بعد وعود "السلام مقابل الإزدهار".. ما الذي جنته مصر والأردن وفلسطين؟

"إسرائيل" تدخل في اتفاقات تطبيع جديدة مع دول عربية عدة وتقدم وعوداً كثيرة، ولكن ماذا جنت الدول التي وقعت "اتفاقات سلام" مع الاحتلال سابقاً؟

  • بعد وعود
    حققت "إسرائيل" من اتفاقيتي وادي عربية  وأوسلو الاعتراف بـ"شرعيتها" المفترضة.

لطالما اعتبرت الأنظمة العربية "إسرائيل" عدواً، ورفضت التطبيع معها. إلى أن انفردت مصر بتوقيع "معاهدة سلام" مع "إسرائيل" عام 1979، وما لبث الأردن أن لحق بها عام 1994 في اتفاقية وادي عربة.

لم تؤثر هاتان الاتفاقيتان على موقف الشعوب العربية ولم تنجح "إسرائيل" ومن خلفها الولايات المتحدة في فرض أو الوصول إلى أي اتفاق مع أنظمة عربية أخرى.

لكن فترة رئاسة ترامب حركت الماء الراكد في مسعى لإنقاذ نتنياهو تارة، والاستفادة من التطبيع في الداخل الأميركي وفي تشكيل تحالف ضد إيران، وإخراج العلاقات التي يحكى عنها منذ سنوات خلف الستائر إلى النور. فكانت الإمارات الأولى على خط تطبيع العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، ولاقت هرولة من مملكة البحرين التي حجزت مقعداً لها في قطار التطبيع، ليلحق بهم السودان، متذرعاً بالضغط الذي مورس عليه للخلاص من تهمة الإرهاب، ومن ثم المغرب.

تطبيع هذه الدول اليوم يطرح تساؤلات حول ما جنته الأنظمة التي طبعت علاقاتها من قبل، وخصوصاً وعود الاستثمار والازدهار الاقتصادي.

هنا نستذكر الترويج الذي رافق توقيع الاتفاقيات السابقة وما سيترتب عليها من ازدهار ومساعدات وتقدم تكنولوجي، وما كان يطلق عليه "حسنات السلام".

ولكن ماذا كانت النتائج في مصر والأردن وفلسطين.. على كل الأصعدة؟

كيف أثّر "أوسلو" على الفلسطينيين؟

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً لكل من "ديفيد هلبفنغر" و"إيزابيل كيرشنر"، يقولان فيه إنه "عندما تم توقيع اتفاقية أوسلو للسلام قبل ربع قرن اعتقد الفلسطينيون أنهم على موطئ قدم من دولة جديدة يعمها السلام والإستقلال، لكن لم يحصل شيئ مما توقعوه".

ويجد الكاتبان أن "المستقبل الباهر للفلسطينيين، الذي صورته أوسلو تحول إلى مصيدة أليمة بدلاً من ذلك.
كون السلطة الفلسطينية استمرت بالرغم من انهيار العملية السلمية"، هو بحد ذاته إشارة إلى مدى المكاسب التي حققتها "إسرائيل".

الجدير بالذكر أنه وبعد توقيع أوسلو، ازدادت الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، كما توسع الاستطيان الإسرائيلي على حساب الضفة الغربية أضعاف ما كان عليه قبل أوسلو، فأقيمت العديد من المستوطنات واقتطعت أجزاء من الضفة لبناء جدار الفصل العنصري، الذي تسبب بتقطيع الضفة إلى كونتونات منفصلة لا ترابط بينها ما يعرقل امكانية قيام دولة متصلة.

يشار إلى أن "مركز الدراسات المستقبلية وقياس الرأي" التابع لجامعة القدس المفتوحة نظم استطلاع رأي في عام 2016، خلص إلى أن غالبية الفلسطينيين يعتبرون أنّ "اتفاق أوسلو " أسسّ لفترة رديئة، ولم يقربّهم من بناء الدولة، وأن بدائل الشعب الفلسطيني تتراوح بين الثقة بالفصائل ومؤسسات المجتمع المدني في موازاة السلطة.

هل شُطبت ديون الأردن وتم احترام حقه في إدارة المقدسات؟

أما في الأردن، فإن معاهدة "وادي عربة" التي تعهدت فيها "إسرائيل" باحترام الدور الخاص للمملكة في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، لم يتم احترامها، فبحسب الكاتب والمحلل السياسي الأردني محمد جيوسي "صعّد الإسرائيليون من اعتداءاتهم وتدنيسهم للمقدسات الإسلامية والمسيحية والتحكم فيمن يدخل لأداء العبادات، بعد توقيع أوسلو ووادي عربة".

وتابع الكاتب في حديثه للميادين نت "بل إن الصهاينة حفروا الأنفاق تحت أساسات المسجد الأقصى وغيروا العديد من معالم المقدسات الإسلامية وعمدوا إلى استملاك عقارات الكنيسة الأرثوذكسية بطرق ملتوية".

اللافت بحسب الكاتب، أن "إسرئيل" حققت من اتفاقيتي وادي عربة وأوسلو الاعتراف بـ "شرعيتها" المفترضة وإقامة علاقات كاملة معها، ديبلوماسياً وتجارياً وأمنياً وسياحياً.

جيوسي أكد أن الأردن "لم يحصد شيئاً على الأرض"، موضحاً أن "وعد الرئيس الأميركي بيل كلينتون للملك الأردني الحسين بن طلال بتسديد ديون الأردن، لم ينفذ، وهي الديون التي لم تكن وقتها لتتجاوز عدد أصابع اليد من المليارات، وباتت اليوم تتجاوز 30 مليار دينار أردني أي أكثر من 42 مليار دولار".

وأضاف الكاتب أن "المعاهدة حظرت الدخول في أي ائتلاف أو تنظيم أو حلف ذي صفة عسكرية أو أمنية مع طرف ثالث أو مساعدته بأي طريقة من الطرق أو الترويج له أو التعاون معه إذا كانت أهدافه أو نشاطاته تتضمن شن عدوان أو أية أعمال أخرى من العداء العسكري، بما يتناقض مع مواد هذه المعاهدة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات ضرورية وفعالة لمنع أعمال الإرهاب والتخريب والعنف"، على حد قوله. 

كذلك أردف: "لكن إسرائيل خلافاً لنص هذه  المادة في المعاهدة المتضمنة لصالحها، دخلت في تحالفات عديدة مخالفةً جوهر النص، فقد ساندت العصابات الإرهابية في حربها ضد سوريا وشاركت في تنفيذ عمليات تخريبية واغتيالات لقيادات فلسطينية وعربية".

وبالنسبة لإنتهاكات "إسرائيل" المائية، أكد المحلل أن "الاحتلال قام بضخ مياه ملوثة للأردن، فضلاً عن تلويث مياه نهر الأردن بمياه المزارع السمكية وغيرها، ويقوم سنوياً بحرق المزارع الأردنية الحدودية وبالتالي تصحير الأراضي الزراعية وتخريب منظومات الري الأردنية".

وهنا يلفت الكاتب إلى أنه بلغ الحد ببعض قادة "إسرائيل" تهديد الأردن بتعطيشه، مشيراً إلى أن "المادة السادسة من المعاهدة، منحت "إسرائيل" حق الاستفادة من المياه الجوفية لوادي عربة إلى جانب مياه نهري الأردن واليرموك، وتقوم بحفر آبار مخالفة في وادي عربة وسرقة المياه من حوض الديسي خلافاً لأي اتفاق.

​كامب دايفيد: التزام مصري وانتهاك إسرائيلي 

ضمت اتفاقية "كامب ديفيد" ضماناً لكل من مصر و"إسرائيل" بالأمن والسلام، مع تطبيع العلاقات بينهما، بالإضافة لبنود تدير العلاقات الحدودية، ومنها تحديد المناطق المسلحة في سيناء، و عديد الضباط و العناصر المسموح تواجدهم في كل منطقة وتحديد عدد ونوع الآليات.

مع مرور الزمن وفي السنوات الـ 20 الماضية، خرقت "إسرائيل" معاهدة كامب ديفيد بعد سلسلة من الاعتداءات على مواطنيين مصريين وضباط وجنود من الجيش المصري تحت حجة "الاشتباه بتسلل" تارة أو بانتماء الضحايا إلى مجموعات إرهابية تارة اخرى، مع العلم أن الاتفاقية تنص على "وجود ألفي جندي من القوات المتعددة الجنسيات المولجة بحفظ الأمن و حل النزاعات بين الطرفين". 

كما أن بعض المحللين و الناشطين الحقوقيين المصريين يتهمون الاحتلال الإسرائيلي بالتغاضي عن تنفيذ بعض البنود، حيث يتهمون الجانب الإسرائيلي بعدم إعادة الأموال المنهوبة التي سرقتها "إسرائيل" من استخراج النفط في سيناء إبان الاحتلال طيلة 6 سنوات.

كذلك، تقدمت المحكمة العليا في مصر بالادعاء على الحكومة الإسرائيلية لتقاعسها عن محاكمة مجرمي الحرب لقتلهم أسرى من الجيش المصري خلال معارك 6 أكتوبر والتعويض لعائلاتهم عن الخسارة.

وهنا لا بد أن نذكر أنه وبعد تولي أنور السادات الحُكم في 1970، ارتفع الدين الخارجي لمصر إلى 2.6 مليار دولار بسبب خوض حرب أكتوبر، وبعد ذلك بسنوات تضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر من 8 أضعاف.

أنظمة عربية عدة، وبعد سنوات من التطبيع السري مع الاحتلال الإسرائيلي، تسير في ركب التطبيع العلني، برعاية كاملة من الولايات المتحدة الأميركية.

اخترنا لك