"Le Point": فرنسا تحت إشراف صندوق النقد الدولي قريباً؟

إنّ فوز الحزبين التجمع الوطني والجبهة الشعبية الجديدة في الانتخابات التشريعية من شأنه أن يغرقنا في أزمة ديون وقد يضع فرنسا تحت إشراف المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

  • البنك المركزي الفرنسي
    البنك المركزي الفرنسي

صحيفة "Le Point" الفرنسية تنشر مقالاً للكاتب بيير أنطوان ديلومايه، يتحدث فيه عن أزمة الدين الفرنسية، واحتمالية أن تخضع فرنسا لإشراف صندوق النقد الدولي في إثرها، بالإضافة إلى الإجراءات التي قد تتخذها الحكومة وتأثيرها على المواطن الفرنسي. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

إنّ فوز الحزبين التجمع الوطني والجبهة الشعبية الجديدة في الانتخابات التشريعية من شأنه أن يغرقنا في أزمة ديون، وقد يضع فرنسا تحت إشراف "الترويكا": المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

وفي ربيع عام 2010، خلال الأزمة اليونانية، تم إنشاء "الترويكا" التي ضمّت خبراء من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي من أجل مراجعة الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد ووضع حد للأزمة. وتدخلت على الفور في أيرلندا والبرتغال وقبرص، التي كانت تواجه أيضاً صعوبات تمويلية خطيرة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.

وسرعان ما اكتسب "الرجال ذوو الملابس السوداء" في الترويكا سمعة باعتبارهم شخصيات بغيضة، ويعملون بطريقة غير ديمقراطية في غموض وسريّة، وبلا رحمة، ولا يبالون بمحنة الناس الذين فرضوا عليهم علاجات وحشية اجتماعية كبيرة.

ذعر عام في الأسواق المالية

الأسوأ ليس مؤكداً دائماً، لكن من المفيد الاستعداد له في ظل الإنفاق الكبير على المشاريع الاقتصادية لحزب التجمع الوطني والجبهة الشعبية الجديدة.

ومع فوز أحد الحزبين في الانتخابات التشريعية، فإنّ التوتر الشديد الذي شهدته الأسواق المالية والذي لوحظ منذ الإعلان عن حلّ الجمعية الوطنية، والذي تجلى في الارتفاع الكبير لسعر الفائدة، يهدد بالتحوّل إلى حالة عامة من الذعر.

ومن الخطأ أن يتصوّر الفرنسيون أنّ أزمات الديون لا تحدث إلا لبلدان أخرى، إذ إن سعر الفائدة المرتفع يجعل فرنسا تجد نفسها في مواجهة عاصفة مالية على نطاق غير مسبوق.

بارديلا وميلينشون عبيدا الإنفاق العام

ومن غير المرجح استبعاد مثل هذا السيناريو الكارثي لأنّ مواردنا المالية العامة تعاني بالفعل حالة من الهشاشة الشديدة ما دفع وكالة "ستاندرد آند بورز" إلى خفض تصنيف فرنسا في نهاية شهر أيار/مايو. علاوة على ذلك، يبدو الخطر الحالي لأزمة الديون أكبر بكثير مما كان عليه في عام 1981، عندما كانت تمثل 21% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بـ 110% في نهاية عام 2023.

ومع تعيين جوردان بارديلا أو جان لوك ميلينشون، اللذين يشتركان على الأقل في عبادة الإنفاق العام، هذه المرة ليس بدرجة واحدة، بل بعدة درجات، يمكن أن يشهد تصنيف فرنسا  انخفاضاً إضافياً حاداً.

وفي حين أنّ الانزلاق غير المنضبط في الحسابات العامة يتطلب، باعتراف خبراء الاقتصاد الكينزيين، اتخاذ تدابير الادخار الطارئة، فإنّ معسكري التطرف الاقتصادي يقترحان، على العكس من ذلك، زيادة الإنفاق بشكل كبير، أيّ المخاطرة بقتل المريض.

اعتاد الفرنسيون على الإيمان بالسراب

الفرنسيون صوّتوا بأغلبية كبيرة جداً للأحزاب التي وعدت بإلغاء إصلاح نظام التقاعد الذي عارضه ثلاثة أرباعهم بشدة.

اعتاد الفرنسيون العيش بما يتجاوز إمكانيات البلد لمدة خمسين عاماً، والذي يعرف منذ عام 1974 بنظام العجز. ومعظمهم، لا يهتم على الإطلاق بمشكلتَي العجز والديون، ويرفض أيّ شكل من أشكال الصرامة في الميزانية بعد عدة سنوات من سياسة "مهما كانت التكلفة" التي أعطته الشعور بأنّ الدولة لديها موارد مالية غير محدودة.

التدهور المهين لديوننا

ويدفع المعسكر الماكروني اليوم ثمناً باهظاً على المستوى الانتخابي، بدءاً من خسارة الانتخابات إلى التدهور المهين لديون فرنسا، والتجاوزات الاقتصادية لم تتسبب في خسارة الرئيس سمعته كمدير كفؤ فحسب، بل وضعت أيضاً في الاعتبار التكلفة الجنائزية للأزمة بسبب التدابير التي اقترحها حزب الجبهة الشعبية وحزب التجمع الوطني للانتخابات التشريعية.

لقد أخرجونا بشكل جماعي إلى عالم اقتصادي موازٍ وواقع مالي وهمي، وطردوا بشكل نهائي كل الحس السليم وكل العقلانية، ما سمح بابتلاع الأكاذيب الهائلة التي تروّجها أحزاب المعارضة حول قدرتها على تعزيز القوة الشرائية بسهولة.

وبدأ البعض بالفعل يدين دكتاتورية الأسواق، متجاهلاً حقيقة أنّه من دون هؤلاء الدائنين الأجانب البغيضين، لما دفعت أجور أساتذة جامعاتنا ومقدمي الرعاية في المستشفيات لدينا.

خطر العدوى في أوروبا

وعلى العكس من ذلك، يشرح آخرون أنّ أزمة الديون قد تكون بمنزلة صدمة مفيدة، ومن شأنها أن تُبعد الباعة المتجوّلين وتجار الأحلام، ويتناسون أنّ أزمات الديون لها تكلفة اقتصادية واجتماعية رهيبة. وللتغلب على أزمتها، اضطرت اليونان، بين أمور أخرى، إلى خفض الحد الأدنى للأجور بنسبة 22%، وخفض عدد موظفي الخدمة المدنية بمقدار الربع، وتمديد سن التقاعد بمقدار خمس سنوات. ولكن، على الرغم من التعافي الاقتصادي المذهل الذي شهدته لسنوات عديدة، فإنّ ناتجها المحلي الإجمالي اليوم لا يزال أقل بنسبة تزيد على 10% عن مستواه في عام 2009.

إنّ ارتفاع أسعار الفائدة في فرنسا من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل خطير من خلال انتقال العدوى إلى جميع بلدان جنوب أوروبا، إلى درجة تهديد وجود العملة الموحّدة. إنّ رئيس الوزراء المقبل من حزب التجمع الوطني أو الجبهة الشعبية سوف يتعرض لضغوط هائلة، بمجرد أن يتم تنصيبه، ليس فقط من الأسواق، بل وأيضاً من قِبَل البنك المركزي الأوروبي وشركائنا الأوروبيين الذين أغضبهم تراخي الميزانية الفرنسية، حتى أنه سوف يتخلى عن تنفيذ برنامجه الاقتصادي.