وثائق كُشف عنها مؤخراً وشهادات لأشخاص تُظهر أنّهم ناقشوا مراراً العمل العسكري ضدّ الرئيس مادورو خلال اجتماعاتهم.

وفي 13 نيسان/أبريل 2019، أرسل كرافت رسالة بريد إلكتروني إلى ساينز، وشيلر، ولوكاس، وغيرهم من الشركات التابعة لـ"الحكومات العالمية"، قال فيها، "لا يوجد الآن سوى قلَّة، إن وجدت ممَّن يعتقدون أنّ فنزويلا ستشهد تغييراً في الحكومة من دون تدخّل عسكري بدرجة ما، ويجب أن تُغْلق الأبواب أمام مادورو، والإجراءات جارية لضمان سقوطه وإزاحته.

وقد صرّح كرافت أنّ المعارضة الفنزويلية طلبت منه اقتراحاً لتمهيد الطريق لهذا "العمل العسكري" بنشر الإمدادات والعتاد حول حدود البلاد، بينما طلب غوايدو وقتاً للتعبئة، وتحضيرات سابقة يليهِا استقدام جنود من القوّات الرئيسية، واقترح أنّ كوراساو هي أفضل موقع للانطلاق منه، حيث تمتلك فنزويلا الآن 17 قاعدةً على الحدود مع كولومبيا، ومع تعطيل البحرية الفنزويلية، يُعدُّ التوجُّه من كوراساو أكثر أماناً، و"يُمكننا تحويل مسارنا إلى كولومبيا للهبوط بسهولة.

لقد كانت مؤامرة الانقلاب تعتمد على انشقاقات جماعية من جانب القادة العسكريين الفنزويليين، وكان من المقرَّر أن تنتهي بالاستيلاء على قصر ميرافلوريس. ومع ذلك، عندما نفّذ غوايدو الخطّة في 30 نيسان/أبريل 2019، أسفرت عن كارثة سياسية أكبر للمعارضة الفنزويلية من خطّة المساعدات الفاشلة التي سبقتها بأشهر. فقد تمسَّك الجيش بالرئيس مادورو بقوّة، ورجال غوايدو قُبض على معظمهم في شوارع كاراكاس، ولجأت البقية للاحتماء داخل السفارات الأجنبية.

وبينما كان الجيش يُنظّف بقايا العملية، انتشرت صورة في وسائل الإعلام الدولية تُظهر المرشَّح الرئاسي، وهو يبدو حزيناً، وقد تخلى عنه أنصاره، ويقف معزولاً على جسر علوي في كاراكاس إلى جانب مُعلّمه ليوبولدو لوبيز. لقد كان الفشل بمثابة ضربة قاضية لغوايدو، مما دفعه إلى سلسلة من الحيل السياسية الغريبة والإهانات العلنية قبل أن تتلاشى مسيرته في فنزويلا في النهاية، ويهرب إلى ميامي عام 2021، حيث يشغل الآن منصب أستاذ رمزي في مركز آدم سميث للحرّية الاقتصادية بجامعة فلوريدا الدولية وهو منصب مُخصَّص للسياسيين اليمينيين في أميركا اللاتينية الذين ينتهكون الدستور. 

بعد ساعات من فشل انتفاضة 30 نيسان/أبريل، حاول وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو، رفع معنويات المُخطِّطين للانقلاب، معلناً في مقابلة مع شبكة "فوكس" أنّ ترامب لا يزال منفتحاً على العمل العسكري ضدّ حكومة مادورو وقال، "لقد كان الرئيس واضحاً تماماً بأنّ العمل العسكري مُمكن"، وإذا كان هذا هو المطلوب، فهذا ما ستفعله الولايات المتحدة.

في هذه المرحلة، تصدَّر غودرو المشهد السياسي بينما سعت منظّمة "الحكومات العالمية" إلى إيجاد وسائل بديلة للإطاحة بالرئيس الفنزويلي. وللحصول على مساعدة ميدانية، لجأت إلى شخصيتين معارضتين فنزويليتين قيل إنّهما عميلتان لوكالة المخابرات المركزية الأميركية.

معالج وكالة المخابرات المركزية

في 3 أيّار/مايو طلب نيستور ساينز من غودرو أن يُقدّم نفسه وشركته الأمنية الخاصّة إلى بقية فريق منظَّمة "الحكومات العالمية". وفي رسالة بريد إلكتروني إلى ساينز وشيلر بعد يومين، طرح غودرو ما يُفترض أنّه "خيارات سلمية" لتغيير النظام، والتي لا تتضمّن "تدخّلاً عسكرياً أجنبياً من دون مشاركة مُتعاقدين".لكن بعد "استخدامه في عدّة أماكن في الشرق الأوسط"، أقرّ غودرو بأنّ التدخّل العسكري الأميركي في فنزويلا "من الممكن أن يؤدي إلى إزهاق أرواح العديد من المدنيين" و"قد يدفع البلاد أيضاً إلى حرب أهلية".

بحلول هذه المرحلة، أصبح غودرو حاضراً في المناقشات مع "الحكومات العالمية" وعلى اطلاع على اتصالات المنظّمة في دوائر المعارضة الفنزويلية. وتختلف روايات هذه التفاعلات، لكنّ التفاصيل التي وصفها ساينز لمكتب التحقيقات الفيدرالي تتوافق إلى حدّ كبير مع تصريحات غودرو. ومن خلال ساينز، تعرّف غودرو ومنظّمة "الحكومات العالمية" على اثنين من نشطاء المعارضة الفنزويلية ذوي علاقات وثيقة بالحكومة الأميركية، ويزعم أنّ لهما صلات بوكالة المخابرات المركزية الأميركية، وهما ليستر توليدو، مدير مساعدات غوايدو، وخورخي بيتانكورت سيلفا، العميل الذي وصفه توليدو لمكتب التحقيقات الفيدرالي بأنّه "الساعد الأيمن" لمرشد غوايدو، ليوبولدو لوبيز.

وصف غودرو بيتانكور بأنّه أشبه بالشبح وقال، "لا تجد اسمه في الأخبار في أيّ مكان، فهو محميّ بشكل جيد". وفي الواقع، يكاد يكون من المستحيل جمع معلومات عنه أو حتى مجرّد ذكره من خلال بحث بسيط على غوغل. ومع ذلك، تكشف بعض المدوّنات الفنزويلية ومقابلات مكتب التحقيقات الفيدرالي أنّه كان حارساً شخصياً سابقاً لليوبولدو لوبيز، وكان ميّالاً للسلوك غير اللائق.

نشأ بيتانكورت في بلدة كاريبي الجبلية الصغيرة، ومن المُرجّح أنَّهُ تعرَّف إلى فصيل المعارضة عن طريق كارلوس فيكيو، وهو محام فنزويلي من البلدة نفسها، وكان يُمثّل شركة إكسون موبيل قبل تعيينه سفيراً لغوايدو في الولايات المتحدة. ورغم أنّهما لا يبدوان قريبين بالدم، إلا أنّ منشورات ليوبولدو لوبيز المتعدِّدة على مواقع التواصل الاجتماعي تُشير إلى بيتانكور بأنّه "شقيقه". وتظهر صور التقطت خلال رحلة لوبيز إلى كوكوتا، كولومبيا، بيتانكور وهو يعمل حارساً شخصياً له.

كما يشارك باقي أفراد عائلته أيضاً في المشهد السياسي المعارض في فنزويلا. وعندما سعت المجموعة المدعومة من الولايات المتحدة إلى التفاوض مع الحكومة الفنزويلية في المكسيك عام 2021، كانت كلوديا نيكين شقيقة زوجة بيتانكورت مُمثّلةً لها.

وقد ساعد توليدو لوبيز في تأسيس حزب "التطوُّع الشعبي" المُموَّل من الحكومة الأميركية، والذي أطلق "ثورةً مُلوَّنةً" عنيفةً عام 2014، حيث أقام حواجز مُسلَّحةً تعرف باسم "غواريمباس" في جميع أنحاء البلاد. من جانبه قاد توليدو قُوّات المعارضة الصاعقة في منطقة زوليا، حيث كان عضواً في المجلس التشريعي. عندما سعت الحكومة الفنزويلية لاعتقاله لدوره في الفوضى، فرَّ إلى إسبانيا ثم انتقل إلى جنوب فلوريدا لتنظيم المزيد من محاولات زعزعة الاستقرار بمساعدة واشنطن.

في شباط/فبراير 2019، سافر توليدو إلى مدينة كوكوتا الكولومبية لتمثيل غوايدو خلال "حفل المساعدات الإنسانية" المشؤوم. وإضافة إلى عمله مع المعارضة الفنزويلية، عمل توليدو منذ عام 2019 مستشاراً للرئيس السلفادوري نجيب بوكيلي، الذي يصف نفسه بأنّه "أروع طاغية في العالم"، والذي وفّر لإدارة ترامب مكاناً في سجنه سيّئ السمعة "سيكوت سوبرماكس" لسجن المهاجرين الفنزويليين المُرحَّلين وإساءة معاملتهم بوحشية.

في عام 2024، بدأ توليدو في مساعدة المُرشّح الرئاسي الكولومبي أوريبي تورباي فيما وصفه موقع "إنفوباي" اليميني في أميركا اللاتينية بأنّه جهد لاستبدال حكومة بوغوتا اليسارية الحالية بأخرى "متحالفة مع المعارضة الفنزويلية، ممّا يُسهّل رحيل نيكولاس مادورو عن السلطة" في عام 2026. بينما أصبح الرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بيترو الآن في قلب مرمى نيران ترامب، حيث صار هدفاً للعقوبات الأميركية وتدفّقاً مُتصاعداً من الشتائم من جانب الرئيس الأميركي. وفي مقابلته مع مكتب التحقيقات الفيدرالي في آب/أغسطس 2020، وصف توليدو نفسه بأنّه "مدير مساعدات إنسانية" متواضع، بينما نأى بنفسه عن المؤامرات ذات الطابع العسكري ضدّ حكومة فنزويلا.

لكنّ ساينز رسم صورةً مختلفةً تماماً عنهما، وهو أخبر مكتب التحقيقات الفيدرالي أنّ اهتمامات توليدو وبيتانكورت تتجاوز العمل الإنساني بكثير. وصرّح المسؤول السابق في وزارة الخارجية للمحققين الفيدراليين أنّ الفنزويليين كانا متورّطين على نحو مباشر في تدبير انقطاعات واسعة النطاق للتيار الكهربائي، وصراعات اجتماعية، وتحضير انقلاب عسكري ضدّ مادورو. وأضاف ساينز أنّه خلال اجتماع عقد في 11 أيار/مايو 2019 في مكتب وي ورك في ميامي، أدرك أنّ أعضاء المعارضة الفنزويلية "لم يكونوا مهتمين بالمساعدات الإنسانية فحسب، بل أيضاً بالإطاحة بمادورو". وفي رواية ساينز، طلب من المشاركين -بمن فيهم كرافت، وشيلر، وغودرو، وبونافينتورا، وبيتانكور، وآخرين ترك هواتفهم المحمولة خارج الغرفة.

وبعد أن أُبلغ بأنّ بيتانكورت وتوليدو "يُنظّمان انقطاعات للتيار الكهربائي واضطرابات مدنية وعملية عسكرية للإطاحة بمادورو" من مكتب في كولومبيا، "رفع غودرو يده مُعلناً أنّه يستطيع مساعدتهما على ذلك". ووصف ساينز هذه اللحظة بأنّها اللحظة التي أدرك فيها أنّ بيتانكورت وتوليدو "مُتورّطان في أنشطة زعزعة الاستقرار في فنزويلا". وخلال هذا الاجتماع، قال ساينز إنّ بيتانكورت ادّعى وجود اتصالات لديه في وكالة المخابرات المركزية. ومن المرجّح أن يكون خوان كروز، وهو عميل مخابرات مخضرم وصفه غودرو بأنّه "المُشغّل" لتوليدو وبيتانكورت، وفي عام 2017، كشفت قناة "يونيفيجن" أنّ كروز شغل منصب رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في كولومبيا قبل أن يتولى رئاسة قسم أميركا اللاتينية في الوكالة.

انضمّ الثنائي المعارض الفنزويلي للمرة الأولى إلى فريق "الحكومات العالمية" خلال تجمّع نادي الجامعة في واشنطن العاصمة في آذار/مارس 2019. وهناك بدأوا عرضهم الأول على كرافت، رجل المال، لتمويل عمليتهم بما يصل إلى مئات الملايين من الدولارات. وكانت رواية المليونير عن تعاملاته مع توليدو وبيتانكورت مخيّبة للآمال تماماً. بل إنّه كان حريصاً جدّاً على مشاركتها مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، لدرجة أنّه رفض نصيحة محاميه بعدم التحدُّث إلى جهات إنفاذ القانون.

وقد أشار مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أنّ كرافت قال، "إنّه أشار إلى خورخي وتوليدو بنعتهما بـ "بيفيس" و"بوت هيد"، وأنّهما كالأطفال، بلا رُقيّ أو ذكاء". وهو "لم يكن يعلم سبب مجيئهما، وطلبهما مئات الملايين من الدولارات من دون خطة واضحة"، وقد أرسلهما غوايدو كمُمثّلين فنزويليين للحكومة الجديدة. وأفادت التقارير أنّ الرجلين أبلغا كرافت بإمكانية نقل حاويات شحن إلى فنزويلا، ولكن بتكلفة تفوّق ما توقَّعه بأربعة أضعاف تقريباً. وجاء في ملفّ مكتب التحقيقات الفيدرالي، "لم يعتقد كرافت أنّ التكلفة معقولة، وافترض أنّهم يستنزفون المال.

وقد أكّد غودرو هذا الوصف، حيث أخبر كرافت أنّه تعرّض للاحتيال بمبلغ بنحو 30 ألف دولار من قبل الثنائي اللذين بدَّدا الأموال على الفنادق الفاخرة، والمشروبات الكحولية باهظة الثمن، والعاهرات. وعندما اتّصل غودرو بكرافت ليخبره أن توليدو وخورخي استخدما بطاقة الائتمان الخاصة به، كما جاء في مقابلة مكتب التحقيقات الفيدرالي، قال إنّها كانا ينفقان المال على العاهرات، وزجاجات النبيذ التي تبلغ قيمت الواحدة منها ألف دولار، ومواعيد العناية بالأظافر لصديقاتهما.

في رواية كرافت، لم يرد قطُّ المشاركة في العمليات العسكرية، معتبراً أنّ دور منظّمة "الحكومات العالمية" يقتصر على حماية شحنات المساعدات الإنسانية. وتشير ملاحظات مقابلة مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أنّه "قيل لكرافت إنّه إذا استطاع إيصال الموارد إلى شعب فنزويلا عند دخول المعارضة، فسيكون المقاول الرئيسي في فنزويلا". لو كان قد جاء إلى البلاد لاستخراج الثروة، لكان عليه أولاً أن يتعامل مع المحتالين المحليين الذين وفّروا له خطه المباشر مع الحاكم المحتمل لفنزويلا ما بعد مادورو. ومنذ البداية، بحسب مكتب التحقيقات الفيدرالي لقد كانت لدى كرافت مخاوف بشأن الثقافة الفنزويلية وتحديداً، "قال إنّ الفنزويليين إذا رأوا شيئاً ما، فسوف يسرقونه. ولتوضيح وجهة نظره، أشار كرافت إلى فريق مُكوَّن من زوج وزوجة لم يكشف عن هويتهما، قال إنّهما حصلا على نحو 200 ألف دولار من حفل المساعدات الإنسانية الذي رعاه ريتشارد برانسون في كوكوتا بكولومبيا في شباط/فبراير 2019.

وأضاف غودرو لموقع "ذا غراي زون" أنَّ مجموعة ريندون، "كانت تُنفّذ هجمات على البنية التحتية، أو تُسهّل هجمات على البنية التحتية في فنزويلا، منذ عقد تقريباً". وأضاف، "هذه كلُّها مشاريع سرّية للغاية، ومعلومات حساسة مُنسَّقة تُشرف عليها وكالة المخابرات المركزية من خلال هذه الشركات الخاصَّة". وبحسب بامفورد، كشفت وثائق البنتاغون أنّ مجموعة ريندون كانت مُخوَّلةً "بالبحث وتحليل المعلومات المُصنَّفة حتى السرّية للغاية، وهذا أمر غير عادي يُشير إلى أنّ ريندون يتمتَّع بالقدرة على الوصول إلى أكثر المعلومات سرّية من جميع أشكال جمع المعلومات الاستخباراتية الثلاثة، التنصُّت، وصور الأقمار الصناعية، والجواسيس من البشر.

وأكّد غودرو أنّ حملة التخريب طويلة الأمد التي شنَّتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية امتدَّت لتشمل قطاع إنتاج النفط في فنزويلا أيضاً. وأشار إلى انفجار مُميت وقع في عام 2012 في أكبر مصفاة في البلاد، وأسفر عن مقتل ما يقرب من 50 فنزويلياً. وقال غودرو إنّه "كان هجوماً كبيراً، وأودى بحياة العديد من الفنزويليين، نفَّذته المخابرات الأميركية بالتعاون مع مُخرّبِين من المعارضة الفنزويلية.

ومن بين المواد الكاشفة التي قدَّمها غودرو أيضاً رسالة بريد إلكتروني أرسلها مُمثّل منظَّمة تُطلق على نفسها اسم "الديمقراطية الافتراضية"، مع مرفق يفصّل مُقترحات لخلق "ظروف عدم القدرة على الحكم" في فنزويلا من أجل الإطاحة بحكومة مادورو. وقد أُرسلت الرسالة الإلكترونية في 8 كانون الأول/ديسمبر 2019 إلى درو هورن، أحد كبار مساعدي نائب الرئيس مايك بنس، من قبل يوهان أوبدولا وهو رئيس سابق لمكافحة المخدّرات في فنزويلا. ورغم أنّ الرسالة تحمل اسمه وتوقيعه، إلا أنّها قُدّمت على أنّها من إعداد مجموعة من 6 أشخاص، من بينهم الأدميرال البحري المتقاعد مولينا تامايو، وهو ضابط عسكري من وحدة النخبة أدّى دوراً محورياً في انقلاب عام 2002 ضدّ تشافيز. ويظهر عنوان الوثيقة أنّ الرسالة كانت مُوجَّهة مباشرة إلى نائب الرئيس بنس.

وقد احتوت الوثيقة التي كُتبت بلغة إنكليزية مليئة بالأخطاء النحوية، على مجموعة من المقترحات لشنّ هجمات إرهابية في جميع أنحاء فنزويلا، بما في ذلك عمليات إطلاق "الشائعات"، ونشر فيروسات "التهاب الكبد، والإنفلونزا، والحصبة، وحمى الخنازير" في غرف تبديل الملابس في نوادي كاراكاس الريفية التي يرتادها المسؤولون الحكوميون، فضلاً عن تمويل تمرُّد مُخطَّط له من خلال مصادرة عوائد "مُنتجات المخدّرات".

وقد تضمَّنت الخطَّة تدريب ما بين 400 و500 مقاتل في معسكر مويوك بولاية كارولاينا الشمالية، وهو منشأة تدريب تُديرها شركة "أكاديمي" العسكرية الأميركية الخاصَّة، المعروفة سابقاً باسم "بلاك ووتر". وكان المعسكر مملوكاً لإريك برينس اليميني وشريك ترامب، والذي تعهَّد بقيادة غزو مُسلَّح لفنزويلا للإطاحة بمادورو. لكنّ غودرو رفض هذه الخطّة باعتبارها مستحيلة التنفيذ تقريباً، مشيراً إلى موقع "ذا غراي زون" عن أنّ "500 رجل مقابل 50 ألف جندي فنزويلي لديهم القُدرة على التحرُّك في المدينة مع دعم جوّي جيد بطائراتهم السوخوي، مقابل الطائرات المروحية لإريك برينس، لا أعتقد أنَّ هذا من شأنه أن يخدش الطلاء إطلاقاً".

وفي مقابلة مع موقع "ذا غراي زون"، أنكر أوبدولا علمه بالمقترحات الأكثر إثارةً للقلق في الوثيقة، مُدَّعياً أنّ الوثيقة تم "التلاعب بها"، من قبل شخصية معارضة واحدة أو أكثر ممَّن وقَّعُوها. وأكَّد أنَّ التوقيع الرقمي على الوثيقة هو توقيعه، لكنَّه أعرب عن دهشته من إرسالها عبر البريد الإلكتروني إلى درو هورن، مع أنَّ الرسالة صدرت من بريده الإلكتروني الشخصي.

وكان أوبدولا قد شارك في جهود سابقة لفرض ما يُسمَّى بالحكومة الانتقالية على فنزويلا، لكنَّه انفصل منذ ذلك الحين عن فريق غوايدو، الذي وصفه بالسارق مُدَّعياً أنَّه وجماعته تلقَّوا مبالغ ضخمة من المال من الحكومة الأميركية، لكنَّهم "سرقوا كل شيء". ورغم أنَّ المعارضة الفنزويلية ربَّما لم تُنفَّذ قطّ مُقترحات الديمقراطية الرقمية بشأن الإرهاب على مستوى البلاد، فقد واصلت أجهزة الاستخبارات الأميركية شنَّ هجمات تخريبية داخل البلاد على أمل عبثي في ​​إلهام تمرُّد ضد مادورو.

قرابة الساعة الخامسة مساء يوم 7 آذار/مارس 2019، شهدت فنزويلا أشدَّ انقطاع للكهرباء في تاريخها في إثر عطل في محطة توليد سدّ سيمون بوليفار الكهرومائي، الذي يقع على حافَّة خزّان مياه غوري الضخم، ويُوفّر ما يقرب من ثلاثة أرباع إمدادات الكهرباء في البلاد. وفي غضون دقائق احتفل السيناتور آنذاك ماركو روبيو، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكتب، "18 ولايةً من أصل 23، إضافة إلى منطقة العاصمة، تواجه حالياً انقطاعا تامّاً لِلتيار الكهربائي في فنزويلا، كما انقطعت الكهرباء عن المطار الرئيسي، وتعطَّلت المولدات الاحتياطية". ولم يتَّضح في حينه كيف تمكَّن سيناتور أميركي من الاطلاع على هذه المعلومات المُفصَّلة عن شبكة الكهرباء في فنزويلا، خاصَّةً وأنَّ كاراكاس كانت لم تصدر بياناً عن الحادث بعد.

وبينما كان بومبيو يحتفل ويهتف، "لا طعام. لا دواء، والآن لا كهرباء، ثم، لا مادورو"، ولكيلا يتأخَّر عنه، كتب خوان غوايدو على "تويتر"، "سيعود النور عندما ينتهي اغتصاب مادورو. وقد فُصلت المزيد من عمليات التخريب الأميركية في مقالة نشرتها "ويرد" عام 2024، والتي كشفت أنَّ وكالة المخابرات المركزية نفَّذت في عام 2019 هجوماً إلكترونياً على النظام المسؤول عن صرف رواتب الجنود الفنزويليين، مستشهدة بأربعة أعضاء من إدارة ترامب ومسؤولين في لانغلي، بينما أثارت الهجمات الأميركية السرّية حفيظة الحكومة الفنزويلية، إلا أنّها لم تُحْدث أيّ تغيير على أرض الواقع. وفي غضون ذلك، استمرّت مؤامرة غودرو في التبلور.

اجتماعات التخطيط مع بولتون وأبرامز

وفقاً لساينز بحلول الوقت الذي اجتمعت فيه منظَّمة "الحكومات العالمية" مع بيتانكور في 11 أيار/مايو 2019، كان الحاضرون جميعهم على علم أنَّ غودرو يُعدُّ لعملية عسكرية ضد فنزويلا. وفي ذلك الاجتماع، قال ساينز إنَّ شيلر أمرهُ صراحةً بأنَّ أي تفاصيل تتعلَّق بالبيت الأبيض يجب أن تُمرّر من خلاله. وقال ساينز أيضاً إنَّ كرافت وعد بالتواصل مع جهات اتّصال في وزارة الخارجية، إضافة إلى جون بولتون، مُستشار الأمن القومي للبيت الأبيض آنذاك، وإليوت أبرامز، الممثّل الخاصّ للولايات المتحدة آنذاك في فنزويلا.

ويُعتبر كل من بولتون وأبرامز من الشخصيات الدائمة في البيت الأبيض الجمهوري، وقد قضيا عقوداً في محاولة الإطاحة بالحكومات ذات الميول المستقلَّة في جميع أنحاء العالم. وفي أثناء عمله وكيلاً لوزير الخارجية لشؤون الحدّ من التسلُّح في عهد جورج دبليو بوش، ساعد بولتون في تلفيق أدلَّة على سعي العراق للحصول على اليورانيوم "الكعكة الصفراء" من النيجر. وبصفته مُديراً لمجلس الأمن القومي في إدارة ترامب، كان بولتون مهوُوساً بإسقاط الحكومات من طهران إلى كاراكاس. وقد حمّل الرئيس نيكولاس مادورو بولتون مسؤولية محاولة اغتياله الفاشلة بطائرات مسيّرة مُحمَّلة بالمتفجّرات خلال عرض عسكري عام 2018، وصرَّح لموقع "ذا غراي زون"، خلال مقابلة أجريت معه بعد عام، "جون بولتون حاول قتلي". وخلال مقابلة تلفزيونية أجريت معه في عام 2022، أقرَّ بولتون بنفسه بأنه "شخص ساعد على التخطيط للانقلابات، "ليس هنا كما تعلمون، ولكن في أماكن أخرى.

من جانب آخر أدين أبرامز بالكذب على الكونغرس بشأن دوره في قضيَّة "إيران كونترا"، بعد أن وجد أساليب مُبتكرةً مُتنوّعةً لتمويل فرق الموت المعارضة في أميركا الوسطى، بعد أن منع المجلس التشريعي الأميركي إدارة ريغان صراحة من القيام بذلك. وهو يوصفُ بالعميل المحافظ والمسؤول في إدارة بوش الذي أعطى الضوء الأخضر للانقلاب على هوغو تشافيز عام 2002.

ووفقاً لتصريحات ساينز لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ذكر كرافت أنَّ قائد القيادة الجنوبية كريغ فالر، طالب التحقيق بشفافية في العملية. وبالنظر إلى هذه التصريحات الصادرة عن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، فقد عزَّزت لدى ساينز اعتقاده بأنَّ كرافت كان يتواصل مع الحكومة الأميركية، وقال إنَّه شعر بأنَّ هذا "يُعطي مصداقية لعمليتهم". وعلى نحو منفصل، قال غودرو لموقع "ذا غراي زون"، إنَّ بيتانكورت عقد أيضاً اجتماعات مع كل من أبرامز وبومبيو، و"كان من الغريب أن يجتمع بيتانكورت معهما، فهو أحمقُ بكل معنى الكلمة".

خُطوات "استعادة فنزويلا"

 في 14 أيار/مايو 2019، أرسل ساينز بريداً إلكترونياً إلى كرافت، وشيلر، ولوكاس، وشركتين تابعتين لمنظّمة "الحكومات العالميَّة". وافتتح الرسالة بنصح مستلميها بعدم مُشاركتها مع جهات خارجية، ولخصَّ بها نتيجة اجتماعه الأخير مع بيتانكورت. وكان قد حضر الاجتماع أيضاً كل من شقيقه، بيدرو بول بيتانكورت، الذي كان مُرشحاً لمنصب مُستشار سياسي، والذي كان يعمل سابقاً في حزب "التَّطوُّع الشعبي" التابع للوبيز، وهيكتور دي بونافينتورا، الذي وصفهُ ساينز بأنَّه " السَّاعد الأيمن لتوليدو في ميامي"، ودانيال إيشينا غوسيا، وهو فنزويلي إيطالي أُلقي القبض عليه في فنزويلا عام 2024.

أخبرَ ساينز قادة منظَّمة الحكومات العالمية أنَّ الاجتماع بدأ بـملخَّص للوضع الميداني فِي فنزويلا قدَّمهُ بيتانكورت، الذي وصفه ساينز بأنَّه "الصوت الأبرز خلف ليوبولدو لوبيز". وقد تضمَّن فقرات لم تقتصر على "المساعدات الإنسانية وحقوق الإنسان"، بل تناولت قضايا أكثر خُطورة، بما في ذلك "استراتيجية التمرُّد" و"الدعم العسكري". وفي النهاية، كُلِّف بيتانكورت بتنسيق "الأمور جميعها لأجل تحرير فنزويلا"، بحسب ساينز.

ومع "انهيار النظام الحالي، وعجزه عن تلبية الاحتياجات المستقبلية للجيش"، كما نقل ساينز عن بيتانكور، بأن المعارضة ضيّعت فرصة إنشاء قناة اتِّصال مع القُوّات المُسلَّحة الفنزويلية. وكجزء من هذا التواصل العسكري، "حضّرت المعارضة مجموعات بيانات لِلعسكريين"، تضمَّنت "الأسماء الكاملة للجنود، ورتَّبهم، وعناوينهم، وعائلاتهم" بحسب سايْنْز، وهي خطوة يراها أي جيش في العالم خطوة عدوانية.

وأوضحت الرسالة الإلكترونية، وردود كرافت الموافقة بوضوح تامّ عن أنَّ جميع أعضاء فريق "الحكومات العالمية" كانوا على علم بخطط غودرو وشخصيات بارزة في المعارضة الفنزويلية لمحاولة انقلاب عنيفة ضد مادورو، كان الاختلاف الوحيد حول كيفية تنفيذ الخُطَّة. وبحسب بيتانكورت، كانت هناك 3 أهداف أولها "إنشاء وتنفيذ استراتيجية شاملة للإطاحة بالنظام الحالي،" ثم تنفيذ "خطة استراتيجية للاستدامة، خلال "فترة الانتقال"، وثالثاً، "استعادة فنزويلا".

كانت هذه المرحلة الثانية، التي أطاحت خلالها المجموعة بالحكومة الفنزويلية نظرياً، من دون استبدالها بعد عملياً، لكنَّها ما "يُبقي السيد بيتانكورت مُستيقظاً"، كما ذكر ساينز، مُضيفاً أنَّه "وآخرون قلقون للغاية من أنَّهم لن يتمكَّنوا من الحفاظ على السلطة عند تولّيهم السلطة". ولتوضيح التفاصيل، اقترح بيتانكور إنشاء 3 مجموعات عمل في واشنطن وميامي وبوغوتا.

وبالنسبة للمجموعة التي تتخذ من واشنطن مقرّاً لها قال ساينز، "أعرب السيد بيتانكورت عن اهتمامه بأن تعمل منظمة "الحكومات العالمية" مع أعضاء من مجموعة ريندون"، في إشارة إلى شركة العلاقات العامة المرتبطة بوكالة المخابرات المركزية، والتي ربطها غودرو بهجمات التخريب داخل فنزويلا. واختتمت وثيقة بيتانكورت بقائمة الخطوات التالية، والتي تضمَّنت مؤتمراً عبر الفيديو مع ليوبولدو لوبيز ومُقترح تنظيم وتنسيق زيارة جوردان إلى بوغوتا.

كذلك، اجتمع ساينز، وشيلر، وكرافت، وتوليدو، وبيتانكورت في غرفة بفندق هيلتون في ولاية فلوريدا، وعقدوا مكالمة فيديو مع لوبيز، صانع القرار في المعارضة الفنزويلية. يقول ساينز إنَّ شيلر أدَّى دوراً أكثر فاعلية في هذا الاجتماع، وأفاد المعارض الفنزويلي أنَّه "بإمكانه الاعتماد عليهم وأنَّهم كانوا حاضرين لدعمه". ومع انتهاء النقاش، تذكَّر ساينز أنَّ شيلر وزَّع أقلاماً من البيت الأبيض وعُملات معدنية من فترة عمله في إدارة ترامب. وقال ساينز لمكتب التحقيقات الفيدرالي إنَّ هذه الهدايا التذكارية أعطت المشاركين الانطباع بأنَّ البيت الأبيض يقف بثبات وراء المشروع.

استراتيجية التمرُّد

كان غودرو مُختبئاً في منزل على بعد 25 دقيقةً من بوغوتا إلى جوار توليدو وبيتانكور. ووفقاً لتوليدو حوّل الأميركي المكان في الداخل إلى غرفة عمليّات على طراز هوليوود، حيث عُرضت خرائط فنزويلا وإحداثياتها على طاولات، إلى جانب صُور لأهمّ الأهداف من ضمنها الرئيس مادورو، والوزيران الكبيران خورخي ورودريغيز. وعُلَّقت على أحد الجدران قصاصات ورقية تحمل كلمات سرّية ترمزُ إلى الخطوات الواجب اتّخاذها قبل الانقلاب وأثناء تنفيذه، وبعده لضمان نجاحه. وكانت الكلمة السرّية الأبرز، "سرد"، مكتوبة على نحو خاطئ، مع ذلك، ظلَّ غودرو وبيتانكور على خلاف حول كيفية تنفيذ العملية.

وُضعت صورة مُؤرَّخة في 2 حزيران/يونيو 2020، تُظهر "استراتيجية التمرُّد" التي اقترحها بيتانكورت في خطَّة معركة مكتوبة بخطّ اليَدِ، وتضمنت أسماء رمزية مختلفة وأهدافاً رفيعة المستوى في الحكومة الفنزويلية، كذلك جدولاً زمنياً يدعو إلى أعمال شغب في السجون، وحملة "تضليل إعلامي" في منطقة بيمونيس الفنزويلية، و"عمليات سرّية"، وهجوماً واضحاً على أسطول طائرات سوخوي الهجومية الفنزويلية. و"سيتوَّج كل ذلك، بطريقة أو بأخرى، بـتمرُّد شعبي".

وفقاً لغودرو صاغ بيتانكورت الذي يُصنَّف نفسه كرأس قيادي الوثيقة، وخطَّط مع توليدو لدفع أموال لأعضاء المعارضة لإثارة سلسلة من أعمال الشغب في السجون لزعزعة الاستقرار، كخطوة نحو انتفاضة وطنية. وفي ذلك الوقت كانت عصابة "ترين دي أراغوا" هي المسيطرة على سجون فنزويلا، وعلى الأرجح كانت تتلقَّى التمويل من المعارضة. ومنذ ذلك الحين، استخدم ترامب معلومات مُضلّلةً لإلقاء اللوم على الرئيس مادورو في "غزو ترين دي أراغوا" للولايات المتحدة بتهريب المخدّرات.

قال غوردرو، "لم يستطع بيتانكورت نسيان فكرة الثورة الشعبية، التي لطالما اعتبرتها سخيفة منذ فشلها في 19 نيسان/ أبريل 2019. وكنت أعلم أنَّنِي سأحتاج إلى أشخاص ذوي نفوذ في الجيش، والمشكلة أنَّ الجيش الفنزويلي كان يكره بيتانكورت، وتوليدو وليوبولدو ولوبيز وغوايدو، ولم يثق بهم". وهذا صحيح.

وأضاف غودرو أنَّ بيتانكورت وفريقه كانوا يحتقرون القيادة العسكرية الفنزويلية بشدَّة، وخاصَّةً وزير الدفاع فلاديمير بادرينو وعضو الجمعية التأسيسية آنذاك ديوسدادو كابيو، لدرجة أنَّهم كانوا مهووسين بقتلهم. ولقد استشاطوا غضباً عندما قلت إنَّه يجب السماح لهؤلاء الرجال بالفرار أو القبض عليهم". وفي 19 حزيران/يونيو 2019، كشف غودرو عن خطَّته الرئيسية لتغيير النظام في فنزويلا خلال اجتماع في فندق جيه دبليو ماريوت في بوغوتا في كولومبيا مع ساينز وتوليدو وبيتانكور.

وسُرعان ما انحرف الاجتماع عن مساره عندما وجد نشطاء المعارضة الفنزويلية أنفسهم إلى طاولة واحدة مع كليفر ألكالا، الضابط العسكري الفنزويلي السابق الحائز على أوسمة رفيعة في أثناء خدمته في عهد تشافيز. وقد بدا ألكالا مُخلصاً لثورة بلاده البوليفارية، لكن بعد انتخاب مادورو اصطدم بالرئيس الجديد، وانضمَّ إلى صفوف المعارضة، بينما ينظرُ مُقرَّبون من غوايدو إلى ألكالا بريبة شديدة، ليس فقط بسبب ماضيه التشافيزي، بل أيضاً بسبب شائعات تورُّطه في تجارة المخدّرات، ويخشون أن يُشوّه وجوده صورتهم لدى داعميهم في واشنطن.

أخبر توليدو مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه صُدم بتورط ألكالا الجنرال الفنزويلي السابق في تهريب المخدرات. وبتاريخه كملتزم بالخط الشافيزي، قال توليدو إن اجتماعه معه كان بمثابة "مواجهة العدو وجهاً لوجه". إلا أنَّ غودرو زعم أنَّ توليدو هو من عرّفه على ألكالا في المقام الأول. وقد أُطلق على ألكالا الاسم الحركي "سيزار" خلال مرحلة التخطيط لعملية الانقلاب. وهو كرّس نفسه لتدريب المنشقين الفنزويليين، الذين تخلى عنهم غوايدو بعد استجابتهم لدعوته إلى إلقاء السلاح والفرار إلى كولومبيا في خضم محاولة الانقلاب الفاشلة في نيسان/أبريل 2019.

أوضح غودرو، لقد "كان الجنرال كليفر ألكالا مسؤولاً عن العملية. لذا كنتُ سأتواصل مع الوحدات العسكرية الفنزويلية التي حشدها ألكالا داخل فنزويلا، وكنا سنُحفّز ثورةً". وأصر غودرو على أنَّ دوره سيكون نقل الدعم الأميركي للمؤامرة من أجل ضمان نجاحها، "كنا بحاجة إلى أن يرى الفنزويليون على الأرض وجه ألكالا ليدركوا أنَّ هذا كان يحدث بالفعل، وهو موثوق به، ويحظى بدعم الولايات المتحدة.

كان غودرو حذراً في البداية من ألكالا، مُشتبهاً في أنَّ الجنرال ما يزال "مؤيداً لتشافيز في قرارة نفسه. لكن طوال فترة وجودهما معاً، يقول غودرو، "لم يكذب عليّ ولو لمرة واحدة، ولم يُظهر أي علامات خداع". وخلص جندي القبعات الخضراء المخضرم إلى أن ألكالا سيكون حليفاً مُفيداً، إذ إن خبرته العسكرية قد تُسهم في استقطاب قوات فنزويلية أخرى إلى صفهم خلال الانقلاب المُخطط له. كما اعتقد غودرو أن ألكالا يُمكن أن يُساهم في تمثيل مصالح فصائل المعارضة الأكثر اعتدالاً التي لا تُحب غوايدو.

إلى جانب ألكالا، وضع غودرو خطةً لعدد من قدامى المحاربين في العمليات الخاصّة الأميركية لتدريب مجموعة من المنشقين العسكريين الفنزويليين المنفيين في كولومبيا منذ انقلاب غوايدو الفاشل عام 2019. وعندما حان وقت الهجوم، ادعى غودرو أنّ فريقه سيتسلل إلى فنزويلا وينضمُّ إلى وحدات عسكرية فنزويلية يُزعم أنَّها مستعدة للانقلاب على مادورو. وصرح توليدو لمكتب التحقيقات الفيدرالي بأنَّه اعتبرها "مهمة انتحارية". وينفي غودرو التلميحات بأنَّه سعى للقبض على الرئيس الفنزويلي الحالي أو قتله، مُدعيا أنَّه كان بحاجة فقط إلى تشتيت انتباه مادورو وإبقائه هارباً لفترة كافية لتشكيل مجلس عسكري معارض.

أدرك غودرو أنَّ العديد من شخصيات المعارضة الفنزويلية عارضت السماح للجنرال ألكالا بتولّي أي دور بارز في فنزويلا ما بعد مادورو، وهي مجموعة اشتبه ممثل القُوّات الخاصَّة في أنَّ بيتانكورت وتوليدو من بين أفرادها. وقال إنَّ شكوكه تأكَّدت بعد أن رتَّب سرّاً لتسجيل مُحادثة مع بيتانكورت وتوليدو خلال اجتماع حزيران/يونيو 2019، في فندق ماريوت في بوغوتا. وكان الشخص الذي نفَّذ عملية التسجيل السرّية هو قائد سابق للحرس الوطني الفنزويلي، أرتورو خوسيه غوميز مورانتي، الذي اتّهمتهُ حكومة مادورو بتنفيذ العديد من عمليّات الاختطاف في البلاد هذا العام.

وفي التسجيل ينتقد بيتانكورت وتوليدو ألكالا بوضوح، ويناقشان رغبتهما في تقييد دور الجنرال في العملية. كما ناقشا استعدادهما لإعادة تأهيل بعض القادة الفنزويليين البارزين الذين يسعون للإطاحة بمادورو، والمساعدة على رفع العقوبات الأميركية عنهم، ولكن ليس عن ألكالا. يُسمع توليدو أيضاً وهو يُقرُّ بسفره إلى كولومبيا لمناقشة المؤامرة مع الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي، اليميني المتشدّد والموالي للولايات المتحدة، والذي يُزعم أنَّه وافق عليها. ووصف سفير كولومبيا آنذاك لدى الولايات المتحدة، فرانسيسكو سانتوس كالديرون المعروف باسم باتشو سانتوس، بأنَّه "من يُدبّر كل هذا". وفي تعليقاته، يقول توليدو إنَّ سانتوس سعى إلى استخدام ميليشيات المعارضة الفنزويلية المنشقة لشن هجوم على الميليشيات شبه العسكرية اليسارية المعروفة باسم جيش التحرير الوطني.

يقول توليدو ذهبت للتحدُّث إلى السفير باتشو سانتوس، الذي، في رأيي، هو "صاحب الجرأة الأكبر في كل هذا الوضع، وهو مجنون". وأضاف أنَّ المسؤول الكولومبي "اقترح ما يُسميه خطَّةً تدريجية" حيث ستقوم المعارضة الفنزويلية "بجمع 38 شخصاً، سنذهب إلى هناك، سنُلقن أولئك الأوغاد من الجيش الوطني درساً ثم ننسحب". كما أنَّ سانتوس أخبر توليدو أنَّ لديه "طلباً واحداً فقط من حكومة أوريبي" وهو أنَّه في مرحلة ما يجب أن نبدأ التنسيق بين الأشخاص من وكالة الاستخبارات المركزية والأشخاص هنا.

وهناك شخص واحد فقط، خوان كروز، وهو شخص ماهر جدّاً، يقول توليدو، مُشيراً إلى الرئيس السابق لعمليات وكالة الاستخبارات المركزية في أميركا اللاتينية. و"لماذا يثقون بخوان كروز إلى هذا الحدّ، ببساطة بسبب كونه كان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية هنا". وأكَّد توليدو أنَّه لم يلتق كروز من قبل، حتى قدَّمه له السفير الكولومبي. ومع ذلك، وبسبب الدور القيادي لكروز في لانغلي، "نحن نثق به ليس حتى بترامب، بل به هو.

عندما أشار الرجل الذي كان يُسجّل أرتورو مورانتي، إلى أنَّ هذا يعني "أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية يجب أن تكون على علم" بخططهم في فنزويلا، وأكَّد توليدو ذلك بقوة. وقال إنَّه بمجرَّد أن تلتزم وكالة الاستخبارات المركزية والحكومة الكولومبية بدعم الخطَّة، "سأُمهّد الطريق، وأدخل الأسلحة، وسأقوم بكل شيء." ومع ذلك، أشار إلى أنَّه لا تزال هناك "مشكلة" اِسْمُها سيزار"، مُستخدماً الاسم الرمزي للجنرال السابق كليفر ألكالا.

ووفقاً لتوليدو، قدَّم له ليوبولدو لوبيز قائمة تحتوي على 22 اسماً، وأنَّ إدراج أي من هذه الأسماء في أي عمليات سيُعتبر انتهاكاً لـ"خطّ أحمر". وَصارح لوبيز، "نحن مُستعدُّون لدعم أي شيء مع أي شخص باستثناء هؤلاء لائحة الأسماء هذه وأوَّلهم سيزار". وفيما بعد، أخبر توليدو مكتب التحقيقات الفيدرالي أنَّهُ عندما علم بأمر التسجيل السرّي استنتج أنَّ مُورانتي قد اختُرق بناء على هذه الحقيقة. ومع تزايد الخلافات داخل دائرة اتصالاته الفنزويلية، واصل غودرو تنفيذ عمليته.

عقد "القبض أو الاحتجاز أو الإزالة"

في الولايات المتحدة، لم تكن وكالة الاستخبارات المركزية هي الجهة الوحيدة التي يزعمُ أنَّها مُنحت موافقتها على العملية. ووفقاً لشهادة ساينز أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي، ادَّعى كرافت أنَّه التقى شخصياً بالرئيس ترامب بعد تجمُّع انتخابي في ولاية كارولاينا الشمالية في صيف عام 2019. وخلال المحادثة، قال إنَّهما ناقشا كيفية ترتيب الأسلحة والتمويل للمشروع. ومن جانبه، يقول غودرو إنَّ كْرافت أخبره بأنَّه التقى نائب الرئيس مايك بنس في فعالية ذلك الصيف وأبلغ الرجل الثاني في إدارة ترامب بوضع عملية فنزويلا. ومع ذلك، وعلى الرغم من استمراره في الحضور المُتكرّر إلى البيت الأبيض، لم يتمكَّن رجل الأعمال من توفير التمويل الذي كان غودرو بحاجة إليه. ويقول غودرو إنَّه كان يعتقد في البداية أنَّ جهات اتصاله في منظّمة "الحكومات العالمية"، وخاصَّةً كرافت، ستعوضه عن الأعمال التي نفَّذها فريقه. ولكن بحلول صيف عام 2019، كانت نفقات غودرو تتراكم، ولم تكن منظمة "الحكومات العالمية"، قد قامت حتى ذلك الحين بسداد مستحقّاته.

في مُلخَّص مقابلته مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، قال توليدو إنَّه قطع اتصاله بالقبعات الخضراء عقب اجتماع مُتوتّر انتهى بنقاش حادّ. وبحسب رواية توليدو، طالب غودرو بدفع أجر مقابل عمله في المشروع. وعندما رفض، عرض عليه غودرو، كما يقول، أن يريه أسلحة في صندوق سيارته بالخارج، وعندها طلب منه "مغادرة مكتبه وعدم العودة". ويُؤكّد توليدو الآن أنَّه أبلغ لاحقاً كبار أعضاء المعارضة الفنزويلية الخمسة بهذا التواصل، مُحذّراً من أنَّ غودرو "المُتهوّر" كان "مجنوناً". لكن على الرغم من ثُبوت عدم موثوقية كرافت كممول، وطرده توليدو، لم يستنفد غودرو جميع خياراته. وفي صيف عام 2019 صرَّح غودرو بأنَّ شركاء فنزويليين آخرين ربطوه بخوان خوسيه "جي جيه" ريندون، وهو مستشار ثري مشهور، ومُتحدّث في مؤتمرات تيد، يعمل مع سياسيين من أميركا اللاتينية مؤيدين للولايات المتحدة ولا تربطه أي صلة بـمجموعة "ريندون". وبعد أن نجح في إدارة الحملات الرئاسية للمرشَّح الكولومبي ألفارو أوريبي، وعمل معه كأرفع مستشاريه خلال فترة ولايته، واجه مزاعم بتلقّيه مدفوعات سرّية من تُجّار مخدّرات محلّيين.

امتدَّ نفوذ ريندون إلى ما وراء الحدود الفنزويلية، وكان مُرشداً مُؤثّراً للمعارضة المدعومة من الولايات المتحدة. وبحلول الوقت الذي تواصل فيه ريندون مع غودرو، كان غوايدو قد عيَّنه مُديراً للجنة الاستراتيجية التابعة له لدراسة خيارات الإطاحة بمادورو. وعلى مدار الأشهر القليلة التالية، تفاوض غودرو وريندون على عقد يُمكّن غودرو من تنفيذ انقلابه في فنزويلا بدعم مالي من حركة غوايدو. وقد خُوَّلت مجموعته في الوثيقة باستخدام القوَّة المميتة واعتقال المدنيين، وحدَّدت قواعد الاشتباك المُتبعة، بناء على مستوى "الأضرار الجانبية" المتوقَّعة. ونصَّت على أنَّ غودرو وزملاءه الأميركيين سيبذلون قصارى جهدهم "لإخفاء هُويَّتهم" لضمان أن يُنظر إلى الانقلاب على أنَّه "فنزويلي حصراً".

وبموجب شروط الصفقة، ستحصل شركة غودرو "سيلفركورب" على مبلغ غير قابل للاسترداد قدره 1.5 مليون دولار لإعداد الانقلاب. وقد حدَّد العقد هدف العملية في "القبض على مادورو ومسؤولي الحكومة واحتجازهم وإزاحتهم من السلطة"، وتنصيب غوايدو رئيساً. وفي حال حدوث ذلك، سيحصل غودرو على "مكافأة نجاح" قدرها 10 ملايين دولار. وبلغت التكلفة الإجمالية المُقدّرة للمشروع بنحو 212.9 ملْيونَ دولار. وفي حال فشل الانقلاب، تضمَّنت الوثيقة بنداً غير مألوف يسمح لإدارة غوايدو المزعومة بإنكار أي علم لها بالمؤامرة.

إضافةً إلى ذلك، أدرجَ العقد غوايدو على رأس التسلسل القيادي للعملية، لذلك لم يعتقد غودرو أنَّه يحظى بدعم البيت الأبيض فحسب، بل تأكَّد له العقد أنَّه يتصرَّف بمباركة "الحكومة الفنزويلية المؤقتة"، المدعومة من الولايات المتحدة. مع ذلك، ظهر أنَّ بعض أقرب معاوني غوايدو بدأوا يتردَّدون بشأن الانقلاب. وأشار توليدو إلى اجتماع عُقد في كولومبيا في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2019، نظَّمه رئيس المخابرات الكولومبية رودولفو أمايا، وضمَّ مُمثّلاً عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وخلال هذا الاجتماع، قال توليدو إنّ الحاضرين صاغوا مُذكّرةً تُقيم اختراق حكومة مادورو لشبكة غودرو.

وقال غودرو لصحيفة "ذا غراي زون" إنَّه قبل اجتماع بيتانكورت وأمايا ومسؤول وكالة المخابرات المركزية في كولومبيا، كان قادة المعارضة الفنزويلية "عازمون على قلب فنزويلا رأساً على عقب". لكن بعد ذلك، "تغيَّر كل شيء". وأشار إلى أنَّ ضابط وكالة المخابرات المركزية الذي نظم الاجتماع هو خوان كروز. وأضاف توليدو لمكتب التحقيقات الفيدرالي عن أنَّه غير متأكّد ممّا إذا كان غوايدو قد أُبلغ فوراً بالمذكِّرة التي صدرت عن اجتماع بيتانكور في كولومبيا، لكنَّ ريندون واصل لقاء غودرو.

ورغم إشارات التحذير الواضحة، وقّع غوايدو عقداً مع غودرو بعد يوم واحد بالضبط من المذكرة في 16 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019. ورغم عدم عرضه في الفيديو، راجع موقع "ذا غراي زون" تسجيلاً صوتياً للتوقيع، وخلص إلى أنَّ صوت المشارك يُشبه إلى حدّ كبير صوت خوان غوايدو. ومنذ ذلك الحين، نفى غوايدو مراراً توقيعه أي عقد مع غودرو. وهو يُصرُّ الآن على أنَّ حكومة مادورو هي من زوَّرت التوقيع على العقد، بينما لم يقتنع بهذا الادعاء سوى أقلَّ من 5% من الفنزويليين، وفقاً لاستطلاع في حينه. بعد ذلك، حوّل ريندون 50 ألف دولار أميركي إلى غودرو كدفعة أولى على رسوم التوكيل، وأتمَّ الطرفان الصفقة.

طوال فترة المفاوضات، أبقى غودرو منظَّمة "الحكومات العالمية" على اطِّلاع، وزوَّدْ ساينز مُسوَّدة الاتفاقية. وأبلغ ساينز مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنَّه نصح غودرو بطلب المشورة القانونية، وأطلع ترافيس لوكاس، محامي واشنطن العاصمة الذي يعمل من كثب مع مايك بومبيو، على تفاصيل العقد. وأوضح غودرو أنَّ وجود عقد مع غوايدو يجيز العملية كان أهمَّ مِن التعويض المالي المذكور في العقد. ومع ذلك، يُقاضي غودرو حاليّاً ريندون بتُهمة خرق العقد لعدم سداده باقي المبلغ.

وبعد يوم أو يومين من توقيع العقد، قال غودرو إنَّه التقى في فندق ترامب الدولي بواشنطن مع لوكاس ومحام آخر يدعى جورج سوريال. وقال غودرو إنَّ الثلاثة اجتمعوا لمناقشة عقده مع ريندون. كذلك قال ساينز إنَّ غودرو أخبرهُ عن الاجتماع في فندق ترامب مع لوكاس وسوريال، إلا أَنَّ الأخير قال لموقع "ذا غراي زون": "لم تكن لديَّ أي اتصالات مع غودرو، ولا أذكر حتى إنني التقيته من قبل.

كما قال غودرو أيضاً إنَّه التقى رئيس أمن ترامب السابق، شيلر، في البيت الأبيض. وأضاف غودرو أنَّهما ناقشا المكاسب المالية المحتملة، وأكَّد شيلر "دعم الرئيس" لجهود غودرو. وتُظهر سجلّات زُوّار البيت الأبيض، التي قُدّمت للفريق القانوني لغودرو، أنَّ شيلر زار ترامب في البيت الأبيض في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وهو اليوم عينه الذي وُقّع العقد فيه. وفي حديثه إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، أقرَّ شيلر بلقاء غودرو في فندق ترامب، لكنَّه أصرَّ على أنَّه لم يناقش مسألة "الحكومات العالمية" أو عملية غودرو مع ترامب أو موظفي الإدارة.

ولكن، حتى لو كان نفي شيلر صادقاً، فإنَّهُ لا يُقوّض ادّعاءات غودرو بأَنَّ البيت الأبيض هو الذي سمح بالعملية. وفي الوقت الذي أُبرم فيه العقد رسمياً، أشار غودرو إلى وجود جندي مخضرم آخر من القوات الخاصَّةِ، يُدعى درو هورن عرّفه إليه لوكا، وكان آنذاك مُستشاراً سياسياً لنائب الرئيس بنس. في مقابلة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي في أيلول/ سبتمبر 2021، وصف هورن لقاءه مع غودرو بأنَّه كان أشبه بـ"الغموض والتكتُّم". واستذكر أنَّه بموجب القواعد الأساسية التي وضعها لوكاس، كان من المفترض أن يعرف هو وغودرو بعضهما البعض بأسمائهما الأولى فقط، وأكَّد لوكاس لهورن أنَّ ما يفعله غودرو في كولومبيا إنساني وقانوني.

وردّاً على طلب تعليق تعاملاته مع "الحكومات العالمية" وغودرو، كتب لوكاس، "بصفتي محامياً، لا يمكنني ولا أناقش تعاملاتي أو اتصالاتي مع أي عملاء، حتى لو كانوا محتملين. مع ذلك، يمكنني التأكيد بشكل قاطع أنني لم أؤدِّ أي دور إطلاقاً في محاولة الانقلاب الفاشلة في فنزويلا، ولم أكن على علم بها قبل وقوعها، ولم أتحدَّث أو أتواصل مع أي مسؤول حكومي أميركي بشأن أي انقلاب أو انتفاضة في فنزويلا، وأي ادعاءات بعكس ذلك باطلة تماماً".

"نحن لا نهتمُّ بمدى خطورة الأمر"

الأدلَّةُ المتاحة تدين هورن أكثر. وتظهر نصوص اتصالاته مع غودرو عبر تطبيق الرسائل المشفرة سيغنال أنَّ غودرو وهورن تبادلا أطراف الحديث على نطاق واسع، والتقيا وجهاً لوجه في مناسبات متعدِّدة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وشباط/فبراير 2020، وفقاً لسجلّات الرسائل النصّية. وخلال استجوابه مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، أعرب هورن عن ندمه على تعامله مع غودرو. وجاء في مُلخَّص المقابلة أنَّ هورن قال إنَّه "تصرَّف بحماقة، وكان ينبغي عليه التحقيق في قضية غوردان غودرو قبل تقديم أي مساعدة.

وفي 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أظهرت رسائل نصِّية بين غودرو وهورن أنَّهما يعرفان نفسيهما قرابة الساعة الحادية عشرة صباحاً. في ذلك المساء، اقترح مساعد نائب الرئيس أن يلتقيا الساعة الثانية ظُهراً من اليوم التالي في مطعم يدعى بي جيه كلارك يقع بين البيت الأبيض ومقرّ منظَّمة "الحكومات العالمية"، حيث "يتمتَّعان بقبو هادئ نسبياً. وبعد 5 دقائق من تحديد موعد الاجتماع، أرسل هورن رسالة نصّية إلى غودرو، قال فيها، "لقد تحدثتُ أيضاً مع جهات اتصالي في وزارة الخارجية، وكانت جيدةً.

وفي الاجتماع في اليوم التالي، يقول غودرو إنَّ هورن قال له، "نحن لا نهتمُّ بمدى خطورة الأمر، عندما ننتهي من هذا، سوف تتدفَّق الأموال". يضيف غوردو لقد "كان هورن مُتحمّساً للغاية لوجود شخص يعمل على هذا الأمر، وقد عملنا معاً لعدَّةِ أشهر سعياً للمضي قُدماً في هذا الأمر"، وقد "أبلغني هورن أن العملية مصرح بها على أعلى مستوى. وكان من بين الحاضرين في ذلك اليوم أيضاً جيسون بيردسلي، وهو جندي آخر من قدامى المحاربين في القوّات الخاصَّة والذي كان هورن يعرفه.

وقتئذ، كان بيردسلي يعمل موظَّفاً في وزارة شؤون المحاربين القدامى. وتشير بيانات البريد الإلكتروني التي حصل عليها من خلال نظام الاكتشاف إلى أنَّ هورن كان يعرض سيرته الذاتية في خريف عام 2019 سعياً لمساعدته في العثور على وظيفة في العمليات الخاصَّة أو مكافحة الإرهاب بوزارة الدفاع. وفي إحدى رسائل البريد الإلكتروني، أشاد هورن بخبرة بيردسلي في "قُوّات العمليّات الخاصَّة. وفي مقابلته مع مكتب التحقيقات الفيدرالي في شباط/فبراير 2022، أقرَّ بيردسلي بلقائه بغودرو شخصياً مرَّةً واحدةً فقط، وأصرَّ على أنَّهما تبادلا بضع رسائل نصية فقط بعد ذلك. وأخبر بيردسلي المكتب أنَّهُ لا يتذكر التحدث مع غودرو عبر الهاتف إطلاقاً. ووصف غودرو بأنَّه "راعي بقر ونادل"، وادَّعَى أَنَّ هدفه الوحيد في هذه التفاعلات كان "إبعاد" غودرو عن خُططه في فنزويلا.

وردّاً على جهودهم الرامية إلى إبعاد أنفسهم عنه، يشير غودرو إلى أنَّ هورن وبيردسلي استمرّا في طلب التواصل معه خلال هذه الفترة. وتُظهر سجلّات الرسائل النصّية أنَّ هورن اتَّصل بغودرو عبر تطبيق سيغنال في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2019 لإبلاغه بأنَّ بيردسلي قد طوَّر الخطَّة بشكل أكبر، وجاء فيها "لقد حضّرنا الأمور بأقصى ما في وسعنا، وجيسون لديه الخطوة التالية.

تُشير سجلّات زوار البيت الأبيض إلى حضور بيردسلي اجتماعاً عُقد في البيت الأبيض في 10 كانون الأول/ديسمبر مع جوزيف وير، مدير المبيعات العسكرية الخارجية آنذاك في مجلس الأمن القومي. وفي تلك المرحلة، كانت الإمدادات الوحيدة المُتَّجهة إلى المنشقِّين الفنزويليين في كولومبيا غير فتّاكة، وقد تبرَّع بها تاجر أسلحة في ميامي، وفقاً لغودرو. ورغم رفضه الكشف عن اسم الشخص المسؤول، وصفهُ غودرو بأنَّه "رجل نبيل في ميامي، وهو فنزويلي وطني" لديه "عقود في أميركا الجنوبية لبيع الأسلحة. النارية والمعدات التكتيكية.

ويبدو أنَّ مكتب التحقيقات الفيدرالي يعتقد أنَّ المتهم هو مارك فون رايتزنشتاين، تاجر أسلحة يقيم في مجتمع المغتربين الفنزويليين في دورال بولاية فلوريدا. وتزعَّم شركة فون رايتزنشتاين، أنَّها تبيع "أنظمة الدفاع الراقية" حالياً إلى الجيش الإكوادوري والجيش الإسرائيلي. ونفى الأشخاص الذين تمَّت مقابلتهم من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي أي معرفة بشركة "هيدس" العسكرية، أو مالكها، مارك فون رايتزنشتاين.

كذلك كان بيردسلي قد بعث برسالة نصّية إلى غودرو، قال فيها، "لم أنس، لقد عرضت بعض الأفكار على شخص مُحترم يشرف على مجلس الأمن القومي، وهو شخص موثوق به". وبعد عامين، زعم بيردسلي أن هذه الرسالة أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي، على الرغم من حديثه مع شخص ما في مجلس الأمن القومي، إلا أنَّه لم يناقش غودرو، وأصرَّ على أنَّه ذكر ذلك لزملائه فقط لأنَّه اعتقد أنَّ غودرو كان يحاول التهرُّب من اجتماع.

في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أرسل بيردسلي سلسلة من الرسائل النصّية إلى غودرو يطلب فيها عقد اجتماع شخصي آخر. كما وصف بيردسلي "الأطراف المهتمَّة"، بأنَّهم من خبراء في الأسهم والمالية والسياسة والعمليات والقضايا الإقليميين". وكان من المُقرر عقد اجتماع في 16 كانون الأول/ ديسمبر، لكنَّ الرسائل تُشير إلى أنَّ غودرو طلب تأجيل الاجتماع.

وقد قال بيردسلي في التحقيق، أَنَّه كان سيستغلُّ ذلك الاجتماع للتدقيق في خطط غودرو. وأضاف أنَّ إشارته إلى "الأطراف المعنية" كانت محاولة "لصدم غودرو بالواقع" وإجباره على "الاعتراف أو الصمت". وفي حين زعم ​​بيردسلي أنَّ هذه النصوص كانت جزءاً من طريقته "لتفكيك" غودرو، إلا أنَّها جاءت فيما وصفه وزير الدفاع آنذاك مارك إسبر بفترة من الاهتمام المتجدّد بفنزويلا داخل البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي.

في مُذكّراته لعام 2022، كتب إسبر أَنَّه خلال اجتماع في البنتاغون في 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، أبلغه مُستشار الأمن القومي آنذاك روبرت أوبراين عن العديد من المشاريع الجديدة قيد التنفيذ، بما في ذلك "الخطوات التالية في فنزويلا". وطوال الأسابيع الأخيرة من عام 2019، قال رون كرافت إنَّه أجرى مكالمات هاتفية منتظمة مع ليوبولدو لوبيز، زعيم المعارضة الذي لجأ إلى السفارة الإسبانية في كاراكاس بعد انقلابه العسكري الفاشل في وقت سابق من ذلك العام. وأراد لوبيز معرفة ما إذا كان لدى غودرو أي فرصة للقبض على مادورو. ووفقاً لملاحظات عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، "قال كرافت إنَّه لن يقترب أحد من مادورو إلى هذا الحد، وأنَّ غودرو وكل من حوله سيقتلون أن فعلوا، بينما لم يبد لوبيز أي ردّ فعل يذكر على قول كرافت.

عندما علم كرافت أنَّ غوايدو طلب أن يلتقيه، كان غوايدو قد نصَّب نفسه رئيساً مُؤقَّتاً، وبدأ يفقد زَخْمَهُ، ثم فشل انقلابه العسكري، وكان موضوع تحقيق صحفي في صحيفة "واشنطن بوست" حينئذ، عنونتهُ، "شُعلة غوايدو تتلاشى في كراكاس". وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2019، هبطت شخصيتان معارضتان فنزويليتان، بناء على تعليمات من لوبيز مرشد غوايدو، في طائرة مُستأجرةً في مطار مينوت شديد البرودة، وتوجَّها مُباشرةً لتناول الغداء مع كرافت. وكان أحدهما مُغطَّى بوشوم ملوَّنةً، بِما في ذلك تصميم يُظلله بتركيبةً كيميائية، وقدم نفسه لكرافت باسم "الطبيب الصغير"، ولم يُفصح إلا عن اسمه الأول. أمّا الرجل الآخر، الذي ادَّعى أنَّ اسمه "كارلوس"، فقد حافظ على سرّية هويته طوال الاجتماع. يُذكر أنَّ اسم مندوب" غوايدو في واشنطن، كان كارلوس فيكيو. وقد تعرف كرافت على هؤلاء بوصفهم عملاء استخباراتيين لهم صلات داخل الجيش الفنزويلي، مشيرا إلى خبرتهما الواسعة في مقابلته مع مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وقد حدَّد مكتب التحقيقات الفيدرالي لاحقاً هوية "الطبيب الصغير" بأنَّه سيزار أومانيا، وهو ناشط معارض فنزويلي غير معروف خارج بلاده، ولكنَّه أَدَّى دوراً محوريا في مؤامرات مختلفة لتقويض حكومة مادورو. ويُنسب إليه مساعدة لوبيز على الهروب من السفارة الإسبانية في كاراكاس والانتقال إلى الخارج عام 2019، والتقطت له صورةً في العام نفسه إلى جانب شخصية معارضة بارزة أخرى، وهو قائد شرطة كاراكاس السابق إيفان سيمونوفيس، بعد فراره من الإقامة الجبرية، حيث كان يقضي عقوبةً طويلةً لدوره في أعمال عنف دامية خلال انقلاب عام 2002، حين أطيح لفترة قصيرة بالرئيس هوغو تشافيز آنذاك.

ووفقاً لشبكة "أن بي سي نيوز"، عمل أومانيا عبر قنوات الحكومة الأميركية ومع حكومتين أجنبيتين أخريين، على الأرجح إسبانيا وكولومبيا، لترتيب هروب سيمونوفيس. وأصبح سيمونوفيس لاحقاً عميلاً للحكومة الأميركية، ووصف في مقابلة مكتب التحقيقات الفيدرالي مع نيستور ساينز بأنَّه "شخصية قيّمة للغاية". ويُعرف عن رئيس الشرطة السابق الآن بأنَّه مدير أمن ماريا كورينا ماتشادو، الزعيمة الفعلية الحالية للمعارضة الفنزويلية المدعومة من الولايات المتحدة.

كما نال أومانيا الفضل في تجنيد الرئيس السابق لجهاز المخابرات الفنزويلي "سيبين"، وهو الجنرال مانويل كريستوفر فيغيرا، كمخبر للحكومة الأميركية، الذي وصفته صحيفة "واشنطن بوست" بأنَّهُ " طبيب ورجل أعمال ومغامر" تسلَّل إلى دوائر النخبة، وقد جنده أومانيا لانتفاضة مُخطَّطة في الأول من مايو عام 2019، لٰكنَّها لم تتحقَّق.

ويبدو أنَّ أومانيا قريب من خورخي بيتانكورت، ويزعمُ أنَّه كان يُغطّي فاتورة فندقه في بوغوتا كولومبيا، بينما كان يقيم هناك لعدَّة أسابيع في عام 2019 مع جوردان غودرو - حيث قام هو وليستر توليدو، وفقاً لكرافت، بدفع فاتورة ضخمة للعاهرات.

كذلك، أخبر كرافت مكتب التحقيقات الفيدرالي أنَّ أومانيا و"كارلوس" سعيا لعقد صفقات تجارية مختلفةً معه، وطلبا دعمه لسلسلة من المؤامرات الغادرة ضد الحكومة الفنزويلية، تضمَّنت الأولى الاستيلاء على سفينتي شحن تنقلان النفط من فنزويلا إلى كوبا. وقد كان عملاء غوايدو واثقين من قُدرتهم على الاستيلاء على السفينتين من خلال أفراد طاقم جنَّدوهم لصالحهم، ومن قدرتهم على توجيههما إلى جزر فيرجن الأميركية وتسليمهما للسلطات الأميركية.

استجاب كرافت للخطَّة، لكنَّه طلب خطاب موافقة رسمي من بومبيو، وزير الخارجية آنذاك، قبل التوقيع. وقد أثار كرافت تساؤلات حول تورُّطه مع الاستخبارات الأميركية، بينما "يُمْكنه المساعدة في هذا الموقف بالصعود على متن السفن ومساعدة القبطنة على تجاوز غرفة القيادة وحماية أجزاء من السفينة، بمُجرَّد السيطرة على غرفة القيادة. وفي العرض المقدَّم إلى كرافت إلى "إصدار عملات أوروبية مُزيَّفة لربط فنزويلا بتجارة الكوكايين، وقال كرافت إنَّ الفكرة كانت "تشويه سمعة العملة"، وبالتالي كشف "دور فنزويلا الكبير في توزيع الكوكايين في أوروبا". لكنَّ الاقتراح انطوى على "مُبالغة في الاحتيال"، فرفضه رجل المال. وبعد الاجتماع، قال كرافت إنَّه اكتشف الهوية الحقيقية لـ "الطبيب الصغير"، وبدأ البحث في تاريخ أومانيا، واكتشف أنَّه "سرق الطعام من الفنزويليين" وشعر بسوء تجاهه بناء على ما قرأه عنه.

وقد سادت الشكوك في عمل أومانيا كعميل مزدوج أو حتى ثلاثي في ​​دوائر الاستخبارات الفنزويلية لسنوات، بما في ذلك بين زملاء له في التخطيط للانقلاب. واليوم، تنتشر شائعات حول وفاة أومانيا في ظروف غير عادية بعد عودته إلى فنزويلا. وبعد الاجتماع مع أومانيا و"كارلوس"، وافق كرافت على لقاء شخصية غامضة أخرى تعرف باسم "آكل الأطفال. ووفقاً لصحيفة واشنطن بوست، منح مدير مجلس الأمن القومي لشؤون أميركا اللاتينية، موريكو كلافير كاروني، لقب "آكلُ الأطفال"، بعد مؤامرة تمرُّد عيد العمال الفاشلة التي دبرها أومانيا مع فيغيرا.

وكلافير كاروني محام أميركي من أصل كوبي استغل مناصبه في إدارتي ترامب لتنظيم مؤامرات لتغيير النظام ضد الحكومتين الفنزويلية والكوبية. وخلال إدارة بايدن، تولَّى رئاسة بنك التنمية الأميركي، لكنَّه طرد بعد الكشف عن مُعاملة تفضيلية لمرؤُوسة كانت تربطه بها علاقة غرامية. ويشغل كاروني الآن منصب المبعوث الأميركي الخاصّ لِأميركا اللاتينية. وإذا كان كلافير كاروني هو نفسه الذي طلب عقد اجتماع مع كرافت، فإنَّ هذا من شأنه أن يُعزّز حُجَّة غودرو بأنَّ كبار المسؤولين في إدارة ترامب كانوا على علم تامّ بمخطَّطه الانقلابي.

كذلك، أفاد كرافت مكتب التحقيقات الاتحادي أنَّه ناقش عقداً مع غوايدو لخدمات غير مُحدَّدة، لكن من نصَّب نفسه رئيساً مؤقَّتاً سيحتاج إلى اتِّخاذ إجراءات استثنائية لسداده. كما، "أوضح كرافت أنَّ غوايدو قد يحصل على المال إذا كان مُستعدّاً للتنازل والعمل مع تُجّار المخدّرات. ستكون هذه محاولةً أخيرةً". لكنَّ، ما تزال هوية تُجّار المخدّرات هؤلاء مجهولةً، إذ رفض كرافت طلبا من موقع "ذا غراي زون" للتعليق. إلا أنَّ الصور المنشورة في أيلول/سبتمبر 2019، والتي تُظهر غوايدو بجانب اثنين من قادة كارتل "لوس راستروخوس" للمخدّرات في أثناء نقله من كولومبيا إلى فنزويلا، قد تقدَّم دليلاً على ذلك.

استهداف مادورو

وبينما كانت خطَّة غودرو ماضية، قدِّم مُساعد ترامب الذي جنَّده في البداية بطلب للحصول على ترخيص دولي للاتّجار بالأسلحة. وفي 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أرسلت وزارة الخارجية خطاباً إلى كيث شيلر لإبلاغه بأنَّها تلقَّت بيان طلبه ورسومه للتسجيل كمُصدر للأسلحة. وأخبر شيلر مكتب التحقيقات الفيدرالي أنَّه لا يتذكَّر مناقشة لوائح تصدير الأسلحة خلال تعاملاته مع "الحكومات العالمية" ومع غودرو. وأقرَّ شيلر بتسجيله كوسيط أسلحة، لكنه قال إنَّه لم يستفد من هذا التصنيف. وأضاف أنَّه احتفظ بالتسجيل للعمل مُستقبلاً مع متعاقدين آخرين، باستثناء غودرو.

في 7 كانون الثاني/يناير 2020، أظهرت سجلات الرسائل النصّيَّة أنَّ بيردسلي تواصل مع غودرو وسأله، "كيف حالك". أجابه، "التحرك بسرعة"، "لا تقلق، سأتَّصل بك، فقط أخبرني، أو إذا كان الأمر سريعا جدّاً بحيث تتجاوز الوتيرة البطيئة للشركاء المُهتمِّين، فأخبرني وسننظر في كيفية أو ما يمكننا فعله لدعمك بشكل أفضل،" أجاب بيردسلي، وفسَّر ذلك لاحقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي أنَّ عرضهُ لإيجاد "ما يُمكننا فعله لدعم غودرو بشكل أفضل"، إذا كان يتحرك أسرع من "الأطراف المهتمَّة وكان بمثابة وسيلة لإخبار غودرو بأنَّه لا يحظى بدعم الحكومة الأميركية. وأضاف بيردلسي أنَّه يتوقَّع أن "تتلاشى" خطَّط غودرو من هذه النقطة، بينما سخر غودرو من هذا التفسير لِلنُصُوصِ، وقال لو أراد بيردسلي أن أتوقَّف، لكان بإمكانه بسهولة أن يقول، "مهلاً، اسمعُوا، نحن نسير في اتّجاه آخر. علينا إيقاف العمليات". كان هذا هو الحلُّ، لكنه "لم يفعل ذلك.

في 25 كانون الثاني/يناير 2020، أرسل غودرو رسالةً نصّيةً إلى بيردسلي، "انتهى التحضير. جاهز للانطلاق"، بينما قال بيردسلي لمكتب التحقيقات الفيدرالي إنَّه لا يعرف ما يعنيه غودرو بهذه الرسالة، الأمر الذي رفضه غودرو بشكل قاطع، وقال، نميلُ إلى استخدام لغة إنجليزية بسيطة في الجيش. وحتى في مدارس التجسُّس وعالمه، يبقى الأمر بسيطاً.

غوايدو والبيت الأبيض

بحلول أوائل عام 2020، وبعد وضع الأساس، أرسل غودرو فريقه إلى كولومبيا، بمن في ذلك المحاربون القدامى في القوّات الخاصَّة الأميركية أيران بيري ولوكا دينمان، لتدريب مجموعة متناثرة من قوّات المعارضة الفنزويلية على عملية الإطاحة بمادورو. وأشار غودرو إلى الخطَّة، بما في ذلك تسلل فريقه، والانقلاب، والجهود المبذولة بعد الانقلاب لتأمين فنزويلا وتسهيل إجراء انتخابات جديدة. وأشار المنشقون العسكريون الفنزويليون الذين عمل معهم إلى تسلُّلهم الأولي ودورهم التكتيكي في الخطة الشاملة باسم "غيديون". وفي غضون ذلك، واصل ترامب تأكيد دعمه لغوايدو، وفي خطابه عن حالة الاتحاد في 4 شباط/فبراير 2020، الذي نصَّب فيه غوايدو نفسه رئيساّ مُؤقَّتاً لفنزويلا، تعهَّد ترامب بأنَّ "قبضة مادورو على الاستبداد ستسحق وتُكسر". وفي اليوم التالي، استضاف ترامب غوايدو في البيت الأبيض.

وفي كتابه قال إسبر إنَّهُ خلال زيارة غوايدو للبيت الأبيض، سأله ترامب، "ماذا لو ذهب الجيش الأميركي إلى هناك وتخلَّص من مادورو". وأضاف أنَّ الاجتماع نقل إلى قاعة مجلس الوزراء. وهناك قال أحد زملاء غوايدو، "لدينا بعض الخطط التي تعلمُون أنَّنا نعمل عليها، لكنَّها ليست جاهزةً بعد". وقال إسبر إنَّ هذا الشخص أشار بإيجاز إلى فلوريدا، وعندما أنهى جملته، ابتسم، وأشاح بنظره عنّي، وتواصل بصرياً مع موريسيو كلافر كاروني، المدير الأعلى لمجلس الأمن القومي الذي كان يضغط بشدَّة من أجل العمل العسكري، ابتسم كلافر كاروني وأومأ برأسه".

وفي اليوم نفسه الذي زار فيه غوايدو البيت الأبيض، أرسل بيردسلي رسالةً نصّيةً إلى غودرو، يقول فيها: "آمل أن تكون الأمور جيّدةً، لقد كان من الرائع رؤية خوان هناك الليلة الماضية". وفي رسالة أخرى بعد دقيقة واحدة كتب "أعلمني إذا كانت هناك حاجة لمواصلة العمل في الخلفية للحصول على الدعم لك". وعندما سأله مكتب التحقيقات الفيدرالي عن هذه النصوص، قال بيردسلي إنَّه لم يكن أحد في الإدارة يتحدث معه في ذلك الوقت بشأن غوايدو. وقد تبادل بيردسلي وغودرو آخر رسائلهما في 6 شباط/ فبراير. وتمحورت آخر محادثاتهما حول خطَّة للقاء في 14 شباط/فبراير 2020. وقال بيردسلي إنَّ هذا اللقاء الشخصي لم يعقد قطُّ. وبعد ذلك بوقت قصير، قال إنَّه "اختفى" عن غودرو.

أخبر هورن مكتب التحقيقات الفيدرالي أنَّه في شباط/ فبراير 2020، عرض غودرو منح الفضل لإدارة ترامب إذا مضت خطَّته الانقلابية في فنزويلا قُدماً. وقال، إنَّه رفض عرض غودرو، وأصرَّ على أنَّ إِدارة ترامب ترفض فكرة تغيير النظام، بينما نفى غودرو ادعاءات هورن، وقال، "كنت أعتقد أنَّه لو أراد درو هورن منّي التوقُّف والكفَّ عن ذلك، لكان قد أرسل لي مُذكّرةً مكتوبةً أو بريداً إلكترونياً يقول مهما كان الأمر، يجب التوقف الكف عن ذلك، لكنه لم يفعل ذلك قطُّ. وتُظهر السجلّات أنَّ غودرو وهورن استمرّا في التواصل حتى أيار/مايو 2020، لكن هورن رفض طلب التعليق على ذلك.

عيد آذار

ورغم أنَّ عناصر المعارضة الفنزويلية فقدت الثقة بخطَّة غودرو، فإنَّ عملية "غيديون" لم تبدأ في الانهيار إلا عندما حاول غودرو نقل المُعدات. وفي 23 آذار/ مارس 2020، صادرت السلطات الكولومبية في مدينة بويبلو فيغو الساحلية الكاريبية شُحنة أسلحة تضمَّنت عشرات البنادق الآلية وشبه الآلية. وعندما اعترف سائق الشاحنة بأنَّه كان من المفترض أن يُسلم الأسلحة إلى رجل يُدعى "بانتيرا"، استنتجت إدارة مادورو سريعاً أنَّها كانت على الأرجح مُخصَّصةً لنقيب سابق في الجيش الفنزويلي كان يُدرّب الفارَّين من الجيش الفنزويلي في كولومبيا. وفي خطاب متلفز، كشف وزير الاتصالات الفنزويلي آنذاك خورخي رودريغيز تفاصيل أوضحت أنَّ المؤامرة تمَّ اختراقها، ووصف الموقع الدقيق لمعسكرات التدريب، ووصف "بانتيرا بأنَّه تابع الخائن كليفر ألكالا".

وقد تفاقم وضع غودرو في 26 آذار/مارس، عندما أعلنت وزارة العدل الأميركية ألكالا أنَّه أحد قادة "كارتل دي لوس سولس"، وهي شبكة لتهريب المخدّرات تأسَّست بين صفوف الجيش الفنزويلي قبل صعود تشافيز. ويبدو أنَّ إدارة ترامب أحيت هذه "الكارتل المنقرض" منذ زمن طويل لتبرير وضع مكافآت مالية على القادة الفنزويليين الذين سعت للقبض عليهم، بينما طمست قصَّة أصل هذه العملية القذرة. وفي عام 1999، صرَّح القاضي روبرت بونر، الرئيس السابق لإدارة مكافحة المخدرات، لبرنامج " 60 دقيقةً" بأنَّ "كارتل دي لوس سولس" استورد أكثر من طنّ من الكوكايين إلى الولايات المتحدة تحت المراقبة المباشرة من وكالة المخابرات المركزية. ونقل البرنامج عن أنابيل غريم، وكيلة إدارة مكافحة المخدّرات المسؤولة في كاراكاس، قولها، "أرادت وكالة المخابرات المركزية والحرس الوطني السماح للكوكايين" بالدخول إلى الولايات المتحدة، "دون أي تدخُّل بلا مراقبة، ولا أي شيء". وبعد صعود تشافيز، بينما استخدمت واشنطن "كارتل دي لوس سولس" بمثابة وحش مُخيف، لتبرير عمليّات مكافحة المخدّرات الأميركية التي أطلقتها الحكومة.

وبعد أن علم غودرو باتّهام ألكالا بتزعم "الكارتل" المذكور، اتَّصل بهورن مُتَسائلاً عن تأثير هذا الخبر على خُططه. وتُظهر الرسائل التي اطلع عليها موقع "ذا غراي زون" أنَّ هورن يسأل غودرو، "هل تريدني أن أحاول إقناع وزارة العدل لعدم استئناف قرار تصنيف ألكالا كتاجر مخدرات"، كما طلب من غودرو أن يرسل إليه أي دليل يُمكنه استخدامه لتبرئة ألكالا. وقد نشرت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية مُلصق مطلوب للجنرال ألكالا في 26 آذار/ مارس 2020. وتكشف سجلّات البريد الإلكتروني التي شُوركت مع الفريق القانوني لغودرو أنَّ هورن استخدم بريده الإلكتروني في البيت الأبيض للتواصل مع مُوظفة وزارة الخارجية هيلاري باتغر جونسون بشأن ألكالا. وسعى جونسون هورن مع مُوظفة أخرى في وزارة الخارجية، كاري فيليبيتي، وطلب منها توجيهه إلى "الجهات المختصة في وزارتي الخارجية والعدل".

وتُظهر مراسلات أخرى استعرضتها "ذا غراي زون" أنَّ غودرو تواصل مع شيلر أيضاً بشأن "حالة طارئة" تعرض "أرواح الأميركيين للخطر". لكن شيلر لم يجب. ولم تُثمر جهود غودرو لأجل ألكالا. وفي 27 آذار/ مارس سلَّم ألكالا نفسه للسلطات الكولومبية. وبعد فترة وجيزة، أبلغ هورن غودرو أنَّ الجنرال الفنزويلي السابق سيُسلّم إلى الولايات المتحدة. الرجل الذي كان غودرو يعرفه باسم "قيصر"، والذي اعتبره" أقوى صوت ضد مادورو"، قد هُمَّش بلا رحمة.

في خضمّ الصراع بين المعارضة المتعطشة للسلطة والتي سعت إلى منع رجل قوي آخر من الاستيلاء على الرئاسة، والحكومة الأميركية التي لم تغفر له قطُّ تأييده الكامل للتشافيزية، أقرَّ ألكالا في النهاية بالذنب في تقديم الدعم المادي لمقاتلي القوّات المسلحة الثورية الكولومبية اليسارية في كولومبيا، وحُكم عليه بالسجن لما يقرب من 22 عاما في سجن أميركي. وفِي فنزويلا، أثار الاعتقال ضربةً مُوجعةً لمصداقية غودرو بين رفاقه من الجنود السابقين، الذين أصبحوا يعتبرون ألكالا قائداً لهم. كما تعرقلت خطط غودرو لتجنيد قادة عسكريين فنزويليين آخرين. وبعد أن اعتقل ألكالا بأمر من بار وبومبيو، رأى الجيش الفنزويلي في ذلك خيانةً مُطلقةً، كما ذكر غودرو لموقع "ذا غراي زون"، ويقول إنَّهم "بدأوا بالتقرُّب من الرئيس مادورو.

الكشف عن الانقلاب على التلفاز 

بعد اعتقال ألكالا، واصلت السلطات الفنزويلية تفكيك العملية، مُسْتهدفة غودرو باعتباره زعيمها. وفي البرنامج التلفزيوني المنوّع "كون إل مازو داندو" الذي يبثُّ على الصعيد الوطني في 28 آذار/مارس، كشف رئيس الجمعية التأسيسيَّة ديوسدادو كابيلو عن عملية "غيديون"، مُحذّراً من التعاقد مع عدد من "المرتزقة الأميركيين" للقبض على مسؤولين فنزويليين رفيعي المستوى أو تصفيتهم. وعرض كابيلو صُوراً ومقاطع فيديو تُظهر غودرو وهو يعمل كحارس أمن في تجمُّع ترامب، ممّا يُشير، كما قال إلى أنَّ المُخطَّط مرتبط مباشرةً بالبيت الأبيض.

ويصف غودرو هذه الفترة بأنَّها الفترة التي قرَّر فيها إلغاء عملية "غيديون" وإخراج فريقه من كولومبيا بالقارب. لكنَّ الخطَّة فشلت مرَّةً أخرى. ويقول غودرو إنَّه بعد أن قام في السابق قد وضع بعض الموارد لعملية فنزويلا في جامايكا، فإنَّه توقف هناك لجمعها في طريقه إلى كولومبيا. ونقلاً عن مصادر مجهولة، أفادت وسائل إعلام أميركية عديدة أنَّ مُمثّلاً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، تواصل مع غودرو خلال توقُّفِهِ في جامايكا وحذره من المُضي قُدماً في الخطَّة، بينما ينفي غودرو أي تواصل مباشر مع أي موظف أو عميل تابع لوكالة المخابرات المركزية.

وبدلاً من ذلك، قال غودرو إنَّه انطلق إلى كولومبيا، وأبحر عشرات الأميال في البحر قبل أن ينكسر حزام مُحرك قاربه، ممّا تركه عالقاً. وهٰذا هُوَ الجُزْءُ الغَرِيبُ في السردية حقّاً، لأنَّ الأحزمة كانت جديدة، وانكسرت، بينما كان من المفترض أن تبقى صالحةً للاستخدام لفترة أطول، كما قال غودرو. وقد ظلَّ غودرو عالقاً في البحر قرابة 3 أيام قبل أن تنجده ناقلةً صينيةً إلى ساحل الخليج الأميركي. وقد عاد غودرو إلى الولايات المتحدة، مع توقُّف قاربه عن العمل وتقييد الرحلات الجوّية بسبب انتشار جائحة كورونا المعلنة حديثا، فكَّر ملياً في خياراته المتضائلة.

الحاجة إلى موافقة وزارة الخارجية لإرسال الأسلحة والذخيرة

خوفاً من اكتشاف المتمرّدِين الكولومبيين اليساريين لقوّاته إذا بقوا في معسكراتهم التدريبية، قال غودرو إنَّه اختار على مضض المُضي قُدما في عمليته، آملاً أن تتمكَّن قوّاته الهجومية من التواصل بنجاح مع حلفائها في فنزويلا. وأقرَّ بأنَّ الخطَّة محفوفة بالمخاطر، وقال إنَّه يكره فكرة إرسال فريقه إلى الخطر وهو غائب عنهم، لكنَّه زعم أنَّ هذا كان الخيار الأسهل ضمن سلسلة من الخيارات السيئة. ويقول، لقد "أصبح من عادتي أن أكون أول من يدخل من الباب. أنا من يبدأ. لأنُّي أُريد أن يتبعني الناس. لا أقود من الخلف، بل يتوجب أن أقود من الأمام. لهذا السبب كانت فنزويلا مأساة لي، ولأنَّ قاربي انكسر ولم أتمكَّن من قيادتهم".

كذلك، قبل يومين من انطلاق عملية "غيديون"، حدثت انتكاسة أخرى عندما نشرت وكالة "أسوشيتد برس" تفاصيل خطَّة عسكرية للإطاحة بالرئيس مادورو. ونقلت الوكالة عن عدَّة مصادر مجهولة، وصفت بعض تفاعلات غودرو مع أوساط المعارضة الفنزويلية، ورسمت ما قال عنه غودرو بأنَّه نسخة قديمة من خطَّته الانقلابية. وجاء في تقرير الوكالة عن أنَّ عملية ستُنفّذها قوَّة هجومية برّية في قافلة، تنطلق من الحدود الكولومبية الفنزويلية وصولاً إلى كاراكاس. وأكَّد توليدو، في مقابلته مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، أنَّه كان على علم بنسخة من خطَّة غودرو الهجومية، والتي ستتضمن عبور قوّاته من كولومبيا إلى ولاية زوليا الساحلية الشمالية الفنزويلية، ثمَّ مواصلة تقدُّمها شرقا باتجاه العاصمة كاراكاس.

واعترف غودرو بأنَّ تقرير وكالة "أسوشيتد برس" قد قوَّض عنصر المفاجأة في عمليته، لكنَّه قال إنَّ الهجوم البرّي الذي وصفته الوكالة كان مُختلفاً بقدر كاف عن الخطَّة الفعلية للغارة البحرية بحيث لا تزال قوّاته الهجومية قادرة على مباغتة الفنزويليين. وفي اليوم نفسه الذي نشرت فيه وكالة "أسوشيتد برس" تقريرها، صرَّح غودرو بأنَّ أول قارب من أصل قاربين تابعين لقوَّة الهجوم انطلق من ساحل كولومبيا، وعلى متنه 11 شخصا. وفي اليوم التالي، انطلق دينمان وبيري على متن قارب أكبر مع بقية قوة الهجوم. وفي 3 أيار/مايو، بينما كان يُراقب تقدُّم الخطَّة من مسافة بعيدة، أرسل غودرو رسالة إلى هورن، يقول فيها، "لديَّ 500 شخص في كولومبيا على أهبة الاستعداد، ولكن، أحتاج إلى موافقة وزارة الخارجية لإرسال الأسلحة والذخيرة".

أجاب هورن، الذي كان حينها يعمل مستشاراً أوّل في مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، "حسناً، دعني أعمل على الأمر وأرى ما يمكنني فعله. سأوافيكم بالجديد غدا". ولم يكتف غودرو بانتظار مساعدة هورن، فغرَّدَ على تويتر، عن "توغَّل لقوّات ضاربة في فنزويلا، من 60 فنزويليا، وجنديان أميركيان سابقان في القوات الخاصَّة الأميركية"، ووسم حساب ترامب على تويتر، ويقول غودرو إنَّ هذا كان صرخة استغاثة.

وبحلول عصر ذلك اليوم، صور غودرو والنقيب السابق في الحرس الوطني الفنزويلي، خافيير نييتو كوينتيرو، مقطع فيديو يزعم فيه أنَّ قواتهما تقاتل في جنوب وغرب وشرق فنزويلا. ويقول إنَّ هٰذا كان زيفاً مُتعمَّداً يهدف إلى تضليل قوات مادورو وإتاحة الوقت لفريقه للهرب. ورغم أنَّه في بعد آمن من العملية، إلا أنَّ تصريحات غودرو العلنية في خضم عملية الانقلاب مثَّلت أشدَّ محاولاته يأساً لإنقاذ فريقه. لكنَّ كلا المحاولتين باءتا بالفشل، وأصبحتا بمثابة سيل لا ينتهي من النكات حول العملية الفاشلة. وبحلول 5 أيار/مايو 2020، قُتل ما لا يقلُّ عَن 16 من أفراد قوة غودرو الهجومية في معركة بالأسلحة النارية، وقد تمَّ أسر دينمان وبيري وعشرات آخرين. وأظهرت لقطات إخبارية قدامى المحاربين من القوّات الخاصة يَقتادون إلى السجن.

انقلاب يمكن إنكاره 

ومع انهيار خطَّة غودرو سارع ترامب وأعضاء آخرون في إدارته إلى نفي أي دور لواشنطن في مؤامرة الانقلاب. وقال بومبيو للصحفيين، "لم يكن هناك أي تدخُّل مباشر من الحكومة الأميركية في هذه العملية. ولو كُنّا مُتورّطين، لكانت الأمور قد سارت بشكل مختلف". وأضاف، "أمّا فيما يتعلَّق بمن مول العملية فلسنا مُستعدّين لمشاركة أي معلومات إضافية حول ما نعرفه وسنكشف عن ذلك في الوقت الملائم".

مع ذلك يُصرُّ غودرو على أنَّه حظي بمباركة ترامب لتدبير عمليته، لكنَّ جهات مختلفةً في الحكومة الأميركية ومجتمع المعارضة الفنزويلية أفشلتهُ، ووجدت نفسها في موقف متعارض، ويقول، لقد "عقدت اجتماعا مع عدد من الشخصيات النافذة في الدائرة المقربة من ترامب، بعد توقيع ذلك العقد بساعات قليلة في فندق ترامب. وبعد ساعات قليلة من ذلك، عقد اجتماع بين ترامب وغوايدو في البيت الأبيض". وزعم غودرو أيضاً أنَّه تجنَّب التفاعلات الوثيقة مع ترامب وعمل من خلال وسطاء للحفاظ على قدر من القدرة على الإنكار المعقول للرئيس.

وقال "إذا التقيت دونالد ترامب، وحصلت على شهادة، وتمكَّنت من إظهار نوع من العقد أو، كما تعلمون، بعض التفويض المكتوب أو شيء من هذا القبيل، فإنَّ هذا النوع من الأشياء يُفْشل الغرض وراء القصد". كما أنَّه كان يتوقَّع أن تتبرَّأ منه الحكومة الأميركية إذا فشل. لكنَّه لم يتوقَّع أنَّها ستحاكمه، ممّا أجبره على كشف عباءة السرية التي بناها في عملية الانقلاب. كذلك كان قد أُدرج الإنكار صراحةً في عقد غودرو مع ريندون، ونصَّ على أنَّ غوايدو "يحتفظ بالإنكار ويبرأُ نفسه من جميع المسؤولية عن العملية من الأطراف جميعها.

وبعد أن نأى بنفسه عن عملية غودرو، قبل غوايدو استقالة ريندون وشخص آخر شارك في صياغة هذا العقد، واعترف ريندون بدوره في المناقشات مع غودرو. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، رفع غودرو دعوى قضائية ضد ريندون لخرقه العقد، زاعماً أنَّ فريق غوايدو لم يدفع المبلغ المتبقّي، وقدره 1.45 مليون دولار، المطلوب لبدء مؤامرة الانقلاب في فنزويلا. وقدم فريق ريندون القانوني طلباً برفض القضية، لكن القاضي رفض طلبهم في قرار صادر في شباط/ فبراير هذا العام.

وفي الوقت الذي تقدَّم فيه غودرو بشكواه المدنية، بدأ بيردسلي العمل مع موظفي وزارة شؤون المحاربين القدامى، كورتيس كاشور وبيتر كاسبروفيتش، لصياغة بيان يُمكنه مشاركته إذا سئل عن صلته بمؤامرة غودرو الانقلابية في فنزويلا. وقد أعدَّ بيردسلي وزملاؤه في الحكومة مُسوَّدات مُتعدِّدةً للبيان، أشار فيها بيردسلي إلى أن تواصله مع غودرو لا علاقة له بعمله الحكومي. وذكرت المسوَّدات أنَّ غودرو تواصل معه في البداية لمناقشة الجهود الإنسانية للاجئين في كولومبيا، وأَنَّه عندما أثار غودرو مسألة فنزويلا، أصر بيردسلي على أنَّ الحكومة الأميركية لا تستطيع دعم أَيِّ جهد في ذلك البلد ينتهك القانون الأميركي.

تنصُّ المسوَّدات أيضاً على أنَّ بيردسلي دعا غودرو لمناقشة العمل الإنساني، لكنَّ غودرو لم يُلبَّ هذا العرض قطُّ. وتختتم العديد من المسَوَّدات بتصريح بيردسلي، "كل ما أعرفه عن أنشطته في فنزويلا علمتهُ من خلال قراءة الصحف". وقدَّم خوان كروز، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية لأميركا اللاتينية، تعليقاً على عملية غودرو الفاشلة في فنزويلا في مقابلة مع "بيزنس إنسايدر" في تشرين الأول/ أكتوبر 2020. وبعد التواصل معه عبر جهة عمله الحالية ، "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، ومقره واشنطن العاصمة، لكن كروز رفض طلب "ذا غراي زون" لإجراء مقابلة.

وفي مقابلته مع مكتب التحقيقات الفيدرالي أقرَّ شيلر بمعرفته الجيدة بهورن، ومساعدته هو وبيردسلي في الحصول على وظائف في إدارة ترامب. ومع ذلك، قال شيلر إنَّه استغرب معرفة أنَّ هورن كان على اتصال بغودرو في الفترة التي سبقت عملية الانقلاب في فنزويلا. ومن جانبه، قال هورن لمكتب التحقيقات الفيدرالي إنَّه فوجئ عندما علم أنَّ شيلر كان يناقش الخطَّة أيضا مع غودرو، الذي يرفضُ ادّعاءاتهم بالجهل، مُشيرا إلى أنَّ الدافع الوحيد المحتمل لأي من أتباع ترامب للحفاظ على التواصل معه هو مشاركته في العملية العسكرية المُخطَّط لها في فنزويلا، "ليس هناك أي سبب على الإطلاق ليتحدَّث درو هورن معي أو يتحدَّث جيسون وايتلي معي خارج هذا".

في كانون الثاني/يناير 2021، شارك هورن وشيلر وسوريال في تأسيس شركة "غرين ميت"، وهي تسعى حالياً إلى بناء شراكات في قطاع المعادن الحيوي في غرينلاند. ويُدرج موقع الشركة الإلكتروني هورن كرئيس تنفيذي، لكنَّه لم يعد يُدرج شيلر وسوريال ضمن موظَّفيها. وقد وصف ملف تعريفي عن "غرين ميت" نشرته "بلومبرغ" العام الجاري، أنَّ هورن "برز كوسيط رئيسي في حملة الرئيس دونالد ترامب لتسخير الموارد الطبيعية لأكبر جزيرة في العالم لصالح أميركا.

في عام 2024، أسس شيلر وسوريال شركة "غافلين أدفايزرز"، وهي شركة علاقات حكومية واستشارات. وتشير إفصاحات جماعات الضغط إلى أنَّ الشركة سجَّلت كجماعة للضغط من أجل "إعفاء تنفيذي" نيابةً عن فريد دايبس، الذي أقرَّ في عام 2024 بالإدلاء بتصريحات كاذبة في وثيقة قرض مصرفي بقيمة ١.٨ مليون دولار. وتشير سجلّات جماعات الضغط إلى أنَّ "غافِلِين أدفايزرز" سجَّلت نفسها كجماعات ضغط تعمل لصالح دايبس، وأنَّ دايبس دفع للشركة منذ ذلك الحين مليون دولار مقابل خدماتها.

كذلك سجَّلت شركة "غافلين أدفايزرز" نفسها أيضاً كجمعية ضغط نيابة عن شركة "كابستون"، والغرض المعلن من هذا الجهد هو "التواصل مع الحكومة الأميركية والتواصل معها للمساعدة في الترويج لمبادرات إعادة الإعمار المحتملة التي ترعاها الحكومة الأميركية في أوكرانيا". ولقد نجحت إدارة بايدن في إطلاق سراح دينمان وبيري في عملية تبادل للسجناء في كانون الأول/ديسمبر 2023.

غودرو يختفي

في تموز/يوليو 2024، وجَّه المُدَّعون الفيدراليون الاتّهامات إلى غودرو وألفاريز فيما يتَّصل بشحنة الأسلحة والمُعدّات العسكرية التي صادرتها السلطات الكولومبية في ربيع عام 2020. وتزعم لائحة الاتّهام أنَّ غودرو اشترى 61 مجموعة من الأسلحة النارية، بما في ذلك أجهزة الاستقبال السفلية غير المكتملة التي كان يتعين تصنيعها لتحويلها إلى أسلحة نارية. إضافةً، إلى أنَّ غودرو أمر بشحن الأسلحة في وقت ما بين كانون الأول/ ديسمبر 2019، و23 آذار/ مارس 2020، على الرغم من أَنَّ الادعاء لا يذكر تحديدا، متى أو كيف وصلت الأسلحة النارية إلى كولومبيا.

وعلاوة على الأسلحة النارية، أفادت السلطات الكولومبية أيضا بمصادرة 8 كواتم للبنادق الحربية، وعشرات من أجهزة الليزر ومناظير الأسلحة، ومنظار أحادي للرؤية الليلية. بعض هذه العناصر تشكل أساسا لاتّهامات أخرى بانتهاكات التصدير. وفي 10 كانون الثاني/يناير، قدَّم كل من غودرو وألكالا إشعاراً بالدفاع عن نفسيهما، مشيرين إلى أنَّهما سيزعمان أنَّ التهم الجنائية نابعة من الإجراءات التي اتخذاها كانت بناء على طلب الحكومة الأميركية.

وخلال محاكمته، حاول ألكالا الادّعاء بأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية كانت تعلم أنَّه يعمل ضد مادورو، وسعى للحصول على سجلات سرّية قد تُثبت ادعاءاته، لكنَّ القضاء استند إلى امتياز أسرار الدولة، ورفض قاض فيدرالي طلبه بالاطلاع على السجلّات. وقد نجح غودرو وألكالا إلى حدّ ما في إجبار الحكومة الأميركية على إصدار سجلّات يُمكن أن تُثبت معرفتها ودعمها لعملية غودرو الفاشلة، لكنهما لم يحصلا على كل السجلات التي يسعيان إليها.

وقد قال غودرو لصحيفة "ذا غراي زون" بأنَّه يتمنَّى أن يحيل المدَّعون الفيدراليون قضيته المتعلقة بالاتّجار بالأسلحة إلى المحاكمة، لأنَّ ذلك سيسمح لفريقه القانوني بالبحث عن وثائق استخباراتية أميركية سرّية لم تكن مُتاحةً سابقاً. ولكن في اللحظة التي بدت فيها المحاكمة حتميةً، اتَّخذ إجراء مراوغاً. وبعد إطلاق سراحه من السجن في العام الماضي، انتقل غودرو للعيش مع جين غاتيان، مُخرجة الأفلام الوثائقية الشهيرة التي أنتجت فيلم "رجال الحرب" عن عملية "غيديون". وبعد أن رهنت منزلها في مانهاتن بقيمة مليوني دولار كضمان لكفالة غودرو، دخل الاثنان في نزاع حادّ، حَيث ورد أنَّ غاتيان اتَّهمت غودرو بعدم تحويل "ممتلكاته الكبيرة من العملات المُشفَّرة" إليها بعد أن ساعدت في تأمين إطلاق سراحه. وبينما كانت تسعى للإفراج عنه كضامنة، أرسل لها غودرو رسالة يقول فيهاـ "لن أعود إلى السجن.

في 31 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، طُلب من غودرو حضور جلسة استماع لتحديد ما إذا كان قد انتهك شروط إطلاق سراحه قبل المحاكمة، لكنَّه لم يحضر، تاركاً سوار كاحله في مركز بمنطقة تامبا في فلوريدا، حيث كان يتلقَّى علاجا بمساعدة الخيول. وقد دفع ذلك قاضيا فيدرالياً إلى إصدار مذكرة توقيف بحقه. ولم تتمكن "ذا غراي زون" من الاتصال به منذ ذلك الحين، وما يزال مكانه مجهولا.

قبل اختفائه، قال غودرو لصحيفة "ذا غراي زون"، بأنَّ القضية المرفوعة ضده "كانت في الحقيقة مُجرَّد غطاء". وأضاف أنَّ الصلات العديدة بين مختلف الأطراف المُتورّطة تشير إلى وجود شبهة جنائية. وأوضح، "بدأت مقاضاتي من قسم الأمن القومي بوزارة العدل، الذي يُديره جون آيزنبرغ، الذي تم تعيينه هناك في البداية من قبل الجنرال السابق مايكل فلين، الذي كان في البيت الأبيض في الوقت الذي كان فيه كيث شيلر في البيت الأبيض أيضاً. لذلك كان هؤلاء الأفراد يعملون معاً. و"من وجهة نظري يُعد هذا تضاربا في المصالح".

مع ذلك، لم تستجب شركة كرافت لطلب التعليق على هذا التقرير. ولم يستجب ساينز، وشيلر، وبيردسلي، وبيتانكورت، وتوليدو أيضاً. وقبل أيام قليلة من اختفائه عن الأنظار، صرَّح غودرو لماكس بلومنثال من موقع "ذا غراي زون"، "لا أعتقد أنَّ الانقلاب العسكري مُمكن الآن. ولو كان مُمكناً، لكان قد حدث بالفعل، وكل ما تراه ممّا تفعله الولايات المتحدة، بما في ذلك تدمير قوارب الصيد، مُقلق، وقد يكون "الغزو وحده هو الممكن".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.