"ذا إندبندنت": من معادن أوكرانيا إلى ريفييرا غزة.. لماذا تدور سياسة ترامب الخارجية حول المال؟

سواء كان الأمر يتعلّق بالعقارات أو الموارد الثمينة، فإنّ دونالد ترامب يتعامل مع الجغرافيا السياسية العالمية وكأنها لعبة "مونوبولي". ولهذا السبب لا ينبغي لأحد أن يراهن على ولائه، ولا حتى بنيامين نتنياهو أو فلاديمير بوتين. 

  • زيلينسكي في البيت الأبيض للقاء ترامب لتوقيع صفقة المعادن

صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية تنشر مقالاً تتحدّث فيه عن السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي وفق رؤيتها، تتعلّق بالمال والمصالح التجارية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

يودّ دونالد ترامب أن يعرف العالم أنه رجل الصفقات الكبيرة والأفكار العظيمة. وقد أعلن الأسبوع الفائت أنه يجري مفاوضات لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولكن من دون إشراك أوكرانيا في المناقشات. ثم وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ"الديكتاتور" لأسباب وجيهة. كما عقد الأسبوع الماضي مؤتمراً صحافياً مع صديقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وبعد ساعات، أعلنت الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب روسيا والصين وكوريا الشمالية في الأمم المتحدة.

لطالما كان سلوك ترامب غير متوقّع، لكنّ الأمر الوحيد الذي ظلّ ثابتاً، هو رغبته في وضع يد الولايات المتحدة على الموارد المعدنية القيّمة للغاية في أوكرانيا كوسيلة لاسترداد "مئات المليارات من الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين" التي أنفقت على دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا. في المقابل، تسعى أوكرانيا في أيّ اتفاق قد يحصل إلى الحصول على نوع من الضمانات الأمنية من الولايات المتحدة. ولكن حتى الآن، لم تتعهّد هذه الأخيرة بأيّ شيء.

لعلّ هذا النهج الذي يتّبعه ترامب كان يهدف إلى إجبار حلفائه الأوروبيين على إعادة التفكير في مشاركتهم في الصراع والالتزام بسيادة أوكرانيا وتقرير مصيرها. وقد ردّ الرئيس زيلينسكي متهماً ترامب بالاستسلام للمعلومات المضللة، قائلاً: "هذه ليست محادثات جدّية، ولا يمكنني أن أبيع بلادي". 

من المؤكّد أنها لم تكن المرة الوحيدة خلال الأسابيع الأخيرة التي طرح فيها ترامب اقتراحاً جامحاً وتسبّب في دهشة عالمية. ففي الآونة الأخيرة، أعلن عن رؤيته لتحويل غزة بعد قصفها إلى ريفييرا شرق أوسطيّة جميلة. وبينما كان يتحدّث عن حلمه بتحويل منطقة حرب إلى عقارات فاخرة، أُصيبت سوزي وايلز، كبيرة موظفيه، بذهول للحظة. ولكن بعد بضعة أيام، كان عدد من المحيطين بالرئيس يهزّون رؤوسهم بالموافقة على هذه الخطط. أما بالنسبة لأوساطه المقرّبة، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسمعون فيها هذه التصريحات.

في العام الفائت، جلس جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب، على المنصة مرتدياً قميصاً وسترة بأزرار، لإجراء محادثة مع طارق مسعود، أستاذ السياسة في جامعة هارفارد. وقال كوشنر لمسعود خلال مشاركته في مبادرة الشرق الأوسط الخاصة بالكلية: "إن ممتلكات الواجهة البحرية في غزة، يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة. الوضع سيّئ هناك، لكنني سأبذل قصارى جهدي لإخراج الناس من هناك وتنظيف المكان. لكنني لا أعتقد أن إسرائيل صرّحت بأنها لا تريد أن يعود الناس إلى هناك في وقت لاحق". 

وفي حديثه إلى شبكة "سي بي أس نيوز" بعد مرور عام، حاول مسعود توضيح أنه وكوشنر كانا يتحدّثان تحديداً حول هجوم إسرائيلي وشيك وما يمكن فعله مع الفلسطينيين الذين كانوا يحتمون من القصف. وقال مسعود إنّه من ضمن الاقتراحات التي وُضعت ذهاب الفلسطنيين إلى مصر بينما تواصل "إسرائيل" شنّ حملتها العدوانية، إلا أنّ الجانب المصري رفض هذا الاقتراح. ولذلك، كان كوشنر يقترح احتمالاً آخر وهو إنشاء منطقة آمنة في صحراء النقب. لكنه قال إنه لا أحد يقترح عدم عودة الفلسطينيين إلى غزة بعد ذلك.

في هذه المرحلة، لم يكن هذا الأمر مهماً. ولكن بعد مرور 12 شهراً، عاد اقتراح كوشنر إلى الواجهة وانتشر بسرعة كبيرة ولسبب وجيه. وكان والد زوجته قد أعلن للتو أنه "ملتزم بشراء غزة وامتلاكها"، وأنه تصوّر "ريفييرا الشرق الأوسط" هناك مع "مساكن عالية الجودة" و"مدينة جميلة".

وبدا الأمر متطابقاً بشكل غريب مع رؤية كوشنر، باستثناء أمر واحد: كان ترامب يلمّح إلى أنه لن يكون للفلسطينيين الحقّ في العودة. وقال إن الولايات المتحدة "ملتزمة بامتلاكها والاستيلاء عليها والتأكّد من عدم عودة حماس". وقال لشبكة "فوكس نيوز" إن الفلسطينيين الذين سيتمّ تهجيرهم "سيحصلون على مساكن أفضل بكثير. وأنا أتحدّث عن بناء مساكن دائمة لهم". 

وأشار توماس فريدمان، الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أنّ اقتراح ترامب كان بمثابة "مبادرة السلام الأكثر غباءً وخطورةً في الشرق الأوسط على الإطلاق". وقال إنه لم يكن متأكّداً مما هو أكثر إثارة للخوف، "اقتراح ترامب بشأن غزة، أم السرعة التي أومأ بها مساعدوه وأعضاء مجلس الوزراء بموافقتهم على الفكرة مثل مجموعة من الدمى ذات الرأس المتحرّك".

وعلى غرار الكثير من خطط ترامب المفترضة، تلقّت رؤية الرئيس لغزة ترحيباً بارداً من الدول المجاورة في الشرق الأوسط. وأكدت الحكومة السعودية مجدّداً دعمها الثابت للدولة الفلسطينية؛ وفي مكالمة هاتفية نادرة، ناقش ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، دعمهما الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني. 

وقبل 5 أشهر، حذر وزير الخارجية الأردني من أنّ أيّ محاولة إسرائيلية لإجبار الفلسطينيين على الدخول إلى الأردن تُعدّ انتهاكاً لمعاهدة السلام وسينظر إليها على أنها بمثابة "إعلان حرب". كما أبلغت مصر المسؤولين الأميركيين أنّ الخطط تهدّد معاهدة السلام الموقّعة مع "إسرائيل" عام 1979.

ومثلما وصف زيلينسكي فهم ترامب للواقع هذا الأسبوع، قال رئيس تحرير صحيفة " Palestine Chronicle"، رمزي بارود، في افتتاحيّته إنّ تعليقات ترامب لا تعبّر عن قسوته فحسب، بل تعكس أيضاً جهله بالواقع". وأشار بارود إلى أنّ الولايات المتحدة دعمت بشكل أعمى "الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة" وأنه "لا يمكن لأيّ مفكّر عقلاني، في الشرق الأوسط أو خارجه، أن يتخيّل في الواقع سيناريو مغادرة الفلسطينيين بشكل جماعي بسبب تهديدات ترامب".

وحتى مسعود، الذي أجرى مقابلة مع كوشنر قبل عام، بدا مصدوماً من خطة ترامب. وقال لشبكة "سي بي أس نيوز" إنّ تصريحات الرئيس تضع الآن مقابلته مع كوشنر في ضوء مختلف تماماً.. يجب أن أقول إنني فوجئت بسماع الرئيس ترامب يطرح فكرة الملكيّة الأميركية لغزة". 

قد يكون الأمر غير عادي بالنسبة للبعض، إلا أنّ البعض الآخر رآها خطة محسوبة بشكل دقيق. وكما أفاد موقع "ميدل إيست آي"، لم يكن كوشنر يناقش الخطط الخاصة المتعلّقة بغزة فحسب، بل "يعمل على تأمين الأموال والعلاقات السياسية اللازمة منذ فترة لجعلها حقيقة واقعة". 

وبعد فترة ولاية ترامب الأولى، التي شغل خلالها كوشنر منصب مستشار رفيع، أطلق صندوق "Affinity Partners"، وهو صندوق استثمار خاصّ يهدف إلى تطوير منتجعات فاخرة في الخارج. ومن خلال حصوله على استثمارات بقيمة 2 مليار دولار أميركي (1.5 مليار جنيه إسترليني) من صندوق الثروة السيادية السعودي، و1.5 مليار دولار أميركي من الإمارات العربية المتحدة وقطر، أعلن صندوق "Affinity" عن دعمه منتجعاً في جزيرة سازان في ألبانيا بقيمة 1.4 مليار دولار أميركي، فضلاً عن تحويل القاعدة العسكرية اليوغوسلافية السابقة في العاصمة الصربية بلغراد إلى فندق راقٍ.

ووفقاً لتقرير في موقع "ميدل إيست آي"، قال جوزيف بيلزمان، أستاذ الاقتصاد في جامعة "جورج واشنطن"، إنّ كوشنر "يسعى إلى ضخّ الأموال في إعادة تطوير غزة ويريد أن يجذب مستثمريه للدخول معه في هذه العملية". 

لا يمكن لـ"إسرائيل" ببساطة تسليم غزة إلى الولايات المتحدة. وقد أعلنت محكمة العدل الدولية، المعروفة باسم المحكمة العالمية، التي تفصل في النزاعات بين الدول، أنّ غزة منطقة محتلة، وبالتالي محظورة بموجب القانون الدولي. ولكي تتمكّن الولايات المتحدة من السيطرة على غزة، من الناحية النظرية، فإنها تحتاج إلى موافقة فلسطين.

وفي هذا السياق، أوضحت مروى مزيد، أستاذة الدراسات الإسرائيلية في معهد "غيلدنهورن" بجامعة ميريلاند، لصحيفة "الإندبندنت" أنها رغم موافقتها على أنّ الدول العربية، وخاصة مصر والمملكة العربية السعودية والأردن، "تتفهّم التهديدات طويلة المدى الناجمة عن قبول أيّ من هذه الخطط"، فإنها تعتقد أيضاً أنّ هذه الدول العربية تمارس سياسة الانتظار. فهي تأخذ وقتها الكافي لطرح خطة أخرى تشمل الفلسطينيين. وقالت: "هذه الدول تدرك أنّ ترامب يطمع الآن في قطعة الأرض هذه. وهي لن تسحبها منه وتقول له "لا، هذه الأرض ملكنا"، لكنها تدرك أنّ اهتماماته تتعلّق بالتطوير وكسب المال. نعم، سيكون لديكم "برج ترامب". ولكن ليس من دون الدولة الفلسطينية ومن دون الفلسطينيين. وليس من دون كلّ الأمور التي تصبّ في مصلحة إسرائيل الخاصة". 

وتعتقد مزيد بأننا سنرى قريباً تصوّراً – من دول الشرق الأوسط الأخرى – حول الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه عملية تطوير غزة وإعادة إعمارها. وقالت في هذا الصدد: "هذا الأمر يعني أنّ على مصر أن تكون حاضرة على الأرض. وسيتعيّن عليها تأمين موظفين مدنيين، فضلاً عن توفير الأمن والحراسة والجيش لتأمين كل شيء". كما ترى مزيد أنه في حال تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أيّ خطة جديدة تشمل ضمان وطن للفلسطينيين، فعندها يمكن أن ينقلب ترامب ضده. "وإذا كان نتنياهو يشكّل عائقاً أمام تحقيق السلام والاستقرار الفعليّين، فيمكن لترامب أن يلقيه تحت حافلة". ربما تكون هذه الرؤية البديلة لغزة قد تحقّقت في وقت أقرب مما توقّعت. فخلال الأسبوع الفائت، أفاد موقع "ميدل إيست آي" أنّ مصر والأردن نجحا في ثني ترامب عن دعم التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وأن الولايات المتحدة بدأت الآن في دعم خطة ما بعد الحرب التي طرحتها مصر.

إنّ اقتراح خطة بديلة لتصوّرات ترامب الكبرى موجود في ذهن زيلينسكي أيضاً. وقد يسلّط اقتراح ترامب بأن تقوم الولايات المتحدة بنهب الموارد المعدنية في أوكرانيا كتعويض لدعمها في الحرب ضدّ روسيا الضوء على أولوياته الحقيقية: فهو بعيد كل البعد عن كونه مدافعاً عن المثل الديمقراطية، ويتمتع بتفانٍ راسخ للأموال النقدية. باختصار، المال بالنسبة إليه يتفوّق على كل شيء آخر. 

وبنبرة حازمة، أوضح مستشار الأمن القومي لترامب، مايك والتز، ما يحتاج الزعيم الأوكراني إلى القيام به للعودة إلى كنف ترامب، بما في ذلك "العودة إلى الطاولة للتفاوض على صفقة بشأن الموارد المعدنية الغنية في كييف". لم يتراجع زيلينكسي عن المسوّدة الأولى لاقتراح صفقة حصول الولايات المتحدة على ملكية 50% من المعادن الحيوية في أوكرانيا من دون أي ضمانات. وبعد أقلّ من 24 ساعة من التصادم العلني بين الرجلين، أُفيد بأن إدارة ترامب أعطت أوكرانيا مسوّدة "مُعدّلة".

ويبقى السؤال: هل يستطيع زيلينسكي السيطرة على غريزة ترامب في الركض وراء المال واستخدام صوته للتخلّص من إزعاج بوتين؟ 3 سنوات تقريباً مرّت على بدء الحرب، فهل ستكون الصفقة البديلة وسيلة لإنهائها؟

نقلته إلى العربية: زينب منعم