"نيويورك تايمز": التحوُّل الصعب في سوريا يجلب نزوحاً جديداً
تقول الأمم المتحدة إنَّ أكثر من 400 ألف سوري نزحوا خلال عام منذ انتهاء الحرب الأهلية، بسبب مزيج من العنف الطائفي وأعمال الانتقام والنزاعات على الممتلكات.
- 
"نيويورك تايمز": التحوُّل الصعب في سوريا يجلب نزوحاً جديداً  
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول الوضع الإنساني والاجتماعي في سوريا بعد سقوط النظام عام 2024، مسلطاً الضوء على مرحلة ما بعد الحرب الأهلية وما رافقها من موجات نزوح جديدة، وانتقامات طائفية، وصراعات على الملكية، واحتلال إسرائيلي لمناطق جنوبية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
عندما انتهت الحرب الأهلية السورية بعد 14 عاماً في 2024، بإطاحة المستبد بشار الأسد، ابتهج العديد من السوريين بفرصة العودة أخيراً إلى منازلهم وأراضيهم التي هجروا منها. فلقد أدَّت الحرب إلى نُزوح أكثر من نصف سُكّان البلاد، حيث فرَّ الملايين إلى بلدان أخرى، ونزح آخرون نحو أماكن أكثر أمناً داخل سوريا. والآن، في خضمّ عملية انتقال السلطة الصعبة إلى قيادة جديدة تشهد البلاد موجات جديدة من النزوح، بسبب أعمال الانتقام، والعنف الطائفي، والنزاعات على الممتلكات التي استمرَّت عقوداً من الزمن، زائد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي في جنوب سوريا.
ومنذ سقوط النظام نزح أكثر من 430 ألف سوري داخل بلدهم وفقاً للأمم المتحدة. ولم تنجُ أي فئة من الطوائف الدينية والعرقية المتنوعة في البلاد من الاضطرابات التي امتدَّت إلى عدَّة مناطق. وكانت أكبر عمليات النزوح من محافظة السويداء الجنوبية، حيث اندلعت اشتباكات دامية في الصيف الماضي بين الدروز، وهم أقلية دينية تهيمن على السويداء، وجيرانهم البدو.
تقول ريم الحوارين وهي من سكان القرى البدوية القريبة، إنَّها تابعت ما حدث بخوف لأكثر من أسبوع عندما اندلعت أعمال عنف دموية في مطلع تموز/يوليو الماضي في محافظة السويداء على خلفية توترات قديمة بين الدروز والبدو، وسرعان ما اجتذب العنف قوات متحالفةً مع حكومة في دمشق، واتَّخذت المواجهة بين الطرفين طابعاً طائفياً. والبدو، مثل قادة سوريا الجدد ينتمون إلى الأغلبية السنية في البلاد.
وكانت الميليشيات الدرزية التي تُسيطر على محافظة السويداء قد تحدَّت جهود الحكومة لدمجها في الجيش الوطني، ووضع المحافظة بأكملها تحت سلطة القادة الجدد للبلاد، كجزء من خطة أوسع لإعادة توحيد سوريا بعد انقسامات الحرب الأهلية، وتشظيها إلى مناطق سيطرة مُتعدّدة.
تُضيف ريم الحوارين أنَّ بلدتها الشهباء التي تبعد نحو 16 كيلومتراً كانت هادئةً كما هي الحال في السويداء، حيث سُكّان الشهباء من الدروز والبدو يعيشون معاً. ولكنَّ كل شيء تغيَّر في صباح 17 تموز/يوليو، حين صعد مسلحون من الدروز إلى سطح مبنى بالقرب من منزلها، وطلبوا من جميع السُكّان البدو المغادرة في غضون ساعة. تقول، إنَّها وعائلتها فرُّوا إلى منزل أحد أقاربهم حيث اختبئوا مرعوبين لمدة 3 أيام، بعدها قام الهلال الأحمر السوري بإجلاء أفراد عائلتها ومئات البدو الآخرين في حافلات، وانتهى بهم الأمر خارج العاصمة دمشق، حيث يقيمون منذ أشهر.
من الفندق الواقع على مشارف دمشق حيث تقيم مع عائلتها، تضيف ريم الحوارين وهي موظفة حكومية تعمل في مصلحة المياه المحلية التي يسيطر عليها المسلحون الدروز، ورغم المخاطر التي واجهت عائلتها خلال أعمال العنف أنَّهم متلهفون للعودة إلى بيوتهم: "على أي أساس أجبرونا على مغادرة منازلنا، سنعود إلى أرضنا وديارنا بالطبع".
تتذكَّرُ السيدة حوارين لحظات مُرعبةً عاشتها عندما أمرها مسلحون دروز مع جيرانها بمغادرة منازلهم. وأضافت أنَّهم سمعوا بعد لحظات إطلاق نيران غزيرة، ولم تكتشف إلا في وقت لاحق أنَّ 6 من أفراد أسرتها، من ضمنهم حماتها البالغة من العمر 85 عاماً وابنة أختها تاج البالغة من العمر 7 سنوات، قد قتلوا، كما قالت هي وزوجها محمد.
ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان قتل أكثر من 1300 شخص في أعمال العنف، بينهم نحو 400 مدني، معظمهم من الدروز. وذكرت مجموعة رصد أخرى أنَّ عدد القتلى أعلى من ذلك. وكانت قد أكَّدت صحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق، أنَّ قوات الأمن الحكومية نفَّذت عملية إعدام واحدة على الأقل بحق مدني درزي، كما وثقت 4 عمليات إعدام أخرى بحقّ مدنيين دروز، بعض المُنفّذين يرتدون ملابس عسكرية.
وكانت موجات العنف والتوتُّرات الطائفية التي شهدتها السويداء قد أجبرت عشرات الآلاف من السوريين من قبل على مغادرة منازلهم منذ انتقال السلطة في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي. كما تُعزى بعض حالات النزوح إلى النزاعات على ملكية الأراضي والعقارات. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نزح أكثر من 12 مليوناً من أصل 23 مليوناً من سُكّان سوريا قبل الحرب، داخلياً وخارجياً خلال الحرب الأهلية.
ومنذ الإطاحة بالأسد، عاد ما لا يقلُّ عن 2.8 مليون منهم. تضيف الأمم المتحدة والشرطة المحلية وجماعات حقوق الإنسان أنَّ في بعض النزاعات على الأراضي، حاول الأشخاص الذين يسعون لاستعادة الممتلكات طرد السُكّان الحاليين. وفي حين استولي على بعض هذه الأراضي المتنازع عليها خلال الحرب الأهلية، فإنَّ معارك أخرى على الممتلكات تعود أسبابها إلى عقود من الزمن.
وفي أواخر آب/أغسطس، هرب مئات العلويين من ضاحية السومرية بدمشق بعد أن أبلغتهم قوات الأمن أنَّ شخصاً من مكتب المحافظ سيأتي لتفقد صكوك ملكية العقارات، ثم يقوم بمداهمة لاحقة، وفقاً لسُكّان محليين والمرصد السوري لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة حرب مقرّها بريطانيا.
وفي اليوم التالي لإخطار المدينة بتفتيش الوثائق، قامت مجموعات من الرجال المسلحين التابعين للحكومة الجديدة بمداهمة المنازل واعتقال السكان المحليين لفترة قصيرة، بحسب مسؤول محلي ومُقدم طلب استرداد ملكية تحفظ عن كشف هويته خوفاً من الانتقام. وفي الأيام التي تلت ذلك، صرَّح محافظ دمشق ماهر مروان الإدلبي لوسائل الإعلام الرسمية بأنَّ ما حدث في السومرية كان نتيجة عقود من الاستيلاء غير القانوني على الأراضي والصفقات العقارية الفاسدة من قبل نظام الأسد.
وحثَّ إدلبي الناس على ترك الأمر للسلطات المختصة التي يمكنها الفصل في ملكية العقارات، وحذَّر السكّان من أخذ الأمور بأيديهم "خوفاً من حدوث فوضى". تقول امرأة علوية (32 عاماً)، لم تكشف عن هويتها خوفاً من الانتقام أيضاً، إنَّها وسُكّاناً آخرين جهَّزوا وثائق مُمتلكاتهم تحسُّباً لأي تفتيش، بينما قيل لهم إنَّ لجنة حكومية ستحضر لكن "فوجئوا بوصول القوات المسلحة".
وقد حضر إلى حيّها نحو 20 ضابطاً عسكرياً بعضهم مُلثَّم. تقول: "لقد اقتحموا باب منزلها وجروها من شعرها، ووجَّهوا إليها وإلى إخوتها شتائم طائفية. وقالت إنَّ السبب الوحيد الذي جعلها لا تنضمُّ إلى جيرانها في المغادرة هو أَنَّها لا تملك المال ولا مكان تذهب إليه".
كل ذلك، ولم تستجب وزارتا الداخلية والإعلام ومكتب الإدلبي لطلبات التعليق على مزاعم العنف والإساءة اللفظية في أثناء المداهمة في حيّ السومرية. وكان قد صرَّح متحدث باسم وزارة الداخلية، بأنَّ القوات المسلحة الوطنية لا علاقة لها بعمليّاتِ الإخلاء. وأضاف أنَّ القوات المعنية كانت تُخلي أشخاصاً مرتبطين بجيش النظام المخلوع من مبان مملوكة للحكومة الإقليمية لتجديدها واستخدامها لإيواء أفراد الجيش الجديد.
وفي محافظة القنيطرة الجنوبية، بالقرب من الحدود الإسرائيلية، غزت القوات الإسرائيلية بلدات سورية بعد أيام من الإطاحة بالنظام. ومنذ ذلك الحين، وسعت "إسرائيل" احتلالها للمنطقة، ودمرت المنازل وشرَّدت المدنيين، بحسب مسؤولين محليين ومنظمة "هيومن رايتس ووتش". وتقول الباحثة البارزة في الشؤون السورية في المنظمة المذكورة هبة زيادين: "لا ينبغي للقوات العسكرية الإسرائيلية العاملة في سوريا أن تتمتع بحرية التصرف في الاستيلاء على المنازل وهدمها وطرد العائلات، حيث نزح عشرات العائلات نتيجة لذلك".
نقله إلى العربية: حسين قطايا.