"Dropsite News": هل سيحصل ضحايا مجازر الساحل السوري على العدالة؟
شهد آذار/مارس الماضي مجزرة بحقّ المدنيين في المنطقة العلوية الساحلية السورية، حيث يحمّل العديد من الضحايا حكومة أحمد الشرع الجديدة المسؤولية عنها.
-
الرصاصات الثلاث التي تمّ سحبها من أحد أبناء سكان القرية
موقع "Dropsite News" ينشر مقالاً يتناول مجزرة مروّعة ارتُكبت بحقّ المدنيين العلويين في الساحل السوري. يسرد المقال حالات قتل وتفاصيلها، ويتساءل عمّا إذا كان ضحايا مجازر الساحل السوري سيحصلون على العدالة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
يوم 22 حزيران/يونيو وأثناء الصلاة اقتحم إرهابيّ كنيسة أرثوذكسية في العاصمة السورية دمشق، أطلق النار على المصلين، ثمّ فجّر نفسه، وقتل 22 ضحية، وأصاب أكثر من 50 آخرين. ومع أنّ الرئيس أحمد الشرع كان قد وعد بحماية الأقلّيات في سوريا عند تولّيه السلطة، وخلال الأشهر الأخيرة أحبط عدّة مخطّطات هجومية لتنظيم "داعش"، للاعتداء على الأقلّيات، من ضمنها هجوم قيل إنّه استهدف حياة الشرع نفسه.
إلّا أنّ "داعش" ليس الوحيد الذي يستهدف الأقلّيات الدينية والعرقية في سوريا، فهناك شهود عيان على المجازر الجماعية التي طالت المدنيين العلويين ومسؤولية ميليشيات تابعة لحكومة الشرع عنها.
وبين الـ6 والـ10 من شهر آذار/مارس الماضي وقعت مجزرة على طول الساحل السوري. وتشير التقديرات إلى أنّ مجزرة الساحل أودت بحياة أكثر من 1500 شخص.
وقد أظهرت هذه المذبحة بحقّ المدنيين تناقضاً مع الصورة التي حاول الشرع الترويج لها عالمياً لتشجيع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى على تخفيف العقوبات المنهكة للبلاد. ووعد الشرع بفتح تحقيق مستقلّ في أعمال العنف، لكنّ نتائج هذا التحقيق تأخّرت وقد لا تعلن أبداً.
بعد المجزرة بوقت قصير، زرنا قرية الرصافة التي اعتقل منها رجال عزّل في داخل منازلهم بشكل ممنهج وأعدموا. كما قتل 4 أطفال وامرأتان. وخلال مراجعة أهالي البلدة للمسؤولين الحكوميين، لم يظهر أيّ منهم انطباعاً بأنّ الشرع سيقدّم الجناة للعدالة، ويقول عن ذلك أحد المسؤولين السوريين (رفض الكشف عن اسمه): "الوضع معقّد للغاية، وهناك العديد من الأطراف متورّطة، وأشار إلى احتمال وجود دور روسي في الانتفاضة، لكنه لم يفصح عن التفاصيل، "هناك أدلة، لكنني لن أفشيها الآن". وحين سُئل عن قتل المدنيين على يد مقاتلين موالين للحكومة السورية، تحاشى الحديث.
المقابلات التي أجراها كثيرون من سكّان الرصافة صادمة في وحشيّتها. يبحث أهالي ضحايا الساحل عن العدالة التي قد لا يجدونها.
في فيديو انتشر على وسائط الشبكة، شخص يصوّر ويقول "يلعن روحك"، بينما يطلق زميله الذي يقف إلى جانبه النار على جسد رجل أعزل ممدد على الأرض يرتدي بنطالاً رياضياً، مرة بعد أخرى أكثر من 10 مرات. ويتابع الصوت: "خنزير"، بينما يركله شخص ثالث ليسقطه عن حافة مرتفع حيث تهاوى جسده إلى الأسفل كخرقة بالية، تاركاً خلفه بقعة حمراء على الأسمنت.
الضحية رجل في العقد الثالث من العمر يدعى حيدر بسام. كان يعمل حطّاباً في قرية الرصافة، ويدرّ دخلاً يتراوح بين 11 و30 ألف ليرة سورية يومياً، أي ما يعادل قرابة جنيهين إسترلينيين لعائلته المكوّنة من زوجة وطفلين. وهو واحد من أكثر من ألف مدني قتلوا خلال عطلة نهاية أسبوع تلك التي شهدت عنفاً طائفياً شديداً. وكحال معظمهم، كان علوياً.
حين شنّت مجموعات مسلحة موالية للنظام القديم سلسلة هجمات منسّقة على قوات الأمن الجديدة في البلاد في آذار/مارس الماضي، أدّى التمرّد الفاشل إلى موجة عنف انتقامي ضدّ المدنيين. في الأحياء والقرى العلوية، في مدن الساحل وجباله، حيث تجوّل مقاتلون وعناصر مسلّحة لأيام، ونهبوا وأحرقوا وأعدموا مدنيين من دون محاكمة.
وتشير تقارير منظمات حقوق الإنسان، وتصريحات مبكّرة للرئيس السوري أحمد الشرع، إلى تورّط مجموعات مسلحة متحالفة مع الحكومة، دُمجت من قبل ضمن القوات العسكرية والأمنية الجديدة. ووجدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنّ "الفصائل المحلّية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية، التي تخضع رسمياً لوزارة الدفاع، أدّت الدور الأبرز في ارتكاب هذه الانتهاكات". ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، اعترف مسؤول حكومي بأنّ "بعض جنود الحكومة المنتشرين لاستعادة النظام شاركوا أيضاً في عمليات القتل".
وفي أعقاب الهجمات مباشرة، قال الشرع إنّه سيحاسب المسؤولين وأنّ الحكومة "لن تقبل أن يسفك الدم ظلماً. ولن يمرّ الأمر من دون عقاب أو محاسبة، حتى بين أقرب الناس إلينا"، في إشارة واضحة إلى أنّ المجموعات المسلّحة الأساسية التابعة للسلطة تورّطت في العنف.
وفي 3 نيسان/أبريل الماضي صدر تقرير أوّلي عن منظمة العفو الدولية نُسب فيه القتل إلى "ميليشيات متحالفة مع الحكومة"، ودعا إلى التحقيق في تلك الجرائم باعتبارها جرائم حرب بحقّ الأقلية العلوية، ثمّ غيّرت القيادة السورية الجديدة موقفها، حيث قال عضو في وزارة الداخلية إنّ تقرير منظمة العفو الدولي متحيّز، وأنّه يجب انتظار نتائج لجنة التحقيق الحكومية، التي كان من المقرّر أن تصدر تقريرها في 9 نيسان/أبريل، لكنّ التقرير تأجّل إلى الشهر الجاري، بعد أنّ طلبت اللجنة مزيداً من الوقت.
في البداية، واجهت فرق اللجنة صعوبة في كسب ثقة المجتمع العلوي. وبعد شهر من المجازر، جمعت اللجنة أقل من 100 إفادة. وبعد انضمام 7 نساء علويات لإجراء المقابلات وتدوين الملاحظات، جُمع الآن أكثر من 1100 شهادة من ضحايا وشهود، وتمّت زيارة 42 موقعاً شهدت على المذبحة.
صرّح أحد أعضاء اللجنة شرط عدم الكشف عن هويته قبل اختتام تقريره لموقع "دروب سايت"، بأنّهم لم يقرّروا بعد ما إذا كانوا سينشرونه أم لا. وإذا فعلوا، فمن المستبعد بشكل متزايد الكشف عن أسماء أيّ جماعات مسلحة أو أفراد محدّدين، على الرغم من الالتزامات السابقة بذلك. وقال: "منذ البداية، كان إعداد قائمة المشتبه بهم أحد الأهداف الرئيسية للجنة. ولدينا قائمة بأسماء المشتبه بهم، لكنّها لا تزال قيد الدراسة والنقاش. ويتطلّب الأمر مزيداً من التحقيق لتحديد ما إذا كانوا فصائل أم أفراداً".
ورفضت اللجنة الكشف عن هوية تلك الفصائل أو الأفراد، وبحسب مصدرين تعاملا مع أعضائها، فإنّ اللجنة تتعرّض لضغوط لعدم تسمية الجناة لتجنّب تأجيج التوترات. كما أكد عضو اللجنة استقلالية الهيئة، حيث اجتمعوا وتحدّثوا بحرية مع العديد من مستويات الحكومة، ولم يخضع عملهم لأيّ تدخّل. وبينما لا يزال الجدل قائماً بين أعضائها حول ما إذا كان ينبغي أن تكون هذه محكمة خاصة، فقد أكدوا أنّ من واجب القضاء السوري تسمية المسؤولين ورفع الدعاوى ضدهم، في حين يمنح الدستور السوري المؤقت الرئيس أحمد الشرع وحده سلطة تعيين جميع أعضاء المحكمة العليا.
منذ تولّي الشرع السلطة في كانون الأول/ديسمبر، سعى إلى طمأنة السوريين والمجتمع الدولي بأنّ جماعته، هيئة تحرير الشام، وتحالف الفصائل المسلحة الأخرى التي قاتلت في طريقها إلى دمشق، قد تخلّت عن جذورها المتطرّفة، فلقد كانت "هيئة تحرير الشام" وجماعات أخرى مدرجة على قوائم الإرهاب وخاضعة لعقوبات دولية، لكنّها انحلّت رسمياً منذ ذلك الحين، ووضعت تحت سلطة الجيش الوطني الجديد. ولضمان الدعم الدولي وتخفيف العقوبات، عمل الشرع على إقناع العالم بالتزام حكومته ببناء سوريا شاملة، إلى حين أن شكّلت مجازر الساحل ضربة موجعة لهذه الصورة.
إن فيديو مقتل بسام حيدر هو واحد من العديد من مقاطع الفيديو التي صوّرها المقاتلون ونُشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي حين ارتكاب تلك المجازر، وكان فريق "دروب سايت" في الرصافة في منتصف آذار/مارس، أي بعد أسبوعين من مقتل حيدر. وكما ظهر في الفيديو، لا تزال بقعة الدم على الطريق واضحة. في الواقع، كانت هناك عدة بقع دماء كبيرة على الأسمنت الباهت.
بينما قال شاب من القرية إنّ 3 آخرين قُتلوا هنا، خرجت امرأة من مبنى قريب. كان زوجها من بين من أُطلقت عليهم النار على هذا الطريق، قالت "أخذوه من المنزل وكنت أصيح وأقول إنّه مريض، لكنهم أطلقوا عليه النار في الشارع، لديّ 4 بنات كيف سأعيلهن الآن".
تركت بقع الدماء في الرصافة أثرها على الطرقات، ولطّخت أرضية روضة الأطفال، وتسرّبت إلى أثاث غرفة جلوس إحدى العائلات التي قُتل فيها 4 أطفال برصاص المسلحين. لا يخلو أي بيت في هذه القرية، التي تضم نحو 3 آلاف نسمة وتقع في وادٍ صغير على سفوح جبال الساحل السوري من أثر مأساوي.
بلغت الحصيلة المروّعة في الرصافة 63 قتيلاً، من بينهم 4 أطفال وامرأتان. كما أصيب 18 ناجياً بجروح نارية. وتعرّض 75 منزلاً من أصل 300 في القرية للنهب أو الحرق. وفقد 200 رأس من الماشية. وسُرقت 35 سيارة و70 دراجة نارية. كما دُمّرت خزّانات المياه وألواح الطاقة الشمسية. وقد ارتُكبت المجزرة في يوم كان من المقرّر أن يتمّ فيه توصيل غاز الطهي إلى القرية، حيث سُرقت الإمدادات كلّها مع أسطوانات الغاز وأموال السكان.
وقالت شاهدة عيان: "لقد أجبرنا المسلّحون على النزول إلى الطريق والاستلقاء على الأرض، أهانونا وأطلقوا النار بين أرجلنا". وفي النهاية، تمّ اقتيادها مع بناتها الأربع إلى داخل البيت مع والديها وأختها وأبناء أختها الذين كانوا يعيشون في المنزل المجاور. أبقوا زوجها وابنها المراهق في الخارج. وعلى مدار يومي الجمعة والسبت، زارت عدة فصائل مسلحة المنزل، وهدّدت العائلة ووصفت أفرادها بـ"العلويين الخنازير".
تضيف: لقد "تواجدوا في القرية ليومين ونهبوا كل شيء، الذهب والهواتف المحمولة". وهدّدوها هي وأختها بالاغتصاب، وطالبوا بأموالهما، كما أخذت مجموعة أتت لاحقاً والدها البالغ من العمر 60 عاماً وأطلقت عليه 3 رصاصات في رجليه، وتركته ينزف ويصرخ في الشارع لمدّة 7 ساعات. ومنعوا العائلة من الخروج لمساعدته، لكنّ مجموعات جديدة من المسلّحين تجمّعت بسبب الصوت، وهم يسألون بتجاهل، من فعل هذا.
وذكرت هي وسكان آخرون لا تجمعهم صلة قربى بالأسرة مجموعتين مسؤولتين عن المجزرة، هما "أحرار الشام" من إدلب، و"جيش الإسلام"، وهو فصيل مسلح تشكّل قرب دمشق خلال الحرب السورية وانتقل مقاتلوه إلى إدلب في صفقة مع النظام في عام 2018. وأضافت أنّ "مجموعات أخرى كانوا يرتدون عصائب حمراء تميّز القوات الخاصة التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، والتي يغلب عليها المقاتلون الأجانب كانوا أيضاً هناك، وفي "يوم الأحد، قالوا يمكنكم أن تخرجوا لتروا ما فعلناه".
فتحت الباب المتحرّك المؤدّي إلى الشرفة المطلة على الطريق وأشارت إلى بقعة من العشب إلى جانب الجدار الأمامي للمنزل وقالت بصوت مرتجف "هناك، أطلقوا النار على ابني، كان عمره 15 سنة فقط". وكان جسد زوجها مدفوناً بالقرب من المكان، وهو كغيره من أبناء الطائفة العلوية قد خدم في الجيش في عهد الأسد، لكنه سلّم أسلحته وبطاقة هويته العسكرية للسلطات الجديدة. وقالت إنّ جميع رجال عائلتها فعلوا الشيء نفسه، أو لم يخدموا في الجيش أصلاً، بينما قُتل والدها و3 من إخوتها وأيضاً 3 من إخوة زوجها. وقالت إنّ جميع رجال الرصافة الذين خدموا في الشرطة أو الجيش سلّموا أسلحتهم، فلم يكن هناك قتال بين القوات السابقة والمسلحين داخل القرية.
وحين انهارت الحكومة أمام تقدّم هيئة تحرير الشام والجماعات المتحالفة معها في كانون الأول/ديسمبر، شعر العديد من العلويين في البلاد بالدهشة والامتنان لأنّ سقوط حكومة الأسد، التي استمرت 54 عاماً حصل بلا سقوط دماء نسبياً. ووفقاً للسكان: "لو كنا نعلم أنّ هذا سيحدث، لما سلّمنا أسلحتنا حتى يكون لدينا ما ندافع به عن أنفسنا وشرفنا، لكنهم خانوا ثقتنا".
يروي أب آخر قصته، في صباح يوم الجمعة "ظهر 10 رجال مسلحين أمام عتبة بيتي وأخذوا ابني الأكبر". وبعد فترة وجيزة، تلقّى الأب مكالمة من المسلّحين، قالوا فيها: "أرسل ابنك إلى حافظ الأسد وأخذنا قلبه، وطلبوا مني أن أذهب للعثور عليه قبل أن تأكل جثمانه الضواري، ووجدته مقتولاً في زقاق قبالة الطريق الرئيسي، مصاباً بثلاث رصاصات في صدره". وأضاف: "رأيت أنّهم أخذوا قلبه بالفعل..".
ويصرّ هؤلاء القرويون على أنّهم "لم يكونوا على علم بكمين الموالين للنظام، ويشيرون إلى مذبحة رجالهم كدليل، لو كانوا على علم بوجود أمر ما، لغادروا منازلهم واختبأوا بدلاً من انتظار طرق الباب والطلقة في الرأس".
ويقولون: "ببساطة لقد تمّ استهدافنا لكون القرية علوية. إنّه عقاب جماعي. وهم لم يلتزموا بأي قانون، وإذا كان أحدهم مجرماً، فعاقبه لوحده وليس المجتمع بأكمله".
وقعت أسوأ مجزرة في الرصافة في منزل فوق القرية، وفقاً للأهالي. حيث قتلت امرأتان و4 أطفال، ولا أحد يعلم السبب، لكنّ البعض يرجّح أنّ صبياً في الـ9 من عمره يدعى بشار، كان يزور أبناء عمومته في ذلك اليوم، وقتل مع الأشقّاء الثلاثة وهم زين 3 سنوات، وجواد 4 سنوات؛ ويحيى 10 سنوات، ومع والدتهم وجدّتهم، بينما كان الجدّ قد خرج ليحضر المزيد من الحطب لإشعال النار، وحين عاد وأجبر على الوقوف خارجاً. وقال "سمعت دوي إطلاق النار في الداخل، لكنّني لم أدرك في البداية ما يحصل، ولم أصدّق أنّهم سيقتلون الأطفال حقّاً، لقد بقيت الجثامين في صالة البيت لمدّة 3 أيام قبل أن أتمكّن من دفنها. ولا يزال مسرح الجريمة على حاله، والدماء لا تزال متناثرة. لم نلمس شيئاً. كنّا نأمل أيضاً أن تأتي المنظمات الدولية، لكن لم يأتِ أحد".
بدلاً من ذلك، أغلق الأمن العامّ القرية لأيام. ولم يسمح للخوذ البيضاء ولا للهلال الأحمر السوري بالمساعدة في الدفن، فدفنت العائلات ذويها من دون فحص الجثث أو مواقع قتلهم، كما استغرقت زيارة لجنة التحقيق الحكومية قرابة 3 أشهر كي تصل إلى القرية.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.