تأجير المستشفيات الحكومية في مصر.. هل يُغلق الباب أمام المرضى الفقراء؟

يواجه مشروع قانون البرلمان المصري بتأجير المستشفيات الحكومية اعتراضات كبيرة من جانب العاملين في القطاع الصحي ونقابة الأطباء، بينما دافعت الحكومة المصرية بأنّ القرار يشجّع الاستثمار في القطاع الصحي.

  • تأجير المستشفيات الحكومية في مصر.. هل يُغلق الباب أمام المرضى الفقراء؟
    تأجير المستشفيات الحكومية في مصر.. هل يُغلق الباب أمام المرضى الفقراء؟

كان وقع إقرار البرلمان المصري قانوناً جديداً يُعرف إعلامياً بـ"تأجير المستشفيات"، صادماً على غالبية المصريين، لأنه يسمح بخصخصة المستشفيات الحكومية لمنحه القطاع الخاص حقّ إدارة تلك المنشآت وتشغيلها، ما يعني رفع نفقات العلاج والذي سيتضرّر منه الفقراء ومحدودو الدخل، كما يضرّ بالأسر الفقيرة التي تتلقّى الرعاية الصحية على نفقة الدولة أو التأمين الصحي. ومصر لديها نحو 662 مشفى تقدّم خدماتها برسوم رمزية، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، يتردّد عليها  48 مليون مواطن.

حرمان المصريين من العلاج المجاني

تعكس مشاهد ازدحام المصريين داخل المشافي الحكومية وأروقتها الداخلية وساحاتها الخارجية مظاهر الفقر والبؤس، إذ يتراصّ مواطنون في طوابير طويلة لأن لا خيار أمامهم، لعدم قدرتهم على العلاج في العيادات والمستشفيات الخاصة، فضلاً عن أن معظمهم بلا تأمين صحي، ما يجعل القطاع الطبي الحكومي الملاذ الأخير للملايين منهم.

ضمن هؤلاء كان أحمد عبد التوّاب، الذي وقف على باب طوارئ مستشفى القصر العيني القديم، الشهير في مصر، مندّداً بالقانون الجديد، لأنه يمهّد لإنهاء العلاج المجاني لمحدودي الدخل.

عبد التوّاب، وهو أب لأربعة أبناء، بينهم علي الذي صدمته دراجة بخارية مسرعة، ساقته ظروفه الاجتماعية إلى اللجوء إلى هذا الصرح الطبي الذي بني عام 1936، ويعدّ  أكبر مستشفى مجاني في مصر، لعلاج نجله لأنه لا يملك أي أموال، إذ يعمل في إحدى محلات المأكولات بأجر يومي لا يتعدى الـ 150 جنيهاً (3 دولارات)، كما أنّ علاج ابنه في القطاع الخاص يحتاج إلى أكثر من 50 ألف جنيه (نحو ألف دولار)،  إذ يعاني من كسر مضاعف في منطقة الحوض وآخر أسفل الساق اليسرى.

بصوت تملأه المرارة والغصة، ناشد أحمد عبد التوّاب (50 عاماً) الذي يقطن في منطقة فيصل بالجيزة، بعدم المصادقة على القانون الجديد، لأنه "يقضي على المرضى الغلابة ومحدودي الدخل تماماً".

ومن المنتظر أن يعرض مشروع القانون على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقراره كـ"قانون"، وتكمن في بعض مواده السماح للمستثمر بجلب 25% كحد أقصى من الأجانب للعمل ضمن الأطقم الطبية مع إمكانية تقسيم المنشأة الصحية المؤجّرة لـ50% للعلاج على النفقة الخاصة، و50% للعلاج على نفقة الدولة والتخلّص من 75% من العاملين المصريين في المنشأة، بينما يتيح تقليص عدد الأسرّة المجانية إلى النصف.

العلاج يفوق قدرات "الغلابة"

داخل قسم العيون في القصر العيني، قال سليمان طه سيف، إنه أجرى عملية مياه بيضاء في عينه اليسرى بعد أن زار الكثير من العيادات الخاصة، "كنت على وشك العمى، لولا القصر العيني، لكن صرفت كل ما لدي من أموال لأن العلاج هنا بات يفوق قدرات الغلابة".

من القصر العيني إلى مستشفى "أبو الريش" للأطفال، الواقع في منطقة المنيرة، نصب فيصل طاهر، الذي يعمل في الزراعة، خيمة لتقيه وزوجته آمنة محمود، أعين المارة والوافدين لعلاج أطفالهم في هذا المشفى المتخصص في علاج الأمراض الدقيقة، والذي يعدّ أكبر وأقدم مستشفى تخصصي لطب وجراحة الأطفال في مصر والشرق الأوسط وتأسس عام 1983 بمنحة يابانية.

 الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها طاهر منعته من علاج نجله محمد، المولود بعيب خلقي بالكلى، ويحتاج إلى إجراء عملية جراحية تفوق قدراته المادية، ليبقى مستشفى "أبو الريش" الملاذ الأخير لعلاج طفله البالغ من العمر ثلاث سنوات.

يقول الفلاح المصري، من محافظة المنيا في صعيد مصر، لـلميادين نت، إن "قانون تأجير المستشفيات الحكومية، كارثة بكلّ المقاييس، لأنّ المستثمر الأجنبي سيقوم بتسعير الخدمة الصحية وفق أهوائه، إنه بمثابة حكم بإعدام الفقراء ومتلقّي العلاج المجاني".

استثمار سعودي إماراتي

من "القصر العيني" القديم إلى داخل مستشفى "القصر العيني" الجديد (الفرنساوي)، الذي يبعد بضع كيلومترات، يقول محمود معروف، الموظف في قسم الاستقبال، إن المستشفيات الحكومية ولا سيما التابعة لجامعة القاهرة تمّ بالفعل تأجيرها لمستثمرين سعوديين وإماراتيين، لافتاً إلى أن جهات أمنية تقوم باستلام مستشفى القصر العيني القديم بشكل جزئي، وتعيد النظر في أسعار التذاكر التي تمّ رفع قيمتها من جنيه واحد إلى 15 جنيهاً (ربع دولار).

ويضيف معروف للميادين نت: "فيما مضى كان المواطن يدخل مستشفيات الحكومة بتذكرة تنزع من الدفتر الحكومي بجنيه واحد، ويتمّ إجراء جميع الفحوصات الطبية اللازمة له بتلك التذكرة من دون دفع مبالغ إضافية، لكن الآن أصبحت التذكرة على هيئة فواتير فورية".

ووفق حديثه فإنّ مستشفى "ثابت ثابت" الحكوميّ تمّ بالفعل إخلاؤه من المرضى والطواقم الطبية والعاملين وجرى توزيعهم على مستشفيات حكومية أخرى، تمهيداً لتجديدها ومن ثمّ رفع أسعار الخدمة الصحية بشكل يفوق قدرات الفقراء".

نقابة الأطباء ترفض

ويواجه مشروع القانون اعتراضات كبيرة من جانب العاملين في القطاع الصحي ونقابة الأطباء، بينما دافعت الحكومة المصرية بأن القرار يشجّع الاستثمار في القطاع الصحي، ويوفّر خدمة عالية الجودة من دون أن يدفع المواطن أي مقابل.

وفي السياق، قال المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، حسام عبد الغفار، إن الوزارة "مستمرّة في تقديم أفضل خدمة صحية للمواطنين، بنسب يتمّ الاتفاق عليها، على أن تتحمّل الدولة سداد الفارق للمواطن، بين ما يدفعه في العلاج المجاني في هذه المستشفيات بعد التطوير وبين التسعير المحدّد من قبل المستثمر".

ويضيف عبد الغفار للميادين نت، أنّ المشروع يسمح بإشراك القطاع الأهلي مع الخاص بما يعني أن القطاع الخاص لن ينفرد بإدارة المستشفيات، كما يحمي المرضى والأطباء إذ ينصّ على أن 755 من الأطقم الطبية يحتفظون بحقوقهم المالية والأدبية كافة.

 في المقابل، قال نقيب الأطباء المصريين أسامة عبد الحي، إن القانون يتيح للمستثمرين  الجدد تحديد أسعار الخدمات، وإن الحكومة سمحت له بتقديم الخدمة من دون حدّ أقصى للتعرفة.

وبعد انتقال المستشفيات  للإدارات الأجنبية، سيُعتمد تسعير الخدمة المقدّمة على اتفاق بين الحكومة والمستثمرين، من دون رأي البرلمان أو الشعب، وفق حديثه للميادين نت.

وطالب عبد الحي الرئيس المصري بعدم التوقيع على القانون لأنه "يهدّد سلامة المواطن المصري وصحته واستقرار المنظومة الصحية ويمهّد لتسريح العاملين بالصحة والأطباء".

أما المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فتقول إن القانون، يعطّل تنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل، ويحوّل المنشآت الصحية المملوكة للدولة إلى كيانات هادفة للربح. كما يكرّس لانسحاب الدولة من علاج محدودي الدخل والفقراء ولا يكفل حقّ المصريين في الصحة.